ما هي الإيجابية السامة التي يمارسها بعض المدراء وكيف تحمي نفسك منهم؟

5 دقيقة
السعادة والإيجابية
فريق هارفارد بزنس ريفيو؛ ذا برتونز/غيتي إميدجيز

قال نائب الرئيس في اجتماع فريق العمل بحماس: "دعونا نضف مليون دولار أخرى إلى التوقعات هذا العام"، ثم وقف وصاح قائلاً، وهو يصفق بيديه: "يمكننا أن نفعل ذلك! أنا أثق بكم جميعاً! دعونا نحقق ذلك!". وبينما كان يتجول في قاعة المؤتمرات، كان يربت على ظهورهم تارة، ويحييهم بحرارة تارة أخرى.

تبادلت أنا وزميلي نظرات الاستغراب. لقد أخبرنا رئيس سلسلة التوريد للتو بأن منتجنا الجديد يُباع على نحو أسرع مما نستطيع إنتاجه، وأن إحدى منشآتنا لم تعد قادرة على إنتاج هذا المنتج على الإطلاق. كان نائب الرئيس يعلم ذلك كله، مع ذلك أجبرنا على إضافة مليون دولار إلى التوقعات. في الواقع، لا يمكن لأي قدر من التفكير الإيجابي أو المشاعر الطيبة أو التصميم أن يساعدنا على تحقيق هذا الهدف الجديد للتوقعات.

هذا مجرد مثال واحد من أمثلة عديدة على العمل تحت إشراف قائد لم يكن متفائلاً فحسب، بل كان غارقاً في الإيجابية السامة.

بالطبع، السعادة والإيجابية في العمل مفيدتان للجميع؛ للموظفين والمؤسسات على حد سواء. إذ أظهرت دراسة موسّعة أجرتها كلية سعيد للأعمال أن الموظفين السعداء أكثر إنتاجية بنسبة 13%. ووفقاً لمؤلف كتاب "ميزة السعادة" (The Happiness Advantage)، شون آكور، يمكن أن تؤدي الإيجابية في مكان العمل، التي تستند إلى الامتنان والتقدير، إلى تعزيز الإبداع 3 مرات، وتقليل أعراض الإعياء بنسبة 23%، وزيادة المبيعات بنسبة 37%. وأخيراً، تشير شركة بيتر أب (Better Up)، التي تُعد من أكبر الشركات الناشئة في مجال الصحة النفسية والتدريب المهني، إلى أن العقلية الإيجابية يمكن أن تعزز مهارات القيادة لدى الأشخاص وتحسّن قدرتهم على حل المشكلات والتكيف مع التغيير.

ولكن ماذا لو أساء مديرك استخدام الإيجابية؟

لقد رأيت مراراً وتكراراً طوال مسيرتي المهنية قادة يمارسون الإيجابية السامة. بغض النظر عن مدى صعوبة الموقف أو توتره، أو مدى صعوبة الظروف، يقنع هؤلاء المدراء أنفسهم بأن مجرد إظهار السعادة أو التفكير بإيجابية سيغير النتيجة، ثم ينشرون هذه الإيجابية السامة بين فِرقهم. وبذلك يضعون المسؤولية على عاتق الأفراد لمحاولة البقاء والمثابرة في بيئات محطمة ومختلة، دون معالجة الأسباب الجذرية التي تقف وراء ذلك.

كيف تميز بين المدير المتفائل الذي يفكر بإيجابية ويدرب فريقه ويشجعه، والمدير الذي يمارس "الإيجابية السامة"؟ فيما يلي 3 علامات تحذيرية يجب الانتباه إليها.

يحيطون أنفسهم بالمؤيدين

كان مدير المبيعات الذي عملت معه سابقاً يقول دائماً: "لن نقبل بالرفض أبداً. الرفض ليس خياراً". لقد أحاط نفسه بأشخاص مؤيدين لا يتحدون توصياته أو توجيهاته التي تبدو غير منطقية ولا يشككون بها. خلال فترة عملي معهم، كان هذا الفريق يبالغ دائماً في الوعود ولا يفي بها. نقل مدير المبيعات هذه الإيجابية السامة إلى فريقه؛ فآمنوا بأن بمقدورهم تحقيق أي هدف حتى لو واجهوا عقبات حقيقية في العمل، لكنهم في الحقيقة كانوا يخدعون أنفسهم ويعيشون في حالة إنكار للواقع.

في المناسبات النادرة التي تحداه فيها الآخرون، كان يلجأ إلى الاستعارات العسكرية من قبيل "لم ينسحب أعظم الجنرالات قط من ساحة المعركة. لن نغادر الميدان". كان دائماً إيجابياً ومبتسماً ومتفائلاً عند نقل هذه الرسائل المتكررة، ما جعل الكثيرين يتساءلون عما إذا كان هذا السلوك ضاراً بالفعل لأنه لم يكن يلجأ إلى الصراخ أو السلوك العدواني.

تتفق مؤسِّسة شركة غريب فروت بيوتي كوليكتيف (Grapefruit Beauty Collective)، سونالي باي، مع هذا الرأي قائلة: "بصفتك قائداً، يجب أن توازن التفاؤل ببعض الواقعية"، وتتابع قائلة:

"هدفي هو تحفيز فريقي على السعي لتحقيق إنجازات تتجاوز توقعاتنا الأولية. ولكن في الوقت نفسه، إذا واجهتنا عقبات حقيقية، مثل تأخر شحنة لأحد العملاء في الجمارك أو عدم قدرتنا على إنتاج كمية كافية من ابتكار جديد أو مرض أحد أفراد الفريق الموهوبين ولم يعد بإمكانه المشاركة في جلسة التصوير، فإن الكلمات الإيجابية الجاهزة لن تُفيد. يجب أن أقف مع فريقي لنعمل معاً لحل المشاكل وإصلاح هذا الوضع".

وتقول باي إن القائد المتفائل يتميز بتوازنه بين التفكير الإيجابي والتفكير الواقعي، فهو منفتح على الاستماع إلى الصعوبات التي تواجه الفريق ومستعد لحل المشاكل معه وتغيير المسار عند الضرورة، كما يتقبل الرفض ويقرّ بأن الفشل وارد. بمجرد أن يقبل القادة الفشل، يمكنهم إعادة تقييم ما يجب فعله بطريقة مختلفة في المرة القادمة.

يبالغ في المديح

قد يلجأ القائد الذي يمارس "الإيجابية السامة" إلى المديح والإطراء والمبالغة فيهما أسلوباً للتلاعب، فيستغل رغبة موظفيه في إرضائه وسعيهم للنجاح، فيمطرهم بالمديح ليفعلوا ما يريده منهم حتى لو كانت المهمة مستحيلة أو تتطلب تضحيات جسدية أو عاطفية.

لقد لاحظتُ خطورة هذه الممارسة خصوصاً في الأسواق التي تشهد تسريحات للعاملين وتقليص حجم الشركات وتخفيضات في الميزانية. غالباً ما يتجنب القادة اتخاذ قرارات صعبة بشأن الأعمال التي يجب إيقافها والمهام التي يجب أن تستمر، وقد يشجعون الموظفين على بذل المزيد من الجهد بموارد أقل. قد تبدو الإيجابية السامة للوهلة الأولى عاملاً محفزاً، لكنها قد تؤدي تدريجياً إلى تآكل معنويات الفريق وإنتاجيته، خاصة إذا كان هناك شعور دائم بالإلحاح.

كن حذراً من عبارات مثل:

  • "أنت الشخص الوحيد القادر على إنجاز هذه المهمة، لأنك تتمتع بخبرة كبيرة جداً في هذا المجال. لا يمكنني الاستغناء عنك في هذا المشروع أبداً".
  • "أدرك أن عدد أفراد الفريق أصبح نصف ما كان عليه، لكنك قوي بما فيه الكفاية لتحمل هذا العمل. أنا أؤمن بك!"
  • "أنتِ بطلة خارقة! أنا معجب جداً بطريقة تعاملكِ مع المهام والتوفيق بينها. لا أعرف كيف تنجزين هذه المهام كلها، ونحن محظوظون جداً بوجودك في الفريق لحل مشكلة العميل المُلحة هذه".
  • "لم أقابل أي شخص يفكر بسرعة مثلك! أنا لست قلقاً على الإطلاق بشأن طرح هذا المنتج تحت قيادتك".
  • أنا على ثقة من أن بمقدورك مع بعض الجهد الإضافي والمثابرة إنجاز هذه المهمة في غضون أسبوعين. أنت دائماً ما تجد طريقة لتجاوز التحديات. لم تخذلني أنا أو الفريق قط!".

تبدو هذه العبارات غير مؤذية ومجرد مجاملة بحد ذاتها، لكن يمكن للقادة أن يستغلوا هذا النوع من الملاحظات الإيجابية للتلاعب بأعضاء فرقهم لتشجيعهم على الانخراط بمهام مستحيلة. أما القائد الداعم الذي يدرب فعلياً فريقه ويوجهه، فسوف يقدم ملاحظات مستمرة تتضمن مواطن القوة والمجالات التي تحتاج إلى تحسين.

يتوقع هؤلاء القادة من الأشخاص أن يكونوا سعداء بغض النظر عن الظروف

كان أحد مدرائي السابقين كثيراً ما يردد عبارات مثل: "لماذا لا تبتسمين؟ ما الخطب؟ ابتهجي!" مشيراً إلى فمه وهو يصنع إيماءة بيده تطلب مني الابتسام.

في معظم الأوقات التي كنت أتلقى فيها هذه التعليقات، لم يحدث أي شيء خارجاً عن المألوف. كنت ببساطة أجلس إلى مكتبي، منهمكة في عملي بتركيز وجدّ. لكنه كان يرغب أن يرى فريقه مبتسماً تظهر على وجوههم السعادة في معظم الأوقات، بغض النظر عن الظروف.

تقول مؤلفة كتاب "افعل ذلك يومياً" (Do this Daily) ومؤسِّسة برنامج كوميونيتي أوف سيفين (Community of SEVEN) لتطوير المهارات القيادية، لان فان: "لا يمكن للقادة أن يتوقعوا من فِرقهم إظهار السعادة عند الطلب، على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، فقط لتعزيز ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم القيادية". وتُوضح فان أننا بمطالبتنا أعضاء الفريق بالابتسام دون مراعاة مشاعرهم إنما نتجاهل معاناتهم ولا نقدّر المشاعر السلبية التي يمرون بها في العمل أو المنزل.

في أوقات عدم اليقين الاقتصادي، يمكن أن يشعر الموظفون بالإحباط بسبب تسريح العاملين وتجميد عمليات التوظيف وعملية إعادة الهيكلة وتخفيضات الميزانية والاستقالات وعدم تحقيق أهداف الإيرادات. وقد يشعرون أيضاً بالضغوط بسبب ارتفاع تكاليف رعاية الأطفال والكوارث الطبيعية التي تؤثر على مجتمعاتهم ومسؤولية رعاية أحد أفراد الأسرة المسنين والصراعات العالمية المستمرة واقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية. لذلك ليس من المعقول أن يتوقع القادة من الموظفين إظهار الامتنان والفرح في العمل دائماً.

وتحذّر فان من أن الضغوط التي يتعرض لها الموظف للتظاهر بالسعادة وإخفاء مشاعره الحقيقية يمكن أن تؤدي إلى الاحتراق الوظيفي. وأخبرتني: "قد يخشى أيضاً من أن يُوصم بأنه مثيرٌ للمشاكل أو محرّض أو معارض إذا عبّر عن مشاعره أو مخاوفه الحقيقية، ونتيجة لذلك، يكبت مشاعره ويشعر في الوقت نفسه بأنه يخذل الكثير من زملائه".

يعترف القادة الفعّالون بمشاعر أعضاء فرقهم بدلاً من تعزيز الإيجابية السامة، فيتجنبون عبارات مثل: "يمكن أن يكون الأمر أسوأ" و"يحدث كل شيء لسبب" و"انظر إلى الجانب المشرق"، وبدلاً من ذلك، يستمعون بفعالية ويقدمون المساعدة والدعم. يمكن أن يقول القائد مثلاً: "من المؤسف حدوث ذلك. كيف يمكنني مساعدتك؟ هل ثمة أي شيء يمكنني فعله لدعمك في العمل؟".

قد يكون من الصعب الدفاع عن نفسك إذا وجدت نفسك تعمل تحت إشراف مدير يمارس الإيجابية السامة، فقد لا يقبل وجهة نظرك. ابدأ بوضع حدود لنفسك واطلب الدعم من زملائك. قارن الأهداف التي يضعها مديرك بالإمكانات المتاحة حالياً في العمل كي تكون واقعياً مع نفسك بشأن ما يمكنك وما لا يمكنك فعله، بغض النظر عما يطلبه منك، لتتجنب الاحتراق الوظيفي. أخيراً، ليكن العمل تحت إشراف قائد يمارس الإيجابية السامة درساً مفيداً لك حول الحفاظ على التفاؤل مع البقاء واقعياً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي