لا تدع الإحباط يجبرك على التفوّه بالأشياء الخاطئة

3 دقيقة
آثار الإحباط

لنفترض أن أحد زملائك الذين واجهتك مصاعب معهم سابقاً يرميك بتعليق مزعج خلال أحد الاجتماعات. ربما كان التعليق ينطوي ضمنياً على شيء من الازدراء، ولا يشكل إهانة صريحة، لكن في بيئة منعزلة كبيئة المكتب، وحتى في بيئة أكثر عزلة مثل بيئة الاجتماع، تعليقٌ واحد مزعج كفيل بأن يُظهر آثار الإحباط، وأن يدوّي مثل كرة المضرب التي ألقيت على كرة زجاجية أي أن هذا التعليق المزعج كفيل بأن يدفعك إلى ارتكاب الأخطاء.

قد يصعب عليك عندما تشعر بأنك قد تلقيت صفعة من التعليقات المحبطة، ألا تردّ الصفعة بمثلها. ليس من المعيب ألا ترغب في رد الصاع صاعين. ولكن يوجد دائماً لحظة يبدو فيها أن هناك فجوة بين ما "تريد" قوله وما تعرف بأن من الأفضل أن تقوله (وفي أحيان كثيرة قد يكون الأفضل ألا تتفوه بكلمة واحدة حتى). وبالتالي، فإن إيجاد تلك الفجوة –واختيار ما يجب فعله باستثناء ردّ الصاع صاعين– يحتاج إلى شيء من الانتباه والوعي.

كيف يمكنك ممارسة الوعي والانتباه أثناء الأوضاع المتوترة أو المحبطة؟

لا شك أنك رأيت الكثير من الصور لرجال وسيدات أعمال يرتدون ثياباً أنيقة للغاية ويمارسون التأمل أثناء جلوسهم إلى مكاتبهم، في حين تبدو على محياهم تعابير الطمأنينة ومسحة من الإيمان القوي. انسَ أمر هؤلاء الناس. فممارسة الوعي والانتباه لا تحتاج إلى طريقة نقية جداً تتطلب منك أن تقلب حياتك رأساً على عقب (أو أن تمارس سلوكيات قد تجعل زملاءك يعتقدون بأنك شخص ممسوس). بل إن ممارسة الوعي والانتباه تعني بأن ذهنك واعٍ وصاحٍ ومدرك لما حوله، ويعرف ذلك. إنها أيضاً عادة يمكن لأي أحد تعلّمها، وهذا الأمر يجعلها طريقة مناسبة تماماً للاستعمال في أي وضع يكون امتلاك خيارات عدة فيه مفيداً.

في تلك اللحظات التي تكون فيها عالقاً في أوضاع متوترة، قد تشعر بإرباك وبحرارة في رأسك الذي يضج بالأصوات، تماماً مثل الحشود التي تتجمهر في مسرح الجريمة في الشارع. فـ "الجريمة" – أو التعليق المزعج الذي ألقاه زميلك – هو المصدر الأساسي للتوتر، لكن هناك أيضاً عشرات التوترات الصغيرة المحيطة به، وهي توترات قد لا تمت بأي صلة للأذى المتخيل. فقد تشمل حالات التوتر تلك عضلاتك المشدودة جراء التمارين الرياضية التي مارستها، أو انتشار القمل في مدرسة أولادك، أو الشكوك التي تساورك بأن الميكانيكي سوف يخبرك بأن بطارية سيارتك تعطلت بالكامل وهي بحاجة إلى استبدال. وكلما أجهدت نفسك في محاولة تحريك هذه المجموعة الصاخبة من التوترات التي تشبه "المتفرجين الذين يقفون في مسرح الجريمة" (وكأنك تقول لهم "ليس هناك ما يستحق المشاهدة هنا!")، قل احتمال رغبتهم بالتفرق.

لكن بفضل جميع البرامج التلفزيونية البوليسية التي عرضت عن الجرائم، نحن نعلم ما الذي ينبغي فعله في هذه الحالة: أن نوجه الأسئلة إلى كل المتفرجين الواقفين في مسرح الجريمة واحداً تلو الآخر. حاول أن تفصل بين الأفكار، والمشاعر، والعواطف التي تعتمل في رأسك، بحيث تفقد قدرتها على التكاتف ضدك. حاول أن تدرك احتياجاتها بطريقة واعية ولطيفة. دعها تقول ما عندها لتفرغ الطاقات المتوترة التي تسببها لك بشكل عام.

بعد ترك المجال للتوترات المتفرجة لتقول ما لديها، سنكون أقدر على النظر إلى الجريمة التي نعتقد بأنها اقترِفت. وعندما نفعل ذلك، سنكتشف أحياناً أنه ليس هناك من جثة حتى، وإنما مجرد خط مرسوم بالطبشور الأبيض على الأرض يشبه شكل جسم الإنسان، وذكرى جريمة. وعندما ترى ملاحظة زميلك المزعجة على حقيقتها، خالية من أي توترات، فإنها قد تفقد الأثر الذي تركته لحظة تفوهه بها.

وإليك كيفية استعادة السيطرة الحقيقية. قد لا تكون سيطرتك هي السيطرة التي "كنت تعتقد" بأنك تريدها –مثل هزيمة عدوك من خلال رد يأتي في التوقيت المناسب– لكنها السيطرة التي تستطيع فعل شيء إيجابي حيالها. إنها السيطرة التي تتحكم بنيران التوتر المستعرة. قد ينقصك خيار إخماد لهيبها بالكامل، لكن لديك خيار انتقاء عدم إذكاء هذه النيران الملتهبة. فإذا ما أذكيت هذه النار، فإنها قد تنتشر وتستحكم، وبالتالي ستتبخر أي سيطرة ربما كنت تملكها. وإذا تركت اللهيب يخمد، فإنك بذلك تعاود شراء الوقت والطاقة اللذين كنت ستضطر إلى تبديدهما لاحقاً في مسعى منك للتعامل مع النيران التي واصلت استعارها بكامل قوتها.

ينمّ هذا النوع من التصرفات البسيطة عن كرم وبراعة وهو يساعدك في تطوير إحساس أكبر بالثقة بقدراتك. وكلما تمرنت على ممارسة هذا الأمر أكثر، أصبح أسهل، وتحول في نهاية المطاف إلى طريقتك المعتادة في التجاوب.

إذا كنت تريد كسب المزيد من السيطرة على ردود أفعالك والتخلص من آثار الإحباط، فإن الطريقة الفضلى لفعل ذلك هي البدء بممارسة التأمل بشكل رسمي. ولا يلزم فعل ذلك بطريقة تؤدي إلى زعزعة حياتك، ولكن يمكنك محاولة التأمل لمدة ثلاث دقائق يومياً، لثلاثة أيام في الأسبوع، لترى هل ستحبه أم لا. أنظر لترَ ما لاحظت. كيف تتفاعل مع حياتك وكيف أصبحت علاقتك بها؟ هذا جوهر ما يمكن لهذه الممارسة تقديمه: طريقة أعقل، وألطف وأمهر للتفاعل، تكون لصالحك أنت ولصالح زملائك في الفريق، وذلك من أجل خلق بيئة عمل خالية من الإحباط وما ينجم عنه من أقوال خاطئة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي