هل يمكن لنظام الإجازات العائلية الأميركية أن يدفعك للنجاح؟ عندما أنجبت ابنتي منذ أكثر من عام، كنت أعمل آنذاك لدى الحكومة الأميركية التي لا توفر إجازات والدية لموظفيها، لذلك تمكنت من جمع أيام الإجازات المستحقة، بين العطل السنوية والإجازات المرضية مع الإجازات غير مدفوعة الأجر لمدة أربعة أشهر. وعلى الرغم من ذلك، إلا أنني لم أكن مستعدة من الناحية الجسدية أو العاطفية للعودة إلى العمل، حتى اقترب عمر ابنتي من السبعة أشهر؛ لقد كانت تجلس وتتفقد الألعاب الجديدة وتأكل الطعام المهروس وتستعد للتحرّك والدوران في غرفة الرعاية المخصصة لها.
كنت أعتقد أنه قد حان الوقت لكي تنضم الولايات المتحدة إلى بقية العالم المتقدم في تقديم الإجازة الوالدية المدفوعة للعاملين لديها. وعندما أدرك السياسيون من كلا الحزبين أخيراً أنّ النظام الحالي يضع الآباء الأميركيين في وضع صعب، لم يقدّم أيّ منهم ما كنت أراه مناسباً؛ وهو ستة أشهر من الإجازة مدفوعة الأجر لكل من الأبوين. (علماً أنها المدة الموصى بها أيضاً من قبل رئيس الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال). من جانب آخر، من المتوقع أن يحقق قانون إجازة الأسرة والتأمين الطبي (FAMILY) خطوة كبيرة إلى الأمام، وهو مشروع القانون الذي تمّ اقتراحه في شباط/فبراير الماضي بدعم رئيسي من السيناتور الديمقراطية عن ولاية نيويورك كيرستن جيليبراند.
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: أهمية توازن ميزان المدفوعات
وبموجب مشروع القانون الجديد الخاص بنظام الإجازات العائلية الأميركية تحديداً، سيتمّ إنشاء مكتب جديد داخل إدارة الضمان الاجتماعي لإدارة برنامج الإجازات مدفوعة الأجر على أن يكون مموّلاً من ضرائب جديدة على الرواتب، والذي سيغطي جميع متطلبات الرعاية المتعلقة بالأسرة لمدة تصل إلى اثني عشر أسبوعاً، وبالتالي يُمكن لجميع العاملين المساهمين في البرنامج الاستفادة منه في نهاية المطاف. ففي هذه الأيام هناك أكثر من ثلاثة وأربعين مليون أميركي يؤمّنون رعاية غير مدفوعة الأجر لوالديهم المسنّين وأزواجهم المرضى وأطفالهم الجدد وغيرهم ممن يحبون، وغالباً على حساب مصاريفهم المنزلية. والجدير بالذِكر أيضاً أنّ خيارات تشريعية أخرى تم طرحها على طاولة البحث، فمن خلال الجهود المبذولة من أجل الإصلاح الضريبي خلال العام الماضي، أُدرج اعتماد ضريبي لأرباب العمل الذين يقدمون إجازة أسرية مدفوعة الأجر لمدة أسبوعين على الأقل، الذي قدّمه في البداية السيناتور الجمهوري عن ولاية نبراسكا ديب فيشر، لكنّ هذه المدة لا تغطي حتى وقت التعافي البدني بعد الولادة، إضافة إلى الضغط النفسي والعاطفي لرعاية مولود جديد يبلغ عمره بضعة أسابيع. ولأنّ هذا البرنامج يعد نهجاً تحفيزياً كنهج "العصا والجزرة"، كما يصفه السيناتور، وليس برنامج يمكن لجميع العائلات الاعتماد عليه، فإنّ هذا الاقتراح لا يعدّ كافياً.
وإنّ التشريع الذي قدّمه السيناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو في الثاني من آب/أغسطس لا يكفي أيضاً، فقد كان يستند إلى سياسة وضعها منتدى النساء المستقلات (IWF)، وهو عبارة عن مؤسسة بحثية، حيث يسمح مشروع القانون للآباء الجدد فقط بسحب استحقاقات الضمان الاجتماعي في وقت مبكر، وتأجيل استحقاقاتهما التقاعدية وفقاً لذلك، ولا يتناول هذا المقترح أيضاً أنواعاً أخرى من تقديم الرعاية المتعلقة بالأسرة.
تأثير نظام الإجازات العائلية الأميركية
يقول مؤيدو المشروع إنّ برنامجهم سيكون طوعي وبلا تأثير على الميزانية، ما يمنح الأفراد خيار المشاركة دون إضافة عبء على عاتق أصحاب العمل والذين ليس لديهم أطفال. ويشير المؤيدون إلى أنّ مشروع القانون الجديد سيوفر خياراً للعديد من الأسر التي تفتقر حالياً إلى أي خيار، إذ إنّه لن يُجبر أي شخص على دفع ضريبة، ولن يتسبب في نمو حكومي غير مرغوب فيه، ولن يفرض ولاية تنظيمية على أصحاب العمل. وأوضح المؤيّدون أنّه في حال تأخير سنّ تقاعد العامل - ربما لمدة عامين على سبيل المثال، إذا كان لدى الآباء عدداً من الأطفال - فسيكون هذا الأمر بمثابة مفاضلة يمكن أن ينتفع منه الفرد هو وأسرته.
لكن هناك نقطة لا يدركها البعض، وتتمثل بأنه عندما يفتقر الآباء العاملون إلى الدعم، سيعاني الاقتصاد والمجتمع الأميركي من عواقب سلبية نتيجة لذلك، وسنتحمّل نحن الأميركيون هذا العبء، سواء كان لدينا أطفال أم لا. إذ لا ينبغي لنا أن نطلب من الناس أن يساوموا على ضمانهم المالي في وقت لاحق من الحياة من أجل رعاية أطفالهم اليوم.
كما أنّ الاقتراض من استحقاقات التقاعد المستقبلية لا يعدّ صفقة مالية جيدة لأي شخص، بل يُضر العاملين الفقراء على وجه التحديد. وفي هذا الصدد، تقول ميليسا فافرولت، الباحثة بالمعهد الحضري، والتي قامت بإعداد نماذج ماليّة لاقتراح الضمان الاجتماعي: "فعلياً، إنه قرض صغير جداً من بضعة آلاف من الدولارات، مقارنة بما سيدفع عليه الفرد من فائدة قد تصل مدتها إلى 40 عاماً أو أكثر".
وعندما سألت فافرولت عن أي نوع من الأشخاص الذين قد يتّخذون مثل هذا الخيار؟ أجابتني قائلة: "قد يكون شخصاً يائساً، ليس لديه أي مدخرات، ولا عائلة غنية، أو زوج ثري. وأنّ الشخص الذي سيلجأ إلى هذا الخيار هو الذي لا يملك الكثير من البدائل". فإن هذا المقترح يلقي المسؤولية على الفرد من الآباء للاقتراض من استحقاقات الضمان الاجتماعي المستقبلية من أجل الحصول على دعم مالي في المدى القريب، ولذلك نقول للآباء الجدد إنهم سيتحملون مسؤولية رعاية ذويهم وحدهم ولن يساعدهم أحد.
من جهتها، تشير لورين سميث برودي، مؤلفة كتاب "الفصل الخامس" (The Fifth Trimester) إلى أن السياسات تضع المعايير الثقافية، وقالت لي: "نحن نقول إنه خطأك، وعليك أن تدفع ثمن الخيار الذي انتقيته بأن تكون شخصاً عاملاً ولديك طفلاً أيضاً". وأضافت: "لكن سواء كان لديك أطفال أم لا، فقد كنت طفلاً ذات مرة، وانتفعت من والديّك والوضع الاقتصادي الذي كنت تعيش فيه".
إذاً، نحن نخسر الإمكانات الاقتصادية الكاملة لكثير من السكان لأنّ الدولة لم تستطع إدراك كيفية دعم الأسر العاملة حتى الآن. وهذا الأمر يُضر النساء بشكل أكبر، حيث أنهنّ يتحملن عبء تقديم الرعاية للأسرة. لكن لهذا الوضع تأثير أوسع كذلك، حيث وجد الباحثون أنّ مِن شأن الإجازة العائلية مدفوعة الأجر أن تزيد عدد الساعات التي تعمل فيها الأمهات الجديدات، فعندما يبقى المزيد من النساء على رأس عملهن خلال سنوات الإنجاب، سترتفع أجورهن ويزداد دخل الأسرة، ومن المرجح أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي أيضاً.
لقد توصلت إحدى الدراسات الحديثة إلى أنه إذا زادت مشاركة المرأة الأميركية العاملة بنفس الوتيرة التي حققتها الدول المتقدمة الأخرى مثل النرويج، فإن اقتصادنا سيزداد 1.6 تريليون دولار. كما يمكن لسياسات الإجازة العائلية العادلة التي تشجع مشاركة الذكور في تقديم الرعاية أن تعالج هذه المشكلة، فلا يمكننا تحمل مشكلة أكبر في المستقبل.
إذاً، هذه فرصة للقيام بما هو صحيح ومناسب لعائلاتنا، بمن فيهم أولئك الأكثر عرضة للخطر، مثل: أطفالنا وكبار السن وأفراد عائلاتنا المرضى أو ذوي الاحتياجات الخاصة وجيراننا. لقد حان الوقت للولايات المتحدة أن تقرر ما إذا كانت تقيّم العائلات على أنها وحدة جماعية وليست كفرد، فإذا كان الأمر كذلك، يجب على المشرّعيين إنشاء سياسات جديدة من شأنها أن تعكس تلك القيم.