كيف يبدو الإبداع في التسويق هذه الأيام؟

6 دقائق
الإبداع في التسويق

ما الذي يجعل التسويق إبداعياً؟ هل المزيد من الخيال أم الابتكار؟ هل المسوق المبدع أقرب إلى فنان أم إلى رائد أعمال؟

تاريخياً، رُبط مصطلح "التسويق المبدع" بالكلمات والصور الداخلة في الحملات الإعلانية. إلا أنّه بات التسويق في أيامنا هذه، حاله حال وظائف الشركات الأُخرى، أكثر تعقيداً وصرامة، إذ غدا على المسوقين إتقان تحليل البيانات وتجربة العملاء وتصميم المنتجات للقيام بحملة تسويق ناجحة. ولكن يغدو السؤال: هل تتطلب هذه الأدوار المتغيرة طريقة جديدة للتفكير بشأن الإبداع في التسويق؟

بهدف الإجابة عن هذه السؤال، أجرينا مقابلات مع كبار المدراء التنفيذيين في مجال التسويق ممن يعملون لدى أفضل الشركات، وطلبنا منهم أمثلة عن الإبداع في مجال التسويق تتجاوز الحملات الإعلانية التقليدية، وتقدم قيمة ملموسة للنشاط التجاري للشركة. فتساعد قصصهم والاتجاهات الخمسة الأوسع التي تعكسها هذه القصص على توضيح ما يعنيه أن تكون مسوقاً مبدعاً اليوم.

1- ابدأ العملية الإبداعية مع العملاء، لا من أجلهم

يُحب الجميع إنشاء حملة تسويقية "تتمحور حول العملاء"، إلا أنّ هذا المصطلح يعني في كثير من الأحيان إنشاء حملة تسويقية تستهدف الجمهور بشكل أفضل. لكن، لم يعد عملاء اليوم كما كانوا عليه في الماضي، إذ باتوا مبدعين ومطورين للأفكار وللمحتوى ويواجهون حتى ذات التحديات التي تواجهها أيضاً. لذلك، يتطلب الإبداع في التسويق العمل مع العملاء من البداية لربط خبراتهم مع جهودك من أجل توسعة نطاق وصول شركتك.

على سبيل المثال، قضى فريق التسويق في "إنتويت" (Intuit) وقتاً مع "العاملين المستقلين"، حيث استقروا معهم في منازلهم ومكاتبهم لمعرفة كيف يفكر ويتصرف عملائهم. بعد فترة، وجد الفريق أنّ أهم نقطة لدى هؤلاء كانت تتمثل في رغبتهم  بوجود طريقة يمكنهم فيها تتبع المسافة التي يقطعونها بالسيارة لأسباب تتعلق بالضرائب. وقامت "إنتويت"، بناء على هذه الفكرة، بإضافة ميزة جديدة إلى تطبيقها تجمع بين بيانات الموقع وخرائط "جوجل" والروزنامة الخاصة بالمستخدم لتتبع الكيلومترات التي يقطعها تلقائياً، وتُقدم مخططاً مبسطاً للمسافات التي قطعها من أجل المخطط الضريبي له في نهاية العام.

أنشأت "بروكيد" (Brocade)، وهي مزود بيانات وحلول شبكات، برنامج "العميل أولاً" وفيه عملت مع أفضل 200 عميل لديها ممن تشكل تعاملاتهم 80% من مصادر دخلها على فهم ما يعجبهم في تعاملهم مع الشركة، وتحديد مجالات القوة والضعف في منتجاتها وخدماتها. بعد ذلك، عملت مع فرق المبيعات لمعرفة ما يرونه ناجحاً في باقات منتجات وخدمات الشركة وما ليس كذلك، ثم عملت على استخلاص نتائج مما سبق. لاحقاً، تواصلت "بروكيد" مع نفس العملاء لمعرفة فيما إذا كانت التحسينات التي قدمتها حققت الأهداف المنشودة منها. وكانت النتائج رائعة، حيث ارتفع مؤشر "بروكيد" لصافي الأرباح من 50 (والتي هي بالفعل علامة ممتازة جداً ضمن فئتها) إلى 62 (إحدى أعلى العلامات في تاريخ السجل ضمن مجال التعاون بين الشركات (B2B).)، وذلك خلال فترة 18 شهراً.

2- الاستثمار في تجربة المستهلك من الألف إلى الياء

يعتقد كل مسوق أنّ تجربة العميل مهمة، لكن يركز معظمهم على الأجزاء الواقعة تحت سيطرتهم المباشرة. من ناحية ثانية، يُلقي المسوقون المبدعون نظرة أوسع ويولون اهتماماً أكبر بتجربة العملاء من الألف إلى الياء والتي تشمل المنتج، وعملية الشراء، والقدرة على تقديم الدعم والعلاقات مع العملاء. ويتطلب هذا وقتاً وموارداً، كما يتطلب أيضاً وضع التفكير الإبداعي في مواضع يعمل فيه على حل مشاكل غير مألوفة.

تؤمن مؤسسة "كايزر برماننت" (Kaiser Permanente) أنّ الرعاية الصحية باتت أكثر توجهاً نحو المستهلك وباتت التجربة الرقمية ركناً أساسياً فيها. بالتالي قام فريق التسويق بوضع برنامج ترحيب للمهتمين بخدمات الشركة من أجل المساعدة في تحسين تجربة الأعضاء الجدد ممن يودّون الاشتراك بخطط الرعاية الصحية لديها. ويزود البرنامج الأعضاء بمعلومات حول كيفية الانضمام إلى بوابة الشركة على الإنترنت، والتي تُقدم إمكانية التواصل مع الطبيب عبر البريد الإلكتروني، وإعادة ملء الوصفات الطبية، وتحديد المواعيد مع الأطباء، وخدمات إضافية أُخرى. إلى جانب ذلك، تطلب البرنامج الترحيبي تنسيق عدة أقسام مع بعضها البعض إلا أنّ النتائج كانت باهرة مع زيادة في عدد الأعضاء الجدد وصلت إلى 60% خلال الأشهر الستة الأولى. وستزيد احتمالية بقاء هؤلاء مع الشركة 2.6 مرة خلال عامين مقارنة بالأعضاء التقليديين.

تنفق سلسلة متاجر "مايسيز" (Macy’s)، حالها حال العديد من متاجر التجزئة، 85% من ميزانيتها التسويقية على جذب مبيعات، ويتم قياس كل عملية تواصل تقوم بها الشركة عبر القنوات المختلفة وفقاً للعائد الاستثماري القادم منها. لكنها بدأت مؤخراً اتخاذ نهج أكثر شمولية يركز على القيمة الدائمة والقطاع الأكثر ربحية وهم "المنفقون المتواترون". واهتمت هذه الاستراتيجية بجمع المعلومات عن الصفحات التي يزورها هؤلاء المتسوقون وما يهتمون به وخطوط الملابس والأزياء التي تلفت انتباههم. كما عملت أيضاً على تغيير معايير القياس لديها إذ باتت تركز على تقييم المشاركة بحسب العميل (الوقت الذي يقضيه في الموقع والمنصة القادم منها) بدل التركيز على الرسالة التسويقية والأثر الناتج عنها. أما النتائج فقد زاد عدد العملاء في الشريحة العشرية العليا من انخراطهم الرقمي مع الشركة بنسبة 15%، وتسوقهم بنسبة 11% والمبيعات بنسبة 8٪ وذلك خلال العام الماضي.

3- تحويل الجميع إلى مناصرين

في وسائل الإعلام المتشعبة ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، لم يعد للمسوقين القدرة على الوصول إلى أهدافهم المتعلقة بالتوعية والسمعة فقط من خلال وسائل الإعلام المدفوعة والعلاقات العامة، إذ بات الناس هم القناة التسويقية الجديدة، وباتت الطريقة للفت النظر تجاه الشركة متمثلة في إلهام الإبداع عند الآخرين. فعليك التعامل مع الجميع على أنهم امتداد لفريق التسويق لديك، ونقصد بالجميع: الموظفون والشركاء وحتى العملاء.

تزود شركة "بلوم أورغانيك" (Plum Organic) كل موظف لديها ببطاقة عمل عليها قسائم تحوي خصومات. وتشجع موظفيها على متابعة العملاء الذين يتسوقون في متاجرها ضمن قسم الأطفال ومحاولة التواصل معهم (إن كان ذلك مناسباً)، وطرح بعض الأسئلة حول تفضيلات طعام الأطفال الخاص بهم، ثم تقديم بطاقات العمل ذات الخصومات لهم كبادرة شكر.

أما شركة "إكوينكس" (Equinix)، فقد كشفت الاستطلاعات عدم امتلاك ثلث موظفيها الثقة في قدرتهم على شرح قصة الشركة. بالتالي عملت على إنشاء برنامج داخلي لأكثر من 6,000 موظف في جميع التخصصات والمستويات يعلّمهم عن الشركة وثقافتها ومنتجاتها وخدماتها وكيفية تلبية احتياجات العملاء، حيث تلقى 20% من موظفيها هذا البرنامج، عبر الإنترنت أو في ورش العمل خلال الأشهر القليلة الأولى من إطلاقه. وأدى ذلك إلى ارتفاع طلبات التقدم للتوظيف لديها بنسبة 43%، وارتفاع عدد إحالات الموظفين لوظائف محتملة إلى معارفهم بنسبة 19%.

خصصت شركة "أولد نيفي" (Old Navy) في السابق ميزانيتها الإعلامية على الإعلان التلفزيوني، خاصة خلال فترة العودة إلى المدارس. إلا أنها حاولت مؤخراً التركيز على المحتوى الرقمي وإشراك الأطفال بأمور تتعلق بتجارب الحياة الإيجابية وتقديم شيء للمجتمع في المقابل، حيث أطلقت حملة (MySquadContest#) عام 2016، ما أدى إلى قيام 32,000 طفل بمشاركة ما قاموا به من أعمال إنسانية هم أو أصدقائهم في محاولة منهم للفوز بيوم مع مثلهم الأعلى. وتسببت الحملة في الحصول على 3 ملايين مشاهدة فيديو، وزيادة مقادرها 60% في المحادثة الاجتماعية المتعلقة بالشركة، وزيادة 600% من احتمال التوصية بها لصديق (مقارنة بالإعلانات التلفزيونية التقليدية). إضافة إلى ذلك، أدى البرنامج إلى وصول تبرعات قياسية لذراعهم الخيري، وهو "نادي البنين والبنات" (Boys & Girls Club).

4- جلب الإبداع إلى القياس

تعني قابلية القياس الرقمي للمشاركة قدرتنا على المعرفة التامة لما نجح وما لم ينجح. يُعطي هذا التسويق فرصة لقياس وإدارة نفسه بطرق جديدة. في الماضي، كان التسويق يقيس النجاح بالقدرة على العمل ضمن الميزانية المتاحة والفوز بالجوائز الإبداعية. أما اليوم، فباتت القدرة على قياس البيانات وضبط الاستراتيجيات في الوقت الحقيقي أمراً يساعد التسويق على إثبات قيمته في الأعمال بطرق جديدة تماماً.

أنشأت شركة "سيسكو" لوحة تحكم في الوقت الفعلي عبر الإنترنت تساعد المؤسسة بأكملها على النظر إلى الأداء التسويقي، إذ يقوم فريق القيادة بإجراء تقييم أسبوعي لمعرفة الأمور التي نجحت وتقصّي مبادرات رقمية أو مناطق جغرافية أو قنوات أو حتى محتويات فردية مختلفة. والنتيجة: قدرة على التعديل وإعادة تخصيص الموارد بسرعة.

وقدمت "سكيلر" (Zscaler)، وهي منصة أمنية للشركات قائمة على السحابة، "مكتب إدارة القيمة". يساعد المكتب كل عميل على تحديد وتقدير وتتبع أهداف الأعمال المرتبطة باستخدام "سكيلر" لأجلها. تفيد نتائج هذه القياسات كل من الشركة وعملائها من أجل تطوير أعمالهما وتحديد مواطن القصور لمعالجتها.

أطلقت "أوبن تيبل" (OpenTable) مؤخراً تطبيقاً للمطاعم من أجل الاستفادة بشكل أفضل من البيانات المتولدة من أنظمة الحجوزات لديها. ويساعد التطبيق أصحاب المطاعم على أداء أعمالهم مباشرة عبر الهواتف الذكية، والسماح لها بالرد بسهولة على أسئلة مثل "كيف كانت آخر مناوبة لك؟"، إذ يمكن أن يخبرهم التطبيق إذا كانت الحجوزات قليلة، ومساعدتهم على تفعيل حملات تسويقية لزيادتها خلال نفس اليوم. ويستخدم 50% من عملاء الشركة وأكثر المطاعم من التطبيق بالفعل، إذ يزورونه بمعدل 9 مرات في اليوم، و7 أيام في الأسبوع.

5- فكر مثل الشركات الناشئة

في الماضي، كان من الضروري أن يكون المسوقون مدراء فعالين، وأن يضعوا أهدافاً في مرحلة مبكرة، ثم العمل ضمن الميزانية على تحقيق هذه الأهداف. أما اليوم، فيحتاج المسوقون المبدعون إلى العمل أكثر كرواد أعمال، ويقومون بتعديل عملهم بشكل مستمر للحفاظ على التناسب بين منتجهم وبين السوق.

تمثل الشركة الناشئة "تشيكر" (Checkr) اتجاهاً بتنا نراه أكثر في منطقة "وادي السيليكون" على وجه الخصوص، إذ يعتمد المسوقون ممارسات تجارية مشابهة لريادة الأعمال مثل "المشاريع الناشئة المرنة" والتطوير الرشيق. في الماضي، لم تكن "تشيكر" تحصل على النتائج التي تريدها باستخدام عمليات البيع وتكتيكات التسويق التقليدية، وذلك خلال محاولة توسعها لدخول قطاعات سوقية جديدة. إذ أدركت الشركة أنّ عليها التفكير بطريقة تتجاوز التسويق التقليدي إذا أرادت الترويج لمنتجاتها. وقامت الشركة بتبني طريقة التطوير الرشيق عبر اختيار عملاء وعمل اختبارات متكررة مع أخذ استراتيجية التقييم للمهندسين لإعادة صياغة المنتج وتقديم "الحد الأدنى من المنتج القابل للحياة" والتسويق لهؤلاء المشترين الجدد. نتيجة لهذا النهج المتكامل والرشيق، تمكنت الشركة بسهولة من تحقيق بعض الأرباح أوائل عام 2017 مع معدلات التحويل التي كانت أربعة أضعاف ما يُنظر إليه تقليدياً في هذه الصناعة.

تعيد التغييرات التي تحدث في سلوك المستهلك والتكنولوجيا ووسائل الإعلام تعريفاً لطبيعة الإبداع في التسويق. فلم يعد مقياس نجاح التسويق بالرسالة المرسلة، بل بالنتائج المتحصلة، سواء في شكل إيرادات أو ولاء أو تأييد. كان يُنظر إلى المسوقين في الماضي على أنهم فنانين أو مدراء أو مروجين. أما اليوم، عليهم التفكير أكثر مثل المبتكرين ورواد أعمال، وعليهم العمل على خلق قيمة للمؤسسة من خلال جعلها تشارك بأكملها. كما أنّ عليهم تأمل تجربة العملاء بأكملها، واستخدام البيانات لاتخاذ القرارات، وقياس الفعالية على أساس نتائج الأعمال.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي