كيف يمكن لأصحاب العمل مساعدة الأميركيين في حالة عدم الاستقرار المالي؟

5 دقائق

إذا صحّت عبارة أن "المد المرتفع يرفع القوارب كلها" بالمعنى الاقتصادي، فإنها لا تصحُّ على الأقل في الولايات المتحدة حالياً. فمنذ عام 1980، راوح نصف الأميركيين في مكانهم مع بقاء أجورهم على ما هي عليه، في حين حقق الخُمس الأعلى دخلاً في المجتمع الأميركي مكاسب مالية كبيرة.

ويؤدي عدم المساواة المتزايد في الدخل والثروة إلى تقويض الكثير من الروايات حول "الحلم الأميركي"، وحول أنها البلد الذي يمكن لأي شخص بها تحقيق أحلامه. ففي الحقيقة، لدى الولايات المتحدة اليوم معدل انتقال بين الطبقات الاجتماعية عبر الأجيال أقل من فرنسا أو ألمانيا أو حتى السويد.

كما زاد أيضاً انتشار شكل آخر من أشكال عدم المساواة الاقتصادية، بات بدوره يقوّض أحلام العائلات فيما يتعلق بمستقبل أطفالها، وحتى لحياتهم نفسها، وذلك رغم الاهتمام القليل الذي يحظى به، وهي الفجوة بين الأشخاص الذين يتمتعون بالاستقرار المالي وأولئك الذين لا يتمتعون به.

وجد بحثنا أنه حتى أولئك الذين لديهم وظائف "ثابتة" طويلة الأجل لا يوجد لديهم في الوقت نفسه استقرار مالي نتيجةً لتقلّب حياتهم المالية، وعدم قدرتهم على التنبؤ بأي من دخلهم أو نفقاتهم. وكان المصدر الرئيسي لتقلّب الدخل، كما وجدنا، راجع إلى تغيير الأشخاص المستمر لوظائفهم من ناحية، ومن ناحية أخرى التفاوت في الدخل للوظيفة نفسها. وبعبارة أخرى، كان لدى الأسر التي تقصّيناها وظائف ثابتة دون أجر ثابت.

وبالنظر إلى ما سبق، نجد أن عنصري عدم المساواة هذين يتسببان في حصول بعض الأسر على دخل هو من ناحية الأسوأ لهم (منذ عقود)، فضلاً عن أنه متقلّب (بشكل سنوي وحتى شهري في بعض الأحيان).

وكانت إحدى المصادر الرئيسة لما سبق قيام المؤسسة بنقل المخاطر التي تواجهها إلى موظفيها، إذ وثّقتْ دراسات متعددة دفع شركات عديدة بمخاطر التباطؤ الاقتصادي (قصير الأجل أو طويل الأجل) إلى موظفيها من خلال ابتكارها أموراً على غرار الجداول الزمنية الديناميكية والجداول المتغيرة، وزيادة استعانتها بمصادر خارجية، وتوظيف التعاقد بشكل متزايد.

ولكي يحدث تحسّن في وضع تلك العائلات، فإن الأمر يتطلّب التزام أصحاب العمل بدورهم في التخفيف من هذه المخاطر، واتخاذ خطوات لمساعدة العمال على إدارة تلك المخاطر بشكل أفضل. ولا يتمثل الحل هنا في تزويد العائلات بدورات في المهارات المالية، نظراً لوجود أدلّة قوية على أن برامج محو الأمية المالية لا تقدّم المساعدة المنشودة منها. ويحتاج الأشخاص الذين تقابلهم تقلبات شهرية كبيرة في دخلهم ومصاريفهم إلى أكثر من مجرّد تعلّم مهارات إعداد الموازنة أو محو الأمية المالية. ومن غير المنطقي إلقاء اللوم على أولئك الناس والقول إن ما يمرون به هو نتيجةً "لخياراتهم المالية السيئة"، أو لنقص معرفتهم المالية، خصوصاً عندما تكون ظروفهم الاقتصادية المتقلبة أكبر من قدرة حامل ماجستير في إدارة الأعمال المالية على مواجهتها. فعلى سبيل المثال، يُنصح الأشخاص في كثير من الأحيان بالادخار وأتمتة عملية دفع الفواتير كيلا تفوت عليهم مواعيد السداد، ولكي يصبح الادخار أمراً آلياً. إلا أن هذه النصيحة تكون منطقية فقط عندما يكون لديك دخل ثابت يمكن التنبؤ به. لكن عندما تواجه تقلبات كبيرة في الدخل بين شهر وآخر، تكون "أتمتة دفع الفواتير" أمراً خطيراً، لا سيما عندما يكون هناك القليل من المال في حسابك المصرفي. ويصعب جداً دفع المبلغ المحدد لاستحقاقات بطاقة ائتمان أو الرهن العقاري أو الإيجار في الوقت بالضبط كل شهر عندما يكون كل شيء آخر غير مستقر. كما أن ثمّة احتمال ضئيل لأن تفتح حساب توفير أو حساب ادخار تقاعدي، أو حتى أن تضع مبلغاً مالياً للطوارئ عندما لا تعرف ما إذا كنت ستحصل على ساعات عمل كافية لدفع فاتورة الكهرباء هذا الشهر.

وبينما لا يُعتبر تعزيز الاستقرار المالي للأسر المعيشية لأولئك العمال والأسر التي تكافح في الاقتصاد الحديث أمراً بسيطاً، ثمّة خطوات عملية يمكن لأصحاب العمل اتخاذها بدورهم.

إحداها هي إعادة النظر في ممارسات جَدوَلة مواعيد العمل، ويعني جدول عمل أكثر استقراراً دخلاً أكثر استقراراً، ولا يعني هذا مطلقاً بدوره أن أصحاب العمل يُحبّون "الجدولة الزمنية المرتجلة" وساعات العمل المتقلبة. واتخذ بعض أصحاب العمل، ولا سيما "وول مارت" Walmart، بالفعل خطوات نحو مزيد من الاستقرار والقدرة على تقديم جدول عمل قابل للتنبؤ به. وإذا لم يتصرف أرباب العمل من تلقاء أنفسهم، فقد يُجبرهم المشرّعون على ذلك. وتعتبر سان فرانسيسكو وسياتل ونيويورك جهات رائدة في سن تشريعات تمنح للعاملين إمكانية اختيار جدول عمل مستقر وأكثر قابلية للتنبؤ به، إلا أنها ليست المدن الوحيدة. كما يقترح بعض النُشطاء الانطلاق اعتماداً على نموذج الجداول الزمنية الفيدرالية المقترحة للعمل، ومنح الموظفين الذين يتحملون مسؤوليات تقديم الرعاية أو المسجلين في برامج تعليمية مزيداً من الحماية. كما باتت الجهود ذات الصلة لرفع الحد الأدنى للأجور، و/أو الحد الأدنى لأجور العاملين في مجال المطاعم، تكتسب زخماً في العديد من الولايات والمجتمعات.

ويمكن لأصحاب العمل أيضاً أن يلعبوا دوراً في مساعدة الموظفين على مواجهة النفقات المتقلبة، تماماً كما يلعبون دوراً في مساعدة الموظفين على الادخار من أجل التقاعد. ووجد الاحتياطي الفيدرالي أنه في عام 2016، لم يكن لدى 44% من الأسر الأمريكية 400 دولار من مدخرات الطوارئ. ويمكن لأصحاب العمل تمكين الموظفين من الادخار قصير الأجل، فضلاً عن خطط الادخار للتقاعد التي يقدمونها. ويمكن لصاحب العمل مطابقة المبلغ الذي يودعه الموظف في حسابه في الحسابين، أو دعم أحدهما. ويقلِّل وضع مزيج يتألف من حساب طوارئ مؤقت وحساب تقاعد دائم من احتمال سحب الموظف لنقود من حساب تقاعده في وقت مبكر (والذي يترافق غالباً بتلقيهم لعقوبات كبيرة)، فضلاً عن أنه سيزيد أيضاً من احتمال ادخار الموظف للتقاعد، على اعتبار أنه سوف يفكّر مرتين قبل سحب تلك الأموال بسبب العقوبات الناتجة. وبالنسبة لأصحاب العمل، فإن فوائد وجود موظفين لا يضطربون عند أي مشكلة مالية ولا يقومون ببيع ممتلكاتهم لتغطية حالة الطوارئ واضحة.

وعلى مستوى أكثر تعقيداً، يُمكن لأصحاب العمل تزويد الموظفين بإمكانية الوصول إلى أدوات تقدّم خدمات مالية مثل خدمة "إيفن" (Even)، وتقوم خوارزمية الخدمة بتتبع شيكات الراتب الخاصة بالموظف، وتراقب ارتفاعها وانخفاضها، وعندما ينخفض راتب المستخدم عن المتوسط، تقوم الخدمة بتقديم "دفعة إضافية" للوصول بالمبلغ إلى المتوسط. أما عندما يكون الراتب أعلى من المتوسط، يُعيد العميل "الدفعة الإضافية" التي حصل عليها سابقاً مع عرض فرصة الادخار عليه. وتقدم خدمة "إيفن" هذه الخدمات لقاء رسم اشتراك، مما يعني أن الخدمة تحقق ربحاً عندما يلتزم الأشخاص بالخدمة. بالتالي لا مصلحة لخدمة "إيفن" في جعل العملاء مديونين، على عكس مزودي بطاقات الائتمان أو المقرضين الآخرين، إذ يقوم نموذج أعمالها على تيسير حياة الشخص وليس إقراضه. وسوف تشكّل خدمة مثل هذه مساعدة للعائلات مثل تلك الموجودة في دراستنا، والأسر الأميركية ذات الدخل المنخفض والمتوسط، والتي تضطر في كثير من الأحيان إلى تحمّل الكثير من المشاق المالية، وعدم الدفع في بعض الأشهر لتتراكم المبالغ والفوائد لمبالغ أكثر بكثير مما لتكون عليه لو دفعوا المبالغ في وقتها، وأعدّوا خططاً مالية طويلة الأجل. وغالباً ما تلجأ أسراً مثل هذه إلى محاولة الحصول على ديون بفوائد باهظة، في محاولتها لإدارة عمليات الانخفاض والارتفاع في دخلها، الأمر الذي يمكن بدوره أن يخلق لها مشاكل أكبر. وإذا كان أصحاب العمل يدعمون خدمة مثل هذه حتى بالنسبة لموظفيهم ذوي الجداول الزمنية المتغيرة (غالباً، الموظفين ذوي الأجور المنخفضة أيضاً)، فستكون هذه خطوة مهمة في تغيير المخاطر.

منذ الثمانينات على الأقل، انتقلت السلطة بشكل ملحوظ نحو أصحاب العمل، لذا ليس من المستغرب أن تكون النتيجة نقل المخاطر نحو الموظفين بدورهم. وبما أن العمال قد أخذوا على عاتقهم مخاطرة أكثر – أي خطر عدم استعدادهم للإدارة بفعالية – فقد دفع المجتمع التكاليف: تعزيز عدم المساواة المتزايد وتراجع هامش المناورة. وهذه التكاليف الآن مرئية ولا يمكن إنكارها، وخطوات معالجتها واضحة، فهل لدينا الشجاعة للتصرف حيالها؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي