إليكم هذه القصة التي تتحدث عن كيفية طرح فكرة جديدة لشركتك التي تعمل بها، تعرضت ديانا وهي مديرة في الفئة الإدارية المتوسطة ضمن إحدى الشركات التقنية العالمية لمشكلة، حيث أرادت ديانا طرح فكرة جديدة تتصل بإدارة مخزون الشركة من خلال ربط الكميات الموجودة في المستودعات الخاصة بالمؤسسة بنظام واحد، واقترحت على وجه التحديد نظاماً يتعقب القطع الموجودة في المخازن خلال الوقت الحقيقي، وربط كل مخازن الشركة حول العالم ومعرفة القطع غير المباعة في كل مخزن ونقلها لأماكن يزداد فيها الطلب على تلك القطع. وكان من شأن هكذا ابتكار تعزيز الكفاءة عبر نقل القطع من المخازن التي تعاني من فائض إلى تلك التي تعاني من عجز، وهو ما يعطي الشركة مرونة كبيرة على مستوى توفير تلك القطع.
ولكن عندما عرضت ديانا الفكرة على الرؤساء التنفيذيين للشركة، لم تلق استحسانهم. ما جعل ديانا، والتي كانت تدرس ماجستير إدارة الأعمال التنفيذي مثلي، تقضي بعض الوقت لفهم سياسة طرح الأفكار الجديدة في الشركة، واتبعت سلسلة من الخطوات عملت فيها على تسخير هذه السياسة لصالحها.
سياسة طرح الأفكار الجديدة
تريد جميع الشركات الحصول على الأفكار الجديدة نظراً لأهمية تلك الأفكار في دفع النمو والإيرادات وتعزيز التغيير الثقافي وتحريك الشركة وتطويرها.
لكننا نسى في كثير من الأحيان أنّ لطرح الأفكار الجديدة جانب يتسبب في الاضطراب للشركة. بمعنى آخر، لا تحصل كل فكرة على التقدير الذي تستحقه في سبب يعود غالباً إلى عملية توزيع الشركة لمواردها بين مشاريعها الحالية وتلك الأفكار المستقبلية. إذ تتطلب تلك الأفكار في العادة تخصيص موارد كبيرة من دون دليل قاطع على توفيرها للعائدات مستقبلاً. ويتسبب الوضع الغامض هذا في تغليب العوامل السياسية على عملية الاختيار، حيث يحاول العاملون في الشركة دفع صنّاع القرار تجاه الأخذ بالأفكار التي تقدم لهم فوائد شخصية مقارنة بمصلحة الشركة.
وهكذا، عندما تفتقر الأفكار الجديدة إلى أدلة قوية تبرهن عن أدائها، وخصوصاً تلك التي لا تزال في مرحلة مبكرة أو تلك التي بحاجة لإطلاق تجريبي لجمع بيانات عن الأداء، تميل السياسات داخل الشركة إلى الحفاظ على الوضع الراهن وإبقاء الموارد المادية والاجتماعية على حالها. على سبيل المثال، أظهرت المقابلات التي جرت مع مديري شركات معدات التكنولوجيا أنّ عمليات تخصيصهم للموارد تحبذ الإبقاء على الأفكار المستدامة (أي التي لها هوامش ربح عالية وتستهدف أسواقاً كبيرة وعملاء معروفين) مقارنة بتلك الثورية (أي التي لم تقدم بعد أدلة دامغة على فوائدها).
كيفية طرح فكرة جديدة لشركتك
هناك جانب إيجابي يتمثل في إمكانية توظيف من يودون طرح أفكار مميزة للسياسات التي سيرد ذكرها أدناه، كما فعلت ديانا، وذلك وفق الخطوات التالية.
الخطوة الأولى: توقع المقاومة
يُعتبر سعي الشركات المستمر خصوصاً من قبل قيادتها للحصول على الأفكار المبدعة الأصلية إحدى أسباب حث الناس على طرح الأفكار الجديدة، إذ بتنا نرى تمارين تشجع على التفكير "غير التقليدي" في كل مكان، وتريد استراتيجيات وتكتيكات ووجهات النظر خارج السياق التقليدي فيما يتعلق بالمنتجات والعمليات والتسويق.
لكن في معظم الحالات، تكون الموارد اللازمة لدعم الابتكار موجهة بالفعل لمشاريع حالية في الشركة، ويؤدي تحويل أي جزء من تلك الموارد للفكرة الجديدة إلى ضعضعة نجاح فرص مشاريع قائمة بالفعل، ما يؤدي إلى توليد مقاومة، بل وحتى لامبالاة لفكرتك (حتى بين من يؤيدونها حقاً)، نظراً لأن الناس لا يستطيعون تحمل تبعات إيقاف فكرة قيد العمل بالفعل وإنهائها ولديهم فيها مصالح كبيرة على المحك.
وهذا بالضبط ما حدث لديانا عندما اقترحت فكرتها لأول مرة أمام رؤساء وحدات الأعمال في شركتها. رفض الرؤساء فكرتها على الفور، معللين ذلك بارتفاع تكاليف بعض جزئياتها مثل معرفة أعداد القطع عبر المخازن المختلفة، ولم يبد أنّ هناك بصيص أمل. وفي نهاية المطاف، حتى الابتكارات الواعدة من غير المرجح تبنيها إن كانت تهدد نجاح المبادرات والاستثمارات الحالية الواجب على القادة إظهار عائداتها. ولكن لاح بصيص نور في الأفق لاحقاً لفكرة ديانا عندما رُبطت بشكل أوضح بأجندة الشركات الحالية في الشركة.
إذا كنت تعرف أسباب معارضة الناس، ستقوم حينها بتفصيل فكرتك بشكل استراتيجي أكثر، وتقديمها كشيء جديد وخلاق، من دون جعلها تبدو وكأنها ستستنزف الموارد الحالية للشركة. بعبارة أُخرى، يعني هذا أنّ عليك جعل فكرتك "جديدة من غير استهلاك كبير في الموارد" ما سيسهل إعطاء الداعمين لفكرتك سبباً إضافياً لتبنيها.
الخطوة الثانية: معرفة الدوافع السياسية
وتتمثل الخطوة الثانية في التوفيق بين أسباب المقاومة المعلنة لفكرتك وتلك الخفية.
عندما تكون السياسة جزءاً من عملية اتخاذ القرار، لا يقدم زملائك في الشركة عادة أسبابهم الحقيقية لرفض فكرتك، بل سيقومون بدلاً من ذلك بعرض أسباب مقبولة أكثر للجمهور، و"تغليف" رفضهم بأسباب على غرار التكاليف أو الوقت أو التعقيد، من دون كشف الأسباب الحقيقية التي تمنعهم من تبنيها.
كان السبب العام الذي أعطاه المسؤولون التنفيذيون لوحدات الأعمال لمعارضتهم فكرة ديانا متمثلاً في الارتفاع المحتمل لتكاليف جرد القطع. يبدو هذا معقولاً للوهلة الأولى، وكان على ديانا محاولة معالجة هذا الموضوع لإنجاح فكرتها. ولكن بالإضافة إلى مشكلة تكاليف جرد القطع، أدركت ديانا وجود دافع خفي كان يتعين معالجته أيضاً.
عرفت ديانا في البداية أنّ نواة فكرتها مفهوم تماماً، ولكنها كانت في الوقت نفسه تفتقر إلى بيانات أداء ملموسة. واكتشفت أيضاً بأنّ رؤساء الوحدات يقومون بتخزين أعداد تزيد عن احتياجاتهم منعاً لحدوث نقص أو تأخير، وهو ما كان مكلفاً للشركة بأكملها (مع احتمالية منع هذا المخزون عن الوحدات الأُخرى التي تحتاجه). وهكذا استنتجت أنّ بعض المخازن سترى الفوائد غير المباشرة لتحسين الأداء الإجمالي للشركة أقل قيمة بالنسبة لها مقارنة بالمحافظة على الفكرة الأولى للشركة.
وبالطبع، لن يكون من المفيد مواجهة الناس مباشرة وإخبارهم بتلك الدوافع الخفية. بدلاً من ذلك، حاولت ديانا الاختباء بدورها وراء قناع سياسي متمثل في إقناع قادة الشركة بأنّ هذه المبادرة استراتيجية وستحسن العائد الإجمالي على الأصول (ويُعتبر المخزون أحد أنواع الأصول أيضاً). وهنا، رأت ديانا فرصة لدفع فكرتها، لكن كان عليها توسيع شبكتها للقيام بذلك.
الخطوة الثالثة: البحث عن البطل الحقيقي
بينما كانت تتطلب عملية توليد عوائد جديد على الأصول قيام أقسام الشركة المختلفة بالعمل معاً، لم يكن هناك دافع كاف لمعظم المسؤولين التنفيذيين في الأقسام المختلفة لاعتماد خطة ديانا، إذ كانت تفتقر إلى النفوذ الكافي.
ولكن تغيّر ذلك عندما وجدت ديانا البطل الصحيح لفكرتها.
وعلى وجه التحديد، وبعدما أدركت ديانا الآن السياسات الخاصة بالأفكار المبتكرة، وعرفت كيفية تبني واستبعاد الأفكار. كان عليها إيجاد مسؤول تنفيذي له الأرجحية بأن يخرج كفائز بسبب الفكرة. ووجدت ضالتها في مدير الخدمات اللوجستية ونظم المعلومات في الشركة والذي سندعوه إبراهيم.
أنشأ إبراهيم ملفاً برمجياً سرّع من عمليات نقل المخزون وجعله أكثر دقة عبر أنظمة تتبع المخزون المتنوعة التي تستخدمها وحدات الأعمال المختلفة. ما ألغى شكوى الجمهور أنّ ابتكار ديانا كان مكلفاً للغاية. وحل إبراهيم المشكلة السياسية لأنه كان مسؤولاً عن الأداء على مستوى الشركة، وبالتالي، يُنظر إليه على أنه ممن يعززون الأرباح على مستوى الشركة. وكانت الوحدات تركز على تعزيز أرباحها الفردية مقارنة بتعزيز عائدات الشركات ككل. وتمكنت ديانا من إقناع إبراهيم بفكرتها من خلال التأكيد على أنّ مبادرتها ستحقق أرباحاً على مستوى الشركة أولاً وقبل كل شيء.
ولكن حتى مع هذا الدعم الإداري، كان لا يزال لدى ديانا عقبة واحدة واضحة قبل الإعلان عن فكرتها على الملأ والتي هي توفير "دليل اجتماعي" لجدارة الفكرة.
الخطوة الرابعة: تأمين الدليل الاجتماعي
تواجه معظم أشكال الابتكار المعضلة ذاتها والمتمثلة في عدم دعم الناس لفكرة ما دون وجود أدلة كافية على نجاحها. ولكن في نفس الوقت، يحتاج تأمين أدلة حقيقية إلى إطلاق تلك الفكرة وجعلها تعمل على أرض الواقع.
يمكنك التغلب على هذه المعضلة من خلال تقديم أدلة بديلة لإمكانات الفكرة في شكل "دليل اجتماعي". ويكون الهدف هنا عدم جمع البيانات الدقيقة عن النتائج المتوقعة، إنما إقناع عدد كاف من الناس بقدرة الفكرة على النجاح لمحاولة إعطائها الأغلبية للإطلاق. وحالما يتم الوصول إلى هذه الأغلبية، سيكون المزيد من الناس على استعداد لدعم هذه الفكرة.
يُعتبر الدليل الاجتماعي الآلية وراء معتقدات الناس في كل شيء بدءاً من فعالية منظفات الغسيل إلى مخاطر تغيّر المناخ. وحتى عندما تكون الحقائق متاحة بسهولة، (مثل قابلية ذوبان المنظفات في الماء الساخن أو معدل الارتفاع المتوقع في درجة الحرارة العالمية) يستخدم الناس الدليل الاجتماعي كإطار لما يؤمنون به. وفي كثير من الحالات، إذا آمن عدد كاف من الأشخاص الذين نثق بهم في شيء ما، سنكون على استعداد بدورنا للإيمان به كذلك.
وينطبق الشيء نفسه على الابتكار.
قامت ديانا، بمساعدة إبراهيم، بتجنيد عدد متزايد من الزملاء لدعم فكرتها في مجال الكفاءة، بما في ذلك أولئك الذين لهم علاقات مع قادة الوحدات. وساعد هذا الدليل الاجتماعي، حتى في غياب البيانات الملموسة، على التأثير في الرؤساء التنفيذيين للوحدة، ما أدى لقيام الشركة بتنفيذ الفكرة. وأدى هذا إلى تحقيق وفورات كبيرة في التكاليف عندما تم الإطلاق.
وفي نهاية الحديث عن كيفية طرح فكرة جديدة لشركتك التي تعمل بها، يمكن أن يكون معالجة سياسات طرح الأفكار الجديدة في كثير من الأحيان أكثر صعوبة من طرح الفكرة نفسها، ولكن مع اتخاذ نهج استراتيجي ومفصّل الخطوات، سيكون هناك إمكانية للقيام بغلق الفجوة بين الفكرة والتنفيذ بنجاح.
اقرأ أيضاً: