خطت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها خطوات واسعة نحو بناء اقتصاد عالمي قائم على الابتكار والتكنولوجيا. ولم تكن رؤيتها لحكومة المستقبل ومنظومة الأعمال التنافسية مجرد خطة قصيرة الأمد، بل كانت مشروعاً استراتيجياً طويل الأمد يعكس تطلعات الحكومة إلى تعزيز مكانة الدولة على الساحة الدولية. وعلى مدى العقدين الماضيين، أصبحت الإمارات نموذجاً يُحتذى به عالمياً في التحول نحو الاقتصاد الرقمي والاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، ما جعلها وجهة رئيسية للمستثمرين والشركات من جميع أنحاء العالم.
تستند هذه الرؤية إلى خلق بيئة اقتصادية متميزة ومستدامة تدعم الابتكار وتفتح أبواباً واسعة للاستثمارات في قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة. ولم يكن التحول الكبير الذي شهدته الدولة في هذا السياق مفاجئاً، بل جاء نتيجة لخطط مدروسة استهدفت بناء حكومة المستقبل التي تعتمد على التكنولوجيا لتقديم خدمات حكومية متقدمة وعالمية المستوى.
الحكومة الذكية: نموذج سبق عصره
في العقد الماضي، أطلقت الإمارات مشروعاً للحكومة الذكية، كان يهدف إلى تحويل الخدمات الحكومية التقليدية إلى خدمات متطورة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء. وجاءت هذه المبادرة استجابة للتطورات العالمية المتسارعة، وساعدت على خلق نظام حكومي متكامل يتمتع بقدر كبير من المرونة والكفاءة.
وكان التركيز على تقديم خدمات سريعة وفعالة تلبي احتياجات المواطنين والمستثمرين على حد سواء أحد أهم ملامح الحكومة الذكية. ومن خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية التكنولوجية وتدريب الكوادر، استطاعت الإمارات تحويل تجربة التعامل مع الحكومة إلى تجربة سهلة وسريعة تعتمد على تكنولوجيا المستقبل، وقد تجلى هذا النجاح في تصدّر الإمارات للعديد من المؤشرات العالمية في سهولة ممارسة الأعمال وجودة الخدمات الحكومية.
منظومة الأعمال التنافسية: ماضٍ حافل بالإنجازات ومستقبل غني بالفرص
على مر السنين، أثبتت الإمارات أنها بيئة استثمارية جاذبة بفضل سياساتها الداعمة للاستثمار وتوفير حوافز مالية وقانونية تشجع الشركات العالمية والمحلية على النمو والتوسع. ومن خلال تطوير بنية تحتية قوية، استطاعت الدولة أن توفر للشركات منصات مثالية لتأسيس الأعمال التجارية والتوسع في الأسواق الإقليمية والعالمية. وأدّت المناطق الحرة مثل جافزا ومدينة دبي للإنترنت دوراً محورياً في دعم هذا التحول، ما أسهم في خلق بيئة اقتصادية مشجعة على الابتكار والاستثمار.
وكانت التنافسية ولا تزال أحد أعمدة الاستراتيجية الاقتصادية لدولة الإمارات. وعلى مدى العقود، كان هدف الدولة تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية مثل النفط، ما أدى إلى زيادة إسهام قطاعات جديدة في الاقتصاد مثل التكنولوجيا المتقدمة، والطاقة المتجددة، والسياحة. وساعدت هذه الاستراتيجية الطويلة المدى في جعل الإمارات مركزاً دولياً للاستثمار، حيث تجذب الدولة باستمرار اهتمام الشركات والمستثمرين من مختلف أنحاء العالم.
الشارقة: نموذج للمستقبل المستدام
أثبتت إمارة الشارقة، التي تمثل جزءاً أساسياً من نجاح الإمارات الاقتصادي، مراراً قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بفضل سياساتها الذكية ورؤيتها الاقتصادية. وقد تجلى هذا في تصنيف الشارقة في المركز الخامس عالمياً بوصفها أسرع المدن نمواً في استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، بحجم استثمارات بلغ نحو 10.1 مليارات درهم (2.75 مليار دولار). وهذا الرقم ليس مجرد إحصائيات، بل هو دليل قوي على التزام الإمارة بتوفير بيئة استثمارية جاذبة ومستدامة.
يعود هذا النجاح إلى السياسات الاقتصادية الحكيمة التي تنتهجها الإمارة، والتي تركز على تنمية القطاعات الحديثة مثل التكنولوجيا المتقدمة، والطاقة المتجددة، والصناعات الإبداعية. فمن خلال استثمار الشارقة في التكنولوجيا الخضراء والتصنيع المتقدم، نجحت في جذب الشركات الكبرى والناشئة على حد سواء، ما جعلها واحدة من أهم الوجهات الاستثمارية في المنطقة.
ولم تقتصر هذه الرؤية المستقبلية على تحقيق النمو الاقتصادي فقط، بل سعت دائماً إلى خلق بيئة أعمال مستدامة تدعم الابتكار وتسهم في تطوير المجتمع عموماً.
الابتكار والبحث والتطوير: حجر الأساس لمستقبل الإمارات
في إطار دعم الابتكار والبحث العلمي، خصصت الإمارات نسبة كبيرة من ناتجها المحلي الإجمالي لدعم البحث والتطوير، ففي عام 2020، خصصت نحو %1.3 من الناتج المحلي الإجمالي لهذا الغرض، بعد أن كانت قيمة المؤشر بحسب عملية القياس سابقاً لا تتجاوز %0.5 لسنة 2011. ويؤكد هذا الاستثمار الضخم في البحث والابتكار التزام الدولة بتعزيز مكانتها مركزاً عالمياً للتكنولوجيا المتقدمة. ومن المتوقع أن تزيد هذه النسبة في السنوات القادمة، الأمر الذي سيعزز قدرة الإمارات على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
الثورة الصناعية الرابعة: التحول نحو المستقبل
شهد العالم تحولاً كبيراً مع بداية الثورة الصناعية الرابعة، التي تعتمد كثيراً على الذكاء الاصطناعي والروبوتات وتقنيات التصنيع المتقدمة. وكانت الإمارات من أوائل الدول التي أدركت أهمية هذه الثورة وتبنّت تقنياتها في مختلف القطاعات. ومكّن التعاون مع دول مثل ألمانيا واليابان الدولة من تعزيز قطاع التصنيع المحلي وتحسين كفاءته وزيادة إنتاجيته، ما أسهم في تقليل التكاليف وجعل الإمارات مركزاً عالمياً للصناعات المتقدمة.
الإمارات والذكاء الاصطناعي: قيادة المستقبل
في ظل التحولات العالمية نحو الاقتصاد الرقمي، كانت الإمارات دائماً في طليعة الدول التي تبنّت الذكاء الاصطناعي بحيث يكون أداة رئيسية لتحقيق التنمية الاقتصادية. ولم يكن إطلاق ”استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي” مجرد خطة قصيرة الأجل، بل كان جزءاً من رؤية بعيدة المدى تهدف إلى رفع الناتج المحلي الإجمالي وزيادة فرص العمل.
لم يكن التركيز على الذكاء الاصطناعي مجرد أداة لتحقيق النمو الاقتصادي، بل هو جزء من رؤية استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحويل الإمارات إلى قوة عالمية في مجال التكنولوجيا المتقدمة. وبفضل الاستثمارات في التعليم والبحث العلمي، تعمل الإمارات على بناء قاعدة معرفية قوية لدعم هذه الرؤية.
وكانت إمارة الشارقة مثالاً حياً على هذا التحول، إذ أسهمت سياسات الاستثمار الذكي التي تبنّتها الإمارة في تحويلها إلى مركز جذب للشركات التكنولوجية والابتكارات العالمية. كما وفّرت بيئة داعمة لريادة الأعمال، ما ساعد على تحويل الأفكار إلى مشاريع ناجحة تدعم الاقتصاد المحلي والعالمي.
ونحن في مكتب الشارقة للاستثمار الأجنبي المباشر (استثمر في الشارقة) نعمل على توفير مناخ أعمال متقدم ومرن يستجيب للتحولات التي يشهدها العالم على مستوى أتمتة أنظمة العمل ودمجها في التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي، لذلك أطلقنا أول رخصة تجارية في العالم تتم إجراءاتها بالكامل عبر تقنية الذكاء الاصطناعي في مدة لا تتجاوز 5 دقائق منذ بدء الطلب حتى تسلم الرخصة. وبذلك يصبح ”استثمر في الشارقة” وكالة الترويج الاستثماري الأولى في العالم التي تمتلك نظاماً لإصدار التراخيص التجارية بتقنية الذكاء الاصطناعي، ما يعزز دوره في استقطاب الاستثمارات والمستثمرين ومد جسور التعاون وتبادل الاستثمارات بين أسواق المنطقة والعالم.
في الختام، تواصل دولة الإمارات رحلتها نحو بناء مستقبل يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة. فلم تعد حكومة المستقبل المبنية على أسس التكنولوجيا مجرد رؤية بعيدة، بل أصبحت حقيقة يعيشها المواطنون والمستثمرون يومياً. ومع استمرار الدولة في تبنّي أحدث الابتكارات، فإن النجاح لا يتجسد فقط في تحسين جودة الحياة داخل الإمارات، بل في تعزيز مكانة الدولة بوصفها وجهة عالمية للاستثمارات والمشاريع الرائدة.
ومن خلال جهود إمارة الشارقة الرائدة واستثمارها في التكنولوجيا الخضراء والذكاء الاصطناعي، تواصل الإمارات رسم ملامح مستقبل أكثر استدامة وابتكاراً. ويضمن هذا الالتزام بقاء الإمارات في طليعة الدول التي تقود التحول الاقتصادي والتكنولوجي على المستوى العالمي، ويعزز قدرتها على مواجهة التحديات المستقبلية.