لماذا ينجح أصحاب عقلية النمو أكثر من أصحاب العقلية الثابتة في إدارة مؤسساتهم؟

3 دقائق
العقلية
shutterstock.com/Black Salmon

"العقلية أهمّ المهمّ!" عبارة تحثك على أن تدرس افتراضاتك جيداً قبل أن تتخذ أي قرار؛ من أجل ألا تُقيّدَ بما لا ينفع، أو أن تقاد إلى مصير خاطئ. فعندما يتعلق الأمر بكيفية معاملتنا للتحديات والفرص ستكون المهمة كلها ملقاة على عاتق عقليتنا في رسم صورة العالم الذي نواجهه والإمكانات التي ندركها؛ إذ يتطلب تحقيق "قوة الجذب" أن نجعل افتراضاتنا واضحة وأن نمتحنها في سياقات مختلفة بالاختبار والتحدي والتحسين.

وكما أوضحنا في أحد المقالات، يتطلب التكيف مع التحولات الكبيرة والاستفادة من إمكانات قوة الجذب تبنّيَ عقلية النمو. وسنركز في هذا المقال على مجموعة رئيسة أخرى من الافتراضات.

تميز الأستاذة بجامعة ستانفورد (كارول دويك) في كتابها الذي صدر عام 2006 بعنوان "العقلية: السيكولوجية الجديدة للنجاح" (Mindset: The New Psychology of Success)، بين عقليتين متناقضتين عادة ما يتبنى الأفراد إحداهما عند التفكير، وتبين لنا صفاتهما الأساسية:

  • العقلية الثابتة: يخاطب أصحابها أنفسهم بـِ: "صفاتك لا يمكن أن تتغير، وأياً كانت مهاراتك ومواهبك وقدراتك فهي محددة مقدّماً، وأياً كان ما تفتقر إليه ستظل تفتقر إليه". إنّ أصحاب هذه العقلية الثابتة لا يحكمون بها على أنفسهم فحسب، بل على الآخرين أيضاً!
  • عقلية النمو: يخاطب أصحابها أنفسهم بـِ: "يمكنك تنمية صفاتك الأساسية بجهودك، ويمكن للجميع التغير والنمو بواسطة الممارسة والخبرة. وذكاؤك ما هو إلّا نقطة انطلاق! أمّا النجاح فهو نتاج الجهد والتعلم والمثابرة".

إنّ الانتقال من العقلية الثابتة إلى عقلية النمو له آثار مهمة على صعيد الأفراد والمؤسسات فيما يتعلق بكيفية مواجهة الضغوط المتزايدة من حولنا.

غيّر عقليّتك: لن يمنعك الفشل من الوصول إلى النجاح

أحد الجوانب الأكثر إثارة في عمل دويك هو ما تقوله عن نهجنا تجاه مواجهة التحديات؛ فإذا كنت ذا عقلية ثابتة فأنت تتجنب بذلك المواقف الصعبة التي قد تؤدي إلى الفشل؛ لأنك ترى أن النجاح يعتمد على حماية صفاتك الثابتة وتعزيزها وإخفاء مواطن ضعفك، وأنك إذا فشلت فإنك ستركز على تبرير الفشل بدلاً من التعلم منه وتطوير قدراتك. أما إذا كنت تتمتع بعقلية النمو فإنك ستركز على التعلم والتطور وليس على الفشل، وستسعى بنشاط إلى خوض كل أنواع التحديات التي من المحتمل أن تؤدي إلى كل من التعلم والفشل، وهذا يشبه كثيراً "الميل إلى البحث" (questing disposition) الذي ناقشناه سابقاً.

الأثر الكبير للعقلية في تحديد مهمات الأعمال الرئيسة

منظومة العمل

إذا كنت ذا عقلية ثابتة، فأنت تعتقد أن هناك مجموعة محدودة من الأشخاص الأذكياء والموارد الثمينة خارج شركتك. ويكمن التحدي في كيفية تحديدها والوصول إليها وحشدها لتقديم قيمة أكبر للسوق، فالموارد الثابتة مرتبط بعضها ببعض في منظومة ثابتة. وتستفيد المنظومة من تأثيرات الشبكات لإضافة المزيد والمزيد من المشاركين، لأن القدرات الأكثر تنوعاً بعضها متصل ببعض ويَسهُل الوصول إليها.

وإذا كنت تعتقد أن كلاً من الموارد والمنظومة نفسها ديناميكيان، فإن دور المنظومة لا يقتصر على الربط بين الموارد الحالية وحشدها فحسب، بل يشمل أيضاً بناء علاقات تساعد جميع المشاركين على التحسن بوتيرة أسرع. وهذا يؤدي إلى زيادة العائدات، ليس فقط من تأثيرات الشبكات، ولكن من وجود آليات جديدة لتسريع التعلم وتحسين الأداء، لأن كل مشارك يتعلم بمعدل أسرع مع انضمام المزيد من المشاركين للمنظومة.

إدارة المواهب

تدفعك العقلية الثابتة إلى التركيز تقريباً على جذب المواهب والاحتفاظ بها، مع افتراض أن لكل شخص مهارات وقدرات محددة. وسوف تميل إلى تخصيص الكثير من الموارد لأولئك الذين لديهم رصيد وافر من المعرفة وتتجاهل الموظفين الذين لديهم رصيد محدود مع أنهم يتمتعون بقدرة رائعة على التعلم (وفي النهاية ستخسرهم). والأسوأ من ذلك، أنك من المحتمل ألا تحقق أقصى استفادة من هؤلاء الموظفين الذين تقدّرهم؛ وذلك لأنك تقلل من قيمة التعلم والتطوير.

أمّا إذا كنت تتمتع بعقلية النمو، فأنت تدرك أنه يمكن صقل القدرات الفردية والتنظيمية وتطويرها لتحسين الأداء والتوسع في اتجاهات جديدة. وستركز بدرجة أكبر على تطوير المواهب وخلق بيئات عمل ووضع ممارسات تتيح للموظفين -بغض النظر عن تصنيف وظائفهم- اكتساب مهارات جديدة والتعلم بالعمل مع الآخرين عن طريق حل المشكلات والتجريب.

بناء العلاقات

يفكر أصحاب العقلية الثابتة في بناء العلاقات بهذا المنطق: إذا ربحتَ أنت، فأنا خسرت. ومع وجود مجموعة ثابتة ومحدودة من القيم يكون السؤال الوحيد: كيف ستُوزَّع هذه القيم؟ إنّ هذا المنظور يغذي الصراعات ويزيد انعدام الثقة، وليس من المستغرب أن العلاقات التي تحكمها سلطة نسبية، عادة ما تكون تعاملية ومحددة بصرامة لحماية نصيب كل طرف من القيمة.

وتساعد عقلية النمو على رؤية الإمكانات من منظور أشمل؛ إذ بالعمل معاً يمكننا خلق قيمة أكبر مما لو عملنا بصورة فردية. وفي حين أنه لا تزال هناك مشكلات بشأن توزيع القيمة، فإن العلاقات تُوَطَّد بهدف زيادة القيمة. وتركز هذه العلاقات على تحسين أداء جميع المشاركين. وتُعزِّز عمليةُ خلق القيمة الثقة أيضاً. وتزداد مستويات التعاون والثقة بمرور الوقت، وهذا يخلق علاقة أفضل.

في الختام يحسن ألّا ننكر أن العقلية قد تكون قَدَراً، ولكن ما يجب أن نؤمن به هو أن هذا القدر قابل للتغيير! وتمنحنا دويك أملاً بما تتمتع به من عقلية نمو؛ فهي تقول: "العقلية جزء مهم من شخصيتك، ولكن يمكنك تغييرها. وحين تدرك الفروق بين العقلية الثابتة وعقلية النمو، ستبدأ بالتفكير والتفاعل بطرق جديدة".

إنّ المستقبل سيكون لمن يمكنهم تبنّي عقلية النمو، ومن المرجح أن يكون هؤلاء الذين لديهم عقلية ثابتة عرضة للتوتر والإرهاق بسبب الضغوط المتزايدة من أجل تقديم أفضل أداء والشعور المستمر بعدم اليقين. والأسوأ من ذلك أنه كلما تجنب هؤلاء الأفراد والمؤسسات الفشل، كانوا أكثر عرضة للخطر؛ لأنهم بذلك يضيعون فرصة أن يتعلموا من أخطائهم.

بعد كلّ ما سبق: ما افتراضاتك الآن عن العالم؟ وكيف ستؤثر في قراراتك؟ وما التقنيات التي كانت مفيدة في الكشف عن افتراضاتك غير المدروسة؟ وهل نجحت في تغيير عقليتك فعلياً؟

اقرأ أيضاً: كيف تُساعدك عقلية النمو في تطوير قدراتك الإبداعية؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي