ملخص: إحدى أقدم الصور النمطية المغلوطة، هي أن المرأة مخلوق عاطفي أكثر من اللازم، وبالتالي لا تصلح للقيادة، خاصة في أوقات تتسم بعدم اليقين. وعلى النقيض من هذا الاعتقاد، تشير أبحاث شملت 137 زوجاً من القادة ومرؤوسيهم في أوروبا خلال المراحل المبكرة من جائحة كوفيد-19 إلى أن النساء، في واقع الأمر، لا يسمحن لمشاعرهن بالتأثير سلباً في سلوكياتهن القيادية مقارنة بالرجال؛ إذ أعربت القيادات النسائية خلال هذه الحقبة عن ارتفاع مستويات القلق لديهن، لكنهن لم يترجمن هذه المشاعر إلى سلوكيات تعسّفية، على عكس نظرائهن من الرجال الذين اتبعوا أسلوباً قيادياً أكثر عدائية عند الشعور بالقلق، فالنساء عادة يمارسن سلوكيات داعمة للأسرة بغض النظر عن أحوالهن العاطفية. وتؤكد الأبحاث أهمية تقدير مواطن القوة الفريدة التي تضفيها المرأة على الأدوار القيادية، خاصة قدرتها على القيادة بأسلوب ينمُّ عن التعاطف وإعطاء الأولوية للآخرين، لكنها تشير أيضاً إلى أن تقييم السلوكيات القيادية المعبّرة عن الاهتمام بالآخرين يختلف بين النساء والرجال، وتدعو الدراسة إلى إجراء أبحاث أشمل تنظر في الاختلافات بين النساء والرجال وفي السياقات الثقافية المتنوعة.
ثمة صورة نمطية مغلوطة ترسّخت في الأذهان منذ القِدَم حول المرأة، وهي أنها مخلوق عاطفي أكثر من اللازم. تحدّ هذه الصورة النمطية من فرص النساء في تولي المناصب القيادية؛ إذ يَراهنّ البعض أقل جدارة بشغل المراكز القيادية بزعم أنهن أكثر ميلاً من الرجال لاتخاذ قرارات غير عقلانية نابعة من العاطفة.
وقد حاولنا في بحثنا تحدي الاعتقاد السائد بأن عواطف المرأة تؤثر بسهولة في القدرات القيادية لديها، وعلى نحو يختلف عن الرجل. وعلى العكس من ذلك، توقعنا أن تكون المرأة أقل استعداداً من الرجل للتصرف تحت تأثير عواطفها عند توليها القيادة في أوقات عدم اليقين التي تشهد مواقف حافلة بالعواطف الجياشة. ويرجع ذلك إلى أن المرأة مهيأة اجتماعياً لتقديم احتياجات الآخرين على احتياجاتها الشخصية، وتشعر غالباً في أوقات عدم اليقين بأنها مُلزَمة بضمان نجاح الآخرين، خاصة مَن تتحمل مسؤوليتهم، مثل مرؤوسيها المباشرين، ومن ثم تتّبع سلوكيات أقل حدة استناداً إلى مشاعرها.
أثبتت الأبحاث أن القلق والأمل هما العاطفتان الرئيسيتان اللتان نتأثر بهما في مواجهة عدم اليقين، وينظر إليهما الباحثون غالباً على أنهما استجابتان متناقضتان للأحداث التي تشهدها البيئات غير المستقرة. وقد درسنا مشاعر القلق والأمل التي تساور القادة وسلوكياتهم القيادية التي تترتب على هاتين العاطفتين خلال المراحل المبكرة من جائحة كوفيد-19 التي شهدت واحدة من أعنف موجات عدم اليقين. من الأهمية بمكان أن نلاحظ أن القلق والأمل يرتبطان بتصورات الإنسان حول قدرته على التحكم ببيئته؛ فمَن يعاني القلق يتصور أنه يمتلك قدراً ضئيلاً جداً من السيطرة عليها، في حين أن مَن يشعر بالأمل أكثر إيماناً بأنه لا يزال يمتلك قدراً من السيطرة على بيئته.
نعتمد في هذا السياق على نظريات العواطف النابعة من التقييم الشخصي للأحداث، والتي تنصُّ على أن العواطف تنشأ من تقييم الشخص أو تفسيره لموقف معين. ثمة طرق يستخدمها القادة الذين يعانون القلق من أجل استعادة شعورهم بالسيطرة على بيئاتهم، تتمثل إحداها في ممارسة السلطة على مرؤوسيهم والانخراط في سلوكيات عدائية غير محسوسة تؤدي إلى الوقوع في مزلق الإشراف التعسّفي. وعلى النقيض من ذلك، فالقادة المتفائلون يشعرون بقدر من السيطرة على بيئاتهم، وبالتالي فهم أقل رغبة في استعادة زمام السيطرة، بل قد يحرصون بدلاً من ذلك على تقديم يد العون لمرؤوسيهم كي يتمكنوا من اجتياز حالة عدم اليقين بسلام. ونرى على وجه التحديد أن القادة الأكثر تفاؤلاً ينخرطون في الإشراف الداعم للأسرة، مثل الحرص على المساعدة في تلبية متطلبات موظفيهم غير المرتبطة بالعمل، وهي الحاجة التي قفزت إلى بؤرة الاهتمام في أثناء الجائحة.
وبالجمع بين الأبحاث التي تتناول الأدوار المنوطة بكل من المرأة والرجل ونظريات العواطف النابعة من التقييم الشخصي للأحداث، توقعنا أن المرأة قد تتأثر بعواطفها بدرجة أقل؛ إذ توظف عواطفها بطريقة إيجابية في العمل وتديرها لأنها تدرك ضرورة ألا تسمح لعواطفها بالسيطرة عليها نظراً لمسؤوليتها عن الآخرين. والأدوار التقليدية المنوطة بالمرأة تشير إلى أنها اجتماعية ومتعاونة، ويجب تسليط الضوء على ميلها للتعاون وحاجتها إلى رعاية الآخرين خلال أوقات عدم اليقين، وبالتالي بدلاً من أن تركز المرأة على نفسها وعواطفها ستركز على احتياجات مرؤوسيها، ومن هنا توقعنا ابتعاد المرأة القائدة عن الوقوع في مزلق الإشراف التعسّفي وانخراطها في السلوكيات الداعمة للأسرة، بغض النظر عن مدى شعورها بالقلق أو الأمل.
تتأثر المرأة القائدة بمشاعرها بدرجة أقل من الرجل خلال الأزمات
درسنا خلال بحثنا 137 زوجاً من القادة ومرؤوسيهم يعملون في أوروبا (أغلبهم في هولندا) في قطاع الخدمات (38%) أو القطاع العام (28%) أو قطاع المعلومات والتكنولوجيا (23%) خلال المراحل المبكرة من جائحة كوفيد-19 عام 2020. كانت غالبية القادة من الرجال (56%)، والهولنديين (59%)، وأصحاب البشرة البيضاء (92%)، بينما كانت غالبية المرؤوسين المباشرين من النساء (56%)، والهولنديين (60%)، وأصحاب البشرة البيضاء (89%). أعرب هؤلاء القادة عن مشاعرهم خلال جائحة كوفيد-19؛ ثم قيّم مرؤوسوهم سلوكياتهم.
وأفادت النساء القائدات بارتفاع مستويات القلق لديهن حيال الجائحة مقارنة بالقادة الرجال، ولم تكن ثمة فروق بين الجنسين في الشعور بالأمل تجاه تجاوز تداعياتها بسلام. وعندما ارتفعت مستويات القلق لدى القادة، ازداد إشرافهم التعسّفي أيضاً، لكن عندما ازداد شعورهم بالأمل، ازداد إشرافهم الداعم للأسرة. ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أننا لاحظنا أن هذه العلاقات بين عواطف القادة وسلوكياتهم تعتمد على نوعهم الاجتماعي، وهو ما دعم فرضياتنا؛ إذ كانت عواطف القادة مرتبطة بسلوكياتهم القيادية عند الرجال فقط، بخلاف النساء.
واتساقاً مع الأدوار المنوطة بكل من الرجل والمرأة، ونظرية العمل العاطفي على وجه التحديد، كان ميل النساء إلى الإشراف التعسّفي أقل من ميل الرجال إليه بغض النظر عن درجة قلقهن حيال جائحة كوفيد-19. وعلى النقيض من ذلك، عندما ارتفعت مستويات القلق لدى القادة الرجال، انخرطوا بدرجة أعلى في الإشراف التعسّفي، والذي تمثّل في سلوكيات مثل الوقاحة تجاه مرؤوسيهم والاستهزاء بهم والصراخ في وجوههم أو الكذب عليهم. أظهرت النساء القائدات أيضاً مستويات عالية من الإشراف الداعم للأسرة بغض النظر عن درجة شعورهن بالأمل حيال الجائحة. وعلى النقيض من ذلك، لم يُظهِر القادة الرجال إشرافاً داعماً للأسرة إلا عندما ازداد شعورهم بالأمل.
ندرك أيضاً أن دراستنا يكتنفها بعض أوجه القصور لا شك، فقد اقتصرت العينة البحثية على أفراد من أصحاب البشرة البيضاء في الغالب، وتعكس دراستنا في المقام الأول مَن يعيشون في دولة متقدمة اقتصادياً (هولندا) ويعملون بها، في حين تشير الأبحاث إلى أن الصور النمطية حول الجنسين وتصورات الرجال والنساء عن أنفسهم قد تختلف باختلاف البيئات الثقافية. على سبيل المثال، توصّلت أبحاث حديثة إلى أن النساء النيجيريات يعتبرن أنفسهن فعالات ومتعاونات أكثر من النساء الألمانيات، في حين يعتبر الرجال النيجيريون أنفسهم متعاونين أكثر من الرجال الألمان، لكنهم على القدر نفسه من الفعالية. وبالتالي، تقتصر نتائجنا على الأدوار المنوطة بالنوع الاجتماعي في دول الغرب. ونشجع الأبحاث المستقبلية لاستكشاف إلى أي مدى تنطبق هذه النتائج على البيئات غير الغربية مع أخذ عينات بحثية متنوعة من القادة من حيث النوع والعرق. هذه الجهود ضرورية لإجراء أبحاث ودراسات علمية أشمل تفيد مختلف التركيبات السكانية.
تحدي الصور النمطية والنظريات الأساسية الراسخة منذ عهود بعيدة
تتحدى نتائجنا الصور النمطية الراسخة منذ عهود بعيدة عن النساء باعتبارهن قائدات عاطفيات فقط، وعن الرجال باعتبارهم قادة عقلانيين فقط؛ إذ أثبتت أبحاثنا في سياق عدم اليقين أن السلوكيات القيادية لدى المرأة بدت أقل تأثراً بعواطفها، في حين بدت السلوكيات القيادية لدى الرجل أكثر تأثراً بعواطفه، وذلك على الرغم من إعراب النساء عن قلقهن حيال الجائحة بدرجة أعلى من الرجال. بيد أن تركيز المرأة انصب على رعاية الآخرين ودعمهم خلال هذه الحقبة، وهو ما ثبت لنا بالدليل القاطع حينما لاحظنا أن المرأة مارست الإشراف الداعم للأسرة بغض النظر عن شعورها بالأمل من عدمه. على النقيض من ذلك، عندما ساور القادة الرجال الشعور بالقلق بدرجة أعلى، أبدوا استعدادهم للانخراط في سلوكيات إشكالية وتعسّفية.
من المهم أيضاً ملاحظة استمرار الصورة النمطية للقادة الفعالين الذين يتسمون بالعقلانية ولا يتأثرون بالعواطف، على الرغم من نتائج الأبحاث التي أثبتت أن الميول العاطفية للقادة تؤثر في أسلوبهم القيادي؛ إذ تمثّل القيادة بتأثير مشاعر معينة نقطة قوة لدى القائد في واقع الأمر. على سبيل المثال، أثبت تحليل ميتا (التجميعي) عام 2015 أن المشاعر الإيجابية للقادة تتناسب طردياً مع فعالية القيادة، في حين تتناسب المشاعر السلبية للقادة معها عكسياً. ومن هذا المنطلق، فالقيادة بتأثير المشاعر الإيجابية تكون فعالة حقاً، لكن حكم الناس على تعبير القائد عن عواطفه يختلف باختلاف نوعه الاجتماعي؛ إذ يستنكرون تعبير المرأة عن المشاعر الأكثر سلبية والرامية إلى فرض الهيمنة، مثل الغضب والفخر، لكن عدم إظهار القائدة مشاعرها ضار أيضاً؛ لأنه يخالف التوقعات بأن النساء متعاونات وودودات.
تسلط دراستنا الضوء أيضاً على فكرة جوهرية، وهي أن النظريات النفسية التقليدية والشائعة، مثل نظريات تخمين المشاعر (Emotion Appraisal Theories)، قد لا تنطبق دائماً على النساء. الأهم من ذلك أن العديد من أبحاث النظريات النفسية يستند إلى الرجال باعتبارهم العنصر الأساسي الذي ينبغي القياس عليه. وقد تتجاهل هذه النظريات التوقعات حول سلوك النساء والتنشئة الاجتماعية بناءً على النوع، والتي قد تدفع النساء إلى كبت مشاعرهن بدلاً من التصرف بناءً عليها. ومع ذلك تسلط دراستنا الضوء على اختلاف تجارب النساء القائدات وسلوكياتهن الإدارية عن تجارب الرجال وسلوكياتهم الإدارية، وهذا يسلّط الضوء بدوره على أهمية تمثيل الشرائح السكانية المتنوعة في كلٍّ من الدراسات البحثية والنظرية.
ما هي أهمية هذا البحث للمؤسسات والقادة؟
على الرغم من أن الكثيرين ما زالوا يرددون مقولة إن "المرأة مخلوق عاطفي أكثر من اللازم" ويتذرّعون بها لتأكيد رأيهم في أن النساء لا يصلحن للقيادة مثل الرجال، فإن أبحاثنا تكشف أن هذه الصورة النمطية تفتقر إلى الدقة وتعجز عن تقدير مواطن القوة لدى النساء. قد تكون النساء أكثر عرضة للإحساس بمشاعر معينة (مثل القلق في أثناء جائحة كوفيد-19 الذي درسناه في بحثنا)، لكن هذا لا يعني أنهن أكثر عرضة لتأثيرها السلبي عند ممارسة القيادة؛ إذ توصّلنا إلى أدلة تؤكد أن النساء يضعن مصالح الآخرين في المقام الأول ويقدن بتعاطف خلال أوقات عدم اليقين، ما يسلط الضوء على مزاياهن القيادية الفريدة.
وبصورة أعم، تسلط أبحاثنا الضوء على أهمية السلوكيات القيادية المعبّرة عن الاهتمام بالآخرين؛ إذ أفاد العاملون في سياقات العمل المفعمة بالقلق وعدم اليقين بأنهم يرغبون في العمل تحت إشراف قادة أكثر تفهماً ودعماً ويتبعون أساليب قيادية فعالة، ومنهم القادة التحويليون المعروفون بقيمهم التعاونية. وقد أثبتت الدراسات أن النساء أكثر استعداداً من الرجال لممارسة أسلوب القيادة التحويلية، على الرغم من إمكانية تعلمه والتدرُّب عليه، لكن على الرغم من أن هذا الأسلوب القيادي يعزز فرص الرجال في الحصول على الترقيات، فإنه لا يحقق الأثر نفسه لدى النساء. ومن ثم فتشجيع القادة على التعاطف مع احتياجات مرؤوسيهم وحده ليس كافياً، إذ من الضروري أن يدرك القادة والمؤسسات أن تقييم السلوكيات القيادية التي تعكس الاهتمام بالآخرين يتفاوت بين القادة الرجال والنساء، وإدراك التحيّز ضد المرأة، وفهم أثر الصور النمطية عنها في تحديد التوقعات والتقييمات ببيئة العمل، خطوتان مهمتان لمعالجة التحيّزات المنهجية التي تحابي الرجل على حساب المرأة.