لماذا يتقن القادة إطلاق المشاريع ويفشلون في إنهائها؟

7 دقيقة
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو/ الذكاء الاصطناعي

تتقن غالبية الفرق أو المؤسسات بدء المشاريع الجديدة بقدر عال من الحماس والتنسيق وبدعم مالي قوي، ولكن عدداً قليلاً منها يعرف كيفية إنهائها بفعالية.

من واقع خبرتي الاستشارية، لاحظت أن العديد من المؤسسات تتعامل مع إنهاء المشاريع بوصفه حلاً أخيراً، في حين يتجنب بعضها هذه الخطوة تماماً. نتيجة لذلك، يسمح بعض القادة، الذين يقعون تحت تأثير مغالطة التكلفة الغارقة، للمشاريع بالاستمرار فترة طويلة بعد بلوغها ذروة قيمتها، ما يؤدي إلى استنزاف رأس المال وتقليل معنويات الموظفين والإضرار بالأداء، ولكن يحرص القادة الاستراتيجيون على التعامل مع إنهاء المشاريع بوصفه جزءاً أساسياً من دورة خلق القيمة، فهم يدركون أن امتلاك استراتيجية منظمة لإنهاء المشروع يمثل مهارة قيادية أساسية. لا يعني إنهاء المشروع الاستسلام أو الانسحاب، بل يمثل استعادة التركيز وتوجيهه نحو الأولويات المهمة. عند تنفيذ عملية إنهاء المشروع بطريقة واضحة ونزيهة ومحترمة مع التركيز على تحصيل القيمة المكتسبة، فإنها تتحول إلى عملية تنظيمية وميزة استراتيجية.

لإنهاء المشاريع بطريقة مدروسة وواعية، يمكن لكبار القادة استخدام نهج مستند إلى علم الأعصاب باستخدام إطار عمل يتألف من 4 عناصر: وهي الإنهاء الرسمي للمشروع؛ وإعادة توجيه الموارد إلى أولويات أخرى؛ وإعادة استخدام المخرجات والنتائج القيمة؛ والمراجعة لاستخلاص الدروس والتعلم من التجارب.

نشأ إطار العمل هذا نتيجة الخبرة في تقديم الاستشارات الاستراتيجية على مدار 20 عاماً في إدارة محافظ المشاريع لدى الشركات المدرجة في قائمة فورتشن 100 والوكالات الفيدرالية وشركات التكنولوجيا. لاحظت من كثب الصعوبات التي تواجهها المؤسسات في إطلاق المشاريع وإنهائها بطريقة سلسة ومنظمة. من خلال مراجعات ما بعد التنفيذ وجلسات تخطيط الموارد ومبادرات التخطيط لإنهاء المشاريع، بدأت تظهر أنماط معينة. عندما اعتمدت الفرق على هيكلية منظمة لإنهاء المشاريع، ارتفع مستوى الأداء وتحسنت المعنويات بسرعة وأصبح من الممكن تطبيق الدروس المستفادة في مشاريع أخرى. يجمع إطار العمل هذا بين مبادئ من علم الأعصاب، مثل الإغلاق المعرفي وإجهاد القرار، وأفضل الممارسات المعتمدة من معهد إدارة المشاريع، والخبرة العملية في مساعدة الفرق التنفيذية على تنظيم محافظ المشاريع واستعادة القدرات وتعزيز ثقافة الثقة العالية. أبلغت الشركات التي تبنت هذا النهج عن تحسن عملية تحديد الأولويات وتقليل تكرار المهام وزيادة المشاركة والتفاعل بعد إنهاء المشاريع، ولا سيما عند تأكيد أهمية الاعتراف بجهود الفريق وتقديرها والحرص على استخلاص الدروس واكتساب المعرفة طوال مراحل العملية.

إليك كيفية تنفيذ ذلك:

1. الأسلوب الأمثل لإنهاء المشاريع بطريقة منظمة ومدروسةالإنهاء الرسمي للمشروع: احرص على إنهاء المشروع بطريقة واضحة ومدروسة، بدلاً من إنهائه بصمت أو دون إعلان واضح

يجب إنهاء المشاريع بوضوح وعدم تركها تنتهي بطريقة مفاجئة أو غامضة، وعلى الرغم من ذلك، فإن الكثير منها ينتهي بصمت دون تقدير للجهود أو إصدار أي إعلان رسمي. تتعامل المؤسسات ذات الكفاءة العالية مع إنهاء المشاريع بأسلوب منظم تماماً مثلما تطلقها.

يعني إنهاء المشروع إغلاق الحلقة رسمياً وإتمام جوانب العملية والإجراءات كافة، ويشمل ذلك أرشفة الوثائق الرسمية وإغلاق بنود الميزانية المخصصة للمشروع وتحديث لوحات معلومات المشروع وإبلاغ أصحاب المصلحة بالقرار بوضوح. تحافظ هذه الخطوة على سلامة المحفظة الاستثمارية للمشاريع، والأهم من ذلك أنها تعزز كرامة الفريق وتقدر جهوده وتشعر أعضاءه بأن جهودهم ذات قيمة، حتى إن تغيرت النتائج النهائية.

من وجهة نظر علم نفس القيادة، يسعى الدماغ البشري إلى إتمام المهام وإنجازها وعدم ترك الأمور معلقة. تشير الأبحاث إلى أن عدم استكمال المهام يؤدي إلى ضغط نفسي مستمر، ما يعوق تركيز الفرق على الأهداف المستقبلية. لذلك، يسهم إنهاء المشروع بالطريقة الصحيحة في توفير المساحة الذهنية والطاقة العاطفية للاستعداد للمهام المستقبلية.

الخطوات التي يمكنك اتخاذها

احرص على الإعلان عن إنهاء المشروع رسمياً. اذكر في ملاحظاتك نتائج المشروع وأثره وأسباب إنهائه والخطوات المستقبلية. يجب التعامل مع عملية إنهاء المشروع بوصفها حفل وداع رسمياً للمشروع مع الاعتراف بالجهود والإنجازات، بدلاً من إنهائه بصمت. اطلب من فريق المشروع المساهمة في توثيق قصة انتهاء المشروع والاحتفاء بالمراحل المهمة والإنجازات الرئيسة التي تحققت ومشاركة التجارب والأفكار. يسهم هذا الإجراء في تعزيز الشفافية وتقدير جهود الموظفين ومساهماتهم وتقديم نموذج لاتخاذ القرارات المسؤولة على مستوى المؤسسة.

2. إعادة توجيه الموارد: استعادة القدرات الاستراتيجية وإعادة تخصيصها

تستخف غالبية المؤسسات بحجم القدرات والموارد التي تظل عالقة في المشاريع القديمة، وتهدف عملية إعادة التوجيه إلى استرداد تلك القيمة وإعادة استثمارها في فرص تحقق عوائد أعلى.

ويتضمن ذلك إعادة توظيف أعضاء الفريق في مشاريع أخرى ذات أولويات استراتيجية وإعادة الميزانية غير المستخدمة إلى أقسام الشركة المعنية وتحويل الدعم التنفيذي إلى مشاريع أكثر جدوى وفعالية. تشير الأبحاث التي أجرتها شركة ماكنزي إلى أن الشركات التي تعيد تخصيص الموارد بانتظام بناءً على الأولويات المتغيرة تحقق زيادة بنسبة 30% في إجمالي عوائد المساهمين على مدى عقد من الزمن، وذلك مقارنة بالشركات التي تلتزم بدورات التخطيط الثابتة، وهو نهج جامد وغير مرن في التخطيط الاستراتيجي أو التشغيلي؛ إذ تتخذ القرارات وفق جدول مواعيد محدد، على أساس سنوي أو ربع سنوي غالباً، ولا تخضع عادة للمراجعة قبل الدورة المجدولة التالية. في المقابل، تشير البيانات التاريخية إلى أن 25% فقط من الشركات تعمل على مراجعة محافظ مشاريعها بفعالية، وذلك عن طريق إعادة تقييم المشاريع التي لا تزال متوافقة مع الاستراتيجية، أو إعادة تخصيص الموارد، أو إنهاء المشاريع أو إيقافها مؤقتاً، وذلك على أساس دوري ومنتظم في كل ربع سنوي مثلاً.

الخطوات التي يمكنك اتخاذها

ابدأ بإنشاء لوحة معلومات ومتابعة لاستعادة القدرات، وذلك بهدف تحديد الموظفين والميزانيات والأدوات التي يجب إعادتها إلى المؤسسة بعد إنهاء المشروع. عند إعادة تعيين الموظفين في مشاريع أخرى ذات أولويات أكبر، ساعدهم على فهم أهمية أدوارهم الجديدة في تحقيق أهداف المؤسسة الكبرى. يعزز هذا الوضوح الثقة ويساعد على الاحتفاظ بأصحاب الكفاءات والمواهب. يتمثل الهدف في تحويل عملية إعادة التخصيص إلى مؤشر ودليل واضح على المرونة الاستراتيجية والاحتفاء بها بوصفها استخداماً حكيماً للذكاء المؤسسي، لا مجرد خطوة لتحسين الكفاءة.

3. إعادة استخدام المخرجات والنتائج القيمة: الاستفادة من العناصر التي لا تزال تحمل قيمة

لا يعني انتهاء مشروع ما أنه يجب التخلص من مكوناته ومخرجاته جميعها؛ بل هو فرصة للاستفادة من رأس المال الفكري وإعادة استخدامه.

وقد يشمل ذلك البرمجيات أو الأصول التصميمية أو مجموعات البيانات، بالإضافة إلى رؤى الشركاء أو العلاقات مع الموردين، أو الأدلة التشغيلية أو المواد التدريبية أو الأبحاث المرتبطة بالمشروع.

في شركة مايكروسوفت، على سبيل المثال، أعاد فريق التطوير المسؤول عن مشروع تطوير نظام التشغيل ويندوز فون، الذي لم يكتب له النجاح، استخدام عناصر مهمة منه، مثل واجهة كونتينوم وبروتوكولات المصادقة في أدوات الشركة السحابية المخصصة للمؤسسات وفي نظام أجهزة سرفيس. فبدلاً من إهدار هذه الابتكارات، أصبحت عوامل مسرعة لتحقيق النجاح في خطوط المنتجات الأخرى.

تسهم إعادة استخدام النتائج والاستفادة من المخرجات في تعزيز الاستمرارية وتمنع الفرق من تكرار الأخطاء أو إهدار الجهد. عند تنفيذ هذه العملية بطريقة جيدة وصحيحة، فإنها تؤدي إلى إنشاء ثقافة إعادة تدوير المعرفة التي تحترم الجهود المبذولة، حتى عندما تتغير النتائج.

الخطوات التي يمكنك اتخاذها

احرص على تنظيم ورشة عمل لإعادة استخدام النتائج والاستفادة من المخرجات بعد إنهاء المشروع مباشرة. على سبيل المثال، يمكنك جمع المطورين (لتقييم البرمجيات والجوانب التكنولوجية)، والخبراء الاستراتيجيين (لتقييم الرؤى والأفكار)، وفريق العمليات (لتحديد سير العمل والقوالب والعمليات التي يمكن إعادة استخدامها). اطلب من فريقك إنشاء قاعدة بيانات معرفية قابلة للبحث ودمجها في برامج إعداد الموظفين الجدد ومختبرات الابتكار وورش العمل المشتركة بين الأقسام المختلفة. بصفتك قائداً، احرص على الاحتفاء بالأعمال والمخرجات التي أعيد استخدامها خلال مراجعات الأداء لترسيخ فكرة مهمة، وهي أن إعادة الاستخدام الذكية تمثل ابتكاراً استراتيجياً وليست مجرد إعادة إنتاج أو استخدام لأفكار قديمة.

4. التفكير والمراجعة لاستخلاص الدروس والتعلم من التجارب: تحويل نهايات المشاريع إلى فرص لتعزيز التعلم المؤسسي

تمثل عملية المراجعة والتفكير الخطوة الأخيرة في إنهاء المشاريع، وهي المرحلة التي يتجاهلها الكثيرون غالباً.

يجب منح الفرق وقتاً كافياً لفهم ما جرى واستخلاص الدروس وإتمام عملية الإنهاء بالكامل وتوفير شعور بالإنجاز، ولكن لا تهدف هذه الخطوة إلى البحث عن أسباب الفشل أو إلقاء اللوم على أحد، بل إلى صياغة قصة مشتركة تكرم الجهود المبذولة وتسلط الضوء على التعلم من الدروس المستفادة وتخفف الأثر العاطفي السلبي. ففي حال عدم تنفيذ عملية التفكير والمراجعة، قد يحمل أعضاء الفريق أعباء غير معلنة إلى المشاريع المستقبلية، ما يؤدي إلى زيادة الحذر والتشكك وتجنب المخاطرة. يمكن أن تسهم هذه العملية في صقل مهارات أعضاء الفرق وزيادة كفاءاتهم وثقتهم بأنفسهم، فهي توصل رسالة مفادها: "لقد انتهى هذا المشروع، وهذه هي الدروس المستفادة، وهذه هي التحسينات التي سنجريها في المستقبل".

تلجأ بعض المؤسسات إلى إضفاء الطابع الرسمي على هذه العملية من خلال الخطوات التالية:

  • عقد جلسة مراجعة ختامية للمشروع
  • تقديم رسالة شكر وتقدير من المسؤولين التنفيذيين
  • عقد جلسة لنقل المعارف والخبرات للفرق الأخرى

تسهم هذه الممارسات في إنشاء ثقافة عمل يتشارك فيها الأفراد المسؤولية وتصبح فيها عملية إنهاء المشاريع أمراً طبيعياً ومقبولاً.

الخطوات التي يمكنك اتخاذها

أضف مراجعات إنهاء المشاريع إلى عملية حوكمة محفظة المشاريع وليس إلى عمليات إطلاق المشاريع أو مراجعة الإنجازات والمراحل الرئيسة فقط. ضع جدولاً زمنياً منتظماً لعملية المراجعة، ما يسمح بإجراء حوارات صريحة وتبادل المعرفة. اطلب من قادة الفرق تدوين الرؤى والأفكار في ملف أو قاعدة بيانات حية ومتجددة تستخدم في التخطيط للمشاريع المستقبلية. يمكنك أيضاً دعوة مراقبين من فرق مختلفة لاستخلاص الدروس والخبرات من المجالات المتنوعة وترسيخ فكرة أن كل نهاية تسهم في تعزيز المعرفة والذكاء المؤسسي. عندما يجسد القادة نموذجاً للتفكير المفتوح والمراجعة الشفافة، فذلك يعزز الأمان النفسي ويسهم في نضج المؤسسة، كما يمكن أن تتوقف الفرق عن الخوف من الفشل وتدرك أنه جزء طبيعي من عملية الابتكار المستمرة.

لا يمثل إنهاء المشاريع مجرد إجراء روتيني وتنظيمي، بل هو ضرورة استراتيجية، إذ يتسبب تكدس المحفظة الاستثمارية بالمشاريع غير الضرورية في إهدار رأس المال وتعقيد عملية صناعة القرار وإضعاف التركيز على التنفيذ. ويشير تقرير صادر عن معهد إدارة المشاريع إلى أن ضعف أداء المشاريع يؤدي إلى إهدار 11.4% من الاستثمارات. وعلى الرغم من ذلك، فإن قلة من المؤسسات تقيس العائد على الاستثمار عند إيقاف المشاريع، ويشمل ذلك مقدار القيمة المستردة وحجم المخاطر التي استطاعت تجنبها، والفرص الجديدة التي تنشأ عند توجيه جهود الفرق للتركيز على أولويات أخرى.

تخيل لوحة معلومات ومتابعة تحتوي على مقاييس، مثل الموارد المستردة وسرعة تنفيذ المبادرات وتسجيل الدروس المستفادة ومستوى مشاركة أعضاء الفريق وتفاعلهم بعد إنهاء المشروع. بهذه الطريقة، تتحول نهايات المشاريع إلى أصول مهمة للمؤسسة، لا مجرد ملاحظات هامشية لا فائدة منها.

يمثل إنهاء المشاريع بفعالية تحدياً حقيقياً؛ إذ يتطلب الجرأة والشجاعة للاعتراف بأن هذا المشروع لم يعد يخدم مصالح المؤسسة، ولكن عند تنفيذ هذه العملية بطريقة صحيحة، يصبح إنهاء المشاريع دليلاً على نضج المؤسسة. عندما يعمل القادة على إنهاء المشاريع وإعادة توجيه الموارد بطريقة ذكية وفعالة وإعادة استخدام الأصول بطريقة استراتيجية ومدروسة، بالإضافة إلى إجراء المراجعات والتفكير مع الفريق بتعاطف، فإنهم يولدون طاقة جديدة وزخماً إيجابياً مبنياً على قرارات استراتيجية مدروسة بدلاً من الجمود أو الاستمرار العشوائي للمشاريع أو العمليات دون هدف واضح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي