الآباء والأمهات العاملون: هل يعكس جدول مواعيدك قيمكم؟

5 دقائق

ذات مرة أخبرتني صديقة بالغة الحكمة قائلة: "التحدث عن الأبوة والأمومة يشبه التحدث عن السياسة". وهي على حق.

إذ إنه بسبب الطابع الشخصي للغاية للأبوة والأمومة، غالباً ما يكون لدى الأفراد آراء بشأن ما "ينبغي" أن تكون عليه الأمور بصفتك أباً عاملاً أو أماً عاملة. ويمكن أن يعني تجاذب المرء بين شتى المشاغل - المتمثلة في التوقعات حياله من العمل والمنزل، والضغوط التي تصاحبها - أن الآباء والأمهات يكابدون صعوبات مستمرة مع أسئلة مثل: هل سأصل إلى المنزل في الوقت المناسب لتناول وجبة العشاء؟ وهل سيكون بوسعي المساعدة في قيادة السيارة لحضور الأنشطة المسائية؟ وهل يمكنني الوصول في الوقت المناسب لوضع أطفالي في أسرّتهم؟ وما مقدار السفر المرتبط بالعمل الذي يعتبر زائداً عن المعقول؟ وهل سيكون من المناسب قضاء بعض الوقت خلال اليوم لممارسة الرياضة إذا كان ذلك سيعني مغادرة المنزل قبل ذهاب أطفالي إلى المدرسة أو سيعني العودة إلى المنزل في وقت متأخر؟ وهل لي أن أقابل أصدقائي إذا كنت بالكاد أحظى بوقت كاف مع عائلتي؟

وبصفتي موجهاً في مجال إدارة الوقت، لا يتمثل دوري في انتقاد طريقتك في الرعاية الأبوية، بل في تشجيعك على أن تعيش حياة تتماشى مع قيمك. لاسيما بصفتك أباً عاملاً أو أماً عاملة، التي تتطلب منك التخطيط المحكم لوقتك. ويتمثل جزء مما أنصحكم به في وضع جدول مواعيد يرتكز على القيم والالتزام به. ويتطلب منك جدول المواعيد المرتكز على القيم تحديد الأولويات الأكثر أهمية بالنسبة إليك وإلى عائلتك، ومن ثم، صياغة مواعيدك على أساس هذه الأولويات، بدلاً من إرغام نفسك وعائلتك على التوافق مع أي أمور قد تطرأ على جدول مواعيدك. ويساعد هذا في ضمان شعورك بالرضا عموماً حيال اختياراتك بشأن وقتك وواجباتك الأبوية، بدلاً من شعورك بالذنب أو الإحباط لعدم استثمارك وقتك في البقاء مع الأشخاص وأداء الأنشطة الأكثر أهمية بالنسبة إليك.

وفيما يلي عملية من ثلاث خطوات لإنشاء جدول مواعيد يرتكز على القيم، استناداً إلى استراتيجيات لمست فعاليتها بالنسبة إلى عملائي من الآباء والأمهات العاملين.

الخطوة 1: حدّد بوضوح الأشياء الأكثر أهمية بالنسبة إليك

ولتبدأ بوضع قائمة تتكون من هذه العناصر الأساسية:

  • فئات الأنشطة التي تود إدراجها في جدول مواعيدك: ضع في اعتبارك الوقت المخصص للعمل والعائلة والتمارين الرياضية والتعلم والأنشطة الاجتماعية والخلوة بنفسك والهوايات، إلخ.
  • مستوى الإنجاز الذي تبتغيه في هذه المجالات: حدد أهدافك والوقت الذي يجدر بك تخصيصه لكل هدف. إذ يعتبر الذهاب إلى الصالة الرياضية لممارسة التمارين لمدة 40 دقيقة ثلاث مرات في الأسبوع تخصيصاً للوقت يختلف عن التمرّن لسباق الرجل الحديدي، بمثلما أن مشاهدة مباريات كرة القدم التي يشارك فيها طفلك تتطلب وقتاً أقل من الوقت المخصص لتدريب الفريق. لذا، يجدر بك أن تكون واقعياً حيال مقدار الوقت الذي ستحتاجه لكل فئة من هذه الأنشطة التي سجلتها في القائمة.
  • الطقوس الأساسية لك ولعائلتك: ربما ترغب في العودة إلى المنزل لتناول العشاء مع عائلتك ثلاث ليال في الأسبوع على الأقل، وحضور شعيرة في مكان العبادة أسبوعياً، والتوقف عن استخدام الأجهزة الإلكترونية بحلول الساعة العاشرة مساء لكي يتسنى لك التواصل مع زوجتك قبل النوم. دوّن هذه الأنشطة الروتينية وحدد الوتيرة التي ينبغي أن تحدث بها.

حيث إن اختياراتك فيما يتعلق بالوقت لا تؤثر عليك فحسب، بل على أفراد عائلتك أيضاً. وينبغي، حين تضع هذه القائمة، أن تُجري مناقشات مع أطفالك وزوجتك أو ولي الأمر بشأن أكثر ما يهمهم. على سبيل المثال، ربما لا يمانع ابنك في ذهابك إلى العمل قبل استيقاظه من النوم، لكنْ قد يعني له الكثير إذا غادرت مكان العمل في الوقت المحدد لمشاهدته في مسرح المدرسة.

ويعتبر هذا أيضاً وقتاً مناسباً حقاً لتحديد الأمور التي لا يُعد القيام بها مهماً بالنسبة إليك. فربما توجد مؤسسات مهنية يعتبر الانضمام إليها أمراً طيباً لكن قلة الوقت الذي تقضيه مع عائلتك لا يستحق المفاضلة في الوقت الحالي. أو يمكن أن تكون لديك القدرة على الحصول على مساعدة خارجية فيما يتعلق ببعض المهام مثل نظافة المنزل والعناية بالحديقة وقضاء الحوائج والأعمال اليدوية، بحيث يتسنى لك استخدام هذا الوقت في العمل على وظيفتك الجانبية أو قضاء الوقت مع أطفالك.

الخطوة 2: حدد سبب أهمية هذه الأشياء بالنسبة إليك

ما أن تحدد فئات أنشطتك ومستويات الإنجاز في كل منها والطقوس الأساسية، يجدر بك التفكير في سبب أهمية كل منها بالنسبة إليك. وتناول كل منها ودوّن سبب اعتقادك بأهميتها.

إذ إن من شأن تفكيرك في "السبب" تقوية عزيمتك للمواصلة. فثمة فارق جلي بين قولك "ينبغي أن أتمرن" وبين صياغة هذه الجملة على شاكلة أن تقول: "أود أن أتمرن لأنني أريد أن أعيش عمراً مديداً مفعماً بالصحة أنعم فيه بعلاقة دافئة مع أبنائي وأحفادي". إذ يمكن أن يساعدك ذلك في التخلص من الأولويات الخاطئة. على سبيل المثال، إذا كان أقوى سبب يمكنك التفكير فيه لشغل وظيفة ستستغرق 50-75% من وقتك هو أن هذه الوظيفة تمثل الخطوة التالية في مسارك المهني، يجدر بك التراجع والتفكير مجدداً في الأمر من حيث: هل تحب هذه الوظيفة؟ وهل ستساعدك في العمل بكامل إمكانياتك؟ وهل تتماشى مع أهدافك؟ إذا كان الأمر كذلك، فلتقبل هذه الوظيفة. لكن إذا كانت هذه الوظيفة هي ما اعتاد الأشخاص على القيام به لكنك لا تشعر بالحماسة تجاهها، يجدر بك التفكير - بشكل جدي - في ما إذا كانت تستحق مقدار الوقت الكثير الذي تقضيه بعيداً عن عائلتك. وغالباً ما تتوفر لدينا خيارات أكثر مما نعتقد فيما يتعلق بالوظائف، كما أن النجاح ليس له شكل محدد.

وعند تقييمك لسبب أهمية هذه الأنشطة، انظر إليها من منظور خمسين عاماً. أي أن تفكر بشأن ما دوّنته واسأل نفسك: "ما الخيارات التي كنت لأسعد باتخاذها بعد خمسين عاماً؟ وما الأنشطة التي كانت ستعتبر مهمة بالنسبة إليّ؟ وما الأنشطة التي كانت ستعتبر غير مهمة؟" ففي الوقت الراهن، تبدو الأشياء مثل عقد العمل عاجلة ومهمة للغاية، لكن بعد خمسين عاماً، فإن صنع ذكريات (أو إهدار فرصة صنعها) مع عائلتك سيكون هو ما تتذكره.

الخطوة 3: إدراج أولوياتك في جدول مواعيدك

ما أن تحدد أولوياتك بشكل واضح، يجدر بك تحديد الأفعال ذات الصلة بها وإدراجها في جدول أنشطتك. يساعد هذا في إضفاء الطابع التلقائي على القيام بها ويجعل من السهل لك بدرجة كبيرة أن تعيش حياة ترتكز على القيم.

ابدأ بإدراج طقوسك الأساسية في جدول مواعيدك ومن ثم أضف العناصر الجديدة مثل الأحداث المتكررة بناءً على أولوياتك. وفيما يلي بعض الأمثلة على الأولويات التي حُوّلت إلى أفعال:

  • التمارين الرياضية: الذهاب إلى الصالة الرياضية أيام الاثنين والأربعاء والجمعة قبل العمل، من الساعة 6:30 إلى الساعة 7:30 صباحاً.
  • الوقت المخصص للعائلة: تناول وجبة الإفطار يوم السبت مع العائلة حوالي الساعة 8 صباحاً.
  • الوقت المخصص للتواصل مع أطفالي: قضاء 15-20 دقيقة معهم قبل وقت نومهم، والتحدث معهم عن أي شيء يدور في بالهم. وقضاء بعض الوقت في التحدث مع زوجتي قبل النوم كذلك.
  • الوقت المخصص للأنشطة: مغادرة العمل قبل الساعة 4:30 مساء أيام الثلاثاء من كل أسبوع لأخذ ابنتي لصف الرقص.
  • وقت الخلوة بنفسي: التمشّي لمدة 15 دقيقة حوالي الساعة 2:30 مساء لتصفية ذهني وتجديد نشاطي.

ومن ثم إجراء مناقشات مع الأشخاص الذين ربما يؤثر عليهم جدول أنشطتك هذا بشأن الكيفية التي يمكنك بها إنجاح هذا الجدول وسبب أهميته الكبيرة. إذ ربما تساعدك زوجتك في تجهيز الأطفال للمدرسة في الصباحات التي تتمرن فيها قبل ذهابك إلى العمل. ويمكنك أن ترد لها هذا المعروف في الأيام الأخرى. وفي وجود أطفالك، يمكن أن تمر بك أوقات يتعين عليك العمل حتى وقت متأخر لتعويض الوقت الذي تقتطعه لتأخذ ابنتك إلى صف الرقص أو للمشاركة في نشاط آخر غير دراسي. لكن إذا أوضحت لهم أنك تود أن تخصص وقتاً للحديث معهم قبل النوم والتزمت بذلك بالفعل، فمن شأن هذا الأمر المساعدة في شعورهم بالاهتمام والتواصل. وإذا كانت التعديلات في جدول مواعيدك المرتكز على القيم تؤثر على ساعات عملك العادية، ربما يلزمك أيضاً إجراء مناقشة مع مديرك لتوضيح ما تعتزم القيام به.

لكل عائلة احتياجاتها التي تختلف عما سواها، لكن أهمية الجدولة المرتكزة على القيم للأنشطة والمواعيد تسري على الجميع. وأحثّكم على التروّي في دراسة هذه الخطوات الثلاث ووضع جدول مواعيد يعكس أولوياتكم وقيمكم، بحيث تشعرون بالرضا إذا ما استرجعتم الماضي بشأن الخيارات التي اتخذتموها بصفتكم آباءً عاملين أو أمهات عاملات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي