هل تشعر بأن لديك هدفاً واضحاً يوجه طموحاتك المهنية؟
يمكن تعريف الغاية على أنها نية شاملة ذات مغزى شخصي بالنسبة لك وذات أهمية بالنسبة للعالم خارج حدود ذاتك. يمكن أن تساعدك غايتك على تنظيم حياتك، وتمنحك اتجاهاً واضحاً، وتحفزك خاصة عندما تواجه انتكاسات الحياة وخيبات الأمل التي لا مفر منها.
على سبيل المثال، ربما كانت لديك دائماً رغبة قوية في الإسهام في تحقيق الصالح العام، ما دفعك إلى العمل في مجال الطب أو العمل غير الربحي. أو ربما تكون أكثر نشاطاً عندما ترفع من معنويات الآخرين وتريد أن ترفه عنهم من خلال مهنة إبداعية. أو ربما ما زلت تحاول اكتشاف هدفك، ولا بأس بذلك أيضاً. في الواقع، يشير أحد التقديرات إلى أن خُمس الشباب فقط لديهم فكرة واضحة عن هدفهم.
إن العثور على هدفك في وقت مبكر من حياتك يمكن أن يفيدك بعدة طرق. يميل الذين يبلغون عن شعور قوي بالهدف في سن مبكرة إلى التمتع بصحة نفسية أفضل ويتمتعون بمرونة أكبر في مواجهة النكسات. إن العثور على غايتك هو أيضاً مقدمة لأن تكون قائداً فعالاً، وأن تعمل في مهنة ذات مغزى يمكن أن تحدث تأثيراً إيجابياً.
إذاً، ما الذي يتطلبه الأمر لإيجاد غايتك؟
كيف تعثر على غايتك في الحياة والعمل
ولمعرفة المزيد عن الدور الذي تؤديه الغاية في حياتنا، أجرينا دراسة متعمقة ومختلطة الأساليب مع نحو 400 طالب متخرج من المدرسة الثانوية. حددنا في البداية "الطلاب أصحاب الغايات" عن طريق قياس إحساسهم بالغاية من الناحية الكمية من خلال أسئلة مثل "إلى أي مدى تشعر أن لديك غاية واتجاه في الحياة"، و"إلى أي مدى توجه أنشطتك اليومية نحو غاية ذات مغزى على المدى الطويل؟
ثم ركزنا بعد ذلك على المشاركين الذين أفادوا بأنهم الأكثر ثقة في غايتهم، وهم نحو 20% من المشاركين. حللنا إجابات هؤلاء الطلاب على الأسئلة المفتوحة حول كيفية تفكيرهم في الغاية، وكيف يدعم آباؤهم وأصدقاؤهم وعائلاتهم استكشافهم لها.
إذا كنت حريصاً على تحديد غايتك الخاصة، فقد كشف بحثنا عن 3 خطوات حاسمة يمكنك اتخاذها الآن لمساعدتك في العثور عليها.
1) ابحث عن تجارب جديدة وتخطى حدود ذاتك
كشفت بياناتنا أن الخطوة الأولى للعثور على غايتك هي الانخراط في تجارب حياتية ومهنية متنوعة. الذين أبلغوا عن شعور قوي بالغاية في بحثنا أمضوا وقتاً طويلاً في تنمية شغفهم، في كل شيء من علم الأحياء إلى الفنون. علاوة على ذلك، فإنهم لم ينتظروا أن تظهر عواطفهم ببساطة في يوم من الأيام. كما توضح الأبحاث، فقد تطور شغفهم من خلال المشاركة الفعّالة والمستمرة في متابعة اهتماماتهم.
لكن الاهتمام الشخصي والشغف ليس سوى جزء واحد من اللغز. يتبلور هدف الشخص بصورة كاملة عندما يكتشف طرقاً لربط اهتماماته بالعالم من حوله، متجاوزاً حدود ذاته. بالنسبة للشباب في نتائج أبحاثنا، كان ذلك يعني المشاركة في تجارب أوضحت لهم كيف يمكن لاهتماماتهم أن تسهم في حياة الآخرين بطرق تحمل معنى شخصياً.
على سبيل المثال، شارك العديد من المشاركين تأثير الانخراط في فرص "مفيدة اجتماعياً"، مثل العمل التطوعي أو العمل غير الربحي، أو التعلم من المعلمين أو المهنيين الطبيين، أو الانخراط في وظائف ربحية وريادة الأعمال التي تسهم في تحقيق الصالح العام. ولاستكشاف الفرص المفيدة اجتماعياً، تواصل الطلاب أصحاب الغايات في بحثنا مع شبكاتهم الاجتماعية للعثور على فرص تدريب أو الالتقاء بمهنيين للتعلم من تجاربهم في هذه الأنواع من الأدوار.
كما أبرزوا بصورة خاصة فوائد العيش في بيئات تتيح لهم مقابلة أشخاص من خلفيات اجتماعية واقتصادية متنوعة. بالنسبة لبعضهم، كان الوصول إلى هذه البيئات متاحاً في المدرسة، بينما ناقش آخرون متابعة هذه البيئات من خلال التدريب أو الأنشطة اللاصفية أو برامج أخرى خارج المدرسة. يمكن أن يزودك البحث عن خبرات متنوعة بمنظور مختلف حول القضايا الاجتماعية ويساعدك على توضيح قيمك وقناعاتك على نحو أفضل. قال أحد الطلاب من أصحاب الغايات النبيلة: "لقد قادتني هذه البيئة متعددة الثقافات إلى تكوين رؤية أفضل عن الحياة"،
ولكن الأمر لا يقتصر فقط على خوض التجارب. عبر الطلاب الذين لديهم أهداف واضحة عن التزامهم بتطبيق ما اكتسبوه من تجاربهم في اتخاذ قرارات أخلاقية يومياً. وعبّروا عن اهتمامهم بما يحقق نتائج إيجابية أو سلبية للآخرين، وأشاروا إلى رغبتهم في "فعل الصواب" ومساعدة الآخرين في حياتهم كلما سنحت لهم الفرصة.
ومع ذلك، فإن هذه الأنواع من التجارب لن تأتي إليك بسهولة. وكما تعلمنا من هؤلاء الشباب أصحاب الغايات، فإن العثور على الغاية يتطلب المشاركة الفعالة في الحياة. إذا كنت حريصاً على جمع المزيد من الخبرات الحياتية لمساعدتك في تحديد غايتك، ولكنك لا تعرف من أين تبدأ، اطرح على نفسك هذه الأسئلة:
- من أو ما الذي يلهمني للخروج من منطقة راحتي والتواصل مع العالم من حولي؟
- كيف يمكنني التواصل على نحو هادف مع الأفراد والمجتمعات ذات الخلفيات والمعتقدات والقيم المختلفة عني؟
- ما هي الخطوة الأولى البسيطة التي يمكنني اتخاذها الآن للبدء باستكشاف الفرص الوظيفية المفيدة اجتماعياً؟
2) فكر في تجاربك
ومع أن التجارب وحدها ليست كافية، كما توصل بحثنا أيضاً إلى أن أصحاب الغايات يميلون إلى الجمع بين تجاربهم الحياتية المتنوعة والتأمل الذاتي. وقد أظهرت بياناتنا أن هؤلاء الأفراد لم يتذكروا أنشطتهم فحسب، بل تذكروا أيضاً الانطباعات التي تركتها تلك التجارب في أنفسهم. وكما قال أحد الطلاب:
والداي طبيبان، لذا، حتى عندما كنت صغيراً، كان من المثير للاهتمام بالنسبة لي أن أراهما في أثناء العمل بالمستشفى. كما رأيت تأثير عملهم على الناس من خلال الطرق التي شكرهم بها الناس، ومن الكلمات الرقيقة والمكالمات الهاتفية والهدايا الصغيرة التي قدمها المرضى لهما. لقد أحببتُ مفهوم أن تفعل ما تحب وأن تكون مفيداً للبشرية في الوقت نفسه. وعندما كبرت، لم يستمر هذا الشعور بداخلي فحسب، بل أردت أن أصبح طبيباً أيضاً. لذا، فقد ساعدني والداي في عملية اكتشاف غايتي من خلال تصرفهما على طبيعتهما، وإدخالي إلى قاعات الدرس أو غرف العمليات وإخباري بما يفعلانه بالتفصيل.
ومع ذلك، لا يمكن لجميع أنواع التأمل أن تمنحك رؤية واضحة لغايتك. يجب أن يكون تفكيرك موجهاً نحو إيجاد معنى إيجابي لحياتك، ويطلق علماء النفس على هذا التأمل اسم التأمل التكيفي. أثناء تفكيرك في تجاربك، اطرح على نفسك الأسئلة التالية لمساعدتك في جمع الأفكار حول غايتك:
- كيف أسهمت هذه التجربة في تشكيل شخصيتي؟ كيف أثرت في قيمي ورؤيتي للعالم؟
- ما أكثر ما كان يمثل تحدياً بالنسبة لي في هذه التجربة؟ ما هي نقاط القوة التي ظهرت عندما تغلبت على هذه التحديات؟ كيف يمكنني التأكد من أن الآخرين لا يعانون التحديات نفسها؟
- ما هي بعض فوائد هذه التجربة؟ لمن أنا ممتن وكيف أريد أن أرد الجميل؟
من المهم أيضاً أن تمتد تأملاتك إلى ما هو أبعد من نفسك وتساعدك على التواصل مع مكانتك الأكبر في المجتمع. لذلك، قد ترغب في التفكير بطريقة نقدية فيما يدور حولك وكيف يمكنك الإسهام فيه. هذا النوع من "التمييز الأخلاقي" مهم لتحديد هدفك. يمكن أن تساعد الأسئلة التالية في بدء هذه التأملات:
- ما هي المشكلة التي تؤثر في الآخرين وتؤرقني ليلاً؟
- ما هي المشكلة المحلية أو العالمية التي أقدر على معالجتها في ضوء نقاط قوتي ومهاراتي؟
- بأي طرق يمكن أن تؤثر أهدافي وطموحاتي الناشئة سلباً أو إيجاباً على الآخرين؟
ستساعدك إجاباتك على اكتساب نظرة ثاقبة على جوانب التجارب التي استمتعت بها أكثر من غيرها، واستخلصت منها معنى، وتريد الاستمرار في متابعتها.
3) ناقش أهدافك الحياتية واجمع ملاحظاتك
في بحثنا، أفاد الذين يتمتعون بإحساس قوي بالغاية أيضاً أنهم كثيراً ما يتحدثون عن أهداف حياتهم واهتماماتهم مع أصدقائهم. لقد شعروا أن هذه النقاشات منحتهم وجهات نظر متنوعة وساعدتهم على رؤية أهدافهم في منظور جديد. وكما قال أحد الطلاب: "عندما نشارك أهدافنا فيما بيننا، نعرف سبب رغبتنا فيما نريده في الحياة". شعر الطلاب أيضاً بفوائد عاطفية مثل الشعور بالنشاط: "عندما يكون أصدقائي متحمسين وشغوفين بأهدافهم المهنية، يحفّزني ذلك على الشعور بالحماسة تجاه أهدافي". أو أقل قلقاً: "نناقش خططنا المستقبلية معاً، ما يجعلني أشعر بالاطمئنان قليلاً بشأن مستقبلي".
فيما يلي بعض الحوافز العلائقية (وليس التبادلية) التي يمكنك استخدامها لبدء هذه الأنواع من المحادثات:
- لقد كنت أفكر فيما أريده من الحياة مؤخراً وأود أن أشارك بعض أفكاري مع شخص ما. هل لديك وقت للتحدث؟ سأكون سعيداً بالتعرف على أهدافك في الحياة أيضاً.
- سأكون ممتناً لمساعدتي في التفكير في مستقبلي. هل يمكنك مساعدتي في ذلك؟ يسعدني أن أفعل الشيء نفسه من أجلك.
- لدي فضول لأعرف ما هي خططك في المستقبل؟ ما نوع الحياة التي تريد أن تعيشها؟ ما أكثر ما يشعرك بالحماس وأنت تتطلع إلى المستقبل؟
بالإضافة إلى مناقشة أهدافك، من المهم أن تسعى للحصول على الملاحظات خلال هذه النقاشات. وجد بحثنا أن الطلاب أصحاب الأهداف الواضحة غالباً ما اعتمدوا على التعليقات الإيجابية التي تلقوها من مستشاريهم، وآبائهم، ومعلميهم، وأصدقائهم لتأكيد غايتهم.
يمكن أن تحمل ملاحظات الآخرين في كثير من الأحيان معلومات مهمة عن أنفسنا، وتوضح لنا أين تكمن نقاط قوتنا، وتوجه طاقتنا إلى المجالات التي يمكن أن يكون لنا فيها أكبر تأثير.
إليك بعض الأسئلة التي يمكنك طرحها للكشف عن هذه الملاحظات القيمة:
- أنت تعرفني منذ فترة طويلة، ما هي برأيك أهم نقاط قوتي؟ ما الذي أجيده حقاً؟
- عند التفكير في علاقتنا، كيف ترى أنني أسهمت في حياتك؟ هل هناك أشياء أفعلها لتحسين حياتك لا يفعلها الآخرون؟
- هل لاحظت تلك اللحظات التي أتألق فيها؟ متى أبدو أكثر نشاطاً وحماسة؟
تحقيق التوازن في أسلوبك
من المحتمل أنك تقوم بالفعل ببعض هذه الأنشطة المذكورة أعلاه بطريقة أو بأخرى. على سبيل المثال، قد تجد أنك تبحث عن تجارب جديدة بالفعل، أو تستمتع بالفعل بتدوين يومياتك وتجد أن التأمل الذاتي أمر سهل، أو ربما أنك شخصية اجتماعية مفعمة بالصدق والبصيرة في حديثك مع الأصدقاء.
ومع ذلك، فإن الطريق إلى اكتشاف غايتك وعيشها بصورة حقيقية يكمن في الانخراط المستمر في الأفعال الثلاثة وتحقيق التوازن بينها. إذا كنت تجد صعوبة في تحديد غايتك، فكّر في المكان الذي قد توجد فيه على هذا المخطط:
قد تكون شخصاً متأملاً للغاية وتفكر دائماً في أهدافك ونقاط قوتك. وقد تكون اجتماعياً جداً، وتتحدث دائماً مع الآخرين وتتعلم منهم. ومع ذلك، فأنت ربما غير مندمج في الحياة. إذا كانت هذه هي تجربتك، فقد تكون شخصاً مفرطاً في التفكير. بناءً على بحثنا، ينبغي أن تركز جهودك على الانخراط في تجارب متنوعة والبحث عن طرق لاتخاذ خطوات عملية بشأن قضية تهمك.
أو ربما تكون بالفعل منخرطاً بنشاط مكثف في استكشاف غايتك، حيث تنتقل باستمرار من تجربة حياتية إلى أخرى، وتتواصل مع الآخرين، وتستقبل الملاحظات بطريقة متواصلة، لكنك لا تقضي وقتاً بمفردك للتفكير في هذه التجارب والاستفادة منها. إذا كان ذلك ينطبق عليك، فربما تكون "مفرطاً في التواصل الاجتماعي". يمكن أن يساعدك الاحتفاظ بدفتر يوميات لتدوين تأملاتك على المضي قدماً.
الاحتمال الآخر هو أنك قد تكون متأملاً جداً ومتفاعلاً مع الحياة ولكنك لا تتواصل مع الآخرين بما فيه الكفاية. عندما تفتقد الملاحظات الاجتماعية، فقد يكون تركيزك منصباً على ذاتك أكثر من اللازم. إذا كان هذا الأمر يبدو مألوفاً، فقد يكون الوقت قد حان للانخراط في بعض المناقشات الهادفة واستكشاف وجهات نظر متنوعة.
من خلال اتخاذ هذه الإجراءات، وبناءً على ما تحتاج إليه أكثر، يمكنك أن تقع في "المنطقة المثالية لاكتشاف الغاية"، وسيساعدك ذلك على توضيح غايتك والمضي قدماً في تحقيقها.
بينما تقوم بتقييم ما تعلمته من هذه العملية وتبدأ في الانخراط في اللبنات الأساسية لاكتشاف غايتك، توقع أن تتبلور غايتك ببطء. من الممكن أن تتحول غايتك إلى شيء قابل للتعبير عنه، مثل بيان رسالة مختصر يمكنك إضافته إلى سيرتك الذاتية على وسائل التواصل الاجتماعي أو تضمينه في ملف سيرتك المهنية، أو تتحول غايتك ببساطة إلى أسلوب حياة تعيشه يومياً وتصبح عدسة تنظر من خلالها إلى العالم.
وفي كلتا الحالتين، فإن اكتشاف غاية المرء وعيشها مسألة تستمر مدى الحياة. إن اتخاذ هذه الإجراءات لا يعني أن غايتك ستظهر تلقائياً أو أن رحلتك ستكون خالية من الصراع والارتباك. لكن هذه السلوكيات الاستباقية يمكن أن تساعدك على تشكيل اللبنات الأساسية لإحساسك الناشئ بالغاية، واكتشاف غاية مشتركة أعمق مع الآخرين.