إريك رائد أعمال ناجح جداً، وقد ازدهرت شركته المتخصصة في مجال التكنولوجيا خلال السنوات الخمس الماضية. إذ قام بجمع التمويل مرتين، وأنشأ قاعدة عملاء بالآلاف، ويدير فريقاً من 8 موظفين. فماذا عن اكتئاب المؤسسين؟
على الرغم من إعجاب نظرائه من رواد الأعمال بشخصه، فإن إريك يكتم سراً عميقاً ألا وهو شعوره بالإرهاق والحزن الشديدين في كل ليلة يعود بها إلى البيت. وعلى الرغم من هدوء طبعه، يعاني إريك من الاكتئاب بسبب كثرة الأعمال المطلوبة منه وهي بناء شبكة العلاقات والبحث عن التمويل وإدارة الفريق. أصبح يشعر بأنه مستَنزَف جسدياً ووجدانياً، وبأنه لم يعد قادراً على النوم جيداً أو التركيز خلال اليوم. لم يعد يجد العمل ممتعاً كما كان من قبل، ما أدى إلى تراجع اندفاعه ومستوى أدائه.
اكتئاب المؤسسين
ما يحدث مع إريك مثال عن اكتئاب المؤسِّسين، الذي من علاماته عادة الحزن أو قلة الاهتمام بالأنشطة، وعلى هذا، فإنه يتشابه كثيراً مع الاكتئاب العادي الذي قد يسبب أضراراً عدة للشركة. إذ يؤدي فقدان القدرة على الأداء بفاعلية بشكل يومي الذي يصيب المؤسسين المكتئبين، إلى الحاق الأذى بالشركة، فضلاً عن احتمالية فقدان ثقة الموظفين والمستثمرين بقدرة مؤسِّس الشركة على قيادتها، مما قد يثير الشكوك حول مستقبل الشركة.
هذا الأمر قد يؤثر أيضاً على صحة وسلامة المؤسِّس، الأمر الذي لمسته في أثناء عملي مع رواد الأعمال، وعندما كنت طالباً في قسم علم النفس السريري.
اقرأ أيضاً: أخطاء رواد الأعمال: 10 مقالات عن تجارب عملية ونصائح علمية
وبحسب أحد الأبحاث، فإن 30% من رواد الأعمال هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب مقارنة مع أمثالهم غير العاملين في هذا المجال. ويعتقد كثيرون أن العوامل المسببة لاكتئاب المؤسِّسين هو العالَم الذي بات أكثر تعقيداً وتنافسية. وقد جعلت التكنولوجيا والعولمة من إنشاء الشركات أمراً أكثر خطورة، ويشكل ضغطاً أكبر من ناحية الإدارة، فضلاً عن أنه يزيد من احتمالات الفشل.
إلا أن الضغط الذي يخلقه تأسيس شركة، هو ليس السبب الوحيد الذي قد يؤدي برواد الأعمال للوقوع في مصيدة الاكتئاب. إذ من الممكن أن يكتئب ذلك الذي يدفع بنفسه ليصبح رائد أعمال، بينما ليس لديه في الواقع الشخصية التي تؤهله لذلك. وتشير الأبحاث إلى أن رواد الأعمال الناجحين لديهم نمط شخصية مميز، فهم في المقام الأولى أكثر انفتاحاً على التجارب، وأوسع خيالاً، وأكثر إبداعاً وفضولاً من المدراء الذين لم يؤسسوا شركات خاصة بهم. كما أنهم يتمتعون بمستوى أعلى من الوعي، ويسعون في الغالب إلى تحقيق مستويات أعلى من الإنجاز والتحفيز والتخطيط. أي أنهم عموماً أكثر انفتاحاً وأقل عُصابيّةً.
ولا يتمتع كل الناس بتلك الشخصية التي تؤهلهم ليكونوا مؤسِّسين، لكن أعداداً متزايدة منهم اختاروا تأسيس شركاتهم بعد الازدهار الملحوظ الذي شهدته ريادة الأعمال مؤخراً، لتصبح بذلك مهنة جذابة ورفيعة الشأن للكثيرين. في الحقيقة، 66% من الراشدين اليوم يتمنّون أن يصبحوا مؤسِّسين. وبناءً عليه، فإنه من المنطقي ألا يتمتع جميعهم بالشخصية التي تؤهلهم لريادة الأعمال، وتجعلهم ناجحين وسعيدين في عملهم.
كيفية تجنب اكتئاب المؤسسين
بالنسبة لبعض المؤسسين، ليس كافياً أن يتعلموا كيفية إدارة التوتر المصاحب لتأسيس شركة جديدة فحسب، بل عليهم أن يعرفوا أيضاً كيف يديرون شخصياتهم بطريقة تُمكنهم من التغلب على الاكتئاب.
وهنا نقدم للمؤسِّسين بعض النصائح التي تساعدهم في الابتعاد عن الاكتئاب.
افهم شخصيتك وحدد نقاط ضعفك
اقرأ أيضاً: لماذا تفشل برامج ريادة الأعمال حينما يتعلق الأمر بالمهندسين؟
إذا حققت، مثلاً، نقاطاً متدنية جداً في مجال الانفتاح، فمن المتوقع أن تصاب بالإجهاد في أثناء بناء شبكة العلاقات أو جمع التمويل. وقد يكون من المفيد أيضاً أن تتحدث إلى رواد أعمال من نفس المجال لمعرفة أكبر بواعث التوتر. فعلى سبيل المثال، الباعث الأكبر على التوتر في شركات البرمجيات التي تستهدف مجال مشاريع الأعمال، هو عدم اليقين الذي يكتنف دورة المبيعات الطويلة. لذا، إن كنت مستثمراً في هذا المجال، فعليك أن تعرف كيف تتعامل مع هذا الغموض.
وظّف أشخاصاً يكملون صفاتك المميزة
يميل القادة إلى اختيار الأشخاص الذين يتمتعون بنفس صفاتهم الشخصية وتوظيفهم. لكن المؤسِّسين عليهم فعل العكس. حاول أن تجد شريكاً في العمل أو شريكاً مؤسِّساً يتمتع بنفس الصفات التي لا تتوافر في شخصيتك. وبهذه الطريقة، يستطيع الشركاء تدارك نقاط ضعفك وتستمتع أنت بالعمل الذي قد تجده متعباً. سيوفر هذا أيضاً مزيداً من وقت الفراغ لتمارس الأشياء التي تحبها. مثلاً، إن أحرزت نقاطاً قليلة جداً في مجال الانفتاح على التجارب، فقد يدل هذا على عدم اهتمامك الغريزي بالعمل الإبداعي، حتى لو قمت به إن اضطررت. وبناءً عليه، حاول أن تجد شخصاً يتحمس للعمل الإبداعي وسلّمه قيادة المشاريع الإبداعية. بهذه الطريقة يصبح لديك المزيد من الوقت للقيام بالأعمال التي تثير حماسك بدلاً من تلك التي تستنزف طاقاتك.
جد لنفسك "كوّة مُرممة" لتخفيف الضغط
لا يستطيع المؤسِّسون الاستمرار في تجاهل الأعمال التي لا يحبونها. وعلى الرغم من الجهود التي يبذلونها، يجد بعضهم نفسه مجبراً على القيام بعمل يتناقض تماماً مع شخصيته. فهم يجدون أنفسهم مثلاً مضطرين في البدايات إلى استخدام الشبكة الإلكترونية ليلاً ونهاراً حتى ولو لم يجدوا متعة في التواصل مع الناس. لذلك ينصح الأخصائيون النفسيون بإيجاد مكان ووقت متمايزين يستطيع الإنسان فيهما التخلص من التوتر والعودة إلى نفسه القديمة مجدداً. يستطيع المؤسسون الانطوائيون مثلاً الاسترخاء من ضغط العمل على شبكة الإنترنت والتصدي للاكتئاب بتحديد موعد يومي يستطيعون فيه الانغماس في عزلة وهدوء تامّين. حيث تساعد هذه الأماكن المؤسسين على شحن طاقتهم واستعادة توازنهم النفسي قبل أن يتفاقم الوضع ويخرج عن السيطرة.
اعرف علامات الاكتئاب
تتعدد أعراض الاكتئاب. فبالإضافة إلى ذلك الشعور بالحزن، قد يتخذ الاكتئاب شكل فقدان المتعة أو الاهتمام بأشياء كنت تحب القيام بها. وتتضمن الأعراض الأخرى زيادة أو نقصاناً مفاجِئ في النوم والوزن والشهية والطاقة، إضافة إلى زيادة الشعور بقلة الأهمية والذنب ولوم النفس.
اقرأ أيضاً: كيف لرائد الأعمال أن يقود ويدبّر أعماله في زمن أزمة "كورونا"؟
وعليه، ينبغي على المؤسِّسين معرفة هذه الأعراض كي يتمكنوا من تمييزها عند الشعور بها واللجوء إلى مساعدة الأخصائي عند الحاجة. وباستطاعتهم أيضاً طلب المساعدة من صديق موثوق أو أحد أفراد العائلة لتمييز هذه الأعراض، وخصوصاً أولئك المؤسسين الذين ينغمسون بالعمل بشكل قد يُفقِدهم القدرة على التعرف على الأعراض التحذيرية المبكرة.
اقرأ أيضاً: مدثر شيخة الشريك المؤسس لشركة "كريم"
إن عدم تمتعك بشخصية رائد الأعمال لا يعني بالضرورة عدم قدرتك على تأسيس شركة، لكن عليك أن تكون على دراية تامة بمخاطر الصحة النفسية لاكتئاب المؤسسين وأن تتعامل، في ضوء ذلك، مع شخصيتك ومحيطك. وباتباع النصائح السابقة ستستطيع أن تخطو خطوة للأمام وتصبح مؤسِّساً سعيداً وراضياً.
اقرأ أيضاً: أسئلة يتعين على كل رائد أعمال الإجابة عنها