الثمن غير المتوقع لاعتماد الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل

9 دقيقة
انتقاص الكفاءة
رسم توضيحي: ساندرا نافارو

كان نائب رئيس إحدى كبرى شركات التكنولوجيا للشؤون الهندسية يتأمل المؤشرات ربع السنوية لتبني أداة الذكاء الاصطناعي بقدر متزايد من الإحباط؛ فبعد مرور 12 شهراً على إطلاق مساعد برمجي مدعوم بالذكاء الاصطناعي من الجيل المتقدم، لم تتجاوز نسبة المهندسين الذين جربوه 41%، على الرغم من الوعود التي قدمتها الشركة بأن هذه الأداة ستعزز إنتاجية مطوري البرمجيات بدرجة كبيرة. والأدهى أن نسبة تبنيها بين المهندسات لم تتعد 31%، وبين المهندسين الذين تبلغ أعمارهم 40 عاماً فأكثر لم تتجاوز 39%. وقد توصلنا إلى هذه النتيجة من خلال بحث أجريناه على 28,698 مهندس برمجيات في الشركة.

فوجئ فريق القيادة؛ إذ أنفقوا الكثير من المال وبذلوا جهداً كبيراً لتعزيز هذا الاتجاه، واستثمروا في أدوات متطورة من أحدث جيل، وعالجوا بعناية قضايا الوصول إلى الأدوات التكنولوجية وبنيتها التحتية وتنمية مهارات استخدامها، كما خصصوا فريقاً كاملاً لتولي مهمة نشر هذه الأدوات والترويج لها، ومن ثم كانوا يترقبون لحظة ارتفاع الإنتاجية إلى مستويات غير مسبوقة.

ما تعانيه الشركة لا يقتصر عليها وحدها؛ فالنمط ذاته يتكرر في مختلف الشركات الأميركية. وفق دراسة استقصائية أجراها مركز بيو للأبحاث، وبعد عامين من طرح تشات جي بي تي، لا يستخدم الذكاء الاصطناعي في العمل سوى 16% من العاملين الأميركيين على الرغم من السماح لنسبة 91% منهم بذلك. ويرجع التفسير المعتاد لهذه الفجوة إلى قصور المهارات أو صعوبات التدريب. وقد لا يدرك بعض الموظفين مجالات الاستفادة الممكنة من الذكاء الاصطناعي أو يفتقرون إلى الثقة بقدراتهم التقنية. الحقيقة أن موظفي الخطوط الأمامية في القطاع التقني، مثل مهندسي البرمجيات وعلماء البيانات، أكثر إقبالاً على استخدام الذكاء الاصطناعي مقارنة بالعاملين في القطاعات الأخرى. ومع ذلك لا يزال مستوى الاستخدام منخفضاً على نحو لافت وغير متكافئ حتى بين هؤلاء الرواد الأوائل. فما هو تفسير ذلك؟

انتقاص الكفاءة

لفهم السبب، أجرينا تجربة مسجلة مسبقاً شملت 1,026 مهندساً من الشركة نفسها. كان تصميم التجربة بسيطاً؛ إذ طلبنا من المشاركين تقييم مقطع برمجي بلغة بايثون زعمنا أن مهندساً كتبه، إما بمساعدة الذكاء الاصطناعي وإما من دونها. كانت الرموز البرمجية نفسها متطابقة في الحالات كلها، وكان الاختلاف الوحيد في وصف طريقة إنشائها.

وجاءت النتائج لافتة؛ إذ تراجع تقييم المشاركين لكفاءة المهندس بنسبة 9% في المتوسط، عندما قيل لهم إنه استعان بالذكاء الاصطناعي، على الرغم من تطابق العمل نفسه. ولم يكن السبب مرتبطاً بجودة الرموز البرمجية؛ إذ ظلت تقييمات الرموز البرمجية نفسها متقاربة سواء كان الذكاء الاصطناعي مستخدماً أم لا؛ ولكن تدنى تقييم القدرة المتصورة لدى الشخص الذي كتبها.

كان أثر انتقاص الكفاءة أشد وطأة بمقدار الضعف على المهندسات؛ إذ انخفض تقييمهن بنسبة 13% مقابل 6% لدى المهندسين. وعندما كان مسؤولو التقييم يعتقدون أن امرأة استعانت بالذكاء الاصطناعي في كتابة الرمز البرمجي، كانوا يشككون في قدراتها الأساسية بدرجة أكبر بكثير مما لو كان الرمز نفسه قد كتبه رجل بمساعدة الذكاء الاصطناعي.

تمثلت أهم معلومة في هوية الطرف الذي فرض هذا الانتقاص؛ فقد كان المهندسون الذين لم يتبنوا الذكاء الاصطناعي بأنفسهم أشد المنتقدين، لا سيما الذكور منهم، عند تقييم المهندسات اللواتي استخدمن هذه التقنية؛ إذ خفضوا تقييمهن بنسبة أكبر بـ 26% مقارنة بخفضهم لتقييم المهندسين الذكور عند استخدام الأداة نفسها.

كشفت الدراسات الاستقصائية اللاحقة، التي شملت 919 مهندساً، عن أبعاد أعمق للمشكلة؛ إذ توقع عدد كبير من المهندسين أنهم سيتعرضون لهذا انتقاص الكفاءة، ما دفعهم إلى تبني سلوك استباقي يتمثل في تجنب استخدام الذكاء الاصطناعي بغرض حماية سمعتهم المهنية. وتبين أن أشد الفئات خشية لهذه الظاهرة في قطاع التكنولوجيا، لا سيما النساء والمهندسون كبار السن، هم في الواقع أقل الفئات استخداماً لهذه التكنولوجيا. كما أن هذه الفئات، التي يفترض أن تكون المستفيد الأكبر من الأدوات المعززة للإنتاجية، كانت ترى أن المخاطر المرتبطة بتبني أدوات الذكاء الاصطناعي تفوق مكاسبه المحتملة.

تكلفة انتقاص الكفاءة

تكشف هذه النتائج عن ضريبة خفية تعوق تبني الذكاء الاصطناعي؛ فما يبدو تردداً عابراً في استخدام أدوات جديدة يخفي وراءه دافعاً عقلانياً للحفاظ على السمعة والمكانة المهنية. ولا تقف التكلفة الحقيقية عند حدود الإنتاجية المفقودة، بل تمتد إلى آثار أعمق وأطول أمداً على الرغم من أن خسائر الإنتاجية وحدها قد تمثل عبئاً كبيراً بحد ذاتها.

ولننظر مثلاً إلى شركة التكنولوجيا التي تناولها بحثنا؛ فقد أنفقت مبالغ طائلة على تطوير مساعدها البرمجي المعتمد على الذكاء الاصطناعي وعلى نشره. لم تتجاوز نسبة تبني هذه الأداة 41%، وانخفضت أكثر بين الفئات الرئيسية، فكانت عائداتها أقل من نصف العائد المتوقع وتكبدت خسارة صافية لا تقل عن 2.5% من الأرباح السنوية، وقد تصل إلى 14% تبعاً لطريقة الحساب (استناداً إلى قيمة الرواتب المهدورة مقارنة بالمكاسب المتوقعة من تبني أداة الذكاء الاصطناعي). وبالنسبة لشركة بهذا الحجم، فحتى التقدير المحافظ يقدر فقدان قيمة بمئات ملايين الدولارات.

من تداعيات انتقاص الكفاءة أيضاً اللجوء المحتمل إلى ما يعرف بالذكاء الاصطناعي الخفي؛ فعندما يخشى الموظفون استخدام الأدوات الرسمية، لا يعني ذلك بالضرورة عزوفهم عن الذكاء الاصطناعي كلياً، بل قد يتجه بعضهم إلى أدوات غير مصرح بها وبمعدلات تفوق توقعات الشركات. وهذه الممارسات يصعب وقد يستحيل رصدها، ما يعرض المؤسسة لمجموعة واسعة من المخاطر تبدأ من أمن البيانات وصولاً إلى الالتزام بالقوانين. كما يمكن أن يقوض ذلك الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي بسبب غياب الاتساق في الممارسات.

يسهم انتقاص الكفاءة أيضاً في تفاقم أوجه عدم المساواة القائمة في بيئة العمل. وقد يبدو من المنطقي افتراض أن أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تخلق تكافؤاً في الفرص من خلال تعزيز قدرات الجميع. بيد أن نتائجنا تشير إلى أن هذا الأمر غير مضمون، بل قد يكون العكس صحيحاً؛ ففي بيئة يهيمن عليها الذكور من فئة الشباب، أدت إتاحة الذكاء الاصطناعي للجميع على قدم المساواة إلى زيادة التحيز ضد المهندسات.

يحدث هذا على الأرجح من خلال عملية معروفة باسم تهديد الهوية الاجتماعية. فبالنسبة لأفراد الفئات التي تحيط بها الصور النمطية، مثل النساء في قطاع التكنولوجيا أو الموظفين الأكبر سناً في مجالات يهيمن عليها الشباب، يعزز استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي الشكوك القائمة أصلاً بشأن كفاءتهم، ويعتبره البعض "دليلاً" على انعدام كفاءتهم لا برهاناً على استخدامهم الاستراتيجي للأدوات التكنولوجية الحديثة. وفي أي قطاع يهيمن فيه طرف على آخر، ترتفع مستويات انتقاص كفاءة العاملين المنتمين إلى الفئات الأقل تمثيلاً.

يثير انتقاصكفاءة مستخدمي الذكاء الاصطناعي أيضاً أسئلة حساسة حول سياسات الإفصاح في بيئة العمل؛ فعلى الرغم من أن الشفافية عنصر أساسي في الاستخدام المسؤول لهذه التكنولوجيا، فقد تضر أكثر مما تنفع في سياق التفاعلات الداخلية للمؤسسات. وتشير نتائجنا إلى أن إلزام الموظف بالكشف لزملائه عن استخدامه الذكاء الاصطناعي قد يفرض مخاطر مهنية غير عادلة، ما يجعل تحقيق التوازن ضرورياً. ففي البيئات التي يغلب فيها انتقاص الكفاءة، قد يكون الامتناع عن فرض الإفصاح خياراً أكثر مسؤولية.

كسر دائرة انتقاص الكفاءة

حققت شركة التكنولوجيا التي تناولتها دراستنا تقدماً يتجاوز ما تحققه غالبية الشركات؛ إذ أنشأت فرقاً مخصصة للذكاء الاصطناعي ووفرت حوافز وقدمت التدريب. ومع ذلك، لم تحقق هذه الاستثمارات النتائج المرجوة لأنها لم تتطرق إلى التهديد الجوهري المتمثل في انتقاص الكفاءة. وتشير نتائجنا إلى ضرورة اتباع نهج أكثر دقة.

1. تحديد بؤر انتقاص الكفاءة في مؤسستك.

يخلق انتقاص الكفاءة تفاعلات مقلقة؛ فأقدر الفئات على الاستفادة من أدوات تعزيز الإنتاجية هي تحديداً التي ترى أن استخدامها ينطوي على مخاطر لا يمكن تحملها. وقد أظهر بحثنا أن الشابات العاملات في قطاع التكنولوجيا يمكن أن يحققن أكبر مكاسب في وقت الإنتاجية، إلا أنهن يتبنين هذه الأدوات حالياً بأدنى المعدلات. وسد هذه الفجوة خطوة سهلة نسبياً أمام المؤسسات التي تسعى إلى تحقيق أقصى استفادة من استثماراتها في الذكاء الاصطناعي.

لتحديد الفرق التي تعاني أعلى مستويات انتقاص الكفاءة، ينبغي البدء برصد الفئات المجتمعية المعرضة للخطر وأي اختلالات في توازن السلطة داخل بيئة العمل. على سبيل المثال، يشكل وجود عدد محدود من النساء أو المهندسين الأكبر سناً في مناصب مبتدئة، مقابل كثافة المراجعين الذكور غير المتبنين للذكاء الاصطناعي في المناصب العليا، بيئة خصبة لظهور هذا الانتقاص. ويجب تحليل بيانات زمن الترقية بحسب الفئات المجتمعية ومستوى استخدام الذكاء الاصطناعي، لتقدير أثر هذه الظاهرة على المسارات المهنية ورصد درجة خطورتها وأولوية التصدي لها. وأخيراً، لا بد من تقييم سياسات الإفصاح المطبقة على الفئات المعرضة للخطر، سواء كانت إلزامية أو طوعية، ودراسة أثرها الفعلي على فرص الترقية والتطور المهني.

2. استمالة المشككين المؤثرين.

يفرض غير المتبنين لأدوات الذكاء الاصطناعي أشد أشكال انتقاص الكفاءة، وما زالوا يشكلون الأغلبية في معظم المؤسسات. وقد أظهرت دراستنا أن المهندسين الذين لم يستخدموا الذكاء الاصطناعي كانوا أكثر تشدداً في تقييم زملائهم الذين يستخدمونه، خاصة عندما تكون الزميلة مهندسة؛ إذ كان الذكور غير المتبنين لهذه الأدوات ينتقصون من تقييم المهندسات بدرجة أكبر من انتقاصهم لتقييم المهندسين الذكور.

يتطلب كسر هذه الدائرة توظيف التأثير الاجتماعي بأسلوب استراتيجي؛ فعندما يرى الموظف زملاء يحظون بالاحترام يستخدمون الذكاء الاصطناعي بنجاح ودون أي تبعات مهنية، يتراجع شعوره بالمخاطر. وأكثر الأساليب فعالية هو الاستعانة بنماذج يحتذى بها تظهر بوضوح أن استخدام الذكاء الاصطناعي لا يتعارض مع النجاح المهني.

وأقوى الداعمين هم الذين يمثلون الفئات الأكثر تعرضاً لانتقاص الكفاءة؛ فقد كشف بحثنا أن النساء في المناصب العليا أقل خوفاً من هذا الانتقاص مقارنة بنظيراتهن في المستويات الوظيفية الأدنى. وعندما تستخدم هؤلاء القائدات الذكاء الاصطناعي علناً، فسيوفرن حماية مهمة لزميلاتهن المعرضات لخطر انتقاص الكفاءة. وتوضح دراسة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية هذه الآلية أيضاً؛ إذ تبين أن تفوق النساء القياديات في المناصب العليا على نظرائهن الرجال في تبني هذه التقنية يقلل الفارق في نسب استخدامها بين النساء والرجال في المستويات الوظيفية الأدنى بدرجة ملحوظة.

النماذج الفردية ملهمة، لكن البرامج المنهجية هي التي تصنع الزخم. ولك أن تنظر مثلاً إلى تحدي "30 يوماً مع جي بي تي" الذي أطلقته رئيسة قسم المنتجات في شركة ووب، هيلاري غريدلي. بدأ البرنامج بمهام بسيطة، مثل إعداد جداول الاجتماعات، ثم تطور ليشمل عمليات أكثر تعقيداً باستخدام نماذج جي بي تي مخصصة. أسهمت العروض اليومية والاحتفاء العلني بالإنجازات في خلق شعور بالأمان النفسي؛ إذ شاهد أعضاء الفريق زملاءهم، على اختلاف مستويات مهاراتهم، يستخدمون الذكاء الاصطناعي ويستفيدون منه. وتتراجع مقاومة المشكك عندما يرى زملاء يحترمهم، وليس فقط القيادات العليا، يستخدمون الذكاء الاصطناعي بفعالية في أعمال حقيقية.

توضح فعالية "ميكاثون" السنوية التي تنظمها شركة بنترست كيفية تطبيق هذا الأسلوب على نطاق مؤسسي واسع. فقد نظمت الشركة مسابقة شاملة للموظفين جميعاً دون استثناء على اختلاف تخصصاتهم وخبراتهم التقنية عرضت فيها الفرق أفكاراً قائمة على الذكاء الاصطناعي وطورت نماذج أولية وقدمت مشاريعها. وأدى القادة الداخليون دور "المستشارين الفنيين" وقادة الفرق، ما أضفى مصداقية على تجارب الذكاء الاصطناعي. وكانت النتائج لافتة؛ إذ أفاد 96% من المشاركين بأنهم استمروا في استخدام الذكاء الاصطناعي شهرياً، بينما أكد 78% من المهندسين أن الذكاء الاصطناعي وفر لهم وقتاً.

3. إعادة تصميم التقييمات لإزالة مؤشرات التحيز

إذا كان على المهندس وضع وسم "مدعوم بالذكاء الاصطناعي" على الرموز البرمجية التي يكتبها، فإن ذلك يجعله عرضة لتقييم منحاز. وما لم تتغير ثقافة المؤسسة، سيظل هذا الوسم يحمل في طياته أحكاماً مسبقة. والحل بسيط: توقف عن الإشارة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييمات الأداء إلى أن تصبح ثقافة مؤسستك مهيأة لذلك.

أظهرت تجربتنا أن العمل المنجز بمساعدة الذكاء الاصطناعي لا يقل جودة عن غيره، على الرغم مما يتعرض له أصحابه من انتقاص للكفاءة. وهذا التناقض يوضح المسار الأمثل: الانتقال من التركيز على كيفية إنجاز العمل إلى التركيز على النتائج المحققة. ويمكن تحقيق ذلك عبر التخلص من تقييمات الكفاءة المبنية على الانطباعات الشخصية واستخدام مقاييس موضوعية بدلاً منها، مثل مدة الإنجاز ودقة النتائج ومعدلات الأخطاء.

على المؤسسات أن تتوقف تدريجياً عن استخدام الوسوم العلنية التي تشير إلى "استخدام الذكاء الاصطناعي" بمجرد إنشاء سجلات امتثال يمكن الرجوع إليها، مع الاحتفاظ بها حصراً للمراجعات الداخلية. كما تسهم المراجعات التي تخفي هوية الموظف في تقليل التحيز ضد الفئات التي تخضع عادة لرقابة مشددة. فعندما لا يتمكن مسؤولو التقييم من معرفة صاحب الرمز البرمجي أو يعجزون عن التيقن من استعانته بالذكاء الاصطناعي، فغالباً ما يحكمون على أساس الجدارة وحدها.

لم تكتف بعض الشركات الكبرى بالوقوف على الحياد، بل شرعت في منح حوافز لمستخدمي الذكاء الاصطناعي، في مسعى لتحويل "انتقاص الكفاءة" إلى "حافز كفاءة". فقد وجهت رئيسة قسم أدوات التطوير في شركة مايكروسوفت، جوليا ليوسن، مدراءها مؤخراً إلى إدراج استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن "التقييم الشامل لأداء الفرد وأثره"، بينما بدأت بعض الفرق تفكر في اعتماد مؤشرات رسمية لاستخدام الذكاء الاصطناعي ضمن مراجعات الأداء للعام المقبل.

اعتبر الرئيس التنفيذي لشركة شوبيفاي، توبياس لوتكي، أن "الاستخدام التلقائي للذكاء الاصطناعي" شرط أساسي يتوقع من الموظفين جميعاً الالتزام به، وأعلن عن خطط لإضافة أسئلة حول استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييمات الأداء وفي مراجعات الأقران. ويرى أن إتقان التعامل مع الذكاء الاصطناعي "مهارة غير بديهية" تحتاج إلى ملاحظات تطويرية وتدريب مستمر، ويعتبر أن الموظفين الذين يتقنون هذه المهارة أكثر قيمة وأهمية ممن لا يتقنونها.

المسار المستقبلي

يشير انتقاص الكفاءة إلى خلل جوهري في طريقة المؤسسات في اعتماد الذكاء الاصطناعي؛ فبينما تركز الشركات على توفير أدوات الوصول والتدريب والبنية التحتية التقنية، فكثيراً ما تتجاهل العوامل الاجتماعية التي تؤثر في استعداد الموظفين لاستخدام هذه الأدوات في عملهم اليومي.

تساعدنا هذه المعلومة على فهم بعض الظواهر الغريبة التي تعيق التحول نحو الذكاء الاصطناعي. لماذا يلجأ الموظفون إلى استخدام تشات جي بي تي سراً بينما يتجاهلون الأدوات المعتمدة رسمياً؟ ولماذا تعتمد المجموعات التي يفترض أن تستفيد أكثر من تعزيز قدراتها بالذكاء الاصطناعي هذه التكنولوجيا بأدنى المعدلات؟ ولماذا تحقق الشركات عائداً محدوداً على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، على الرغم من إنفاقها الهائل عليه؟

يزداد أثر هذا الانتقاص على من يشكك الآخرون أصلاً في كفاءتهم؛ فقد لاحظنا أن المرأة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي تتعرض سمعتها المهنية لضرر يقارب ضعف ما يتعرض له الرجل، كما يواجه الموظفون الأكبر سناً في المجالات التي يغلب عليها الشباب تحيزاً مشابهاً. والمفارقة أن الأشخاص الأكثر احتياجاً إلى ميزة المساواة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي هم أقل من يمكنهم استخدامه بلا مخاطر.

لكن انتقاص الكفاءة ليس أمراً حتمياً؛ فبإمكان المؤسسات القضاء عليه من خلال 3 مبادرات تطويرية موجهة: تحديد بؤر انتقاص الكفاءة وحشد القادة الموثوقين ليكونوا أبرز دعاة استخدام الذكاء الاصطناعي وإعادة تصميم تقييمات الأداء بحيث تكافئ الموظف على النتائج التي يحققها لا على أساليبه في العمل.

وعموماً فالمؤسسات الرائدة في التحول نحو الذكاء الاصطناعي لن تكون بالضرورة صاحبة أفضل الأدوات أو أضخم الميزانيات، بل تلك التي تهيئ بيئة آمنة تتيح لكل موظف استخدام هذه التكنولوجيا بثقة. وإلى أن يتحقق ذلك، ستخسر الشركات أموالها التي تنفقها على شراء تراخيص دون استخدامها، فضلاً عن خسارة فرصة الاستفادة من مهارات موظفيها وتعزيز قدرتهم على الإنجاز.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي