لا تزال عمليات الإنتاج وسلسلة التوريد ما قبل الرقمية تعوق العديد من الشركات المصنعة التي تخدم بائعي التجزئة، ما يجعل من الصعب عليها إدراك احتياجات الزبائن الحقيقية وتقديم خيارات أفضل لهم، حيث أعرب أحد المسؤولين التنفيذيين في قطاع الصناعة عن أسفه إزاء الطريقة التي تزود بها شركته أحد شركائه الرئيسيين في قطاع التجزئة بقوله: "الأمر أشبه بالتوريد إلى ثقب أسود".
إذ يتأثر المصنّعون بشكل سلبي نتيجة الافتقار إلى رؤية طلبيات العملاء في الحالتين التاليتين: قد ينتهي بهم الحال بوجود مخزون فائض من البضائع التي لا يرغب بها الزبائن وحاجتهم إلى تقديم تخفيضات للتخلص منها، بالإضافة إلى صعوبة تزويد بائعي التجزئة بكميات كافية من المنتجات التي يرغب بها الزبائن خشية نفاذ مخزونهم. وما زاد من حدة هذه التحديات هو ظهور تجزئة القنوات المتعددة المتكاملة للبيع بالتجزئة.
لكن ليس بالضرورة أن تجري الأمور على هذا النحو: يمكن للشركات المصنعة الاستفادة من الاستيفاء الرقمي لتقديم اختيار حقيقي للزبائن، وإعادة تنظيم عملية صنع القرار حسب احتياجات الزبائن، وتحقيق المرونة والرؤية التي تتيحها عملية الرقمنة.
يتبنّى الزبائن بشكل أساسي ثلاثة خيارات عند اتخاذ قرار الشراء: هل مواصفات المنتج مستوفاة؟ هل السعر مقبول؟ متى أحصل على المنتج؟ نادراً ما يتم التعرف على قرار الزبون الكاشف وغير المعلن من خلال أنظمة استيفاء الطلبات: ما التنازلات التي يمكنني تقديمها فيما يخص مواصفات المنتج وسعره ووقت الحصول عليه؟
تُقيّد استراتيجيات استيفاء الطلبات التقليدية قدرة الزبائن على التفكير في التنازلات وتقديمها بشكل كامل في ظل هذه الأبعاد. غالباً ما تكون الخصومات مدفوعة بالحاجة إلى تصفية المخزون السلعي الزائد، وتُحدد المواصفات بناءً على ما يوجد في المخزن، لكن لا تتحقق إمكانات تخصيص المنتج أبداً نظراً لعدم مشاركتها مع الزبون. يُعد جعل خيارات المواصفات والوقت والسعر واضحة للزبائن ومنحهم القدرة على التوصل إلى قرار مستنير بشأنها أمراً جوهرياً للمصنعين بغية تحقيق إمكانات استيفاء الطلبات رقمياً. يتجلّى هذا النهج كما شهدنا في بحثنا مع المصنعين العالميين في قطاعي السيارات والسلع الاستهلاكية حين تستغل بعض الشركات إمكانات التقنيات الرقمية في إعادة تحديد التباين في تفضيلات الزبائن كفرصة لخلق القيمة، بدلاً من اعتبارها مشكلة تحتاج إلى إدارة.
نحو الاستيفاء الرقمي
تتيح التقنيات الرقمية تفعيل النطاق الكامل لقنوات استيفاء الطلبيات من النظام التقليدي غير الرقمي إلى النظام الرقمي ومن التصنيع إلى البيع بالتجزئة. كما أنها تسهّل الاختيار وتمكّن الزبائن من تحديد خيارات كانت مقيدة مسبقاً في نظام استيفاء الطلبات التقليدي. في المقابل، يُثري الوضوح في الخيارات التي يحددها الزبائن التعديلات التشغيلية الهامة والتحسينات العملية. نسمي تكامل قنوات استيفاء الطلبات هذا استيفاء الطلبات الرقمي.
ويمثّل مفهوم شركة أديداس "مصنع المتجر" نموذجاً مصغراً للإمكانات التي يقدمها تكامل المعلومات بين البيع بالتجزئة والتصنيع. ويعتمد مصنع المتجر على فحص الجسم ليقدم للزبائن رؤى حول خيارات تصميم الملابس وملاءمتها، وكذلك فرصة الحصول على ملابس مخصصة تنتجها آلة الحياكة الآلية في المتجر. بينما لا تتعمد أديداس نهج تباين السعر بين الملابس المصنّعة حسب الطلب والمنتجات الجاهزة، حيث يوفر الدمج المباشر للمعلومات من نقاط البيع بالتجزئة إلى التصنيع رؤى عميقة حول تفضيلات الزبائن من حيث الوقت والمواصفات، وهي الرؤى التي يتعذر الحصول عليها من قبل الشركات المصنعة عبر القنوات التقليدية لاستيفاء المنتجات . تُعتبر هذه المعلومات أساسية لتوجيه استراتيجيات القدرات الإنتاجية والمخازن وللاستفادة من قدرات التخصيص الموجودة في العديد من عمليات التصنيع على نحو أمثل.
تستغل شركة تيمبوك 2 (Timbuk2) المصنّعة لحقائب سعاة البريد معلومات دمج التصنيع بمبيعات التجزئة وتخطو خطوة إلى الأمام في اتجاه استخلاص القرارات الخاصة باختيارات الزبائن، حيث توفر شركة تيمبوك 2 في بعض متاجر البيع بالتجزئة أكشاكاً تُمكّن الزبائن من طلب حقائب مخصصة. عند نفاذ مخزون المنتجات ذات الإنتاج الضخم في تلك المتاجر نفسها، يعرض موظفو المتجر على الزبائن خصماً في حال طلبهم الحقيبة من خلال الكشك، سواء لشراء المنتج غير المتوفر ذاته أو لتصميم منتج آخر مخصص لاحتياجاتهم. وتُمكّن معلومات كشك المتجر شركة تيمبوك 2 من تلبية الطلب من خلال توظيف مرونة الزبون التي لم يتم ملاحظتها سابقاً في فترات الإنتاج بطريقة تتوافق مع طريقة الإنتاج.
وتكمُن أهمية دمج البيع بالتجزئة والتصنيع من خلال الاستيفاء الرقمي بالنسبة للمصنعين في خلق فرص جديدة لإدارة الطلبيات وتحسين استخدام الطاقة الإنتاجية. اكتشف مصنع إنتاج السيارات الذي قمنا بدراسته إمكانية استخدام استراتيجيات استيفاء الطلبات المخصصة لتأجيل جزء من الطلب الكلي من خلال تقديم عرض لهؤلاء الزبائن الذين كانوا على استعداد للانتظار. وينطوي العرض على الحصول على تخفيض وفرصة للحصول على السيارة التي يريدونها بالتحديد. أثبت هذا النهج فعاليته بشكل خاص بالنسبة للمنتجات التي كان الطلب عليها مرتفعاً بحيث لم يتمكن المصنع من مواكبة ذلك. كما أن إتاحة الفرصة للزبائن للتفكير في خيارات التخصيص والسعر والوقت سمحت للشركة بالحد من الطلبيات الزائدة التي قد تتحول إلى منتجات تنافسية.
حقّق ما تصبو إليه
هذا ما يجب على الشركات القيام به لتنفيذ الاستيفاء الرقمي للطلبيات:
أعد التفكير في استراتيجية استيفاء الطلبات الخاصة بك. استكشف التقنيات الجديدة التي تجعل تصنيع أنواع متنوعة بكميات صغيرة أمراً اقتصادياً. ونتيجة لذلك، أعد التفكير في مكان تنفيذ التصنيع، سواء في متجر أو في مكان يزود العديد من المتاجر في منطقة ما بدلاً من مصنع بعيد وواسع النطاق. تقدم التطورات الحديثة في التصنيع الرقمي مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد المعروفة أيضاً باسم التصنيع التجميعي فرصة كبيرة لتجربة خطط التصنيع الجديدة.
أعد تنظيم سلسلة التوريد الخاصة بك. تزدهر العديد من الجهات الفاعلة في سلسلة التوريد الخاصة بك بسبب عدم الكفاءة التي تسمح لهم بتوجيه اختيارات الزبائن، وقد يؤدي وجود هذه الجهات الفاعلة إلى حجب المعلومات حول تفضيلات الزبائن. في قطاع صناعة السيارات على سبيل المثال، غالباً ما يستغلّ تجار السيارات افتقار زبائنهم إلى الوعي بشأن المفاضلة بين مواصفات السيارة والسعر والوقت لصالح مخزونهم الفائض. والتغلب على هذا التحدي يعني مواءمة الحوافز وإعادة تحديد أدوار الجهات الفاعلة عبر سلسلة التوريد لتعزيز تدفق المعلومات، وجعل النطاق الكامل لعملية الاختيار مرئياً للزبائن وكذلك استخلاص عمليات اتخاذ القرار الخاصة بالزبائن.
خلق الرؤية عبر القنوات. إنشاء بنية تحتية مشتركة للبيانات لدمج المعلومات التشغيلية والمالية الموجودة في عمليات التصنيع والبيع بالتجزئة. يؤدي فتح خط إنتاج الطلبيات عبر جميع قنوات الاستيفاء المتاحة إلى ظهور الفرص والتكاليف المرتبطة بالقرارات الرئيسية للشركة. وقد مكّن دمج جميع قنوات الاستيفاء القائمة على المصنع والمخزون في نظام واحد لتكنولوجيا المعلومات الشركة العالمية المصنعة للسيارات التي درسناها من تحديد خيارات السعر والوقت ومواصفات المنتج بشكل هادف للاستفادة من إمكانيات التخصيص بشكل أفضل، وتقليل مخزون السلع الجاهزة وإغراء الزبائن لانتظار توافر القدرة الإنتاجية.
فتح مجال الحلول للزبائن. وسّع مجموعة خيارات الزبائن لتشمل رؤية موحدة للخيارات المتاحة للسعر والمواصفات والوقت بالإضافة إلى التنازلات المتعلقة بها، مع مراعاة التأثير على الربحية. قد يتطلب ذلك بعض الإعدادات البسيطة مثل تلك التي تعتمدها شركة تيمبوك 2 وغيرها لتوجيه الزبائن من خلال خيارات التكلفة والوقت نحو بدائل المنتج الذي يفكرون فيه. وتُعتبر المعلومات المتوفرة حول المنتجات التي لا يُفضّلها الزبائن ذات قيمة كبيرة ولكن غالباً ما يتجاهلها المصنعون.
ويؤدي حجب المعلومات بين عمليات التصنيع وواجهات التعامل مع الزبائن إلى الحد من قدرة الشركات على فهم احتياجات الزبائن وتلبيها بالكامل. يوفّر الاستيفاء الرقمي للمنتجات سبيلاً للشركات لإدراك القيمة الكاملة لاستثماراتها في مرونة التصنيع وتكنولوجيا المعلومات. وفي حالات أخرى مثل حجز رحلات السفر على الإنترنت، أدرك الزبائن بالفعل أهمية هذه الرؤية بشأن المفاضلة بين الأسعار، والمواصفات، والوقت. في المقابل، سوف يصبح الاستيفاء الرقمي للمنتجات هو الرائج في التصنيع وليس الاستثناء.