تعتبر السلع الفاخرة من الوسائل التي نلجأ إليها للإشارة إلى مكانتنا الاجتماعية؛ إذ نأمل أن يتعرف الناس على شعار الماركة المثبت على الحقيبة التي نحملها أو شكل الخياطة أو التطريز الموجود على بنطال الجينز، ليرونا من خلالها بطريقة معينة.
وفيما يتعلق بسوق السلع الفاخرة التي يُقدّر حجمها بـ 262 مليار دولار، تُعدّ الاستفادة من حاجة المستهلكين الأساسية إلى احترام الآخرين أو إعجابهم أداة قوية جداً. وليس من قبيل الصدفة أن ترى ماركة سيارات مثل "أودي" تدعوك إلى أن "ترتقي بمكانتك" باقتناء إحدى سياراتها، أو أن تشعرك سيارة "آستون مارتن" الرياضية الفاخرة بأنها ستضفي "قيمة على حياتك". وتحاول الكثير من الماركات الفاخرة دفعك للتفكير في مكانتك باعتبارها أحد الأصول ومصادر القوة التي تمتلكها، وتخاطب رغبتك في الحفاظ على مظهرك الاجتماعي، فترى ماركة ساعات رولكس تذكرك - مثلاً- بأنّ المستوى الاجتماعي الرفيع أو المتميز يدوم إلى الأبد.
كثيراً ما استخدمت الصناعات الفاخرة والراقية وصناعة الأزياء هذه الأساليب الترويجية، على مدى مئات السنين، لجذب المشترين من خلال الاستفادة من رغبة الناس في أن يكونوا في قمة الهرم الاجتماعي. وبما أنّ وجهات نظرنا السياسية تتشكل كذلك بناء على فكرتنا عن تسلسل المستويات الاجتماعية، فقد تساءلنا عما إذا كان هناك علاقة وارتباط بين المعتقدات السياسية والرغبة في اقتناء السلع الفاخرة.
وللتعرف على الإجابة، أجرينا بحثاً حول سؤال بسيط ولكنه مهم وحاسم؛ وهو: هل يؤثر المعتقد الأيديولوجي السياسي في الميل إلى تفضيل السلع الفاخرة، وكيف يكون ذلك؟
وبناء على النتائج التي توصلنا إليها، ونشرت مؤخراً في مجلة التسويق (Journal of Marketing)، يرتبط الولاء السياسي للمستهلك، غالباً، بمدى رغبته في اقتناء السلع الفاخرة، وخصوصاً بالنسبة للمحافظين. ويرجع السبب في ذلك إلى رغبتهم الكبيرة في الحفاظ على النظام الاجتماعي الاقتصادي، والمحافظة على تسلسل مستويات الهرم الاجتماعي القائم.
وتوصلنا من خلال مجموعة من الدراسات- بما فيها تحليلات أُجريت باستخدام بيانات حقيقية مستمدة من آلاف عمليات شراء السيارات- إلى أنّ المتسوقين المحافظين يكونون أكثر ميلاً لشراء السلع الفاخرة عندما يعتقدون أنها ستساعدهم في الحفاظ على مستواهم الاجتماعي، ولكن ليس بالضرورة أن ترتقي به. وبعبارة أخرى، لا يقتني المحافظون ساعات رولكس أو باتيك فيليب السويسرية الفاخرة سعياً للارتقاء بمركزهم الاجتماعي، بل لرغبتهم الشديدة في المحافظة على هذا المركز .
دراسة الجمهوريين والديموقراطيين
كان هدفنا في البداية إيجاد الرابط الأساسي بين التوجه السياسي ومدى زيادة الرغبة في شراء السلع الفاخرة أو ضعفها.
قمنا بفرز بيانات فعلية لعمليات شراء سيارات تضم 21,999 مستهلكاً في 50 ولاية أميركية في الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2011 إلى سبتمبر/أيلول 2012، حيث تضمنت هذه البيانات التوجهات السياسية للمشترين إلى جانب نوع السيارة وموديلها. (وطُلب في هذه الدراسة من المشاركين الكشف عن انتماءاتهم الحزبية، واقتصرت العينة المستخدمة في البحث على الجمهوريين والديمقراطيين فقط، واستبعدت الليبراليين والمستقلين وغيرهم. وفي دراسات أخرى، استخدمنا استطلاعات سبق إجراؤها لتقييم التوجه الليبرالي أو المحافظ). وحصلنا كذلك على معلومات خاصة بمراكزهم الاجتماعية التي قمنا بتقييمها كناتج مشترك لمستوى الدخل والتعليم معاً.
وكشفت التحليلات التي قمنا بها عن وجود اختلاف كبير- ليس بين المستهلكين العاديين ذوي المراكز الدنيا بل بين المستهلكين الكبار ذوي المكانة الاجتماعية العليا، إذ ارتفع إقبال الجمهوريين ذوي المكانة العالية على شراء السيارات الفاخرة بنسبة 9.8% أكثر من نظرائهم الديموقراطيين (ذوي المكانة العالية). وبعبارة أخرى، بينما أنفق الديموقراطيون ذوو المكانة العالية مبلغ 29,022 دولاراً في المتوسط على سياراتهم، أنفق نظراؤهم الجمهوريون المماثلون لهم في الثراء مبلغ 33,216 دولاراً. ويعني ذلك بالنسبة إلى بائعي السيارات الفاخرة وجود فارق متوسط في زيادة المبيعات للعملاء المحافظين بنسبة 14.45%.
وبافتراض أنّ معظم الناس يشترون السلع الفاخرة لإظهار مكانتهم الاجتماعية للآخرين، أجرينا مزيداً من البحث حول الاختلاف بين الجمهوريين والديموقراطيين. وتساءلنا عما إذا كان اختلاف المعتقدات والأيديولوجيات السياسية سيؤثر بشكل غير متكافئ في تحفيز هدفين مختلفين مرتبطين بالمكانة الاجتماعية؛ وهما: رغبة المرء في الحفاظ على مكانته، ورغبته في الارتقاء بها ليتفوق على الآخرين. وتوقعنا أنه نظراً لميل المحافظين إلى الإبقاء على الوضع القائم، ستزداد رغبتهم في شراء سلع فاخرة عندما يتعلق الأمر بالمحافظة على مكانتهم الاجتماعية وليس الارتقاء بها. ويفسر ذلك أيضاً أنّ من بين المستهلكين ذوي المكانة العالية، يقبل الجمهوريون على شراء السيارات الفاخرة أكثر من الديموقراطيين.
وللتأكد من هذا الاحتمال، عرضنا، بشكل عشوائي، واحداً من ثلاثة إعلانات لنوع واحد من النظارات على 403 من المشاركين (في منصة استطلاعات أمازون ميكانيكال ترك Amazon’s Mechanical Turk) ضمن أحد الاستطلاعات الإلكترونية. لم يتضمن الإعلان الأول أيّ ارتباط بالمكانة الاجتماعية: "نظارات تناسب الجميع"، بينما أشار الإعلان الثاني إلى الحفاظ على المكانة الاجتماعية: "نظارات فاخرة تحافظ على مظهرك الاجتماعي"، وركز الإعلان الثالث على الارتقاء بالمكانة الاجتماعية: "نظارات فاخرة ترتقي بمظهرك الاجتماعي". (أكد التقييم الأولي نجاح كل إعلان من هذه الإعلانات في تحفيز الهدف المطلوب لدى المشاركين فيما يتعلق بالمركز الاجتماعي).
وجاءت النتيجة متسقة مع الدراسات السابقة، إذ كانت الرغبة في شراء النظارات أكبر لدى المشاركين الذين أرادوا الحفاظ على مكانتهم أو الارتقاء بها. أما الجديد في هذه الدراسة، والفريد بالنسبة لمجموعة الجمهوريين، فهو أنّ هؤلاء المستهلكين كانوا أكثر انجذاباً للمنتج الذي يؤكد فكرة المحافظة على المظهر الاجتماعي أكثر من ذلك الذي يركز على الارتقاء بالمظهر الاجتماعي أو الآخر الذي لا يركز على المظهر مطلقاً.
وبناء على هذه النتائج، توجهنا بالسؤال إلى 300 مشارك آخرين- بعد معرفة توجهاتهم السياسية- عن المبلغ الذي هم على استعداد لدفعه مقابل الحصول على مجموعة من سماعات الرأس الفاخرة، واستفسرنا من خلال سؤال كتابي قصير عما إذا كانوا يسعون إلى الحفاظ على مكانتهم الاجتماعية أم الارتقاء والنهوض بها.
وعندما قمنا بتحفيز هدف المحافظة على المكانة الاجتماعية، أظهر المستهلكون الذين يوصفون بأنهم محافظون متشددون استعدادهم لدفع 109,80 دولاراً في المتوسط، للحصول على هذه السماعات. وفي المقابل، انخفضت الرغبة في الحصول على السماعات بنسبة 83% عندما قمنا بتحفيز هدف الارتقاء بالمكانة الاجتماعية لدى المحافظين المتشددين، إذ أظهروا استعدادهم لدفع 59,90 دولاراً للحصول عليها. بينما لم يتجاوز المبلغ الذي أبدى المستهلكون غير المؤمنين بقوة بالفكر المحافظ (الديموقراطيون المتشددون) استعدادهم لدفعه 65,10 دولار فحسب، ما يعني وجود فارق كبير بنسبة 65% مقارنة بالمبلغ الذي أبدى الجمهوريون استعدادهم لدفعه، والذي بلغ في المتوسط 109,80 دولاراً.
وبعبارة أخرى، تؤثر الأيديولوجيا السياسية السائدة في السوق المستهدفة تأثيراً واضحاً على رغبة المستهلك في اقتناء السلع الفاخرة، فالمستهلكون ذوو الأفكار المحافظة المتشددة يميلون بشكل أكبر إلى اقتناء السلع الفاخرة عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على مكانتهم الاجتماعية (وليس الارتقاء بها).
انعكاسات نتائج الدراسة على إدارة الماركات الفخمة والتواصل الاستراتيجي
تترتب على هذه النتائج آثار تتعلق بإدارة العلامات التجارية الفاخرة والماركات الفخمة. إذ تساعد العلاقة السببية بين التوجه السياسي وأهداف المكانة الاجتماعية والعادات الشرائية على إيجاد فرص لم تُطرق بعد لاستهداف السلع والخدمات الفاخرة، وتقسيمها إلى فئات وتسويقها وفقاً لأنواع جديدة من مجموعات المستهلكين.
ولا تكتفي دراستنا بإلقاء الضوء على سبب ميل المحافظين بشكل أكبر لشراء الساعات أو النظارات الشمسية أو السيارات أو حتى المساكن فحسب، بل تساعد هذه الدراسة كذلك شركات العلامات الفاخرة على تحديد قنوات الوصول إلى المستهلكين، وأماكن التمركز في الأسواق، واختيار الرسائل المناسبة لدفع هؤلاء المستهلكين بصورة أكثر فعالية طوال رحلتهم في عالم التسوق.
ويمكن- في الواقع- تحديد الانتماء السياسي للمجموعة المستهدفة بسهولة وفقاً للموقع الجغرافي، إذ تعتبر ولاية تكساس- مثلاً- أكثر ميلاً إلى الفكر المحافظ من ولاية ماساتشوستس. ولكن يمكن لشركات الماركات الفخمة البحث عن المزيد من التفاصيل عند وضع استراتيجيات
التقسيم الخاصة بها، إذ يوجد الكثير من البيانات الدقيقة التي يمكن الوصول إليها بسهولة، والتي يمكن لهذه الشركات الاستفادة منها في تقسيم أسواقها إلى فئات، وفقاً للتوجه السياسي وبناءً على قواعد بيانات موثوقة، مثل: غالوب (Gallup) وبيو ريسيرش سنتر (Pew Research Center) وموقع بوليتيكال مابس دوت أورغ (politicalmaps.org) وغيرها.
كما يعتبر من السهل تقييم الفكر السياسي للأفراد من خلال بصماتهم الرقمية، مثل أنماط البحث أو المنشورات التي يبدون إعجابهم بها أو المواقع التي يزورونها، ومن خلال تفضيلاتهم للمؤسسات الإعلامية والمنصات الإلكترونية المختلفة. وعندما تضع الماركات الفاخرة أهدافها وفقاً لذلك، يمكنها تحديد أماكن تمركز منتجاتها وخدماتها في السوق بناء عليه.
وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على المسوقين الانتباه إلى الإشارات المختلفة في البيئة السياسية أو الاقتصادية التي من شأنها زيادة رغبة المستهلك في الحفاظ على مكانته الاجتماعية، وخصوصاً بين المستهلكين المحافظين. فمثلاً، قد تؤدي المخاوف المتعلقة بفقدان الهيمنة الاقتصادية العالمية لدى الولايات المتحدة، أو التهديدات المتعلقة بفقدان طبقة اجتماعية لسلطتها أو مكانتها بطريقة ما، إلى تحفيز دافع المحافظة على المكانة الاجتماعية. كما يمكن أن تؤدي الصدمات الخارجية- مثل الاضطرابات الاقتصادية - إلى زيادة التوجه والمبالغة في الاستهلاك التفاخري المسرف، وخصوصاً في مستحضرات التجميل وتحسين المظهر، وهو ما يُعرف بنظرية "تأثير أحمر الشفاه"(حيث يكون المستهلكون - عند مواجهة أزمة اقتصادية ما - أكثر إقبالاً على شراء سلع فاخرة أقلّ تكلفة، مثل أحمر الشفاه باهظ الثمن بدلاً من معاطف الفرو الغالية). وتشير النتائج إلى أنّ هذه الظاهرة قد تبدو عند الجمهوريين بصورة أقوى مما تظهر عند الديموقراطيين.
وفي الواقع، يعتبر ارتباط التوجه السياسي بالرغبة في اقتناء السلع الفاخرة أمراً منطقياً للغاية، فلطالما مثّلت السياسة إلى جانب الرغبة في تحقيق المكانة الاجتماعية محركين أساسيين للطبقية ونظام الطبقات الاجتماعية عبر التاريخ.