ما هو نهج التوظيف 3.0؟ وكيف يساعد الشركات على استقطاب المواهب؟

4 دقائق

يُبنى نجاح الشركات على عدة عوامل منها، الاستراتيجية والرؤية والرسالة، لكن يبقى المورد البشري هو العامل الأهم لاكتساب ميزة تنافسية مستدامة والعنصر الأكثر فعالية وندرة، فوفق تقرير لينكد إن حول اتجاهات التوظيف العالمية، اعتبر مسؤولو التوظيف أن المواهب تحتل المرتبة الأولى من حيث الأولوية في شركاتهم.

ولا غرابة في ذلك، فقد أوضحت دراسة نُشرت في مجلة بيرسونال سيكولوجي (Personnel Psychology) وشملت ما يزيد على 600 ألف شخص من مختلف الصناعات والتخصصات المهنية، أن الأشخاص الأكثر كفاءة والأفضل أداء يمنحون الشركة التي يعملون فيها إنتاجية أعلى بعدة أضعاف مقارنة مع الأشخاص المتوسطي الأداء.

إذاً فالموارد البشرية الكفوءة والمتميزة قد تمثل كلمة سر التميز للشركة وعماداً لنجاحها، ما دفع الخبراء للتركيز على تطوير أساليب توظيف تختصر الوقت والجهد وتنجح في استقطاب الكفاءات المتلائمة مع أهداف المؤسسة وثقافتها، ولعل من أحدث طرق التوظيف المتكاملة هو التوظيف 3.0.

التوظيف 3.0 (3.0 Recruitment

هو نهج التوظيف الأكثر حداثة، الذي استخلص من أساليب التوظيف التقليدية أهم النتائج والخبرات ودخل فيها إلى عالم التكنولوجيا الحديثة والتطبيقات المختلفة للذكاء الاصطناعي، ليدمج مختلف التحليلات والأدوات والاستراتيجيات من أجل إتاحة عملية تواصل أكثر فعالية بين القائمين على التوظيف والمرشحين، بالإضافة إلى التتبع المتزامن للمراحل المختلفة لعملية الاختيار والتعيين.

فبعد التوظيف 2.0 الذي كان معتمداً بشكل واسع على الويب وتطبيقاته المختلفة بما في ذلك منصّات التواصل الاجتماعي، ومواقع نشر الوظائف، وأتاح المجال لإتمام بعض مراحل عملية التوظيف عبر الإنترنت أو أغلبها، ظهر الجيل الثالث من التوظيف (3.0 Recruitment) الذي ركّز على العلامة التجارية للشركة وصاحب العمل، وانتقل من مرحلة البحث عن المرشحين إلى مرحلة السعي خلف الكفاءات واستقطابها، فكما يقول المحاضر والمستشار الدولي كين روبنسون: "إن الموارد البشرية مثل الموارد الطبيعية؛ غالباً ما تكون مخفية في الأعماق عليك أن تبحث عنها، وأن تخلق الظروف التي تساعدها على الظهور".

الركائز الأربع للتوظيف 3.0

يركز النهج 3.0 تركيزاً أساسياً على أربع ركائز تشكل حجر الأساس لعملية التوظيف الفعالة:

1. العلامة التجارية لكل من الشركة وصاحب العمل

لا أحد يرغب في العمل لدى شركة سيئة السمعة، لذا تأتي العلامة التجارية في المرتبة الأولى من حيث الأهمية، ووفقاً لدراسة شركة غلاس دور (Glassdoor)، أوضح 75% من الباحثين عن عمل أنهم يأخذون بعين الاعتبار إدارة العلامة التجارية بفاعلية قبل التقدم إلى الوظيفة.

2. نهج القيمة المقدمة للمرشحين (Employee Value Proposition. EVP)

"معادلة العطاء والكسب"

يمكن اعتبار هذا النهج عامل تصفية ذكي يتمركز بين التسويق لعملية التوظيف، وعملية التوظيف نفسها، إذ يلغي هذا النهج كلمات الجذب البراقة الفارغة المُتبعة قديماً، ليعتمد على توضيح التوقعات والحقائق ونقاط الضعف والتحديات التي لا بد أن يستعد لها القادمون الجدد للشركة، ولكنه في المقابل يتضمن ذكر المزايا التي يمكن للمرشح الحصول عليها بعد انضمامه إلى تلك الشركة، إنه باختصار تبادل قيم يوضح بدقة ما تريده الشركة وتحتاج إليه وتتوقعه وتطلبه وما تقدمه.

باتباعك لنهج (EVP) ستتمكن من استبعاد الأغلبية، وجذب القلة المميزة وتشجيعها على التقدم إلى الوظيفة، والنتيجة هي ارتفاع جودة التوظيف في الوقت الذي تنخفض التكاليف فيه.

3. التوظيف الداخلي

قبل أن تذهب بعيداً، استفد ممن حولك

تُعد إحالات الموظفين من أهم مصادر الوصول إلى الكفاءات الجديدة، وبحسب جمعية إدارة الموارد البشرية، فإنها تقلل من كلفة التوظيف وتساعد على جذب مرشحين أكثر جودة وانسجاماً مع ثقافة الشركة ما يعني فترة بقاء أطول في عملهم.

4. التسويق للوظائف

هو مصطلح جديد نسبياً، فالتسويق للوظائف يبدأ من بناء ثقافة عمل صحيحة وبيئة عمل جذابة، وتعزيز الهوية الرقمية لصاحب العمل وللشركة، وخصوصاً على منصة لينكد إن، لذا يجب اختيار الأماكن الصحيحة للإعلان والتسويق للشواغر الوظيفية من أجل استقطاب المواهب التي تتناسب مع احتياجات الشركة بدلاً من مئات السير الذاتية التي لا تلبي تلك الاحتياجات.

أهمية نهج التوظيف 3.0 

إن النهج الجديد المتبع في عملية التوظيف يحمل للشركات الكثير من الإيجابيات، أهمها:

  • توفير الوقت والجهد في عملية التوظيف وتحسين كفاءة الموارد البشرية.
  • تحديد أكثر دقة وفاعلية لاحتياجات العمل، وبالتالي توجيه استراتيجيات التوظيف واختيار المرشحين المناسبين من خلال توفير بيانات شاملة وتحليلات دقيقة.
  • تبسيط عملية التقدم إلى الشواغر الوظيفية من خلال توفير منصات التوظيف عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
  • تعزيز تنوع عملية التوظيف وشموليتها وتقليل التحيزات الناجمة عن العوامل الشخصية.
  • تحسين تجربة المرشح حول عملية التوظيف، وتسهيل عملية التواصل وتقديم الملاحظات.

استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في نموذج التوظيف 3.0

تشكل الإضافات التي يمنحها الذكاء الاصطناعي عاملاً مهماً لتطوير بيئة العمل، ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة روبرت والترز للتوظيف (Robert Walters) حول التوظيف والذكاء الاصطناعي، فإن ألف مؤسسة كبيرة أدرجت في خطة العمل لديها أنظمة الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي بشكل ثابت أو تجريبي، في حين قال 66% من أصحاب الشركات المشاركين في الاستطلاع إن الأتمتة تؤثر بالفعل على استراتيجيات التوظيف.

ومن أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التوظيف:

  1. تحليل السيرة الذاتية للمرشحين وتحديد التوافق بين مهاراتهم ومتطلبات الوظيفة ما يوفر عمليات فلترة أكثر دقة وفعالية، ولعل نظام تتبع طلبات المتقدمين (ATS) هو أبرز مثال على ذلك، إذ تتجلى مهمته الأساسية في أتمتة العمليات الإدارية المتضمنة في سياق عملية التوظيف، ما يزيد الفعالية ويخفف العبء عن مسؤولي التوظيف، إلى جانب تحسين تجربة المتقدمين للعمل، وتبعاً لإحصائية موقع جوب سكان (JOB SCAN) المتخصص باستخدامات الذكاء الاصطناعي وعمليات التقدم إلى الوظائف، فإن 99% من شركات فورتشن 500 (FORTUNE500)، من بينها أمازون وآبل ووول مارت، تعتمد على تطبيقات (ATS) المختلفة.
  2. توفير توصيات مخصصة مبنية على تحليل بيانات المرشحين ومهاراتهم وخلفيتهم العملية، ما قد يساعد على توجيه المرشحين نحو الوظائف المناسبة لهم.
  3. مقابلات العمل الافتراضية المبنية على تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تمتلك القدرة على تحليل تعابير الوجه والصوت ولغة الجسد للمرشحين لتقييم مهاراتهم التواصلية والتحليلية واتخاذ قرارات استنتاجية بناءً عليها بالإضافة إلى إمكانية توفير الاختبارات التفاعلية.
  4. سرعة الاستجابة واتخاذ القرار؛ إذ يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل أداء المرشحين خلال عملية التوظيف وتقديم نتائج تقييم فورية لأدائهم ومدى توافقهم مع متطلبات الوظيفة، ما يوفر الوقت ويجعل عملية التوظيف أكثر كفاءة.

أمثلة على شركات تستخدم التوظيف 3.0

بدأ الكثير من الشركات في المنطقة العربية وحول العالم فعلياً باستخدام أسلوب التوظيف الحديث والمعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل:

1. شركة مارك إليس: المتخصصة في مجال التوظيف واستشارات الموارد البشرية في منطقة الخليج العربي، التي تمتلك قاعدة بيانات ضخمة تصل إلى أكثر من 500 ألف سيرة ذاتية لباحثين عن عمل.

تهدف مارك إليس إلى أن تكون أول شركة توظيف تدخل عالم ميتافيرس في الإمارات العربية المتحدة، وتسعى لتعزيز أسلوب التوظيف الحديث لدى عملائها من المؤسسات والشركات.

2. تالنتيرا: وهو حل توظيفي شامل يقدمه موقع بيت.كوم ليمكّن أصحاب العمل من إنشاء قنوات توظيف خاصة للبحث عن الكفاءات، ومتابعتها، وتقييمها وبالتالي توظيف المرشحين المناسبين عبر مواقعهم الخاصة.

وقد سجل تالنتيرا أرقاماً متميزة في هذا المجال، إذ ساعد أكثر من 3 آلاف مسؤول توظيف و250 شركة على تنظيم عمليات التوظيف واتخاذ قرارات تعيين أفضل، وقد تحقق ذلك من خلال بوابات التوظيف المتميزة وأنظمة تتبع المرشحين، والأدوات الأحدث التي تتيح جدولة مقابلات العمل، وإدارة المهام وطلبات العمل، وبناء تقارير التوظيف وتقديمها.

كما يتيح تالنتيرا فلترة المرشحين، واختبار مهارات المرشحين، وجدولة مقابلات العمل، والبحث عن السير الذاتية.

إن التوظيف بمراحله المتعددة انتقل إلى عصر جديد؛ عصر التسويق للمؤسسات والوظائف والاستفادة من مختلف الأدوات بما فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي، بهدف الوصول إلى كنز الكفاءات المخفية، ليكون التوظيف 3.0 هو البوابة التي انتقلت بها عمليات إدارة الموارد البشرية إلى نسختها الأحدث والمتطورة باستمرار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي