لقد أدّت محادثة واحدة إلى تغيير نظرتي لسفريات العمل إلى الأبد. كنت أنا وشريكي في العمل، كيري باترسون، نتجاذب أطراف الحديث حول كتاب كنا نود تأليفه. لقد ظللنا نثرثر حول هذا الموضوع، دون أن نحرز أي تقدم ملموس. واسمحوا لي بأن أكون أكثر صدقاً: دون أن أحرز أنا أي تقدم ملموس. وحينما التقيت كيري، كان يحمل في جعبته حزمة من الأفكار الرائعة المكتوبة بخط جميل على رُزَم من الأوراق، أمّا أنا فكنتُ أمسك بمنديل طائرة ملطخ ببعض الرسومات. كنتُ أغمغم معتذراً عن بؤس إسهاماتي، لكنني أشير أيضاً إلى أيام السفر التي قضيتها. وبعد العديد من هذه الحوارات، نظر إليَّ كيري وقال: "جوزيف، الكُتَّاب يكتبون".
أصابت عبارته تلك وتراً حساساً لديّ. كان من الواضح أن مسيرتي المهنية مستشاراً ستشمل الكثير من السفريات وأستطيع أن أحدّد بكامل إرادتي ما سأفعله خلال هذا الوقت. منذ ذلك الحين، اشتركتُ مع كيري وزملائنا في شركة فايتال سمارتس (VitalSmarts) في تأليف 5 كتب ومئات الأوراق البحثية والمقالات وطورنا العشرات من الدورات التدريبية الأكثر مبيعاً، كل ذلك على الرغم من سفري لأكثر من 100 يوم في السنة.
وأرى من وجهة نظري أن مفتاح النجاح في أن أكون شخصاً منتجاً في أثناء السفر حول العالم هو أن أنظر إلى نفسي بصفتي شخصاً آخر، شخصاً أحتاج إلى التأثير فيه بعناية وحرص. وإليكم الطرائق التي أفعل بها ذلك، وقد استخدمت الكثير منها في كتابة هذه المقالة بالذات!
حدد مواعيد مستقبلية لنفسك
أثبت خبراء الاقتصاد السلوكي أن اتخاذ خيارات جيدة أمرٌ سهلٌ ما لم يكن عليك تنفيذها الآن. (وإليك إحدى هذه الدراسات حول قدرة الموظفين على الادخار). فإذا سألتني عن مكونات الغداء الذي سأتناوله الأسبوع المقبل، فسأختار على الأرجح خيارات صحية أكثر مما لو سال لعابي على الخيارات التي سأتناولها الآن. يُشار إلى هذه الظاهرة باسم الخصم المقطعي؛ أي الميل إلى المبالغة في قيمة المكافآت الآن والتقليل من قيمتها لاحقاً. وأستطيع الاستفادة من هذا التحيّز المعرفي عندما أحاول خداع نفسي بتقديم التزامات سأفي بها في وقت محدد في المستقبل. فأنا أفي بوعودي التي أقطعها على نفسي في جدول مواعيدي؛ وإذا قلتُ إنه من المفترض أن أفعل شيئاً ما في وقت ما، فإنني أحرص على فعله؛ لذا أتطلع إلى الفترات الطويلة للتوقف عن العمل في أثناء السفر، كما يحدث عندما أسافر بالطيران لمدة 5 ساعات من سان فرانسيسكو إلى نيويورك. وقد وصلتُ هذا الأسبوع إلى فندقي في مدينة إنديانابوليس، وفتحت جدول مواعيدي ورأيت مهمة كنتُ قد ألزمت نفسي بأدائها. فقد كتبت في جدول مواعيدي ما يلي: "كتابة الخطوط العريضة لمقالة هارفارد بزنس ريفيو" من الساعة 4:30 إلى الساعة 5:00 عصراً؛ لذا شمرت عن ساعديّ وشرعت في كتابتها.
توقف قبل النهاية
عندما يكون لديّ مهمات طويلة أريد إكمالها، تلك التي يتطلب إنجازها جلسات عمل متعددة، فإنني أحرص على الوقوف عند مواضع أستطيع التقاط طرف الخيط من عندها بسهولة (ومتعة) لاحقاً. على سبيل المثال، إذا كنت منخرطاً في مهمة معينة ولديّ موضوع مطوَّل أستمتع بالكتابة فيه، فإنني أتوقف متعمداً قبل أن أصل إلى نقطة النهاية حتى أشتاق إلى العودة إليه من جديد. كانت المهمة المشار إليها أعلاه في جدول مواعيدي بمثابة حيلة تحفيزية صغيرة أيضاً، ولاحظ أنني ألزمت نفسي بـ "كتابة الخطوط العريضة" فقط لهذه المقالة. فقد لاحظتُ أن هذه هي الجزئية التي تتعرّض للتسويف أكثر من غيرها. ولكن بمجرد أن أنهي كتابة الخطوط العريضة، أبدأ في الاستمتاع باستكمال باقي تفاصيلها. لذا حرصتُ على تحديد موعد صارم لإنهاء الجزء الصعب حتى أشعر بالحماس للعودة إليه لاحقاً والتقاط طرف الخيط من جديد.
أنشئ حلقات مُرضية
أثبت عالم النفس، روي باوميستر، أن الدوافع تمثّل مورداً محدوداً. أجد أن هذا ينطبق عليّ، وبخاصة حينما تقل سفريات العمل وتتراجع دوافعي. إذا كنت أفكر في نفسي من منظور المتكلم، فإنني أميل إلى القسوة مع نفسي وتأنيبها لعدم إنجاز أي شيء. وعندما أفكر في نفسي كما لو كنتُ شخصاً آخر، فإنني أميل إلى التعاطف مع هذا المورد المحدود. وأتساءل: "كيف يمكنني زيادة دافع جوزيف إلى أقصى حد؟". وبدلاً من إجبار نفسي على الكتابة القسرية في رحلة مدتها 5 ساعات كاملة، فإنني أحدد مقداراً هادفاً ومُرضياً من هذه المهمة يمكنني إكماله بأريحية تامة. على سبيل المثال، فكرتُ خلال رحلتي إلى مدينة إنديانا، قائلاً بيني وبين نفسي: "إذا كان بإمكاني تجهيز عرضي التقديمي ليوم غد وإفراغ صندوق الوارد في بريدي الإلكتروني، فسوف أشعر بالتحرر". وهذا ما فعلتُه.
اشعر بمتعة إكمال العمل
يميل الأشخاص المشغولون إلى عدم الشعور بلذة تدفق هرمونات الإندورفينات التي تصاحب اكتمال مهماتنا. طِّور عادة التوقف والشعور بالرضا المكتسب من إنهاء العمل. استرخ في مقعدك بالطائرة أو على سرير الفندق واستمتع بفرحة إكمال شيء صعب. سيؤدي هذا إلى خلق روابط عصبية جديدة تربط الإنتاجية بالشعور بالمتعة بدلاً من الاستياء.
استخدم قوة المفكرة
بمجرد أن تطأ قدماي غرفة الفندق، فإن الإطار الزمني هو أول ما أهتم بمراجعته. وقد لاحظت على مر السنين أن طقوسي كانت تتمحور حول العثور على جهاز التحكم عن بُعد في التلفزيون وتشغيل قناة سي إن إن، ثم أضبط إعدادات حاسوبي المحمول وأشترك في شبكة الإنترنت التابعة للفندق. وفي أثناء تنزيل رسائل البريد الإلكتروني التي تظهر تباعاً على جهازي، أتوجّه إلى خزانة ملابسي وأدخل حمامي للاغتسال. وحينما كنتُ أتبع هذه الطقوس، كنتُ أستغرق في متابعة شيء ما على التلفزيون أو صندوق الوارد ببريدي الإلكتروني، وهو ما كان يستنزف إنتاجيتي. لكنني غيرتُ هذه العادات هذه الأيام وحرصت على استخدام حيلة أخرى؛ حيث أحصل على القدر الكافي من المتعة من خلال وضع علامات أمام خانة كل مهمة أُنجزها. وعند دخولي إلى غرفة الفندق، أُحضر اللوح الورقي الموضوع على الطاولة وأُعد قائمة بالمهمات الخمس التي أريد إنجازها قبل العَشاء. ثم، وهنا يأتي الجزء الذي لا يتطلّب تقنيات عالية، أرسم مربعاً فارغاً صغيراً أمام كل مهمة. بهذه الطريقة أشعر أنني مُجبَر على إنجازها. كما أنني لا أشغّل التلفزيون أيضاً!
كافئ نفسك
أحد الأسباب التي تجعل المرء يفقد شغفه بالفاعلية والإنتاج أنه قد يشعر بأنه يدور في حلقة مفرغة من العمل بلا هوادة، وكلما أنهى عملاً ظهر أمامه عملٌ آخر يجب عليه إنجازه، وهكذا دواليك. فاحرص على ألا تستنزف قواك كلها. وإذا كانت لديّ رحلة تستغرق وقتاً طويلاً، فإنني أكتب قائمة معقولة بالالتزامات التي أريد إنجازها، ولكنني أخصص أيضاً وقتاً للاسترخاء والمتعة. عامل نفسك كما لو كنت موظفاً متميزاً، وذلك بأن تمنح نفسك الكثير من الثناء والتشجيع على الأشياء الرائعة التي أنجزتها.
لقد كانت سفريات العمل بمثابة نعمة لي على مدار الأعوام الثلاثين الماضية، وهي الفترة التي أنجزتُ خلالها بعضاً من أفضل أعمالي؛ لكن لم أكن لأصل إلى هذه النقطة لو لم يلفت كيري انتباهي إلى حقيقة أنني كنتُ أستخدم السفر ذريعة، وليس فرصة سانحة للإنجاز.