يقول جوزيف فولر، وهو أستاذ جامعي في "كلية هارفارد للأعمال". إنّ الرواية التي نسمعها حول عمال يخافون على مستقبل وظائفهم قد لا تكون صحيحة. ففي استطلاع لآراء 11,000 شخص يعملون في وظائف ذات دخل محدود، وبمستوى مهارة متوسط، وآراء 6,500 مدير في 11 دولة، اكتشف فولر أنه على العكس مما يؤمن به الرؤساء، فإنّ الكثيرين من الموظفين متحمسون للتكنولوجيات الجديدة، ومستعدون للتدرب على مهارات جديدة، ولكنهم لا يعلمون ما هم بحاجة إلى تعلمه، أو كيفية الوصول إليه، والدفع لقاءه. وتستطيع المؤسسات أن تؤدي دوراً أفضل في تحديد فجوات المهارات التي لديها، أو التي سوف تواجهها مستقبلاً، ومن ثَم استخدام قواها العاملة المتاحة لملئها. مشروع فولر هو مشروع مشترك بين مشروع "كلية هارفارد للأعمال" لإدارة مستقبل العمل، ومعهد "هندرسون" التابع لـ "بوسطن كونسلتينغ جروب". وقد شارك فولر في كتابة مقالة "قوتك العاملة قابلة للتكيف أكثر مما تعتقد" (Your Workforce is More Adaptable Than You Think)، الصادرة عن هارفارد بزنس ريفيو.
أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة في أحد برامجها الصوتية (بودكاست) مع جوزيف فولر، وننقل لكم مقتطفات من هذه المقابلة:
تحميل هذا البرنامج الصوتي (البودكاست)
النص
أليسون بيرد: مرحباً بك في برنامج "آيديا كاست" المقدَّم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا أليسون بيرد.
كيف تبدو القوة العاملة في المستقبل؟ كيف يمكننا التأقلم في اقتصاد عالمي أكثر نشاطاً؟ كم عدد الوظائف التي نستطيع أتمتتها؟ ما المهارات الجديدة التي سيحتاجها الموظفون؟ وما هي الخطة للانتقال من هنا إلى هناك؟
توجد بعض الأسئلة التي تُبقي قادة الأعمال مستيقظين ليلاً. يفترض كثيرون أنّ موظفيهم، وخصوصاً أولئك العاملين في وظائف متدنية الدخل مع مستويات مهارة متوسطة، قد لا يستطيعون المضي في هذا الانتقال. وبالتالي يجب فصلهم، أو استبدال حلول تكنولوجية، أو حتى أشخاص أصغر منهم سناً، بهم.
ولكن ضيفنا اليوم يقول إنّ المدراء في أنحاء العالم يُقللون من شأن استعداد عمالهم وقدرتهم على التعلم. وإذا اعتمدوا نهجاً أكثر ابتكاراً لإعادة تدريب هؤلاء العمال، فإنّ هذا قد يعود عليهم بفوائد هائلة.
ساعد جوزيف فولر في إجراء استبيان شمل آلاف العمال والقادة من 11 بلداً، في مشروع مشترك بين مشروع "كلية هارفارد للأعمال" لإدارة مستقبل العمل، ومعهد "هندرسون" التابع لـ "بوسطن كونسلتينغ جروب"
فولر هو أستاذ جامعي في "كلية هارفارد للأعمال"، شارك في كتابة مقالة "قوتك العاملة قابلة للتكيف أكثر مما تعتقد" (Your Workforce is More Adaptable Than You Think)، الصادرة عن هارفارد بزنس ريفيو. وهو هنا اليوم للحديث حول النتائج التي توصل إليها، وتوصياته. شكراً جزيلاً لانضمامك إلينا جوزيف.
جوزيف فولر: هذا من دواعي سروري. شكراً لاستضافتكم لي.
أليسون بيرد: لنتحدث أولاً عن استبيانك. ما نوع العمال والمدراء الذين تحدثتَ إليهم في هذه الدول كلها؟
جوزيف فولر: حسناً، بالنسبة للمدراء، فقد درسنا شركات من مختلف الأحجام، وتعمل في مختلف القطاعات، بما فيها الخدمات والتصنيع، والقطاعات الموجهة للتصدير، والقطاع المحلية الخاصة، في ثماني دول. وبالنسبة للعمال، فقد درسنا مجموعة أوسع، شملت 11 دولة، ونظرنا بشكل خاص إلى عمال لديهم دخل أقل من متوسط دخول الأسر في دولهم، واقتصرت شريحة العمال على الأشخاص الذين نالوا تعليماً لسنتين أو أقل، بعد المرحلة الثانوية. لذا، أعطتنا تلك التركيبة شريحة من العمال أصحاب المهارات المتوسطة، الذين لا يتمتعون بالنوع نفسه من الترقيات التي نلاحظها لموظفي المعرفة وللأشخاص الحاصلين على شهادات عليا.
أليسون بيرد: إذاً هذه شركات متهيئة للكثير من التغيير في قطاعها، وعمال قد يكونون عرضة لخطر البطالة قريباً؟
جوزيف فولر: العمال الذين يفترض كثيرون أنهم في خطر بالفعل. إذا نظرت إلى البيانات في البلدان النامية، يميل العمال الذين تم تسريحهم خلال الأعوام العشرين الماضية إلى أن يكونوا عمالاً من ذوي الأجور العالية والمهارات المتوسطة، الذين يقومون بالأعمال الروتينية.
أعني أن هذا يستدعي إلى الأذهان صور خط التجميع، وهذا صحيح. هذه وظيفية روتينية تقليدية. إلا أنّ بها قدر ضئيل من التباين حول ما يتوجب عليك فعله. لذا، فإنّ مجموعة كبيرة من العمال المتأثرين بالتكنولوجيا أثناء الأعوام العشرين الماضية هم الموظفون أصحاب المهارات المتوسطة، والياقات البيضاء، من الذين أدوا أعمالاً روتينية، مثل التعامل مع مطالبات التأمين الصحي، أو حفظ سجلات الموظفين.
وكان لديهم أربع أو خمس مهام رئيسة شكلت الجزء الأكبر من وظائفهم، وبالتالي فإن الغالبية العظمى من هذه المعاملات، في حال أنظمة الموارد البشرية مثلاً، يمكن معالجتها من خلال البرمجيات.
أليسون بيرد: وماذا سمعت من هؤلاء العمال؟ ما الذي أدهشك؟
جوزيف فولر: حسناً، إذا قرأتِ كثيراً عن الصحافة الشعبية، تجدين غالباً وكأن المنطق الذي تستند إليه هو العجز التام، الخوف الرهيب مما سيحدث، والقلق الشديد من أنه سيتم الاستغناء عنهم. وفي كثير من الأحيان تقرئين قصصاً مأساوية ومثيرة جداً للعواطف لأشخاص عانوا من هذا بالفعل، ويتعذر عليهم الآن إيجاد عمل بالراتب نفسه وبالفوائد التي خسروها.
ولا أريد حتى استبعاد احتمال حدوث ذلك. هذا يحدث بالفعل. وهو صعب للغاية على هذه الشريحة. وبالإشارة إلى هذا، فإن التوصيف العام الذي يتم التصريح به على نحو واضح غالباً في تلك التغطية، أو بشكل ضمني في غيرها، هو الشعور بالعجز والخضوع لتأثير القوى العالمية. إنها قصة استغلال. لذا أردنا أن نختبر ذلك.
في الواقع، ما وجدناه كان أدهشنا إلى حد كبير. الأمر الأول هو أن هذه الشريحة التي توقعنا أنها تشعر بالتهديد أكثر، هي على الأرجح متحمسة ومتفائلة تجاه الفرص التي قد يحملها التغيير في مكان العمل.
وقد اعتقد أغلبهم أنّ التكنولوجيا لديها الفرصة لتجعل العمل أكثر متعة، وأقل ركوداً، وأقل خطورة في بعض الحالات. وتلقينا تعليقات مثل "أعلم كيف حسّن هاتفي الذكي حياتي الشخصية نوعاً ما. إذا توفرت مثل هذه التكنولوجيا في مكان عملي، فستقل الأشياء التي أجدها مملة أو غير مرضية أو غير مثمرة".
المثال الآخر كان مع أشياء مثل اقتصاد الأعمال المستقلة ومنصات الوظائف. ربما أستطيع التأهل لنوع آخر من الوظائف. أو ربما أستطيع إيجاد مصدر بديل للدخل. ولكن النتيجة العامة تمثلت في عدم وجود خوف شديد من ذلك، ولا التعبير عن التقوقع والخوف. بل كانت بقولهم إنّها ميول مشجعة جداً، وقد يكون لها تأثير إيجابي على حياتنا.
أليسون بيرد: ولكن ذلك متناقض تماماً مع ما سمعته من المدراء.
جوزيف فولر: نعم. كان رد الفعل الأول لدى المدراء هو أنّ موظفيهم خائفون من المستقبل وقلقون مما سيحدث. ثم تحدثنا مع المدراء حول العوائق التي تمنع العمال من الارتقاء بمهاراتهم، وما هي أنواع مواقف العمال؟ وما حصلنا عليه باستمرار كان الاستياء، سواء في المقابلات أو في بيانات الاستبيان خاصتنا، إذ يريد العمال أن يخلصهم أحد من هذه المشكلة.
والكلمة الأولى التي أريد قولها لوصف موقف العمال من التغيير هي "الوكالة". فقد قالوا باستمرار "أنا مسؤول عن الاستعداد للمستقبل. لا أتوقع من الحكومة أن تفعل ذلك لأجلي. لا أتوقع من صاحب العمل الحالي اقتيادي إلى هناك". كان يوجد اختلال حقيقي بين الطريقة التي نعتقد أنّ أصحاب العمل، إن صحّ التعبير، فكروا من خلالها بنمطية إلى الموظفين كعاجزين، وحقيقة الأمر بأن الموظفون لم يكونوا كذلك أبداً. إنهم يريدون الاستعداد للمستقبل.
أليسون بيرد: إذاً، فالعمال يريدون الذهاب إلى المستقبل بثبات ودون تردد. وهم يريدون بناء هذه المهارات الجديدة. ولكن شيئاً ما يمنعهم. إذاً فما الذي يمنعهم؟
جوزيف فولر: هذا صحيح. هذا شيء مشترك بين جميع الأسواق. وأعتقد أنّه يمكن تقسيم الحواجز الشاملة لتصنيفين. التصنيف الأول له علاقة بالمعرفة. إذ لديهم حس أنّ عليهم الاستعداد للمستقبل، وأنه ستكون ثمة متطلبات جديدة لهم، كي يتمكنوا من الاحتفاظ بوظائفهم أو التأهل للترقية في مكان عملهم، ولكن ليس لديهم دراية بماهية هذه المتطلبات.
وهم غير متأكدين من المهارات الخاصة ذات العلاقة بمستقبلهم، وأين يمكنهم تحصيلها، وما هو المؤهل الذي سيقبله صاحب العمل أو يعتمده. ونعتقد أنّ جو عليه أن يعلم المزيد حول وحدات التحكم الرقمية وكيفية برمجتها. وإذا ذهب إلى كلية المجتمع المحلية، وأتم دراسة هذه الدورة، فسنرحب بفعله هذا كإقرار بمهاراته في ذلك المجال الناشئ.
والتصنيف الثاني هو علم الاقتصاد. هؤلاء ليسوا أشخاصاً من أصحاب الأجور المرتفعة. هؤلاء هم الذين نذكرهم كأشخاص غير قادرين على تحمل عدد من الأزمات المالية غير المتوقعة، مثل تحطم سيارة أو فاتورة إصلاح سيارات كبيرة، أو حتى حالة رعاية صحية طارئة. ولا يملكون رصيداً بنكياً أو حساب تدريب معفي من الضريبة، أو شيئاً من هذا القبيل يمكنهم الاعتماد عليه، ولا يملكون الكثير من الوقت، وهذه أشياء متداخلة.
إذا استلزم الحصول على هذا المؤهل، أن أقلص ساعات عملي، فسأقلص دخلي. ربما لن أكون قادراً على دفع إيجار الشقة، أو شراء الطعام لأبنائي، أو تقديم الدعم لوالديّ، أو القيام بأي كان ما أفعله. ولأنّ هؤلاء الأشخاص لا يتمتعون بمساحات كبيرة في أنظمتهم، فمن الصعب جداً بالنسبة لهم أن يوائموا بين ما يحتاجون فعله، وأين يفعلونه، وكيف يمولونه، ومن أين لهم بالوقت للقيام به. هذه معادلة يصعب عليهم تحقيق التوازن فيها.
أليسون بيرد: هذا صحيح. إذاً، نأتي هنا إلى صلب الموضوع. إنهم يحتاجون إلى مساعدة. أين سنحصل على هذه المساعدة؟ هل نحصل عليها من البرامج الحكومية؟ أم المؤسسات؟
جوزيف فولر: هذا يتأثر غالباً بشكل كبير بالمكان الذي يعمل فيه العامل. إن كنت تتحدثين عن عامل طَموح في أوروبا الوسطى، فإنّ عليه الالتحاق بالقوة العاملة من خلال نظام تدريب مهني حقيقي ومجرَّب ودقيق، ينسق فيه المعلمون مع أصحاب العمل لتحديد ماهية هذه المهارات.
ولكن إذا توجهت إلى الولايات المتحدة، فإننا نمتلك أشياء مثل مجالس القوى العاملة والكليات المجتمعية، والتي قد تمثل موارد عظيمة، إلا أنها معدّة بشكل سيئ للغاية، فيما يخص دعم المتعلمين الكبار. أن تقولي لشخص يعمل في مجال تصنيع خدمات معينة أو تقديمها، ويقضي ساعة في السفر للوصول إلى وظيفة مدتها ثماني ساعات، ثم ساعة أخرى في طريق العودة إلى المنزل "يتعين عليك الذهاب إلى الكلية المجتمعية أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس من الساعة 3:30 عصراً حتى 6:30 مساءً، على مدار الأشهر الستة المقبلة، لكي تحصل على شهادة في مجال ما، إذا كنت تريد الحفاظ على وظيفتك، أو التأهل للترقية في مكان عملك، وأن تأمل أن يكون ابنك الذي في يدرس الصف الرابع أو الثاني أو يذهب إلى الحضانة يُجيد تدفئة طعام العشاء المجمد، لأنه سيكون عليه فعل ذلك، أو نأمل أن يكون لديك جيران أو والدين أو زوج يقوم بهذا. ذلك غير واقعي إلى حد ما".
نعتقد أنّ البداية هنا، هي أن ينظر أصحاب العمل إلى بياناتهم الخاصة. فهم جميعاً يضعون، على مستوى عالمي تقريباً، مهارات قوة العمل الحالية أو إمكانية الوصول إلى أشخاص بمهارات ذات علاقة، كما لو أنه شغلهم الشاغل. إذا كان هذا هو أكثر ما يشغلك الآن، كمسؤول تنفيذي، فإن وظيفتك هي إدارة هذا الوضع، وليس ملاحظته وإبداء القلق بشأنه. ما تخبرك به هذه البيانات هو أنك تمتلك شريحة مستعدة أن تحاول سد هذه الفجوات، وتشعر بالحماس لذلك. وهم يعملون لحسابك اليوم.
هذا أمر من المهم مراعاته إذا كنت صاحب عمل، لعدة أسباب. أولاً، مع هذا المستوى من المهارة، الذي يقود شركة ما إلى القيام بما سأسميه تعييناً فاشلاً، أعلنَّا عن وظيفة وقمنا بتعيين شخص ما، ولم ينجح في وظيفته، وهذا مكلف جداً بالنسبة للشركة.
أقل التقديرات من ناحية تكلفة هذا على الشركة هي 20% مما تدفعه لذلك الشخص سنوياً، وعندما تبدأ بالفعل في إضافة تكلفة غير مباشرة وبعض الأشياء الأخرى التي ترتبط على نحو واضح بدوران الموظفين غير المخطط له، فإنك تحصل بسهولة على 30% أو 40% من تكاليف سنة واحدة. وهذه تكلفة كبيرة.
أليسون بيرد: وكيف يقارَن ذلك بتكلفة إعادة تدريب العمال الذين يعملون لديك بالفعل؟
جوزيف فولر: هذه هي المسألة الحسابية التي تحتاجينها. ولكن أحد الأشياء التي يمكننا قولها بشأن ما تقرر استثماره في ذلك العامل، هي أنك تطلق ذلك الحكم بناء على ملفه الشخصي، وليس على سيرته الذاتية. أعلم أنّ أليسون لم تغب يوماً واحداً عن العمل لمدة ثمانية أعوام. أعلم أنها مؤهلة دائماً لأقصى عدد من أيام التمديد سنوياً، لأنها لم تغب يوماً عن العمل. أعلم أنها موثوقة.
إلا أني لا أعلم إذا كانت تمتلك القدرة لتأدية هذه الوظيفة، ولكن الكثير من المتغيرات كان من الممكن أن تؤدي إلى ذلك التعيين الفاشل، رغم أن لديّ معلومات أكيدة حول أن أليسون لن تعاني منها. لذا فإنني أتخذ قراراً استثمارياً أكثر وضوحاً.
حسناً، ربما عليّ أن أرسلها إلى تلك الكلية المجتمعية من الساعة 3:30 عصراً حتى 6:30 مساءً لمدة ستة شهور كي تتأهل لذلك النوع من العمل الذي أجد أنّ من الصعب شغله. قد يكلف ذلك رسوماً دراسية بمبلغ 3,000 أو 4,000 دولار. وقد تقول إنّ عليها تقسيم عملها على مراحل، والبدء مبكراً لإنجاز ذلك. ويمكن أن تقول "لا أستطيع البدء حتى الأشهر الثلاثة القادمة، لأنّ زوجي عندها سيتكيف مع حقيقة أنني أعود إلى البيت عند الساعة 7:00 مساءً، وليس كما أعود في العادة عند الساعة 5:30 عصراً". إلا أن جميع هذه الاعتبارات يتم موازنته حالياً في مقابل الفرصة، واحتمالات نجاحها عندما تقوم بذلك.
أليسون بيرد: ومع ذلك، هل تتغير هذه الحسابات عندما أكون في الخمسين من عمري؟
جوزيف فولر: ربما تتغير. ولكننا نعرف بعض الأمور الأخرى. ففي جميع هذه الأسواق، باستثناء الهند وإندونيسيا، تشهد القوى العاملة الفعلية ركوداً أو انخفاضاً. لذا إذا نظرت إلى أقسى مثال على ذلك، وهو اليابان بالطبع، والتي تمتلك معدل نمو سكاني سلبي، أي أنّ المكان ينكمش.
ما ترينه في اليابان هو مجموعة نشطة جداً من سياسات الشركات والسياسات الحكومية، لمحاولة الاحتفاظ بالموظفين في القوة العاملة لفترة أطول، وتعيينهم في وظائف يستطيعون القيام بها، بما يعكس عملية الشيخوخة. تقوم الكثير من الشركات المبتكرة في اليابان بتصنيع أجهزة هياكل خارجية تساعد كبار السن، دعينا نقول في مواقع البناء أو بيئات التصنيع أو بيئة المخزن، في دعم قوتهم البدنية لحمل الأوزان.
ويعود السبب في ذلك إلى أنّ اليابان بحاجة ماسّة إلى أشخاص في عمر التقاعد التاريخي، وهو 60 عاماً، ليستمروا في العمل حتى السبعينات من عمرهم وأكثر إن أرادوا ذلك. وفي أماكن مثل الولايات المتحدة، إذ يمتلك عدد من الناس مدخرات تقاعد غير كافية، فإنّ تمديد تلك الحياة المهنية للعامل كبير السن تعود بالنفع على المجتمع، وعلى العامل على حد سواء.
أليسون بيرد: هل ثمة خطر يتمثل في مبالغة العمال بشأن قدرتهم على تعلم جميع الأشياء الجديدة؟ هم مستعدون ومتحمسون، لكنهم في الحقيقة لا يستطيعون ذلك.
جوزيف فولر: بالتأكيد. وأعتقد أنّ أحد الأشياء التي يجب على كل صاحب عمل أن يفهمها هي تركيبة القوة العاملة لديه، ليس من ناحية السن والجنس فحسب، بل من ناحية المهارات. وسوف يرون مسارات منطقية من الوظائف الحالية إلى وظائف المستقبل. وما نعلم أنه غير مُجد هو أخذ شخص يعمل في مجال البناء أو حفر المناجم، على سبيل المثال، وأن نحاول تحويله إلى مبرمج أمن سيبراني.
أليسون بيرد: من عامل بمنجم فحم إلى مبرمج.
جوزيف فولر: من عامل بمنجم فحم إلى مبرمج. هذه قصة رائعة. هذه صورة رائعة. والأمر ليس أنها مستحيلة، لكنها مستبعدة، ولا علاقة لها بحياة الأشخاص الحقيقية وقدراتهم، كما ولو أنها مخادعة.
ولكن دعينا نتحدث عن عامل المنجم. هناك سمات كثيرة مشتركة بين العمل في مناجم الفحم والوظائف الأخرى. الإنشاءات. لذا إذا كنت عاملاً في منجم للفحم، فثمة الكثير من الأمور المعتادة بالنسبة لي في مكان العمل. أنا معتاد على حقيقة أنني أعمل حول ماكنات ضخمة وخطيرة. وعليك الانتباه جيداً إليها أو ستتعرض للإصابة. أنا معتاد على العمل ضمن فِرق، لذا فعملي يتأثر بالأشخاص الآخرين حولي ويؤثر فيهم. أعلم أنه إذا كان ثمة شيء يبدو وكأنه مشكلة تتعلق بالأمان، فعليّ الإبلاغ عنه مباشرة.
لقد أُنجزتْ أبحاث كبيرة حول هذه الخرائط الانتقالية. وإن تحدثنا بمنطق الطب الحيوي، سوف نتساءل: كيف تبدو هذه الجينات المشتركة؟ إذا كانت لديّ قوة عاملة تؤدي مهاماً بعينها على نحو جيد، فكيف أضعها في وظائف أعلم أنني سأحتاجها في المستقبل، تسترشد بتلك السمات المشتركة موضع الحديث.
أليسون بيرد: هل يمكن لقادة الأعمال أن يجدوا هذه الانتقالات داخل مؤسساتهم الخاصة؟
جوزيف فولر: نعم. وهذا يتصل بخرافة أخرى حول تلك الشريحة من القوة العاملة، بشأن أنّ التكنولوجيا تطيح بالوظائف. قلّما يحدث هذا. ما تفعله التكنولوجيا في حقيقة الأمر هو استبدال المهام داخل الوظائف. فهي تجعلها أكثر كفاءة وأمناً ودقة.
لذا، فالعديد من أصحاب العمل قلقون من المهارات المستقبلية. وهم ليسوا قلقين كثيراً بشأن كيف أنتقل من القوة العاملة التي لديّ إلى مكان عمل متحوّل بشكل تام. هم قلقون بشأن، هل سيكون الميكانيكي الذي يعمل لديّ اليوم قادراً على التعامل مع خلايا مستقبلية مبرمجة على مستوى عالٍ ومؤتمتة جداً.
أليسون بيرد: نظرت إلى مجموعة واسعة من الدول، من إندونيسيا إلى المملكة المتحدة والبرازيل والصين والسويد وفرنسا. هل لاحظت حقاً الديناميكية نفسها في هذه الدول جميعها؟ هل ثمة حالات شاذة؟
جوزيف فولر: كانت هناك بعض الحالات الشاذة. وكانت أكبر حالتين هما فرنسا واليابان. في فرنسا، كان ثمة تشديد كبير على نحو واضح ليقول العمال أنّ الحكومة مسؤولة عن هذا.
أليسون بيرد: عن إعادة التدريب.
جوزيف فولر: عن إعادة التدريب. هذا ما أبحث عنه. أعتقد أن ذلك يعكس كل شيء، بداية من الظروف السياسية المحلية هناك، إلى كيفية تقديم التدريب في السابق، وحتى الاعتقاد لدى هذه الدائرة الانتخابية بأنّ أصحاب العمل لن يقوموا بهذا على الأرجح، وأنّ الحكومة ستجبرهم على فعله.
والسوق الثانية هي اليابان، إذ كانت القوة العاملة الأكثر تشويشاً من ناحية وضوح هوية المسؤول. فهم موزعون على نحو متساوٍ تقريباً بين صاحب العمل هو المسؤول، وأنا المسؤول، والحكومة هي المسؤولة.
في اليابان هناك جوانب كثيرة من ظاهرة بدأنا نراها في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وتعتبر مؤهلات وظيفية فعالة، إذ اختفت قاعدة التوظيف التاريخية. وقد تكون موجهة نحو الموارد الطبيعية، مثلاً، في الولايات المتحدة.
وسيكون السعي للمضي قدماً في دراسة هذه الأسواق على نحو منفصل والتعمق فيها بحثاً مثيراً بالنسبة لنا أو لآخرين. وفي الحقيقة، فإن أحد دوافعنا للقيام بهذا العمل يا أليسون كان البدء في طرح أسئلة إضافية، مثل سؤالنا لأصحاب العمل حول حقيقة قيامهم حقاً بعمل حساباتهم بشأن تكلفة دورهم في السوق الفورية للعمالة، في مقابل تكلفة أخذ العمال المعتمدين لديهم والوصول بهم إلى حيث يجب أن يكونوا، لأنّ هذا هو المكان الذين يريدون الذهاب إليه.
أليسون بيرد: حسناً. ولذا في أي مكان آخر في العالم، تجد هذه الدينامية ذاتها، فالعمال جاهزون ومستعدون وقادرون، والمديرون يفكرون أنّ هذا الوضع هو أسوأ وضع ممكن. هل توجد بلدان تبلي بلاء حسناً أفضل من غيرها، في إعطاء تلك القوة العاملة من الكبار مهارات جديدة يحتاجونها؟
جوزيف فولر: حسناً، كان ثمة تفاوت في موقف أصحاب العمل أيضاً. فعلى سبيل المثال، كان أصحاب العمل الهنود أكثر تفاؤلاً حول موقف القوة العاملة لديهم من اكتساب مهارات جديدة، هذا مقارنة بالدول أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ولكنني سأقول إنّ ما ترينه باستمرار هو أنّ الجميع يكتشفون بعض الأجزاء من اللغز، ولم يفهمه أحد بالكامل. إذا أردت النظر إلى سوق يتمتع بقدرة حيوية على التعلم عن بعد عبر الإنترنت، مع مخزون كبير من الموارد ذات الجودة العالية، فإنّ الولايات المتحدة تسيطر على هذا، كل شيء من منصة "إي دي إكس" (edX) إلى "كورسيا" (Coursera)، و"أكاديمية خان" (Khan Academy)، لدعم التعلم.
وإذا نظرت إلى دولة أبلت بلاءً حسناً في السنوات العشرين الأخيرة أو ما شابه، بدءاً من تشجيع أصحاب العمل على إعادة النظر في هذا التعلم القائم على العمل للعمال الطموحين، أو التدريب أثناء العمل للاحتفاظ بعمالهم الحاليين، فقد تكون المملكة المتحدة، التي أقرت قبل عدة حكومات، ضريبة بقيمة نصف في المائة من الرواتب، وقالت لأصحاب العمل "عليكم دفع هذه الضريبة، وسنقدم لكم خصماً يصل إلى 100% إذا أنفقتم ذلك المبلغ على برامج تدريب مهني أو تعلم قائم على العمل لعمالكم. أو يمكنكم إرساله إلينا، وسنصرفه على شيء ما".
حسناً، احزري ماذا، قال 100% من أصحاب العمل "حسناً، إذا كنتم تريدون أخذها مني، فأنا أريد استعادتها". ولكن المملكة المتحدة انتقلت خلال تلك الفترة من كونها متأخرة بوضوح في تصنيفات متعددة من المهارات لهذا النوع من العمال، لتصبح أكثر تنافسية مع الألمان والسويسريين والدنماركيين والأستراليين، وهي دول امتلكت برامج تدريب مهني وبرامج تعلم قائم على العمل ذات صبغة مؤسسية قوية على مدار 50 سنة.
كما يمكنك ملاحظة التقدم في كل مكان به شركات، يحدث ذلك في أحوال كثيرة، فالشركات الكبيرة هي صاحبة السبق في التأسيس لنهج جديد. ولكن يمكنك رؤية الشركات الألمانية والسويسرية متعددة الجنسيات تبدأ بالفعل، في عملياتها الدولية، بمحاولة دمج تعلم منظم قائم على العمل.
فإذا ذهبت إلى بعض الولايات مثل كارولاينا الجنوبية وتينيسي، التي كانت بمثابة مواقع لاستثمارات أجنبية مباشرة كبيرة في قطاعات مثل التصنيع، فإن شركات مثل "بي إم دبليو" و"سيمنز" تجلب ممارسات كوادرها من ألمانيا وتطبقها على العمال الأميركيين. أنظمة التدريب المهني، والتعاون مع الموارد التعليمية المحلية، ومستويات عالية من التدريب الفني لوظائف محددة، وإشراك الفتية والفتيات بأعمار 12 و13 عاماً، يأتي قبل كل شيء. يجب الاستمرار في مسيرة التعلم.
وثانياً، هذه هي أنواع الأشياء التي يتعين عليك الاهتمام بها إن كنت تطمحين للعمل في مصنع "بي إم دبليو" لدينا. أكبر مصنع لشركة "بي إم دبليو" في العالم موجود في كارولاينا الجنوبية. وهم يقولون للأطفال "تعلمون، دروس الرياضيات ليست صعبة جداً، إنها في الحقيقة ممتعة". وهذه هي إحدى الطرق التي يمكنك فعل ذلك من خلالها.
أنا واثق أن بعض الأشخاص من كارولاينا الجنوبية مقتنعين حتى الآن بأنّ الرياضيات صعبة جداً. ولكن عدداً أكبر منهم بدأ في التمكن من وضع اثنين واثنين معاً، ولا أقصد مزحة رياضية. فإذا بقيت في المدرسة الثانوية، ودرست الرياضيات بجد، يمكنني الحصول على وظيفة في مصنع "بي إم دبليو". وهذه هي إحدى أفضل الوظائف التي يمكن الحصول عليها في المكان الذي أسكن به.
أليسون بيرد: هل ثمة شيء آخر يتعين على الشركات فعله؟
جوزيف فولر: حسناً، أعتقد أنّ الكثير من القطاعات في حاجة إلى التعاون بشكل أكبر. صحيح توجد اتحادات لقطاعات قوية في أسواق معينة تبدأ بتحديد المهارات. توجد أمثلة جيدة في الكثير من الأسواق في مختلف الأماكن، في البرازيل والهند والولايات المتحدة، على سبيل المثال، إذ لا يزال أصحاب العمل ينظرون إلى الأمر على أنه منافسة. أحاول الحصول على العمال الجيدين. وأتمنى نوعاً ما أن تحصل أنت على السيئين.
وسيكون رائعاً لو فزت في تلك اللعبة. ولكنها على نحو فعال تمثل النسخة من مأساة المشاعات. إذا كنا سنحاول انتقاء النظام التعليمي، وإذا كنا جميعاً سنحاول تجاهل نظرتي لما سأحتاج إليه لأنجح في المستقبل، فإنّ احتمال وجود عرض مزدهر من الأشخاص المؤهلين لذلك العمل والمهتمين بالقيام به هو احتمال ضئيل.
إذاً فأنا أختزل دوري في السوق الفورية للعمالة، ومن الأفضل أن أكون صاحب العمل الأكثر احتراماً الذي يدفع أكثر في الموقع الصحيح ليكسب تلك المعركة. ولكن إذا كنت في المدينة الخاطئة، فإنني لست صاحب اليد العليا في القطاع، ولا أمثل الوظيفة التي يريدها خريجي الكليات كلهم على اختلافها. قد تكون كلية مهنية. وقد يكون "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)". وإذا كنت أصغر حجماً، فأداء القطاعات يكون أفضل بالتكاتف معاً، وإلا فستتساقط فرادى.
يتحتم تحديد ماهية المهارات، والعمل مع الموارد التعليمية لتضمين هذه المهارات في المنهاج والمواد الدراسية، والعمل مع اتحادات العمال على كيفية الانتقال التدريجي بالموظفين الذين يعملون لديّ، فالكثير من الأسواق لا تستطيع التخلي عن فكرة إعداد العمالة للمستقبل، إلا إذا كان الثمن باهظاً.
ويتعين أن لا يحدث ذلك النوع من الانحياز على مستوى الشركة، بل على مستوى القطاعات. كما يتعين على السياسات الحكومية أن تعمل على تيسيره في مواجهة عملية إعاقته بسياسات تُسبب القلق لأصحاب العمل، وكأنهم لو بدأوا بالتفكير بالمستقبل، فسيقرر وزير عدل، أو المدعي العام لولاية ما في الولايات المتحدة، أنه سيحصل على المجد في حالة مقاضاته للقطاع، بداعي التواطؤ على أي المهارات المطلوبة.
أليسون بيرد: حسناً يا جو، لقد أعطيتنا الكثير لنفكر فيه. شكراً على حضورك هنا وحديثك معي اليوم.
جوزيف فولر: هذا من دواعي سروري.
أليسون بيرد: كان ذلك جوزيف فولر، وهو أستاذ جامعي في "كلية هارفارد للأعمال". شارك في كتابة مقالة "قوتك العاملة قابلة للتكيف أكثر مما تعتقد" (Your Workforce is More Adaptable Than You Think)، الصادرة عن هارفارد بزنس ريفيو. يمكنك العثور على المقالة في إصدار مايو/يونيو (أيار/حزيران) من مجلة هارفارد بزنس ريفيو، أو على موقع HBR.org.
هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي. حصلنا على المساعدة الفنية من روب إيكهاردت. ومدير الإنتاج الصوتي لدينا هو آدم باكولتز. شكراً لاستماعكم إلى برنامج "آيديا كاست" المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا أليسون بيرد.