ملخص: قبل انتشار جائحة "كوفيد-19"، كان المسؤولون التنفيذيون يحظون بفرصة للدردشة مع زملائهم في أثناء تناول فنجان قهوة مثلاً قبل بدء الاجتماع. أما اليوم مع ظهور صور المشاركين في الاجتماع على الشاشة يصبح كل منهم أمام خيارين، إما أن يتحدث مع الجميع وإما ألا يتحدث على الإطلاق. ونتيجة للجائحة فرضت آداب الاجتماع عبر منصة "زووم" عقد الاجتماعات وفق موعد محدد مسبقاً أو بعد موافقة المشاركين عليه بفترة وجيزة، كل حسب ثقافته. وهذا يعني أن أفراد الفريق قد حُرموا من أفضل فرصة للأحاديث الجانبية أو تجاذب أطراف الحديث من دون المساس بوقت الاجتماع، وهي الدقائق المعدودة التي كانوا يلتقون فيها عند التجمع قبل موعد بدئه، وبذلك حُرموا من فوائد هذه الأحاديث العفوية أيضاً. يقدم المؤلفان طرقاً لاستعادة الأحاديث الجانبية.
سمعت اعترافاً غير اعتيادي من أحد الرؤساء التنفيذيين، قال خليل: "في أثناء اجتماع الموظفين الأخير، أمضينا قرابة 40% من الوقت في التحدث عن لا شيء، بل قضينا الوقت معاً وتجاذبنا أطراف الحديث كما في الأيام الخوالي. كان هذا الاجتماع أحد أكثر الاجتماعات متعة وإنتاجية منذ أغلقنا المكتب". ثم قال: "إلا أن بعض أفراد الفريق اشتكوا من ذلك".
أجريت اتصالاً بعدها بوقت قصير مع رئيسة الشركة ريما وعبرت لي عن وجهة نظرها، قالت: "لم يسرّني هذا الاجتماع، وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس التنفيذي للشؤون المالية، لذلك تحدثت مع خليل عن الأمر. ربما كانت لديه وفرة من الوقت، لكني أجري اجتماعات على منصة "زووم" على مدى 12 ساعة في اليوم، وإذا أتيحت لي نصف ساعة من الفراغ في أثناء اليوم فأنا بصراحة أفضّل أن أقضيها مع زوجي وأولادي بعيداً عن العمل".
على الرغم من التوتر الدائم بين الوقت الذي يقضيه الحاضرون في مناقشة موضوع الاجتماع والوقت الذي يقضونه في التواصل الاجتماعي فيما بينهم، تصل غالبية الاجتماعات المتكررة إلى نقطة توازن طبيعي يستمر على الأقل إلى أن يطرأ تغيير ما في الظروف أو الشخصيات الحاضرة ويخلّ به. وقد فقدنا هذا التوازن بسبب الاضطرار إلى عقد الاجتماعات عبر منصة "زووم" (أو غيرها من المنصات التي تقدم خدمات الاجتماعات الافتراضية).
فقدان الأحاديث الجانبية
يبدو أن فقدان الأحاديث الجانبية صعب، وليس على خليل وريما فقط، بل على كثير من المسؤولين التنفيذيين أيضاً. وتمكنا من تحديد سببين شائعين لصعوبته، وهما:
لم يعد لدينا ما يسمى "وقت التجمع"
قبل انتشار جائحة "كوفيد-19" كان المسؤولون التنفيذيون يحظون بفرصة للدردشة مع زملائهم في أثناء تناول فنجان قهوة مثلاً قبل بدء الاجتماع، وعندما يجتمعون حول الطاولة كانت هذه الأحاديث الفردية أو التي تدور ضمن مجموعة صغيرة تستمر لبعض الوقت وقد تتوسع لتشمل المجموعة بأكملها قبل أن تبدأ نقاشات العمل.
أما اليوم مع ظهور صور المشاركين في الاجتماع على الشاشة يصبح كل منهم أمام خيارين، إما أن يتحدث مع الجميع وإما ألا يتحدث على الإطلاق. ونتيجة للجائحة فرضت آداب الاجتماع عبر منصة "زووم" عقد الاجتماعات وفق موعد محدد مسبقاً أو بعد موافقة المشاركين عليه بفترة وجيزة، كل حسب ثقافته. وهذا أدى إلى حرمان أفراد الفريق من أفضل فرصة لتجاذب أطراف الحديث من دون المساس بوقت الاجتماع، وهي الدقائق المعدودة التي كانوا يلتقون فيها عند التجمع قبل موعد بدئه.
إجهاد الاجتماعات الافتراضية أصبح متفشياً
يستمد كلّ من خليل وريما نشاطهما من وظيفتيهما ومن النجاح الذي حققه الفريق في التكيف مع أزمة "كوفيد-19" وتحويل طرق العمل. لكنهما مثل كثير من المسؤولين التنفيذيين مرهقان بسبب سيل الاتصالات المتتالية المستمر من الصباح إلى الليل عبر منصة "زووم".
يصاب كثير من المدراء بالإرهاق وتستنفد طاقتهم قبل انتهاء يوم العمل، لذا يجب ألا نستغرب من أن إطالة الاتصال من دون ضرورة تثير غضبهم، لاسيما مع إدراكهم أنه بمجرد الانتهاء من هذا الاجتماع سيتاح لهم الوقت الذي هم بأمس الحاجة إليه ليتمكنوا من تحقيق شيء من التوازن بين الحياة والعمل.
لكن من الضروري تخصيص الوقت للأحاديث الجانبية. عمل خليل على مدى الأعوام القليلة الماضية على ترسيخ الثقافة الحالية في الشركة وبين أفراد فريقه، وهو محق في اعتقاده أن استمرار الأداء الاستثنائي الذي يقدمه فريقه معتمد على التمسك بهذه الثقافة وتنميتها. ينصب اهتمام خليل على بناء العلاقات الشخصية والجماعية والحفاظ عليها وتوطيدها، ويعلم أن دمج الأفراد الجدد في الفريق بسرعة لا ينحصر بسلسلة اجتماعات الإحاطة الأساسية بل يحتاج إلى تعرفهم على الأفراد الآخرين من الناحية الشخصية أيضاً.
وبالنسبة لخليل، فإن اللحظات المناسبة لتعارف أفراد الفريق تتاح في أثناء الأحاديث العفوية أو بعدها. كما يرى أن قضاء الوقت مع الزملاء له ميزة مفيدة، فالدردشة والأحاديث الجانبية في اللقاءات تحسن الحالة النفسية وتعزز الرفاهة، وهي إحدى طرق توطيد العلاقات وتعميقها وهي أساسية في بناء فرق عالية الأداء.
كيف تعيد إدخال الأحاديث الجانبية إلى اجتماعاتك؟
صحيح أنه ليس بإمكاننا حل مشكلة عدم وجود بديل افتراضي للعبة الغولف أو الإبحار بالقارب الشراعي في فترة بعد الظهيرة أو العشاء المطول مع الزملاء، لكننا ابتكرنا بعض الطرق التي تساعد على إعادة هذا المكون المهم إلى اجتماعاتك.
1. احرص على إدراج الأحاديث الجانبية ضمن بنود جدول أعمالك، ولا تجعلها ملحقة به
لم يخطط خليل للسماح بتحويل جزء كبير من اجتماعه إلى حديث عن لا شيء، إنما حدث ذلك بصورة تلقائية. ولأن هذا الحديث كان عفوياً فقد اعتبرته ريما وبعض الحاضرين الآخرين عبئاً مفروضاً عليهم على الرغم من أنه كان ممتعاً ومنعشاً لخليل.
وإذا كان خليل سيقوم بذلك مجدداً، فبإمكانه إخبار فريقه عن نيته بتخصيص جزء من الاجتماع الافتراضي ليجري الحاضرون أحاديث شخصية غير رسمية. وفي حين قد يبدو التخطيط للأمور العفوية وغير الرسمية تناقضاً، فخلق التوقعات ووضع الحدود سيزيد من راحة الفريق في تقبّل هذا التغيير.
2. ابدأ اجتماعات الفريق بالاطمئنان عن الحاضرين بصورة فردية أو فتح الأحاديث معهم بهدف كسر الحواجز
القيام بنشاط أو فتح أحاديث لكسر الحواجز في بداية الاجتماع هو أحد الأساليب الأزلية لتواصل المشاركين، لكن مع مرور الأعوام تتخلى الفرق التي تعقد اجتماعات دورية متكررة، مثل اجتماع الموظفين الذي يعقده خليل، عن أحاديث كسر الحواجز وتعتبرها أمراً غير ضروري.
أما في العالم الافتراضي فبدء الاجتماع بحديث كسر الحواجز هو الخطوة الأولى لإعادة الأحاديث الجانبية.
طلبت واحدة من عملائي من أفراد فريقها أن يتحدث كل منهم لمدة دقيقة عما يجري في حياته على الصعيدين المهني والشخصي وبدأت بنفسها كي توضح لهم طريقة الحديث ودرجة الصدق فيه، فتحدثت عن مرض أحد أحبائها ووصفت تأثير مرضه عليها، وحذا أفراد الفريق حذوها وشعروا على الفور بتواصل وراحة أكبر فيما بينهم.
كما يمكنك إدخال شيء من الدعابة والمرح في بداية الاجتماع، خذ مثلاً أحد الرؤساء التنفيذيين الذي طلب من أفراد فريقه أن يرسلوا له صورهم عندما كانوا أطفالاً صغاراً، وعند بداية كل اجتماع يشارك إحدى هذه الصور مع الفريق ويطلب من كل مشارك تخمين صاحبها. غالباً ما يسبب ذلك كثيراً من الضحك ويؤدي إلى رواية بعض القصص الجيدة، وهذه نتائج جيدة جداً لاستثمار ما بين دقيقتين و4 دقائق من وقت الاجتماع.
3. أضف إلى جدول الأعمال بنوداً قائمة على تقديم الآراء أو التخمين
احرص على أن يكون الميدان مستوياً بالنسبة للجميع. بين الفينة والأخرى أثر موضوعاً للنقاش تختلف آراء المشاركين حوله، واستخدم أسلوب التصويت لجمع وجهات نظرهم ثم اترك النقاش يأخذ مجراه.
ينبغي لخليل إثارة موضوع يدفع المشاركين لطرح آرائهم حول مسائل شاملة أو يركز على عملية توليد الأفكار الإبداعية بدلاً من التحدث عن "لا شيء". لا يزال بإمكاننا اعتبار هذه الأحاديث "متعلقة بالعمل"، لكنها على مستوى أعلى من بنود جدول الأعمال المتعلقة بالمعاملات اليومية، ولأنها بطبيعتها قائمة على الآراء سيصعب على أي من أفراد الفريق التباهي بمهارات خاصة تتجاوز آراء الآخرين.
فمن غير الممكن إعطاء جواب صحيح فوري عن أسئلة مثل: "متى برأيك ستقام الفعالية الرياضية الداخلية التالية؟" أو "متى سيقام الحفل الموسيقي التالي الذي يضم 10,000 متفرج؟". وإذا قضى فريق خليل 15 دقيقة في مناقشة مجموعة الآراء المطروحة حول هذا الموضوع أو أي موضوع شبيه آخر فستكون هذه بداية جيدة للاجتماع.
4. اترك بعض الوقت من دون التخطيط لأي نشاط في نهاية الاجتماع مع الفريق
ثمة طريقة بسيطة أخرى لإتاحة الفرصة للأحاديث غير الرسمية مع أخذ مخاوف ريما فيما يتعلق بالكفاءة بعين الاعتبار، وهي منح المشاركين الخيار.
إذا كانت ريما تعرف مسبقاً أن خليل سيتيح ما بين 15 أو 20 دقيقة في نهاية الاجتماع للدردشة العشوائية مع المجموعة، فيمكنها اتخاذ قرار بالبقاء والمشاركة أو المغادرة. وعلى خلاف ما حدث عندما بدأ الاجتماع بالدردشة، لن تشعر ريما أنها خدعت واحتجزت في الاجتماع من دون امتلاك أي فكرة عن الوقت الذي ستستغرقه هذه الأحاديث قبل الدخول في نقاشات العمل، وإذا شعرت بحاجة إلى مغادرة الاجتماع فستفعل ذلك ببساطة. وسيكون الفريق مبتهجاً أكثر وسيكون خليل واثقاً من أن جميع الحاضرين يعرفون أنه بإمكانهم الخروج من الاجتماع حين يشاؤون.
الأحاديث الجانبية مهمة وضرورية، وحان الوقت لإعادة هذا الجزء المفقود من ثقافة فريقك إلى العالم الافتراضي.