مظاهر استشراف المستقبل من حكومة الإمارات

3 دقيقة

ما يمرُّ به عالمنا اليوم من تحديات معقدة وتطورات متسارعة يضعنا أمام حقيقة مفادها أن النمو مرهون بالقدرة على استشراف المستقبل وفهم الرؤى والاتجاهات الحالية التي يمكن الاعتماد عليها في التخطيط للأجيال المقبلة.

ويتطلب تحديد اتجاهات المستقبل فهماً عميقاً للتحولات الاقتصادية والاجتماعية، والتطورات التكنولوجية، ورسم سيناريوهات منسجمة معها. فامتلاك البصيرة والقدرة على التقاط الإشارات الصغيرة وتحليلها بدقة وعمق، يُمكّن الحكومات والمؤسسات من الوقوف على أرض صلبة لاستكشاف الفرص ومواجهة التحديات بفعالية.

تتحرك حكومة الإمارات بخطى ثابتة على مسار استشراف المستقبل، وتعمل على استراتيجيات ومبادرات في مجالات عدة، منها الصحة والتعليم والتكنولوجيا والخدمات الحكومية، إضافة إلى تعزيز الموارد البشرية، ما يُمكّنها من قيادة التغيير الإيجابي وتحقيق قفزات نوعية في العديد من المجالات.

وتمتلك الحكومة مجموعة من الخصائص التي تدعم قدرتها على استقراء ملامح المستقبل بصورة أسرع من غيرها، إذ تسهم هذه الخصائص إسهاماً جوهرياً في تشكيل البنية الاحترافية للهياكل الحكومية المرنة، التي تُعتبر نقطة البداية للسير في رحلة استشراف المستقبل.

أهمية بناء الإنسان أولاً

”إن بناء الإنسان هو مبدأ رئيسي من مبادئ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ويمثل أحد أهم ضمانات التقدّم لتعزيز مسيرة البناء والتنمية والتطوير، ويصب في نهج دولة الإمارات الذي يضع الإنسان أولاً، ويركز على تمكين الكوادر الوطنية لتعزيز مسيرة البناء والتنمية والتطوير.

تتطلع الدولة من خلال رؤية نحن الإمارات 2031 إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي للدولة من 1.49 تريليون درهم إلى 3 تريليونات درهم، وخلق بيئة اقتصادية فعّالة ومزدهرة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال ترسيخ فكرة ”لا الآلة ولا رأس المال يصنعان الازدهار، بل الفكر والوعي الإنساني”، إذ يشير تقرير صادر عن معهد ماكنزي العالمي، إلى أن الشركات التي تركز على أداء موظفيها وتطوير مهاراتهم تزيد احتمالية تفوقها على نظيراتها بمقدار 4.2 مرات، وتحقيق نمو أعلى في الإيرادات بنسبة %30.

أسهم الاستثمار في القدرات والمواهب البشرية المتحررة من البيروقراطية النمطية والسياسات العقيمة في تسريع وتيرة الابتكار، والاعتماد على نموذج المنصة الواحدة في تقديم الخدمات الحكومية، مثل منصة تم، ومنصة ملفي، لتوفير الوقت والجهد لكل مواطن وزائر وسائح في الدولة، وإطلاق العديد من التطبيقات الذكية التي تعكس المرونة المؤسسية في تحديث القوانين والتشريعات والسياسات الفعّالة.

ومن وجهة نظري، فإن تنوع الخبرات المحلية والعربية والأجنبية في الإمارات، التي تضم أكثر من 200 جنسية، أسهم في تكوين مزيج فكري استثنائي يُظهر قوة رأس المال البشري وقدرته على صناعة التغيير. وتحرص إدارات التعلم والتطوير في المؤسسات الحكومية الجادة على تنمية العقول والمواهب، وتصميم البرامج التي تُنمّي القدرات الفكرية، مثل التفكير الاستراتيجي، وبناء السيناريوهات المستقبلية، والتفكير النقدي، والتفكير التصميمي في استحداث الخدمات وقيادة المستقبل. فعلى سبيل المثال، يؤكد برنامج ”خبراء الإمارات” نهج القيادة القائم على الإنسان، إذ يهدف إلى إعداد قاعدة متنوعة من الكوادر الوطنية الشابة وتأهيلهم ليكونوا خبراء ومتخصصين في 20 مجالاً، ويشكّلوا عنصراً فاعلاً ورئيسياً في تحقيق مستهدفات رؤية الإمارات 2021، ووضع الدولة في صدارة قائمة الدول الأفضل عالمياً في القطاعات كافة، بما يواكب مستهدفات مئوية الإمارات 2071. وقد أدى ذلك إلى حصول الدولة على المرتبة الأولى عربياً وآسيوياً في مؤشر رأس المال البشري 2024 الصادر عن الأمم المتحدة.

تعزيز عمليات الابتكار وتطوير التكنولوجيا في إدارة الأعمال

يمثّل الابتكار إحدى أدوات استشراف المستقبل. ومن خلاله يمكن التنبؤ باحتياجات الأفراد والمجتمعات وتقديم منتجات وخدمات قادرة على تلبيتها. من هنا، استهدفت ”مبادرة التصميم الحكومي” عام 2019 تحويل الجهود الحكومية نحو تطلعات المجتمع واحتياجات أفراده، وتبنّي نهج التفكير التصميمي في إعداد المبادرات والسياسات وتطويرها، لتتصدر دولة الإمارات عربياً مؤشر الابتكار العالمي لعام 2024.

ومن المهم الإشارة إلى أن النجاح الابتكاري والريادي يُبنى على أساس رقمي قوي وجيل يمتلك مهارات قيادية وقدرات تكنولوجية متقدمة. لذا، تسعى دولة الإمارات دائماً إلى توظيف التكنولوجيا لخدمة المجتمع وتحقيق السعادة والرفاه لأفراده. وركزت من خلال استراتيجية الثورة الصناعية الرابعة على بناء اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية، وإعداد جيل من المواهب الوطنية الشابة المزودة بالمعارف العلمية والتكنولوجية، فضلاً عن تطوير البيئة المناسبة المحفزة لريادة الأعمال في القطاعات الحيوية.

وتحوّل مسار الحكومة نحو استخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لتحسين الخدمات، وزيادة الكفاءة والفعالية، وخلق بيئات عمل مبتكرة، إذ تستهدف استراتيجية الذكاء الاصطناعي 2031 الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل %100، خصوصاً مع توقعات بإسهام القطاع بنحو 96 مليار دولار في اقتصاد الإمارات بحلول عام 2030.

يسمح تحفيز الابتكار وتبنّي نهج التفكير المستقبلي في أسلوب العمل، للشركات بامتلاك المرونة التنظيمية والقدرة على توقع التغيير باستمرار، ويحقق فوائد اقتصادية على المدى البعيد. ووفقاً لدراسة أجراها أستاذ الاستراتيجية في كلية آرهوس للأعمال بالدنمارك، رينيه روربيك، وأستاذ ريادة الأعمال والابتكار في جامعة كاليفورنيا، مينيس كم، فإن الشركات التي تعتمد على استشراف المستقبل تحقق ربحية أكبر بنسبة %33 من الشركات الأخرى المنافسة.

ويساعد الاستثمار في الإنسان وتعزيز الابتكار والتكنولوجيا الحكومات على ضبط بوصلتها والتنبؤ بالتحديات والفرص المحتملة والاستعداد لها، وتحسين عملية اتخاذ القرارات لدى القادة، والتكيّف مع المتغيرات الجديدة من خلال دراسة الاتجاهات الحالية والمعطيات المتوافرة.

ومع التركيز على هذه المحاور وتحويلها إلى ثقافة راسخة ومنظومة متكاملة، يمكن للحكومات أن تكون مستعدة لمواجهة تحديات المستقبل وتقديم خدمات أفضل للأجيال المقبلة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي