عندما ظهرت "رابيد إس أو إس" (RapidSOS) كشركة ناشئة، لم يكن من الصعب التسويق لها. فهي كانت تهدف إلى إدخال الاتصال بخدمة الطوارئ الأميركية (911) إلى عصر الهواتف الذكية. فمن المعروف بأنّ أنظمة الاستجابة للحالات الطارئة كانت قد تطوّرت في حقبة ما قبل الهواتف المحمولة، الأمر الذي يعني أنّ قلّة من هذه الأنظمة فقط كانت قادرة على تحديد مواقع المتّصلين من هواتفهم المحمولة بدقّة، ممّا كان يؤثر على أزمنة الاستجابة والنتائج الطبية للحالة، ولهذا سنقدم استراتيجيات للشركات الناشئة متعلقة بهذا الخصوص.
كان مؤسّسا الشركة، وهما مايكل مارتن، المتخرّج في كلية هارفارد للأعمال، ونيك هورليك، المهندس الذي تخرّج في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، قد طوّرا طريقة لنقل مواقع الهواتف المحمولة إلى أنظمة الطوارئ (911) القائمة، لم تكن تتطلّب إلا تعديلات طفيفة من الجهات الأخرى العاملة في قطاع خدمات الطوارئ. وبعد أن تمكّن مارتن وهورليك من اجتذاب التمويل في المراحل المبكّرة من خلال المسابقات والمنافسات المخصّصة لدعم الخطط التجارية، وصلا إلى مفترق طرق: كيف يجب عليهما أن يسوّقا هذه التكنولوجيا في السوق؟
لم تكن الإجابة عن هذا السؤال مباشرة وبسيطة، حيث أنّهما حدّدا أربعة مسارات محتملة. (راجع الفقرة الجانبية التي تحمل عنوان "بوصلة الاستراتيجيات الريادية"). فقد كان بوسعهما الجموح في طموحهما ومحاولة استبدال نظام الاستجابة للطوارئ برمّته – من خلال إنشاء ما يشبه "شركة أوبر لسيّارات الإسعاف". وكان بإمكانهما تجريب استراتيجية مزعزعة نموذجية – من خلال استهداف الشرائح السكّانيّة غير المخدّمة على نحو جيّد في بادئ الأمر، مثل الأشخاص الذين لديهم مرض الصرع، على نيّة التوسع في نهاية المطاف لخدمة مجموعة واسعة من الزبائن. وكان بمقدورهما تجنّب المنافسة المباشرة تماماً، إمّا من خلال مساعدة المؤسسات القائمة على تحديث عملياتها – ربما من خلال العمل مع مزوّدي التجهيزات المستخدمة في نظام الطوارئ 911 مثل شركة موتورولا – أو عبر الشراكة مع شركات التأمين، التي تغطّي في نهاية المطاف تكاليف خدمات سيّارات الإسعاف.
اقرأ أيضاً: أسئلة يتعين على كل رائد أعمال الإجابة عنها
يخشى العديد من روّاد الأعمال الذين يعملون في أجواء من الضبابية وعدم اليقين، من أن تؤدّي عملية الاستكشاف إلى تأخير تحوّل الشركة إلى مشروع تجاري رابح. لذلك فإنهم يختارون الاستراتيجية العملية الأولى التي تخطر في بالهم، متخلّين عن المداولات وعمليات التخطيط التي ترافق التحديد المتأني للاستراتيجيات. وكما يذهب ريتشارد برانسون في قوله الشهير: "في نهاية المطاف، يجب عليك أن تقول: "سأقوم بذلك مهما كلّف الأمر. ثم سر إلى الأمام، وجرّب ما نفّذته".
في بعض الأحيان، قد تنجح هذه المقاربة بالطبع. لكنّ هذا التجريب المرتجل يجب تجنّبه، حتى لو كان يتطلّب القليل من الموارد. فروّاد الأعمال الذين يلتزمون بأوّل مسار واعد يظهر أمامهم يُضْعِفُونَ موقف شركاتهم أمام المنافسين الذين يأخذون مساراً أقل وضوحاً ولكن أقوى في نهاية المطاف باتجاه الزبائن وتحويل الشركة إلى مشروع تجاري رابح. شاي أغاسي، على سبيل المثال، أنفق ما يقارب المليار دولار في بناء منظومة لدعم شركة "بتر بليس" (Better Place)، التي جسّدت مقاربته الخاصة بالسيارات الكهربائية التي تعتمد على البطاريات القابلة للاستبدال. أمّا مقاربة إيلون ماسك الأكثر تأنّياً وتدرّجاً والقائمة على تطوير سيارة تيسلا (Tesla) المتكاملة والأكثر موثوقية فقد أثبتت بأنّها استراتيجية أذكى.
هذه ليست المشكلة الوحيدة للفلسفة القائمة على التحرّك أولاً. فالمؤسّسون يكونون أكثر ثقة وإقناعاً للمستثمرين والموظفين والشركاء عندما يكونون قادرين على إظهار احتمال النجاح المستقبلي لفكرة ما باستعمال استراتيجيات متعدّدة مما يؤكّد صوابية الافتراضات الضمنية للفكرة بحدّ ذاتها وقوّتها.
استراتيجيات للشركات الناشئة
فهل هناك طريقة تسمح بالدراسة المتأنية للخيارات الاستراتيجية دون إبطاء العملية أكثر ممّا يجب؟ بعد أن أمضينا أكثر من 20 عاماً في العمل مع مئات الشركات الناشئة أو دراسة أوضاعها، توصّلنا إلى إطار عمل أطلقنا عليه اسم "بوصلة الاستراتيجيات الريادية" يسمح لمؤسّسي الشركات بمقاربة الخيارات الحاسمة التي يواجهونها بطريقة عملية وموضّحة. يحدّد هذا الإطار أربع استراتيجيات عامّة للدخول إلى السوق يجب عليهم دراستها عندما ينتقلون من الفكرة إلى مرحلة الإطلاق، وكل واحدة من هذه الاستراتيجيات تعرض طريقة متميّزة تساعد الشركة على خلق القيمة وتحقيقها.
بوصلة الاستراتيجيات الريادية
تقوم هذه المقاربة في صميمها على الإقرار بأنّ استراتيجية دخول أي ابتكار إلى السوق تنطوي على اختيارات تتعلق بتحديد الزبائن المستهدفين، والتكنولوجيا المطبّقة، والهوية المؤسسية التي يجب تبنّيها، وكيفية تحديد موقع الشركة بالمقارنة مع المنافسين. (راجع الفقرة الجانبية التي تحمل عنوان "القرارات الأربعة").
وما يزيد المسائل تعقيداً، هو أنّ هذه القرارات متداخلة ومترابطة– فالزبائن الذين يقع الخيار عليهم يؤثرون في الهوية المؤسسية للشركة وفي الخيارات التكنولوجية التي تتبنّاها.
في حالة المؤسسات التي تمتلك الموارد، تشمل القرارات الأربعة تحليل البيانات التي ربما تكون متاحة لديها أصلاً. كما أنّها، وفي غالب الأحيان، تكون قادرة على إجراء أبحاث سوقية وتجارب على عدّة جبهات. وبمقدورها الاعتماد على التجربة السابقة. أمّا الشركة الناشئة ذات الميزانيات المحدودة، في المقابل، فهي تفتقر إلى التاريخ وما يجلبه من معارف. لكنّ ذلك يمكن أن يكون ميزة، لأنّ التجربة السابقة، والبيانات التاريخية، والالتزامات التي تشكّل أساساً محرّكاً للممارسات الحالية قد تخلق نقاطاً عمياء بالنسبة للشركات الراسخة، بل وقد تدفعها إلى السهو عن الابتكارات التي قد تشكّل تهديداً وجودياً لها. ومع ذلك، فإنّ الشركات الناشئة قد تواجه المنافسة في نهاية المطاف عندما يصحو اللاعبون الحاليون في السوق على الابتكارات الجديدة، وهي بالتأكيد ستواجه ضغوطاً من الشركات الناشئة الأخرى التي تحاول هزيمتها في السوق.
قد يشعر روّاد الأعمال بضغوط شديدة جرّاء العدد الكبير من الخيارات التي قد يواجهونها، رغم أنّ بعض المسارات يمكن أن تُستبعد بوصفها غير عملية، في حين أنّ بعضها الآخر لن يكون متناغماً. غير أنّ أبحاثنا تشير إلى أنّ الفئات الأربع للبوصلة تجعل العملية قابلة للتدبّر، بحيث توصل الشركات الفتيّة إلى استراتيجيات عملية للدخول إلى الأسواق بسرعة، وتعرض للافتراضات الضمنية لكل خيار من الخيارات المتاحة.
يجب على كلّ شركة جديدة ترغب في دراسة الاستراتيجيات المحتملة والمفاضلة بينها أن تأخذ بالحسبان أمرين متنافسين محدّدين لكل منهما حسناته وسيئاته لتختار ما بينهما.
التعاون أم التنافس؟
يوفّر العمل مع اللاعبين الراسخين في السوق إمكانية الوصول إلى الموارد وسلاسل التوريد التي قد تمكّن الشركة الناشئة من الدخول إلى سوق أوسع وأكثر رسوخاً بسرعة أكبر. ثمّ ومرّة أخرى، قد تواجه الشركة تأخيرات كبيرة بسبب الطبيعة البيروقراطية للمؤسسات الكبيرة كما أنها قد لا تحظى سوى بقطعة أصغر من تلك الكعكة التي قد يكون حجمها المستقبلي أكبر. (على الأرجح أن تكون لدى الشركة الراسخة قوّة مساومة أكبر في يدها في هذه العلاقة – وتحديداً إذا كانت قادرة على الاستئثار بعناصر أساسية من فكرة الشركة الناشئة).
كما أنّ للبديل حسناته وسيئاته هو الآخر. فالمنافسة ضد الشركات الراسخة في قطاع معيّن تعني بأنّ لدى الشركة الناشئة حرّية أكبر في بناء سلسلة القيمة التي ترتئيها، والعمل مع الزبائن الذين ربما تكون الشركات الحالية الراسخة قد سهت عنهم، وطرح ابتكارات تعزّز القيمة بالنسبة للزبائن في السوق على أن تحلّ مكان منتجات كانت خلافاً لذلك ناجحة. لكنّ ذلك يعني تجاوز منافسين ذوي موارد مالية أكبر وبنية تحتية تجارية راسخة.
اقرأ أيضاً: كيف لرائد الأعمال أن يقود ويدبّر أعماله في زمن أزمة "كورونا"؟
التخندق أم المواجهة؟
يؤمن بعض الشركات بأنّه سيحقّق مكاسب أكبر إذا ما حافظ على سيطرة كبيرة على منتج معيّن أو تكنولوجيا معيّنة، وبأنّ التقليد سيجعله في موقع هش وضعيف. وبالتالي تلجأ هذه الشركات إلى الاستثمار في حماية الملكية الفكرية. ورغم أن الحماية الرسمية لحقوق الملكية الفكرية هي شيء مكلف، إلا أنها يمكن أن تسمح لشركة ناشئة تعتمد على التكنولوجيا بإقصاء الآخرين عن المنافسة أو ممارسة قوّة مساومة أكبر في المفاوضات مع شريك في سلسلة التوريد. لكنّ إعطاء الأولوية للسيطرة يزيد من تكاليف العمليات وتحدّيات طرح التكنولوجيا في السوق والعمل مع الزبائن والشركاء.
وفي المقابل، فإنّ التركيز على الوصول بسرعة إلى السوق يسرّع التحوّل نحو تحقيق الأرباح التجارية والتطوير، وهذا الأمر يحصل عادة بتعاون وثيق مع الشركاء والزبائن. والشركات الناشئة التي تختار السير في هذا الطريق تعطي الأولوية للقدرة على تجريب أفكارها مباشرة في السوق وتكرارها. وفي حين أنّ الاستراتيجية المبنية على السيطرة يمكن أن تؤخّر الدخول إلى السوق، إلا أنّ الشركات الناشئة التي تركّز على الوصول إلى السوق تتوقّع مواجهة منافسة وتستغل رشاقتها للتجاوب عندما تظهر التهديدات من المنافسين. وهي تتحرّك بسرعة وتكسّر العوائق التي تقف في طريقها.
يُسهمُ التركيز الدقيق على هذين السؤالين في التبسيط الهائل لعملية التأمّل الاستراتيجي. وعوضاً عن السعي إلى تحديد مزيج من الخيارات الموجودة ضمن قائمة محدّدة سلفاً، والتي تعتبر "صائبة" بالنسبة لفكرة معيّنة، يمكن لفريق من المؤسّسين أن يدرس إمكانية الخيارات المختلفة والتي يمكن صياغتها ضمن كل واحدة من هذه الاستراتيجيات الأربع، وأن يدرس قدرة هذه الخيارات على خلق القيمة وتحصيلها.
ودعونا الآن ننتقل إلى هذه الاستراتيجيات الأربع.
في هذا الربع من مصفوفة البوصلة، تتعاون الشركة الناشئة مع الشركات الراسخة وتحتفظ بسيطرتها على منتجها أو تكنولوجيتها. تركّز الشركة الناشئة هنا على توليد الأفكار وتطويرها، وتتجنّب الخوض في الأنشطة الميدانية القائمة على التفاعل المباشر مع الزبائن. الفكرة الأساسية يجب أن تكون ذات قيمة بالنسبة لزبائن الشركات الراسخة؛ وبالتالي، فإن خيارات التطوير التي تخصّ هذه الفكرة سوف تحدّد الشركات الحالية الأنسب للدخول معها في شراكة في هذا المشروع.
اقرأ أيضاً: 6 أمور على الخريجين معرفتها قبل الانضمام لشركة ناشئة
إضافة إلى ذلك، وبما أنّ التعاون يتطلّب التناغم مع أنشطة الشركات الراسخة، فإن الشركة الناشئة سوف تختار على الأرجح استثمارات تكنولوجية قابلة للتعميم تكون منسجمة مع الأنظمة القائمة. أخيراً، سوف تنعكس هوية الشركة الناشئة – كنوع من مصنع الأفكار – في تطويرها للابتكارات التي يمكن أن تطرح في السوق عبر الشركات الراسخة التي يقع عليها الاختيار. لكنها ستنظر إلى نفسها على أنها تطوّر عدداً صغيراً من التكنولوجيات النمطية التي يمكن أن تحدث فرقاً حاسماً في القطاع المعني، ولن تدخل في تجريب غير منهجي لكل تكنولوجيا جديدة محتملة.
ثمّة مثال نموذجي من شركة دولبي (Dolby) للصوتيات. فلا شكّ بأنّ أيّ شخص يعمل في سوق أنظمة الستريو أو شاهد فيلم سينما قد سمع باسم دولبي لابوراتوريز التي كانت قد حصلت على براءة اختراع في تكنولوجيا التقليل من الضجيج التي ابتكرها راي دولبي عام 1965، لتصبح أحد المعايير العالمية، ولتظل هذه الشركة رائدة على مستوى العالم في هذا الحقل لأكثر من 50 عاماً. ويُنسب الفضل إلى تكنولوجيات دولبي في الرفع من مستوى الحضور العاطفي لبعض الأفلام الأيقونية مثل فيلم البرتقالة الآلية (A Clockwork Orange) للمخرج ستانلي كوبريك، وسلسلة أفلام "حرب النجوم" للمخرج جورج لوكاس. ومع ذلك فإنّ تقويم دولبي البالغ مليارات الدولارات تحقق رغم محدودية التفاعل مع مخرجي الأفلام، والمنتجين الموسيقيين، والعاملين في حقل الصوتيات. فقد منحت الشركة تراخيص لتكنولوجيتها التي تحمل براءة اختراعها للعديد من مطوّري المنتجات والمصنّعين بما في ذلك سوني، وبوز، وآبل، وياماها.
يأخذ روّاد الأعمال الذين يتّبعون استراتيجية مشابهة لاستراتيجية دولبي موضوع المحافظة على حقوق الملكية الفكرية الخاصّة بهم وحمايتها على محمل الجد الشديد. فبراءات الاختراع والعلامات التجارية المدروسة بعناية، والتي تدار بآلية قوية للأبحاث والتطوير، يمكن أن تخلق دفاعات قوية تسمح للشركة الناشئة بالمحافظة على قوّتها في المساومة على مدار فترات طويلة من الزمن. وتفرض هذه الاستراتيجية خيّارات محدّدة في مجال الثقافة والقدرات: فالشركة الناشئة بحاجة إلى الاستثمار في المهارات ذات الصلة في مجال الأبحاث والتطوير وليس ذلك فحسب بل أيضاً في العقول القانونية الذكية والملتزمة. وقد أثبتت استراتيجية الملكية الفكرية قوّتها ليس فقط في حالات ضيّقة مثل حالة دولبي، وإنما ضمن قطاعات بأكملها، مثل التقانة الحيوية؛ ومع بعض الشركات الرائدة في مجال المنصّات التكنولوجية مثل كوالكوم؛ ومع بعض الوسطاء في السوق، مثل جيتي إيميجيز.
هذه الاستراتيجية معاكسة لاستراتيجية الملكية الفكرية. وهي تنطوي على قرار بالمنافسة مباشرة مع الشركات الراسخة، مع التأكيد على تحويل الفكرة إلى مشروع تجاري، والتنمية السريعة للحصّة السوقية عوضاً عن السيطرة على تطوير الفكرة. يسعى روّاد الأعمال الذين يتبنّون استراتيجية الزعزعة إلى إعادة تعريف سلاسل القيم الراسخة، والشركات التي تسيطر على هذه السلاسل. لكنّ طبيعة الزعزعة بحدّ ذاتها تسمح للآخرين بالسير على خطاها. وبالتالي، فإنّ القدرة على المضي قدماً والمحافظة على التفوّق هي في صميم هذه الاستراتيجية.
رغم أنّ كلمة "زعزعة" لها معنى الفوضى، إلا أن الهدفّ الأولي لرائد الأعمال في الحقيقة هو تجنّب استفزاز الوحش واستدعاء رد فعل قوياً (قد يكون قاتلاً). تسعى الشركة الناشئة سعياً حثيثاً إلى بناء القدرات والموارد وولاء الزبائن بسرعة بحيث تكون الشركة الناشئة قد قطعت شوطاً بعيداً عندما تصحو الشركات الراسخة المنافسة أخيراً، ممّا يصعّب على المقلّدين اللحاق بركبها.
ولهذا السبب، غالباً ما تلجأ هذه الشركات إلى اختيار شريحة محدّدة من الزبائن هم عادة ممّن لا يحظون بتخديم كافٍ من الشركات الراسخة ويقعون خارج شاشات رادارها. يسمح ذلك الأمر للشركة الناشئة بأنّ تعزّز مصداقيتها وأن تستكشف (قبل أن يلاحظ أيّ كان) التكنولوجيات الجديدة التي قد تنطوي على بعض العيوب في بادئ الأمر مع إمكانية إدخال تحسينات هائلة مستقبلاً. وإذا ما أثبتت هذه التكنولوجيات جدواها، فإنّ الشركات الراسخة ستجد صعوبة عادة في تبنّيها، ولاسيما بأنّ قدراتها والتزاماتها تكون مبنيّة على أساس التكنولوجيات الراسخة.
أمّا بالنسبة لهوية رائد الأعمال المُزَعْزِع فإنّها غالباً ما تتّسم بالنشاط والحيوية والاندفاع. فموظفو الشركات الناشئة هم غالباً من الشباب التوّاقين والمتعطّشين. وهي لا تخشى الحرب التنافسية القادمة؛ وإنما تتوق إلى المواجهة. ويجب أن تكون رشيقة وقادرة على التجاوب بسرعة. وهي دائمة التركيز على النمو.
اقرأ أيضاً: الشركات الناشئة ودورها في صُنع الوظائف
تعتبر شركة نتفليكس نموذجاً مثالياً على هذا الربع من المصفوفة. فبعد أن أصيب مؤسّسا الشركة مارك راندولف وريد هيستينغز بالإحباط من تأخّر الناس في إرجاع الأفلام المستأجرة، خطر على بالهما حل يقوم على الاستفادة من تكنولوجيا أقراص الفيديو الرقمية (DVD) التي كانت قد بزغت في ذلك الوقت. وبعد اختبار هذا المفهوم من خلال إرسال قرص عبر خدمة البريد الأميركي، أنشأ الرجلان خدمة في نهاية التسعينيات سمحت لعشّاق أفلام السينما – وليس الزبائن العاديين الذين كانوا ببساطة يريدون أحدث الأفلام الضاربة – بتلقي أقراص الفيديو وإعادتها بهذه الطريقة. كانت استراتيجية نيتفليكس تتمثّل في الاستفادة من المحتوى ذي التكلفة المنخفضة (الذي يباع عدد كبير منه بكميات صغيرة) وبناء محرّك للتوصيات سيعزّز العلاقات مع الزبائن ويساعد في تطوير منهجية جديدة في تأجير الأفلام تقضي على نموذج شركة بلاك باستر (Blockbuster) الذي كان يقوم على إنشاء متاجر فعلية لتأجير الأفلام. (في بادئ الأمر، استهانت بلاك باستر بنيتفليكس معتبرة بأنّها لا تخدم التيّار العريض من الزبائن في الوقت المطلوب، ولكن سرعان ما تراجعت ربحية متاجرها التي اختفت من الوجود في نهاية المطاف). وتستعمل شركة "رينت ذا رن واي" (Rent the Runway) قواعد الزعزعة هذه لإعادة تشكيل سوق الملابس النسائية الفاخرة. وكانت خريجتان من برنامج إدارة الأعمال في هارفارد هما جنيفر هيمان وجنيفر فلايس قد أنشأتا الشركة عام 2009 بعد أن حدّدتا تحدّياً تواجهه النساء المحبّات للموضة يتمثّل في الاضطرار إلى شراء ملابس قد لا يرتدينها إلا لمرّة واحدة فقط.
طوّرت "رينت زي ران أواي" موقعاً على الانترنت يوفّر للنساء الطامحات خيار الاستئجار عوضاً عن شراء الملابس التي يصنعها كبار المصمّمين، وركّزت على حلّ التحديات المتعلّقة بالجوانب التشغيلية واللوجستية لشحن الملابس وإعادتها. ورغم أنّ الشركة لا تزال تعمل على الحلول مكان اللاعبين التقليديين من أمثال "نايمان ماركوس" وغيرها، التي ينصبّ تركيزها على زبونات الأزياء الراقية الغنيّات الباحثات عن التجارب ذات الطابع الشخصي داخل متاجر هذه الشركات، إلا أنها قد أنشأت قاعدة من الزبونات الوفيّات اللواتي يروّجن للعلامة التجارية عبر شبكاتالتواصلالاجتماعي. ويعتبر نموّها الاستثنائي بمثابة شهادة على قوّة التنفيذ في مواجهة الشركات الراسخة الأقل رشاقة في العمل.
تُعتبرُ الزعزعة أمراً مثيراً؛ ولكن بالمقارنة معها تبدو استراتيجية سلسلة القيمة مُبتذلة نوعاً ما. وفي هذه الحالة، تستثمر الشركة الناشئة في التحوّل نحو الربح التجاري وفي القوّة التنافسية اليومية، عوضاً عن التحكّم بالمنتج الجديد وفرض عوائق تمنع دخول الآخرين، لكنّ تركيزها ينصبّ على الاندماج والتأقلم ضمن سلسلة القيمة الحالية عوضاً عن مقارعتها.
ومع ذلك يمكن للمقاربة المبتذلة أن تخلق أنشطة تجارية مربحة للغاية. ولنأخذ على سبيل المثال شركة "فوكس كون" (Foxconn) الصينية لصناعة الإلكترونيات، وهي واحدة من قلائل الشركات العالمية القادرة على طرح منتجات جديدة من آبل وغيرها في السوق على نطاق واسع وفي الوقت المحدّد. وتنشأ هوية هذه الشركات من كفاءتها وليس من المنافسة المحتدمة. ورغم أنّ رواد الأعمال الذين يركّزون على سلسلة القيمة يعتمدون على زبائن الشركات الأخرى وتكنولوجياتها، إلا أنّهم يركّزون على تطوير المواهب النادرة والقدرات الفريدة ليصبحوا الشركاء المفضّلين.
إنّ استراتيجية سلسلة القيمة متاحة لمعظم الشركات الناشئة. وفي الوقت الذي كانت فيه شركة "ويب فان" (Webvan) للبقالة عبر الانترنت، والتي تأسّست عام 1996، تحاول زعزعة قطاع متاجر التسوّق (السوبرماركت)، أصبحت شركة بيبود (Peapod) الشركة الأميركية الرائدة في مجال البقالة عبر الانترنت من خلال عملها كجهة مكمّلة لمتاجر التجزئة التقليدية تقدّم خدمات قيمة مضافة (أفلست "ويب فان" عام 2001).
سمحت شراكة مبكّرة مع مورّد الأغذية "جويل أوسكو" (Jewel-Osco) من منطقة شيكاغو لشركة "بيبود" بتوضيح من هم زبائنها المثاليون (السيّدات العاملات في المهن الفكرية) والأشياء التي يفضّلنها (القدرة على تكرار الطلبيات بصورة منتظمة وتحديد زمن التوصيل في أوقات معيّنة، إضافة إلى أشياء أخرى). وفي حين أنّ استراتيجية الزعزعة التي تبنّتها "ويب فان" استدعت إعادة تعريف تجربة تسوّق مواد البقالة بالكامل، إلا أنّ استراتيجية "بيبود" الأكثر تركيزاً سمحت لها باقتراح تقديم قيمة لزبائنها المستعدّين لدفع علاوة إضافية في مقابل الطلب والتوصيل المؤتمتين، الأمر الذي نجمت عنه شراكة مربحة مع سلسلة متاجر ستوب آند شوب (Stop & Shop). وقد كسبت بيبود المعرفة وطوّرت قدرات خاصّة ساعدتها في تصدّر المشهد في البقالة عبر الانترنت لما يُقارب العشرين عاماً.
بالنسبة لروّاد الأعمال الذين يتبنّون مقاربة "بيبود"، فإنهم يخلقون القيمة ويحصّلونها من خلال التركيز على طبقة "أفقية" وحيدة من سلسلة القيمة تكون لديهم خبرات وقدرات لا نظير لها فيها.
ولعلّه ليست هناك استراتيجية ريادية أخرى يؤدّي فيها فريق المؤسّس دوراً أهم. فإضافة إلى الاستعانة بمندوبي مبيعات يركّزون على الزبائن النهائيين، أو مهندسين قادرين على تحسين الوظيفة الفنية للمنتج، يجب أن تكون الشركة قادرة على إدماج المبتكرين، وقادة تطوير الأعمال، والشركاء في سلسلة التوريد.
يجب أن تترجم قدرات الشركة الناشئة إلى تعزيز تمايز الشركات الراسخة أو ميزة في التكلفة لصالحها. وحتى لو أسهم الابتكار في تعزيز الموقع التنافسي لسلسلة التوريد الإجمالية، إلا أنّ الشركة الجديدة لن تكون قادرة على السيطرة إلا إذا كان اللاعبون الآخرون في السلسة غير قادرين على تقليد القيمة التي خلقتها.
في حين أنّ استراتيجية سلسلة القيمة هي المجال الذي يبرع فيه أصحاب الإنجازات الصامتون، إلا أنّ روّاد الأعمال الذين يختارون الاستراتيجية البنائية وينجحون فيها يميلون عادة إلى امتلاك حضور قوي كشخصيات عامّة. تسمح هذه الاستراتيجية للشركات الناشئة بالمنافسة وتحقيق السيطرة في الوقت ذاته، لكنّها خارج متناول الكثيرين إذا لم يكن الغالبية، وتنطوي على مخاطر شديدة عندما تكون مجدية. وهذا هو الحقل الذي برعت فيه فيسبوك وجوجل.
يصمّم روّاد الأعمال الذين يتّبعون الاستراتيجية البنائية سلسلة قيمة جديدة بالكامل ومن ثمّ يتحكّمون بأعناق الزجاجات الرئيسية فيها. قد لا يكونون هم أوّل من وضع الابتكار الأساسي – فمحرّكات البحث كانت موجودة قبل جوجل، وشبكات التواصل الاجتماعي ظهرت قبل فيسبوك – لكنّهم يطرحون هذا الابتكار في سوق جماهيرية واسعة من خلال تحقيق التواؤم المتأنّي بين ما يقع عليه الخيار من زبائن، وتكنولوجيا، وهوية. فقد التزمت فيسبوك منذ مرحلة مبكّرة بعدم تقاضي رسوم من المستخدمين، رغم أنّ ديناميكيات شبكات التواصل الاجتماعي كانت ستأسرهم ضمن المنصّة. وتبنّت جوجل شعار "لا تكن شرّيراً" بحيث تتمكّن من تحقيق الهيمنة دون المقاومة التي ابتليت بها شركات رقمية من أمثال "آي بي إم" وميكروسوفت. لكنّ المخاطر التي يواجهها روّاد الأعمال الذين يتبنّون الاستراتيجية البنائية تأتي من حقيقة أنهم قد لا يحصلون على فرصة المجد إلا مرّة واحدة (هل تذكرون سيغواي " Segway" التي تحسّر الناس كثيراً عليها).
من غير المفاجئ ربّما أن ينتهي المطاف بروّاد الأعمال الذين يتبنّون الاستراتيجية البنائية غالباً محاولين بناء منصّات عوضاً عن بناء منتجات. فرغم أنّ المنصّات يمكن أن تتحوّل إلى مشاريع تجارية من خلال الاستراتيجيات الأخرى، إذا كانت المنصّة الأساسية مغلقة، فإنّ رائد الأعمال قد يكون قادراً على السيطرة على سلسلة قيمة جديدة.
لنأخذ حالة "أوبن تيبل" (OpenTable)، وهي عبارة عن خدمة للحجوزات في المطاعم عبر الانترنت أسّسها تشاك تيمبلتون عام 1998. افترض تيمبلتون، الذي شعر بحافز كبير جرّاء تحدّي إجراء حجز بسيط لعشاء عبر الهاتف، بأنّ أي منصّة وسيطة ناجحة عبر الانترنت توفّر حجوزات المطاعم يجب أن تقدّم إضافة إلى ذلك حلاً لمشكلة ترتيب أماكن الجلوس في المطعم. وقد قرّر بناء أنظمة تجمع ما بين حجوزات المطاعم، وبرمجيات لتحديد أماكن الجلوس وإدارتها، ممّا وضعه في حالة منافسة مباشرة مع بعض المورّدين الراسخين من قبيل "آي بي إم" و"إن سي آر".
كما يتذكّر تيمبلتون، فإنّ "أوبن تيبل" في أيامها الأولى كانت "السبيل شبه الوحيد للحصول على السلطة والارتباط." ولكي يُميلَ كفّة السوق إلى جانب شركته الناشئة، استهدف أكثر المطاعم نفوّذاً أولاً. يقول تيمبلتون "تمكّنا من الحصول على أهم 20 مطعماً (في سان فرانسيسكو)، ممّا جعل المطاعم الخمسين الأهم التالية ترغب بالوصول إلى المراتب التي وصلتها تلك المطاعم العشرين الأهم. وبدأت تتشكّل كتلة حرجة على الموقع على الإنترنت." أعاد تيمبلتون تنظيم سلسلة القيمة في قطاع تناول الطعام في المطاعم، بحيث باتت العمليات الداخلية للمطاعم تندمج ضمن التفاعل الأول للزبائن معها: أي مرحلة الحجز. تمكّنت "أوبن تيبل" من تحقيق السيطرة على معلومات خاصّة وقيّمة حول الخيارات المفضّلة للزبائن ومطالبهم، وأسّست منصّة من الصعب إزاحتها أصبحت الحدّ الأدنى المطلوب على أي صاحب مطعم جديد أن يقدّم مثله. وقد أثمرت هذه الهيمنة عن استحواذ برايسلاين (Priceline) على "أوبن تيبل" مقابل 2.6 مليار $ في 2014. دعونا نراجع الآن كيف يمكن لروّاد الأعمال استعمال بوصلة الاستراتيجيات ليقرّروا أيّاً من المقاربات الأساسية الأربع يريدون اتّباعها.
الاختيار
تتمثّل الخطوة الأولى في ملء أكبر عدد ممكن من مربعات البوصلة الأربعة بالخيارات الاستراتيجية. وهذه ليست بالمهمّة السهلة. فهي تنطوي على جمع معلومات إضافية والتجريب إلى حدّ ما (لكنّ الالتزامات يجب أن تكون متواضعة حتى الانتهاء من الاختيار).
يمكن العثور على المقاربات الفعّالة تحديداً بالنسبة للشركات الناشئة في "الشركات الناشئة الرشيقة" (The Lean Startup) لإيريك ريز، و"توليد النماذج التجارية" (Business Model Generation) لألكسندر أوسترولدر وإيف بينيور، وريادة الأعمال المنضبطة (Disciplined Entrepreneurship) لبيل أوليت. ولكن مهما كان الإطار المُختار، فإنّه يجب أن يشمل عملية صريحة لوضع الفرضيات واختبارها – وهي ملاحظة وردت بشكل جميل في "إضفاء الجانب العلمي على فن الاستراتيجية" (Bringing Science to the Art of Strategy) لآلان لافلي (أيه جي)، وروجر مارتن، وجان ريفكين، ونيكولاي سيغيلكو (هارفارد بزنس ريفيو، سبتمبر/ أيلول 2012).
توفّر هذه العملية، في الحدّ الأدنى، استنتاجات حاسمة حول الظروف المعيقة المرتبطة بمسارات معيّنة ضمن البوصلة. فبعض البدائل يمكن التخلّي عنها نظراً لعدم جدواها أو عدم تواؤمها مع قدرات الفريق المؤسس. وفي حالات أخرى، سوف تكون الاشتراطات – من حيث رأس المال، والالتزام، والزخم – واضحة، ممّا سيسمح للشركة الناشئة بالتركيز عليها لإنجاح الاستراتيجية المُختارة.
بعد الانتهاء من تحديد البدائل، كيف يجب على رائد الأعمال فعلياً أن يختار؟ دعونا نعود إلى شركة "رابيد إس أو إس". أثناء النقاشات التي خاضها المؤسّسون بخصوص الخطوات التالية لفكرتهم – أنظمة الاستجابة الطارئة المعتمدة على الهواتف المحمولة – استعملوا البوصلة لتحديد أربع استراتيجيات. وكما ذكرنا من قبل، كان بوسعهم استعمال الاستراتيجية البنائية لاستبدال نظام الطوارئ الحالي (911) بما يشبه "شركة أوبر لسيّارات الإسعاف". وكان بمقدورهم استعمال استراتيجية الملكية الفكرية للتعاون مع الجهات الحالية العاملة في قطاع الاستجابة للحالات الطارئة. وكان بإمكانهم استعمال استراتيجية سلسلة القيمة للعمل مع شركات التأمين وغيرها من الشركاء الذين يتعاملون مباشرة مع المستهلكين، بحيث يصبحون ميزة في تطبيقات الشركات على الهواتف الذكية. وكان بمقدورهم استعمال استراتيجية الزعزعة للتركيز على شريحة ضيّقة من الزبائن تعتبر خدمات الطوارئ من الأولويات – مثل مرضى الصرع – والشراكة مع المجموعات المعنية بمناصرة المرضى لتلبية احتياجات هذه الشريحة.
في كل مربّع من المربّعات الأربعة للبوصلة، حدّدت الشركة الزبائن الذين يمكن استهدافهم، والتكنولوجيات التي يمكن التركيز عليها، والهوية التي يمكن تبنّيها، والجهات التي يمكن التنافس معها وكيف. بدت المسارات الأربعة منطقية، الأمر الذي شكّل إثباتاً مذهلاً على صحّة فكرة المؤسسين. فإذا لم يكن هناك إلا رؤية واحدة قابلة للحياة فيما يخص المستقبل، فإنّ رائد الأعمال ربما ليست لديه فكرة يمكن ترجمتها إلى عمل تجاري في المقام الأول.
ليس بالضرورة أن يكون امتلاك عدّة خيارات جيّدة أمراً باعثاً على الشلل. فبكل بساطة، يجب على روّاد الأعمال اختيار الاستراتيجية الأفضل تلاؤماً مع الغرض الذي وضعوه أساساً للشركة. قادت مهمّة "رابيد إس أو إس" لتحسين الخدمات لمجموعات محدّدة من المرضى الفريق إلى التركيز وبمستوى كبير من القناعة على استراتيجية الزعزعة. سمح هذا الالتزام، الذي عبّر عنه مارتن وهورليك بشغف وقناعة، للرجلين باستمالة مجموعات المرضى والجهات المعنية في طول قطاع الاستجابة للطوارئ وعرضه، ممّا مكّن شركة "رابيد إس أو إس" من نشر التكنولوجيا التي توصّلت إليها في السوق الأوسع خلال عامين.
لا يكتفي الفريق المؤسس بالاختيار، بل يجب عليه ترجمة هذا الخيار عملياً على أرض الواقع. فالتواؤم بين الاستراتيجية والغرض هو أمر حاسم لتحفيز المؤسّسين وإقناع أصحاب الشأن المبكّرين بالمضي في المسار الذي وقع عليه الخيار. ولنكون واضحين، فإنّ الاختيار يتطلّب الالتزام لكنّه لا يقصي جميع المسارات الأخرى مستقبلاً. فقرار "رابيد إس أو إس" بالانخراط مع كل من جهات مناصرة المرضى والجهات المعنية بأنظمة الاستجابة الطارئة كان يعني بأنّ من غير المرجّح أن تتجاوز الشركة الناشئة أنظمة الطوارئ (911) التقليدية – على الأقل على المدى المتوسط. لكنّ التركيز على مجموعات مناصرة المرضى شجّع على إشراك المستخدمين النهائيين، ممّا ولّد مع مرور الوقت فرصاً للتعاون واجتذب استثمارات من اللاعبين الأكثر رسوخاً، بما في ذلك موتورولا.
ومع ذلك، وبنهاية الحديث عن تقديم استراتيجيات للشركات الناشئة، فإنّ كل استراتيجية تؤثّر على المرتكزات المستقبلية المحتملة، بحيث أنّها تزيل البعض منها وتفتح المجال أمام غيرها. ويجب على أي شركة أن تدرك هذا الأمر بحيث لا تزيد التكاليف المستقبلية وإنّما تدعم الفرص التي تنقلها من مرحلة الشركة الناشئة إلى الشركة ذات الانتشار الواسع النطاق.
اقرأ أيضاً: لماذا تفشل برامج ريادة الأعمال حينما يتعلق الأمر بالمهندسين؟