ملخص: وفقاً للبحث الجديد الذي أجراه المؤلفان، غالباً لا يتفق كبار المسؤولين التنفيذيين مع الإدارة العليا على الطريقة التي يجب اتباعها في إعادة تشكيل المؤسسة في عالم ما بعد كوفيد. نتيجة لذلك، عندما يبدأ الرؤساء التنفيذيون بتنفيذ خططهم مع فرقهم، فمن المرجح أن يواجهوا مقاومة كبيرة من مدراء الإدارة العليا، وسيضطرون إلى تطوير استراتيجيات جديدة للتغلب عليها. ويختم المؤلفان المقالة باقتراح 3 استراتيجيات للتغيير في المؤسسات في هذا العصر الجديد.
قبل بضعة أعوام لاحظنا أمراً مثيراً للفضول، فقد كانت عمليات التحول الناجحة في الشركات أبطأ وأقلّ وأبعد مما كان متوقعاً. وكانت الشركات تسير باتجاه تبني العمليات القائمة على السحابة الإلكترونية، لكنها لم تر في ذلك ضرورة ملحة غالباً. كما حاولت تدعيم الأرباح عن طريق تحسين التكاليف، إلا أن جهودها كانت تتعثر غالباً بعد العام الأول. وطبقت الشركات الرائدة في قطاعاتها التغييرات من أجل تشجيع الابتكار والتركيز على العملاء خشية أن تتغلب الشركات المبتكرة عليها. لكن القلة فقط تمكنت من تحقيق تقدم حقيقي، إذ لم تسفر معظم برامج التحول إلا عن تقدم ضئيل، ولم تتمكن من تحقيق القفزة الهائلة التي كان القائمون عليها يرجون تحقيقها.
ثم ضربت الجائحة العالم. فأجبرت الظروف الشركات على تعجيل تغيير سرعتها من خلال السماح بتبني أساليب العمل عن بعد وتسريع التحول الرقمي ووضع صحة الموظفين ومصالحهم على رأس أولوياتها. وبدأت الشركات تتحدث عن اختصار "3 أعوام من التحول في 3 أشهر".
وبعد مرور عام على الجائحة، من الواضح أنها أوقعت أثراً هائلاً على طرق العمل، ويبدو أنه لن يكون بالإمكان العودة إلى الطرق التي كانت متبعة في السابق. ولكن على الرغم من سعي الشركات إلى خوض عمليات تغيير كي تتمكن من التكيف مع عالم ما بعد كوفيد، فإنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة.
هذا ما عرفناه من خلال دراسة استقصائية شارك فيها مسؤولون تنفيذيون في الولايات المتحدة يعملون في شركات يبلغ دخل كل منها مليار دولار على الأقل، حيث سألناهم عن مواقفهم تجاه تحول ما بعد كوفيد. تحدثنا إلى 300 مدير في المناصب التنفيذية العليا، و500 مسؤول في الإدارة العليا ما بين مدير إداري ونائب رئيس أول ومدير مصنع، و500 مسؤول في الإدارة الوسطى. وفوجئنا لمعرفة أن كبار المسؤولين التنفيذيين لا يتفقون في أغلب الأحيان مع مسؤولي الإدارة العليا على آثار الجائحة وطريقة الاستجابة لها. في الواقع، كانت آراء المسؤولين في الإدارة الوسطى أكثر توافقاً مع آراء كبار المسؤولين التنفيذيين، على الرغم من أن الإدارة الوسطى أبعد من الإدارة العليا عن القيادة التنفيذية وفق المخطط التنظيمي.
نقاط التعارض في القيادة
يكشف قسم من بياناتنا عن تباين واضح في النظرة المستقبلية. ومن غير المفاجئ أن يقول معظم كبار المسؤولين التنفيذيين في الدراسة إن الجائحة كانت تؤثر على شركاتهم سلباً، لكن الجدير بالملاحظة هو أن المسؤولين في الإدارة العليا شعروا بهذه الآثار السلبية أكثر من كبار المسؤولين التنفيذيين (82% بمقابل 67%)، وهي فجوة بمقدار 15 نقطة مئوية، لكنهم كانوا يرون أنها ستكون قصيرة الأجل بنسبة أكبر (72% بمقابل 51%).
كما كان مسؤولو الإدارة العليا أكثر حذراً من إطلاق مبادرات تحسين الأرباح قصيرة الأجل (في غضون 3 أشهر) وطويلة الأجل (بعد 6 أشهر). كان التباين شديداً لاسيما فيما يخص المدى المنظور، فبينما كان 45% من مسؤولي الإدارة العليا الذين شاركوا في الاستقصاء يشعرون بالراحة لتنفيذ هذه المبادرات، فإن ذلك لم يكن شعور 60% منهم (وهذا يعني فجوة أخرى بمقدار 15 نقطة مئوية).
حين تبدأ الشركات بالانتباه إلى مسألة طريقة التعافي من جائحة كوفيد، سترى نسبة كبيرة منها أن فرق إدارتها لا تتشارك الشعور ذاته فيما يخص أهمية تأثير الجائحة أو طريقة تجاوزها.
ومن أجل التوصل إلى فهم أفضل للاختلاف في عقليات كل من كبار المسؤولين التنفيذيين والمسؤولين في الإدارة العليا، طرحنا عليهم سؤالين أساسيين: الأول عما إذا كان كبار المسؤولين التنفيذيين يفضلون نهجاً يضع الأعمال أولاً أم نهجاً يضع الموظفين أولاً. (بالتأكيد يجب على الشركات الاهتمام بالاثنين). والثاني عما إذا كانوا قد أبدوا التزاماً قوياً بالمؤسسة أو انفصالاً نسبياً عنها.
ومن خلال الأجوبة التي حصلنا عليها، تمكنا من تحديد 4 عقليات مختلفة.
عقليات المدراء الأربع
عقلية مُشغّل الأعمال
يتبنى القسم الأكبر من المدراء عقلية مشغل الأعمال، وهم يبدون ثقة كبيرة بقيادة الشركة ويقدرون اهتمامها المتزايد بموظفيها. وفي نفس الوقت ترى هذه الفئة ضرورة اتخاذ قرارات صعبة من أجل تحقيق الاستقرار في الشركة على اعتباره أولوية. يكاد يتساوى ظهور مسؤولي الإدارة العليا (42%) ومسؤولي الإدارة الوسطى (43%) في هذه الفئة. ويمكن الاعتماد على مدراء هذه الفئة للقيام بما يجب والاستجابة كما يجب لخطاب الإدارة العليا وأسبابها ورسائلها.
عقلية مناصر الموظفين
يكون مدراء هذه الفئة قد أمضوا فترة طويلة في شركاتهم على الأغلب، وهم يبدون تركيزاً قوياً على احتياجات الموظفين الشخصية في أثناء الجائحة. مثلاً، يبدون دعماً قوياً لمبادرات الصحة النفسية في شركاتهم؛ ويعتبرون أنهم صلة الوصل بين كبار المسؤولين التنفيذيين وبقية الشركة؛ ويعتبرون أن كثيراً من القرارات التي اتخذها كبار المسؤولين التنفيذيين هي مقايضة بين مصالح الشركة ومصالح الموظفين؛ ويرون أن الخيارات ثنائية في أساسها، ومحصلتها تساوي الصفر بطبيعتها، وينجذبون بقوة نحو مصالح زملائهم؛ ويبدو أن مدراء هذه الفئة يتبنون على الأرجح تفسيرات "تراعي الموظفين" بأكبر قدر ممكن وذلك فيما يخص جميع الأمور المتعلقة بالتغيير، وقد يلجؤون إلى عرقلة تنفيذ التغييرات التي يرون أنها تعاقب زملاءهم الموظفين من دون وجه حق.
عقلية مقاوم التغيير
لقد مرّ مدراء هذه الفئة بهذه الظروف من قبل في الركود الذي شهدوه في عام 2001 أو 2008، ولا يعتقدون أن القيادة العليا ستفعل هذه المرة أي شيء مختلف من أجل جعل التغيير ناجحاً، أي "دائماً". يتوقع المدراء المقاومون للتغيير أن القيادة التنفيذية العليا ستعود إلى نسبة كبيرة من الإجراءات التي كانت تتبعها قبل الجائحة. يتبنى واحد من كل 5 مسؤولين من الإدارة العليا عقلية مقاومة التغيير، في حين يتبناها 14% من المسؤولين في الإدارة الوسطى. وقد يبدو الاعتماد على هذه الفئة في وضع "تسلسل" للأولويات ونقل الرسائل من القيادة العليا إلى المستويات الأدنى في المؤسسة مجازفة كبيرة.
عقلية المستاء
كما يشير الاسم تماماً، المدراء في هذه الفئة ليسوا سعداء. فمنذ بدء الجائحة تراجعت ثقتهم بقيادتهم العليا، ولم يروا ما يدل على أي نتيجة ملموسة للمخاوف المتزايدة التي تحدث قادتهم عنها بشأن الموظفين؛ وهم مترددون في ممارسة دور الجسر بين القيادة والموظفين العاديين في المؤسسة، وليس من المرجح أن يساعدوا في رفع المعنويات أو تحسين الثقة. تتساوى أعداد المدراء المستائين في الإدارة العليا (13%) والإدارة المتوسطة (12%).
فلنفكر في الأرقام
يجب أن تكون الأرقام التي ذكرناها فيما يخص العقليات بمثابة تنبيه لكبار المسؤولين التنفيذيين. فعلى الرغم من أن معظم مرؤوسيهم المباشرين هم مدراء ملتزمون يتبنون عقلية مُشغّل الأعمال وسيعملون على تطبيق استراتيجية القيادة التنفيذية بأقصى جهد ممكن، فهؤلاء المدراء يبقون من الأقلية. إذ إن قرابة ثلث الموظفين الأقرب من القيادة التنفيذية هم إما مقاومون للتغيير وإما مستاؤون، وكذلك الأمر بالنسبة لربع مسؤولي الإدارة الوسطى. وأكثر من ربع المسؤولين في الإدارة العليا و30% من مسؤولي الإدارة الوسطى يفكرون فيما توقعه مبادرات التحول التي تطلقها القيادة التنفيذية من آثار على زملائهم لا على الشركة ككل.
وما يجب على الرؤساء التنفيذيين وفرقهم إدراكه هو أنه لا يمكن الاعتماد على المدراء التنفيذيين الذين يعملون تحت إدارتهم للموافقة على آرائهم وتبني دعوات التغيير بناءً على الأولويات الجديدة والعاجلة التي ظهرت في أعقاب الجائحة، وخصوصاً الذين يركزون على تحسين الأرباح عن طريق تخفيض التكاليف. وسيتطلب الأمر أكثر من ذلك.
أساليب جديدة للتغيير في الأوقات الصعبة
ما الذي نفهمه من كل هذا؟ فلنبسط الأمر، ستفشل مبادرة التحول التالية إذا كانت مجرد نسخة محسنة عما قمت به فيما مضى.
لذا، ونظراً للتغيرات التي نجمت عن الجائحة إلى جانب الاختلافات في عقليات المدراء التي كشفت عنها دراستنا، يجب عليك تبني عدد من الاستراتيجيات الجديدة للتغيير.
أعد النظر في عقلية المدير والموظف
لا تفترض أن جميع المدراء يفهمون هذه العقلية أو مستعدون للتعامل معها مهما علت مناصبهم. كما يجب أن يفهم جميع الموظفين أسباب اختيارك لأي برنامج للتغيير وأسلوبك في تنفيذه. وإذا ركزت على تلبية أهداف الأداء المؤسسي على حساب الاعتبارات الأخرى فستواجه مقاومة كبيرة سيكون جزء كبير منها مضمراً.
احرص على مشاركة كبار الإداريين على اختلاف مستوياتهم في تخطيط رحلة التحول وتنفيذها
إن فريق الإدارة الذي تقوده ليس مجموعة متجانسة مستعدة لمباشرة العمل تحت إدارة القيادة التنفيذية. لذا، ستزيد فرص نجاحك إذا تمكنت من دفع مستويات الإدارة المختلفة للمشاركة على نحو واضح في إنشاء أي برنامج. وكي تتمكن من القيام بذلك يجب أن تفهم العقليات الإدارية المختلفة الحاضرة في مستويات الإدارة، ويجب عليك التفكير دائماً في تأثير كل برنامج على الموظفين.
خصص طريقة لإيجاد موضع للبرنامج وإيصاله لكل مستوى من مستويات الإدارة
لم يعد النهج التنازلي التقليدي مجدياً، وهو النهج الذي تعتمد فيه القيادة التنفيذية على مستويات الإدارة الأخرى في توضيح أهدافها ودعمها بأمانة. بل يجب أن يكون أي برنامج للتغيير أو استراتيجية للتغيير في المؤسسات مصممة لتراعي حضور فئات المدراء الذين يركزون على أهداف مختلفة عن أهداف القيادة التنفيذية، ويجب أن يبدو ذلك جلياً في عملية إيصال أهداف الاستراتيجية وتقدمها.