أثار نجاح شركات المنصات مثل "إير بي إن بي" و"أمازون" و"نتفليكس" حسد منافساتها التي كاد يبلغ بها الأمر حد اليأس. وعندما سألنا أحد تجار التجزئة الناجحين على الإنترنت "كيف تنافس "أمازون"؟" كان جوابه "أنت لا تنافسها". في العلن، يتحدث المدراء التنفيذيون عن التحول الرقمي، لكنهم يتساءلون في جلساتهم الخاصة عما إذا ستكون جهودهم كافية، فماذا عن وجود استراتيجيات قائمة على المنصات تحديداً؟
الشركات محقة في قلقها حول وجود استراتيجيات قائمة على المنصات تحديداً. إذ يُظهر بحثنا أن الشركات التي تبني نماذج أعمالها على المنصات والشبكات لديها قدرة لا تقارن على خلق القيمة. إنها تنمو أسرع وتجني المزيد من المال، وقيمتها أكبر من الشركات التي تتمحور حول تقديم المنتجات والخدمات.
استراتيجيات قائمة على المنصات
إن بناء منصة أعمال ناجحة أمر صعب بما فيه الكفاية، حتى عندما يكون لديك فكرة مبتكرة ورأسمال كبير، ولا تكون مضطراً إلى مزاحمة أعمالك الأساسية الأخرى، ولديك فريق من أفضل المواهب. (اسأل المدراء التنفيذيين لدى "أوبر" و"تويتر" و"فيتبيت" و"سناب شات" عن ذلك). إذن ماذا تفعل الشركة القديمة؟ قد تعتقد أنه يتعين عليك تحويل نفسك إلى شركة ناشئة مثل شركات وادي السيليكون في شمال كاليفورنيا، وإعادة اختراع نموذج أعمالك.
اقرأ أيضاً: استراتيجية ثلاثية الأبعاد للحد من ازدياد الوزن أثناء العمل
المريح في الأمر هو أنه يمكنك الاستفادة من قوة المنصات وتأثيرات الشبكة دون تحويل نفسك بالكامل أو قلب الأمور رأساً على عقب. تميل صحافة الأعمال إلى التركيز على المنصات "المتخصصة" في منتج واحد أو خدمة واحدة، مثل "فيسبوك" و"إيباي" و"باي بال". ولكن يمكن تطوير المنصات والشبكات بعدة طرق مختلفة.
فكر في المنصات والشبكات في عصرنا الرقمي كمكافئ للكهرباء والمحركات في العصر الصناعي. كانت بعض الشركات متخصصة في مجال الكهرباء والمحركات مثل "جنرال إلكتريك" و"جنرال موتورز". لكن معظم الشركات الناجحة استخدمت الكهرباء والمحركات لإعادة اختراع أعمالها الحالية، سواء في التصنيع أو النقل أو البناء. وكان من الحماقة فيما يتعلق بشركة مصنِّعة في ثلاثينيات القرن الماضي إنشاء قسم منفصل لمتابعة "الأعمال الكهربائية". ومع ذلك، فإن الخطأ الذي ارتكبته العديد من الشركات بالفعل كان من خلال فصل "أعمالها الرقمية"، وهي معرضة لأن تفعل ذلك مرة أخرى مع المنصات والشبكات.
والسبب وراء ارتكاب الشركات هذا الخطأ هو أنها تخلط بين التفكير والفعل. تُعد المنصات والشبكات نموذجاً ذهنياً بقدر ما هي نموذج أعمال. الطريقة التقليدية للتفكير في خلق القيمة خطية وتدريجية أو تراكمية. هنا تحوِّل عملية الإنتاج المدخلات إلى مخرجات، وتوزعها من خلال سلسلة إمداد مضبوطة بإحكام. وتكمن القيمة في المنتجات والخدمات نفسها. الطريقة الجديدة للتفكير في خلق القيمة مرتبطة بالشبكات وهي علاقة أسية. تعمل المنصة على الوصل بين مقدمي الخدمة والمستخدمين في سوق متعددة الجوانب. فالقيمة ليست في العناصر التي يتم إنتاج واحد منها في كل مرة ولكن في الروابط الكثيرة التي تنشأ دفعة واحدة. في لغة الشبكات، لا تكمن قيمة موفر المنصة في إنشاء العقد (سواء أكانت أفراداً أو أشياء أو بيانات) ولكن في تعزيز الروابط بين العقد.
على سبيل المثال، تنشئ سلاسل الفنادق مثل "ماريوت" و"هيلتون هوتيلز" سلاسل القيمة التي توفر الغرف والخدمات ذات الصلة لعملائها. في المقابل، تنشئ "إير بي إن بي" شبكة تربط بين المضيفين والضيوف. يدير تجار التجزئة مثل "وول مارت" و"مايسيز" سلسلة التوريد، ويشترون ويعيدون بيع مخزونهم. على النقيض من ذلك، تنشئ شركات مثل "علي بابا" و"أمازون" روابط بين المشترين والبائعين.
لاحظ أن الناس ينشغلون بتعريف "المنصة" في كثير من الأحيان هذه الأيام. يمكن أن تكون المنصة عبارة عن منصة أعمال (سوق متعددة الجوانب)، أو منصة برمجية (خدمة اشتراك قائمة على الحوسبة السحابية)، أو منصة مشاركة (مجتمع أنشأه مستخدم). ما يُعرِّف المنصة هو قدرتها على توليد تأثير الشبكة.
اقرأ أيضاً: استراتيجية المحيط الأزرق
يمكن الاستعانة هنا بمعادلة أينشتاين الشهيرة: ط = ك.س2 (E=MC2) حيث تساوي الطاقة حاصل ضرب الكتلة في مربع سرعة الضوء. فكر في الطاقة (ط) على أنها قيمة المؤسسة، والكتلة (ك) على أنها في هذه الحالة كل الأشياء والأشخاص والأصول في نظام بيئة الأعمال التي تعمل فيها، ومربع السرعة (س2) باعتباره التأثير الأسي للترابط والإنتاج أو الإبداع المشترك. في شركة أعمال تقليدية، لا يوجد سوى قدر ضئيل من الترابط أو الإنتاج المشترك، ومن ثم، فإن قيمة المشروع تساوي "كتلة" الشركة: مواردها البشرية وأصولها المالية والملكية الفكرية والسلع المادية. وبإضافة الترابط والإنتاج المشترك، نقوم بضرب أو مضاعفة قدرة هذه الأصول على خلق القيمة.
لوضع هذه الطريقة الجديدة في التفكير موضع التنفيذ، وجدنا أنه من المفيد التفكير في التواصل بين أنواع مختلفة من رأس المال. في معادلتنا ط = ك.س2 تبدأ بالكتلة ثم تضيف مربع السرعة لإنتاج مزيد من الطاقة.
أنواع رأس المال
كل مؤسسة لديها خمسة أنواع من رأس المال: البشري والمالي والفكري والمادي والعلائقي. دعونا نرى ما يحدث عندما نوصلها معاً بدلاً من إدارتها، أي عندما نركز على الروابط بدلاً من العُقد.
رأس المال البشري:
نفكر عادة في الناس على أنهم شيء يجب إدارته. فنحن مثلاً نستخدم تسمية قسم الموارد البشرية. تخلق المؤسسات قيمة عن طريق إدارة الأشخاص (المدخلات) لإنشاء منتجات وخدمات (مخرجات). لكن ضع في اعتبارك أن المؤسسة نفسها هي عبارة عن منصة تربط بين الأشخاص الذين لديهم أفكار ومهارات ويعملون مع الأشخاص الذين يحتاجون إليهم. تستخدم شركات مثل "جنرال إلكتريك" منصات التعهيد الجماعي التي تعمل على جذب الأشخاص من داخل الشركة وخارجها. أما الشركات الأخرى، مثل "مورنينغ ستار" (Morning Star) و"زابوس" (Zappos)، فتعتمد نهجاً أكثر ارتباطاً بالشبكة لجهة طريقة إدارة الشركة وحُكمها. وحيث تحاول الشركات التقليدية زيادة الإنتاجية من خلال التركيز على الكتلة، تعمل هذه الشركات على زيادة الترابط (مربع السرعة).
اقرأ أيضاً: استراتيجية الصعود العالمي لتطبيق تيك توك
رأس المال الفكري:
تتعامل معظم الشركات مع الملكية الفكرية على أنها عنصر موجود في ميزانيتها العمومية، وتنظر إلى كل ما يتعلق بالملكية الفكرية من براءات الاختراع والعلامات التجارية والماركات المسجلة والبيانات والبرمجيات على أنها أصول مملوكة تخلق تمايزاً. ولكن ماذا لو لم تكن القيمة في رأس المال الفكري نفسه ولكن في الترابط الذي تخلقه تلك الملكية الفكرية؟ واجهات برمجة التطبيقات (APIs) المفتوحة، على سبيل المثال، هي بروتوكولات لتبادل البيانات تتيح مشاركة البرامج والبيانات بين العملاء والمورِّدين والشركاء. ويمثل الترابط بين البرمجيات وتبادل البيانات جوهر شركات المنصات مثل "سيْلز فورس" (Salesforce) و"جوجل". لكن العلامات التجارية التقليدية مثل "بيست باي" (Best Buy) و"سيتي" (Citi) و"وولغرينز" (Walgreens) و"كايزر برماننت" (Kaiser Permanente) هي كذلك بصدد إفساح المجال أمام إمكانية الوصول إلى إنشاء نظم بيئية تعتمد على البيانات. إنهم يدركون أن طريقة إنشاء القيمة (ط) ليست من خلال إنشاء الندرة والتفرد (ك)، بل من خلال إنشاء الترابط والجدوى (س2).
رأس المال المادي:
نفكر عادةً في قيمة الأصل باعتباره يأتي مما سيدفعه شخص مقابل الحصول عليه وكيف سيستخدمه. ولكن في العالم الرقمي، تصبح البضائع المادية حساسة واجتماعية. إنها قادرة على توليد قيمة من خلال كيفية عملها معاً. ضع في اعتبارك كيف تربط شركة "نيست" (Nest) منظِمات الحرارة (الثيرموستات) وأجهزة إنذار الدخان والكاميرات لإنشاء حلول للأمان المنزلي، أو كيف تربط كل من "كاتربيلر" و"جنرال إلكتريك" معداتها ومحركاتها لتوفير الملايين في تكاليف الصيانة. لا يقتصر إنترنت الأشياء على جعل المنتجات أكثر ذكاء، بل على ربطها وتشبيك بعضها ببعض. وعلى كل شركة أن تفكر كيف يمكن أن تصبح منتجاتها وأصولها شبكة اجتماعية للأشياء.
رأس المال المالي:
قد تعتقد أن المال هو المال. لكننا نتجه نحو أشكال من العملة أكثر تشبيكاً. بعض هذه العملات هي عملات رقمية مثل البِيتكويْن المبنية على نماذج التحقق والسداد من خلال سلسلة الكتل (بلوك تشين). بعضها عملات تحمل علامات تجارية مثل النقاط التي تُجمع من خلال برنامج الولاء أو النقد في حساب "آي تيونز" (iTunes) أو تطبيق "ستاربكس" للهاتف المحمول. يمكن حتى ربط مصادر التمويل، كما في حالة "كيكستارتر" (Kickstarter) ونماذج التمويل الجماعي الأخرى. المال نفسه يصبح أكثر ذكاء وترابطاً.
رأس المال العلائقي:
لتحقيق الولاء، تركز معظم الشركات على إدارة العلاقات مع عملائها. هناك قطاع قيمته مليارات الدولارات يركز على إدارة علاقات العملاء. لكن ذهنية الربط والتشبيك تتجاوز العلاقات التي تربطك بعملائك وتبحث عن فرص لربط بعضهم ببعض. يمكن أن يكون ذلك مباشرة، مثلما تفعل "سيفورا" (Sephora) مع مجتمعاتها على الإنترنت باستخدام نصائح الجمال كعملات. أو يمكن أن يكون بشكل غير مباشر، مثلما تفعل "أوباور" (Opower) عبر تزويد عملائها بمعايير مرجعية لاستخدام الطاقة لتعزيز حفظها وكفاءة استخدامها. فقيمة عملائك هي أكثر مما يفعلونه من أجلك (ك = ط) إنها ما يفعله بعضهم لبعض (ط = ك.س2).
يمكن للشركات المختلفة اتباع استراتيجيات مختلفة تماماً للمنصات استناداً إلى أنواع رؤوس الأموال التي تختار ربطها وتشبيكها معاً. لننظر في المسارين المختلفين لكل من تطبيقي "ويْز" (Waze) و"خرائط جوجل" (Google Maps) للهاتف الجوال. كلاهما لديه ميزة عرض الازدحام المروري. لكن أحدهما يفعل ذلك من خلال الربط بين رأس المال المادي والفكري، والآخر يفعل ذلك من خلال الربط بين رأس المال البشري والعلائقي. تستخدم "خرائط جوجل" بيانات مغفلة الهوية من جهاز تحديد الموقع (GPS) في أجهزة جوال السائقين، معتمدة على واجهات برمجة التطبيقات والخوارزميات لتوليد ظروف حركة المرور في الوقت الفعلي. ويستخدم "ويْز" من ناحيته أعضاء مجتمع "ويْز" للإبلاغ عن أحوال الطرق بالاعتماد على المعاملة بالمثل والتقدير كعملة اجتماعية.
هناك خمس خطوات لدمج تأثيرات الشبكة هذه في شركة أعمالك (نسميها اختصاراً "المحور" (PIVOT)):
1- المطلوب (Purpose): تحديد الهدف المشترك الذي سيسهم فيه كل فرد في مجتمعك أو نظامك البيئي المتكامل ويستفيد منه. بخصوص "خرائط جوجل" و"ويْز"، يوفر هذا الوقتَ ويوصل إلى المكان الذي تريد الذهاب إليه، أو وفق شعار "ويْز": "معاً نتفوق على حركة المرور".
2- احصر (Inventory): حدد الأنواع المحتملة لرأس المال التي يمكن ربطها معاً. ذهبت "خرائط جوجل" في اتجاه الربط بين هواتف الأفراد، في حين اختار "ويْز" التشبيك بين الأفراد أنفسهم.
3- وافق (Validate): اختبر القدرة على إنشاء قيمة للشبكة من خلال التكرار والإبداع والإنتاج المشترك. وصف مدير النمو في "ويْز" كيف أجرت الشركة العديد من التجارب للعثور على نموذج المشاركة المناسب.
4- اربط وشغّل (Operate): انشر المنصة لتعزيز الروابط وتبادل القيمة على نطاق واسع. قد يتضمن ذلك بناء منصتك أو الحصول على جزء من منصة جهة ثانية أو الانضمام إليها. انتهى الأمر بكل من "زيب داش" (ZipDash) الذي أنشأ تقارير حركة مرور نظام تحديد الموقع و"ويْز" إلى الانضمام إلى "جوجل" لتحقيق الانتشار الواسع.
5- ارصد (Track): أنشئ مؤشرات أداء رئيسة جديدة لقياس نجاح الشبكة ونموها. تركز معظم مؤشرات الأداء على الطاقة (E) والكتلة (M). وأنت بحاجة إلى مؤشرات أداء رئيسة تقيس تأثير الشبكة أو مربع السرعة (C2). في البداية، لم يهتم "ويْز" بعدد الأشخاص الذين انضموا إلى التطبيق. وأراد أن يعرف مدى كثافة استخدام الخدمة. ونظراً لأنه كان يربط بين رأس المال البشري والعلائقي، كانت مؤشرات الأداء الرئيسة لديه تتعلق بالمشاركة والانخراط. وعلى النقيض من ذلك، كان "زيب داش" عبارة عن أجهزة شبكية، لذلك ركزت مؤشرات الأداء الرئيسة لديه على تدابير موجهة نحو البيانات، مثل زمن الوصول والتغطية.
لكل فرد في فريق القيادة دور يلعبه في صنع هذا "المحور" حول وجود استراتيجيات قائمة على المنصات لدى الشركات. يمكن أن يعمل مدير الموارد البشرية على التشبيك بين الموظفين والمواقع، في حين يوصل مدير التسويق بين العملاء والشركاء، ويتولى المدير المالي تمويل الشبكات وإدارة المدفوعات، ويهتم مدير المعلوماتية بالبرمجيات والبيانات، ومدير العمليات بالمنتجات والخدمات. وينبغي أن تتمثل مهمة الرئيس التنفيذي في تغيير مؤشرات الأداء الرئيسة وتحويل مخصصات رأس المال لتعزيز ثقافة التعاون وإعادة تنظيم الأعمال من أجل تحقيق النمو المتسارع.
وفي نهاية الحديث عن وجود استراتيجيات قائمة على المنصات في بعض الشركات، أثناء الشروع في رحلة شبكتك، ضع في اعتبارك أن المكان المناسب للبدء هو نموذجك الذهني. فالقيمة في الشبكة تتعلق بما تقوم بتربيطه وليس بما تفعله. غيّر طريقة تفكيرك، وستغير بشكل طبيعي ما تفعله. ثم غيّر ما تقيسه لمواءمة الحوافز وتتبع تقدمك.
اقرأ أيضاً: استخدام بطاقة قياس الأداء المتوازن كنظام للإدارة الاستراتيجية