ملخص: من المهم أن نختار الكلمات التي نستخدمها عند التواصل مع الآخرين بحكمة، كالطريقة نفسها التي نستخدمها عند التفاعل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي. ويقدم مؤلف هذا المقال 6 مبادئ توجيهية تجب مراعاتها عند بدء المناقشات مع أصحاب المصالح، سواء كانوا عملاء أو شركاء أو موظفين. 1) صغ استفساراتك بطريقة صحيحة. 2) استخدم التحليل التأملي والمدروس. 3) أبدِ مشاركة وجدانية وأظهر تواضعك. 4) استخدم حس الفكاهة ومهارة المرح والمشاعر. 5) اعترف بالتحديات الرئيسية. 6) كن مستمعاً جيداً (وصبوراً).
يعرف معظمنا كيفية إعداد أفضل الأوامر النصية للذكاء الاصطناعي التوليدي، ويطوّر آخرون مهاراتهم في ذلك بالفعل. ومن الناحية النظرية، يستطيع المدراء جمع معلومات مهمة في غضون ثوانٍ من خلال توجيه الأوامر النصية الصحيحة. لكن على الرغم من الضجيج والوعود المثيرة حول هندسة الأوامر النصية الفعالة، قد يقع المدراء في فخ الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي التوليدي لجمع المعلومات، متجاهلين بذلك مصادر المعلومات الأكثر قيمة لديهم التي تتمثّل في الموظفين والشركاء والعملاء؛ إذ يقدم أصحاب المصالح هؤلاء معلومات سياقية ومعرفة ضمنية تتجاوز قدرة أي أداة ذكاء اصطناعي توليدي. وبما أن مهاراتنا في التعامل مع الروبوتات في تحسّن، يجب أن نتذكر أهمية التواصل بفعالية مع زملائنا وعملائنا أيضاً.
ومن روّاد استخدام الرؤى الثاقبة المتولدة من أصحاب المصالح كان الرئيس التنفيذي السابق لشركة نينتندو (Nintendo)، ساتورو إيواتا، الذي عمد إلى بناء علاقة أوثق مع مختلف أصحاب المصالح من خلال إجراء سلسلة واسعة من المقابلات الشخصية على مدى 9 سنوات مع الموظفين وخبراء القطاع ومطوري البرمجيات الذين شاركوا في تطوير ألعاب شركة نينتندو وأجهزتها.
تمثّل الهدف من المقابلات الشخصية في جمع الرؤى الثاقبة واستخدامها لصالحه في توجيه المؤسسة ودفع نموها. على سبيل المثال، اكتشف إيواتا من خلال سلسلة المقابلات التي أجراها حول أجهزة نينتندو وي (Nintendo Wii)، اعتناق بعض المهندسين آراء متضاربة خلال عملية التطوير حول قرار المؤسسة بعدم التركيز على المواصفات التقنية القوية للجهاز لمواجهة المنافسين في القطاع مثل شركة سوني (بلاي ستيشن 3) وشركة مايكروسوفت (إكس بوكس 360). استخدم إيواتا هذه المعلومات لفهم مخاوف المهندسين وإيجاد حلول لمشكلاتهم. ورأى أن التفاعل مع أصحاب المصالح الرئيسيين كان فرصة للاستفادة من تجاربهم وأفكارهم، ما ساعده على اكتساب وجهات نظر ورؤى ثاقبة جديدة.
وبالتالي، يجب علينا تقييم طرق تفاعلنا مع العملاء والموظفين والشركاء، وتحسينها باستمرار. وأستند في كتابة هذا المقال إلى خبرتي في إجراء دراسة على أكثر من 40 مؤسسة حللت فيها كيفية تفاعلها مع مختلف أصحاب المصالح بهدف استخدام المعلومات بفعالية. شملت بحوثي إقامة تعاون وثيق مع مؤسسات أراقب فيها سلوكيات مدرائها وأفعالهم؛ وقدمت للمدراء مبادئ توجيهية حول كيفية التفاعل مع أصحاب المصالح بالاستناد إلى خبرتي في مجال الاستشارات. واستخدمت هذه التجربة لأعرض نصائح عملية حول كيفية بدء المناقشات مع أصحاب المصالح.
1. صغ استفساراتك بطريقة صحيحة
من المهم أن تصوغ استفساراتك بطريقة مدروسة تضمن الحصول على استجابات مثلى. وفيما يلي بعض الطرق التي يمكنك استخدامها: اطرح استفسارات تتطلب الشرح، فهي ضرورية لاستخلاص استجابات مفصّلة وشاملة من أصحاب المصالح. على سبيل المثال، نعلم أن الأسئلة التي تتطلب الشرح تبدأ عادة بعبارات مثل: "ألا تخبرني عن رأيك حيال هذا المنتج؟" أو "كيف تعاملت مع هذه المشكلة"، ويمكن للاستفسارات الموجهة لأصحاب المصالح أن تتبنّى نهجاً مماثلاً.
من ناحية أخرى، يمكن استخدام استفسارات المقارنة لاستكشاف أوجه التشابه والاختلاف بين المواضيع مع تقدم المناقشات، ما يساعد على توفير رؤى ثاقبة أعمق، ويحفز المشاركين على التعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم. يمكنك طرح السؤال التالي: "ما التحديات التي واجهتك عند مقارنة [المشروع أ] بـ [المشروع ب]؟" أو "ما الدروس التي استخلصتها من تطوير [المنتج السابق] والتي أثّرت في كيفية تعاملك مع التحديات عند تطوير [المنتج الحالي]؟" ومع ذلك، ليس من الضروري أن تتقصى الاستفسارات عن الماضي فقط، بل إن الاستفسارات التي تركز على المستقبل تشجع أصحاب المصالح على مناقشة رؤاهم وأهدافهم وتوقعاتهم، مثل تلك التي تتعلق بالخطط والتطلعات، ما يسلّط الضوء على التطورات المقبلة ويحثّ أصحاب المصالح على التفكير بصورة نقدية أو استراتيجية حول تلك القضايا.
2. استخدم التحليل التأملي والمدروس
عندما تقدم استفسارات تأملية ومدروسة، سيدرك الطرف الآخر أنك تمتلك فهماً شاملاً لتفاصيل المحادثة والموضوع المطروح. على سبيل المثال، قد يحتاج أصحاب المصلحة إلى شرح معلومات تقنية مفصلة أحياناً، ومن المهم بالتالي أن تُبدي قدرتك على فهم إجراءات العمل (على سبيل المثال، تصميم الأجهزة) أو أن تُظهر استعدادك لفهمها.
قد تسأل مثلاً: "أدرك أن المتطلبات التقنية لـ [المنتج أ] تتطلب عدة [ركائز]، لكن كيف تختلف تلك المتطلبات عن متطلبات [المنتج ب]؟" أو "ما التطورات التكنولوجية التي أثّرت في عملية التطوير؟" يشجع هذا السؤال أصحاب المصالح على مشاركة رؤاهم التقنية الثاقبة بثقة.
بمعنى آخر، تحثّ الاستفسارات الاستقصائية أصحاب المصالح على تقديم استجابات مدروسة ومفصّلة. قد تكون رواية القصص أو مشاركة التجارب المرتبطة بإجراءات العمل مفيدة أيضاً، ما يزيد من جاذبية المحادثة، ويشجع أصحاب المصالح على مشاركة قصصهم وتجاربهم الشخصية معك.
3. أبدِ مشاركة وجدانية وأظهر تواضعك
من المهم أن تُبدي مشاركة وجدانية في استفساراتك تساعد على بناء علاقات فعالة مع أصحاب المصالح على المستوى الشخصي، وتجعلهم يشعرون بالأمان في مشاركة تجاربهم وآرائهم، ما يعزز الحوار المفتوح والصادق. على سبيل المثال، تُظهر عبارة: "لاحظت بالفعل مدى صعوبة ذلك الموقف" أنك تفهم مشاعر صاحب المصلحة وتتعاطف معه.
إضافة إلى ذلك، يُسهم الاعتراف بجهود أصحاب المصالح وتقديرهم في تقديم دعم معنوي إيجابي لهم، وهو ما يشجعهم بدوره على تبادل مزيد من المعلومات ويُسهم في خلق جو إيجابي للنقاش. كما أن إبداء التواضع، كالتحلي بالصراحة والصدق عندما تعترف بجهلك حول موضوع ما طرحه صاحب المصلحة يعزز هذا الجو الإيجابي. كأن تقول: "ألا تشرح لي تلك الفكرة مجدداً لأتأكد من فهمي لها؟"، فذلك يظهر له أن وقته وخبرته محلا تقدير.
4. استخدم حس الفكاهة ومهارة المرح والمشاعر
استخدم حس الفكاهة ومهارة المرح في الاستفسارات التي توجهها لأصحاب المصالح لتخلق جواً مريحاً يجعلهم أكثر استعداداً لمشاركة آرائهم بصدق ووضوح. كأن تتجاهل جو الجدية والمبالغة في الأمور، أو تشارك قصة مضحكة، أو تُبدي انتقاصاً لذاتك بأسلوب طريف مثل: "لن أستطيع إتقان ذلك ما حييت!" فالظروف تتطلب أحياناً إضفاء حس من الفكاهة.
كما أن طرح أسئلة حول التجارب السابقة التي تثير المشاعر، مثل الحنين والإثارة والشعور بالإنجاز، أو حتى الخوف، يحفز على تفكير أعمق وأكثر قيمة. قد تجد مثلاً أن التعبير عن الإثارة والشغف الشخصي بقولك: "إنها تجربة مذهلة للغاية وأنا أتعلم الكثير"، يؤثر إيجابياً في أصحاب المصالح، ما يجعلهم يشعرون بالحماس نفسه، أو يُسهم في خلق جو من الصراحة حول الدروس المستفادة.
5. اعترف بالتحديات الرئيسية
لا تخش الاعتراف بالتحديات والصعوبات، لتخلق بيئة يشعر فيها أصحاب المصالح بالأمان لمناقشة تجارب النجاح والفشل على حد سواء، ما يؤدي إلى فهم متبادل وشامل. وقد تُفضي مناقشة موضوعات حساسة، مثل اتجاهات القطاع أو المخاوف الاجتماعية إلى رؤى ثاقبة غنية وفريدة أيضاً.
يمكنك مثلاً استخدام استفسارات مثل: "ما التحديات الرئيسية التي واجهتك؟" و"هل يمكنك مشاركة بعض الصعوبات التي واجهت فريقك وكيفية تغلبه عليها؟" لجمع معلومات مفصلة حول التحديات القائمة. يمكنك أن تتابع الموضوع بعد ذلك بتقديم نصائحك وتجاربك الشخصية.
6. كن مستمعاً جيداً (وصبوراً)
لن تنجح أي من الحلول المذكورة أعلاه إن لم تكن مستمعاً جيداً وفعالاً، وهو أمر مهم جداً. فعندما تُبدي اهتمامك الحقيقي وتشارك في الحوار مع صاحب المصلحة، فأنت تبث فيه شعور الأمان لمشاركة المعلومات والرؤى الثاقبة. يمكنك أيضاً جعل أصحاب المصلحة يشعرون بأنهم محط اهتمام وتقدير من خلال تسجيل الملاحظات وتقديم كلمات الثناء والاهتمام والامتنان. وإذا قدّم أحد أصحاب المصلحة إجابة مطولة أو غير متسقة، فمن المهم عدم التسرع في إنهاء الحوار ومنحه الوقت الكافي للتعبير عن رأيه. فطرح الاستفسارات بهدوء، يعطي إشارة إيجابية لأصحاب المصلحة بأنك مستعد ومتاح للاستماع لهم.
من المهم أن تنظر أيضاً في كيفية تحسين هذه المبادئ التوجيهية الستة ووقت تحسينها. قد تكون بعض المبادئ أكثر قيمة وملاءمة من غيرها في بعض الظروف. وقد تجد أنه من الأنسب أحياناً إجراء المناقشات مع أصحاب المصالح في أوقات مختلفة، مثل الاجتماعات اليومية، ومراجعات الأداء الربع سنوية، ومعتكفات الشركة، أو في مواقف غير رسمية، مثل وقت تناول وجبة الغداء في أثناء العمل. يساعدك التفكير في هذه المبادئ التوجيهية الستة والآثار المحتملة لها على جمع المعلومات الرئيسية من أصحاب المصالح التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي توفيرها.