كيف تجعل المهمات الرتيبة أكثر تحفيزاً للعاملين؟

4 دقائق
الصياغة التعاونية
أبر كت/غيتي إميدجيز

ملخص: يريد كل موظف أن يلتحق بعمل يؤدي رسالة هادفة، لذا تحاول الشركات إلهام موظفيها من خلال صياغة رسائلها بطريقة تتمحور حول الأثر الذي يمكن أن يحدثه عملهم، لكن سماع الموظف باستمرار لرسائل يدور فحواها حول الأثر الذي يُحدِثه، في حين أنه لا يشعر بأن عمله مؤثر لهذا الحد، قد يأتي بنتائج عكسية؛ لأن الموظفين عندئذٍ قد يُمعنون التفكير في عدم وجود معنى لعملهم، ومن ثم يقل شعورهم بالدافعية والاندماج. وقد أثبتت الأبحاث أن المدير يستطيع مساعدة موظفيه على ملاحظة أهمية عملهم لكي يتأكد لهم أن أكثر المهام رتابة تسهم في تحقيق هدف أكبر، وبالتالي ينجح في إضفاء المعنى على عملهم ويحافظ على دافعيتهم.

 

يريد كل موظف أن يلتحق بعمل يؤدي رسالة هادفة، وما من مدير إلا ويعرف هذه الحقيقة؛ لذا تحاول الشركات إلهام موظفيها من خلال صياغة رسائلها بطريقة تتمحور حول الأثر الذي يمكن أن يحدثه عملهم، حيث تخبر شركة إيكيا عمَّالها بأنهم "يصنعون حياة أفضل"، وتقول شركة مايكروسوفت لموظفيها إنهم "يسهمون في تمكين كل شخص ومؤسسة على ظهر هذا الكوكب لتحقيق المزيد من النجاحات". ويحرص المدراء في أغلب الأحيان على تشجيع موظفيهم على التفكير في سبب أدائهم للعمل الذي يؤدونه، على أمل منحهم إحساساً بالغاية ومحاربة تثبيط الهمم.

لكن بحثنا الأخير، الذي شمل ما يقرب من 4,000 عامل راشد في الولايات المتحدة، توصّل إلى أن هذا التركيز المفرط على الغاية قد يأتي بنتائج عكسية. وتعد أماكن العمل اليوم بتحقيق أثر هائل، لكن الواقع يقول إن المهمات اليومية لمعظم الموظفين إمَا رتيبة أو منفصلة عن هذه الأهداف النبيلة. وقد أجرينا استقصاء شمل 700 موظف في 22 قطاعاً، وتبيّن لنا من خلاله أن الجميع، باستثناء موظف واحد فقط، استطاعوا تسمية مهمة ثانوية وغير ذات معنى يؤدونها بانتظام في العمل، حتى إن بعض الخبراء يجادلون بأننا نعيش في عالم "الوظائف الفارغة من أي مغزى حقيقي".

وقد يؤدي الاستماع المستمر للرسائل حول أثر العمل إلى إمعان الموظفين التفكير في عدم تأثير عملهم. وعندما طلبنا من الموظفين المشاركين في بحثنا التفكير في "الغاية" من مهماتهم الثانوية وغير ذات المعنى، تحدثوا بطريقة تعكس انخفاض مستويات الشعور بالمتعة والهدف والدافعية، مقارنةً بما حدث حينما طلبنا من الموظفين تقييم هذه المهمات دون أي ذكر للغاية. وإذا كان التفكير في الغاية يأتي بنتائج عكسية، فكيف يساعد المدير موظفيه على أن يستمدوا الشعور بالرضا من أعمالهم الرتيبة؟

توصّل بحثنا إلى حل لهذه المعضلة؛ فوفقاً لمبادئ نظرية علم النفس الغشتالتي الكلاسيكية، فإن الإنسان يرى أن قيمة الأشياء تزداد عندما تنتمي إلى مجموعة. وتنتمي أغلبية مهمات العمل، حتى أكثرها بساطة، إلى مجموعة أوسع من المهمات التي تحقق غاية فردية. فقد يبدو الرد على رسائل البريد الإلكتروني الواردة من العميل مضيعة للوقت، ولكن إذا اقترن بتحليل البيانات وإعداد التقارير، فسيتبين أنه يؤدي دوراً مهماً في حل مشكلات العملاء الأكثر إلحاحاً. وبالتالي، فإن التفكير في انتماء العمل الذي قد يبدو ثانوياً إلى مجموعة من المهمات التي تسهم في تحقيق هدف أكبر يمكن أن يساعد الموظفين على رؤية قيمته الحقيقية.

ولاختبار هذه الفكرة، طلبنا من الموظفين سرد مهمتين أخريين تعتمدان على مهماتهم الثانوية وغير ذات المعنى "مثلما يحدث عند تركيب قطع الأحجية" من أجل "تحقيق غاية أكبر". (ونطلق على هذا الإجراء الصياغة التعاونية). ووجدنا أن استخدام هذه الطريقة في صياغة المهمات البسيطة قد جعل هذه المهمات تبدو ذات غاية أسمى. على سبيل المثال، كتب أحد المشاركين أن "اجتماعه الأسبوعي" المقيت أصبح ذا هدف أسمى، عندما اقترن بـ "تنظيم غرف الدردشة المفتوحة" و"إحالة المشكلات إلى الإدارة"، من أجل "تيسير سبل التواصل بين الأفراد الذين ما كانوا ليحلوا هذه المشكلات وحدهم". واعتبر مشارك آخر أن "الرد على مكالمات العملاء" خطوة مهمة في "التأكد من رضاهم عن المنتج" عند اقترانه بـ "حل مشكلات العملاء" و"توثيق المكالمات". وأفادوا فيما بعد بأنهم شعروا بمزيد من المتعة والهدف.

تشير هذه النتائج إلى أن الصياغة التعاونية يمكن أن تكون أداة مفيدة للموظفين لتحفيز أنفسهم. وما عليهم سوى أن يفكروا في طريقة لمواءمة مهماتهم الثانوية مع المهمات الأخرى لتحقيق غاية مشتركة. على سبيل المثال، قد لا يشعر المدير الإداري للمستشفى الذي تقوم وظيفته على تنظيم سجلات المرضى بأن هذا العمل يسهم بحق في أداء رسالة المستشفى المتمثلة في "مساعدة المرضى على عيش حياة أكثر صحة"، لكن إذا فكرنا في العثور على طريقة للربط بين مهمته ومساعدة الممرضات والأطباء على علاج المرضى، فإن هذا قد يجعله يشعر بأنه يسهم بقوة في أداء هذه الرسالة.

وقد تكون الصياغة التعاونية أيضاً أداة فعالة لمدراء الشركات والمؤسسات. فقد أجرينا دراسة أخرى بمشاركة ما يقرب من 900 موظف عبر الإنترنت في الولايات المتحدة، طلبنا منهم إكمال مهمة بناء الأدوات البرمجية نفسها. قيل للبعض إنهم مُكلَّفون بإعداد أدوات برمجية لمشروع فني (صياغة الغاية). وقيل للآخرين إنه سيتم "دمج" الأدوات البرمجية لواجهة المستخدم باستخدام أدوات برمجية من صنعهم أو بواسطة موظفين آخرين لإنشاء هذا العمل الفني (صياغة تعاونية). وأفاد الموظفون بأنهم شعروا بمزيد من السعادة والهدف والدافعية عندما وصل لهم انطباع بأن مهمتهم تنتمي إلى مجموعة أكبر. علاوة على ذلك، فقد كانت الصياغة التعاونية فعّالة، سواء كان السياق الأكبر يعتمد فعلياً على العمل التعاوني أم لا؛ فمجرد إخبار المشاركين بأن الأدوات البرمجية لواجهة المستخدم الحالية سيتم دمجها مع الأدوات البرمجية التي قد يصنعونها لاحقاً كان له تأثير إيجابي. وبالتالي، إذا كان المدراء يتطلعون إلى تحفيز الموظفين في أثناء تكليفهم بالمهمات التي تبدو بسيطة ولكنها ضرورية، فيجب عليهم تسليط الضوء على ارتباطها بالمهمات الأخرى التي يتم تنفيذها في الشركة.

لكننا وجدنا أن الصياغة التعاونية تتضمن إجراء عملية مقايضة بين الهدف والمال، فقد أدّت الصياغة التعاونية في هذه الدراسة إلى جعل الموظفين يعتقدون أن عملهم كان هادفاً وأكثر أهمية، لكنه جعلهم أيضاً يطالبون بتعويضات أكبر من المجموعة الأخرى. ويجب أن يتذكر المدراء أن الاستثمار الذي يأخذ الصورة الكبيرة في الحسبان يعد بمكافأة كبيرة لجميع الأطراف، حيث يستمتع الموظفون بعملهم وبالتالي يشعرون بالالتزام على المدى البعيد.

لقد وُجد أن أقل من سدس الموظفين في جميع أنحاء العالم يشعرون بالاندماج في العمل، ما يؤدي إلى تدني مستوى أدائهم وتراجع شعورهم بالسعادة وتدهور صحتهم. ويقدم بحثنا تفسيراً لعدم الشعور بالاندماج في العمل، ويتمثّل في الفجوة بين المهمات اليومية للموظفين والغاية الأكبر لأدوارهم الوظيفية. وفي حين أن كل وظيفة تنطوي على مهمات رتيبة، فإن مساعدة الموظفين على معرفة كيفية إسهامهم في تحقيق غاية أكبر تشكَل استراتيجية بسيطة للحفاظ على دافعيتهم. وبدلاً من اتباع نهج عشوائي في تحديد الغاية، أظهِر للموظفين كيف تسهم المهمات البسيطة في تحقيق غاية أكبر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي