من بين الأساليب المختلفة التي يستخدمها المدراء لإنجاز المهام، يبرز مفهوم "سلطة عقد الاجتماعات" (convening authority) بوصفه إحدى أكثر الأدوات فعالية وأقلها استخداماً، وهو القدرة على جمع الموظفين لتبادل المعلومات وتعزيز التوافق والانسجام وإيجاد حلول للمشكلات. لتوضيح هذه الفكرة، سأعرض مثالاً قصيراً يتكون من جزأين:
في الجزء الأول، كُلّف مدير فريق هندسي في إحدى الشركات بمهمة تخفيض تكلفة المواد الأساسية التي يستخدمها عدد من فرق تطوير المنتجات المختلفة. لمعالجة هذه المشكلة، عقدت المديرة اجتماعات مع المهندسين من الفرق المختلفة لفهم آليات العمل وكيفية استخدامهم للمواد. بالإضافة إلى ذلك، أجرت لقاءات مع فريق المشتريات الداخلية وموظفين آخرين في سلسلة التوريد لبناء صورة شاملة للتكاليف. بعد الحصول على هذه المعلومات، عقدت جلسات فردية مع مدراء فرق المنتجات لتقديم توصيات مخصصة لكل فريق حول طرق تخفيض استهلاك المواد وتقليل التكاليف. كانت الاجتماعات وديّة ومثمرة؛ إذ أبدى المدراء تقديرهم للأفكار المطروحة. لكن بعد مرور عدة أشهر، نُفّذ عدد قليل فقط من التوصيات ولم يكن لها تأثير كبير على تكاليف المواد.
ننتقل الآن إلى الجزء الثاني: أصيبت المديرة بالإحباط نتيجة عدم إحراز التقدم المطلوب، فقررت تنظيم جلسة عمل تجمع فيها مدراء قسم المنتجات والمهندسين بالإضافة إلى ممثلين من سلسلة التوريد والشؤون المالية. على الرغم من صعوبة تنسيق المواعيد، فإنها فوجئت بموافقة المدعوين جميعهم على الحضور. قدمت المديرة خلال الجلسة تحليلاً شاملاً لتكلفة المنتجات وركزت على ضرورة تخفيض التكاليف بصورة كبيرة لتحقيق أهداف العمل. ثم قسّمت المجموعة إلى فرق العمل المشتركة بين المنتجات والتخصصات لمراجعة التوصيات السابقة ووضع خطة لتنفيذها. بعد بضع ساعات، حددت المجموعات الصغيرة عدداً من العوائق المشتركة التي تحول دون تنفيذ التوصيات السابقة، مثل اختبار قبول العملاء وإعادة التفاوض مع الموردين وإعادة ضبط المعدات وغيرها. من خلال التعاون المشترك، طورت المجموعة خطة عمل لمعالجة هذه المشكلات، ما أدى في النهاية إلى انخفاض كبير في تكاليف المواد.
بالطبع، يثير هذا المثال السؤال التالي: لماذا لم تبدأ المديرة بدعوة أصحاب المصلحة المعنيين جميعهم منذ البداية؟ ربما لم تكن تفكر في هذا الأمر، أو لم تدرك أن لديها السلطة اللازمة للإعلان عن الاجتماع وجمع الأطراف المعنية. لكنّ السبب الأهم، الذي ينطبق على العديد من المدراء، هو التصور بأن عقد اجتماعات مع أشخاص خارج التسلسل الهرمي الذي يتبعه المدير (أي خارج سلطته الإدارية المباشرة) يُعد أمراً صعباً ومحفوفاً بالمخاطر. لذلك، يتجنب العديد من المدراء لا شعورياً اتخاذ هذه الخطوة.
على الرغم من هذا القلق، لا يتردد المدراء على الإطلاق في عقد اجتماعات مع فرقهم المباشرة والأشخاص الذين يعملون تحت إشرافهم. لكنّ جمع الخبراء وصانعي القرار وأصحاب المصلحة خارج فريقك يُعد أمراً أصعب بكثير. لعقد اجتماعات ناجحة، تجب مراعاة النقاط التالية: أهمية الموضوع والحضور المحتملين والحساسيات المرتبطة باستبعاد بعض الأشخاص وعلاقات الأشخاص فيما بينهم وجمع البيانات والمواد اللازمة وإعداد جدول أعمال مقنع له احتمالية عالية للنجاح. يمكن أن تتسبب هذه العوامل في تردد المدراء في عقد مثل هذه الاجتماعات.
إلى جانب صعوبة تنظيم الاجتماع، توجد أيضاً مخاوف من رفض المشاركين الرئيسيين حضوره. من المعروف أن الموظفين مشغولون جداً بأداء وظائفهم المعتادة، لذلك، فإن مطالبتهم بالانضمام إلى شيء خارج نطاق مهامهم الروتينية ربما يُعد عبئاً زائداً. لذلك، بدلاً من مواجهة رفض طلبك، من الأفضل عدم الدعوة إلى الاجتماع أصلاً.
أخيراً، يتطلب عقد اجتماع مع أطراف متعددة من أقسام المؤسسة جميعها أيضاً مهارة كبيرة في تسهيل عملية التفاعل وتحفيز التواصل بين الأطراف المختلفة. إن جمع الأطراف كافة يُعد مهمة صعبة بالتأكيد، لكنّ التحدي الأكبر يكمن في ضمان إنتاجية الاجتماع وسماع الأطراف جميعها وظهور حلول حقيقية. في الواقع، لا يملك العديد من المدراء مهارة كبيرة في تسهيل الفعاليات الجماعية. لذلك، بالنسبة لهؤلاء المدراء، مثل المديرة التي ذكرناها، من الأسهل التعامل مع كل فرد على حدة بدلاً من محاولة التعامل معهم بوصفهم مجموعة كاملة.
بناءً على كل هذه المخاوف والشكوك، فلا عجب أن يتردد العديد من المدراء في استخدام سلطة عقد الاجتماعات. لسوء الحظ، فإن جمع الأشخاص المناسبين معاً من أقسام المؤسسة كافة (حتى الموردين والعملاء) غالباً يكون أفضل طريقة لإنجاز الأمور بسرعة. لذلك، إذا كنت ترغب في تحقيق مستوى أعلى من القيادة الفعالة، فربما يجب عليك التغلب على مخاوفك وتجربة عقد الاجتماعات.