طرق تساعدك لاستخدام البيانات في حل معضلات العمل

7 دقائق
استخدام البيانات في العمل

وفقاً لشركة "غارتنر" (Gartner)، بلغ السوق العالمي لبرمجيات التحليلات المحوسبة والتحليل الذكي للأعمال 21.6 مليار دولار عام 2018، وقد تنبأت الشركة أنه "حتى عام 2022، لن تساهم سوى 20% من الرؤى التحليلية في تحقيق نتائج للأعمال". هذا يعني أن المؤسسات تستثمر مليارات الدولارات في التحليلات المحوسبة، وبالحد الأدنى من العائد، الأمر الذي لا يُعدّ صيغة مناسبة تماماً لتحقيق النجاح. فماذا عن استخدام البيانات في العمل؟

في كثير من الأحيان، لا ينجم هذا الانفصال عن علم البيانات المغلوط، ولكن عن فشل المؤسسة في النظر في جاهزية تنشيط النهج التي تتبعها للتطبيقات الواقعية للتحليلات المحوسبة. بالنسبة إلى العديد من المؤسسات، فإن هذا التنشيط، أو فن تسخير البيانات لفعل شيء مختلف وهادف في السوق، هو الجزء المفقود التي يسد الفجوة بين الرؤية وقيمة الشركة.

كيفية استخدام البيانات في العمل

في حين أن معظم المؤسسات الناضجة تعلم كيفية تسخير التحليلات المحوسبة لاكتشاف المعرفة، إلا أنّ عدداً قليلاً جداً منها قادر على توجيه هذا الاكتشاف باستمرار في الاتجاه الصحيح. وينتج عن هذا تحليلات رائعة لا يمكن إنكارها، لكنها غير مجدية من الناحية العملية.

اقرأ أيضاً: صناعة المياه وتبني البيانات والاستفادة منها

لتجنب هذا الفخ المتمثل في إجراء التحليلات المحوسبة من أجل التحليلات فقط، ينبغي على المؤسسات اتخاذ الخطوات التالية عند تصميم عمليات التحليلات الخاصة بأعمالها وتطويرها:

إعطاء الأولوية لأسئلة العمل الرئيسية ذات القيمة العالية (KBQs)، وتجنب الرؤى بعيدة المنال

في مقالة سابقة في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" HBR، قدّمتُ عملية من شأنها الوصول إلى أنواع أسئلة العمل الرئيسية التي وضعت المؤسسات على طريق النجاح في إجراء التحليلات المحوسبة. وتُعدّ هذه الأسئلة تطلعية، وتضع إطاراً لما ستفعله المؤسسة بالرؤى التي تنتج عن التحليلات المحوسبة. على سبيل المثال: هل يمكننا تحديد المستهلكين الذين خسرناهم بعد أن أوقفنا إحدى خدماتنا، وهل يمكننا إبراز خدماتنا المتبقية بطريقة تمكننا من استعادة ثقتهم؟ أو إليكم هذا السؤال الذي أواجهه في مجال عملي بصورة متكررة: هل يمكننا تحديد علاقات مرجعية بين مقدمي الرعاية الصحية واستخدام فهمنا لهذه العلاقات لتكييف تواصلنا مع كل فرد منهم بصورة أفضل؟

من شأن إدراج عملية صياغة أسئلة العمل الرئيسية في مناقشات مستفيضة حول جاهزية تنشيط عملية تسخير البيانات أن يتطلب الغوص عميقاً في الخطوة الأخيرة من العملية، وهي إعطاء الأولوية لأسئلة عملك الرئيسية. فور جمع قائمة شاملة من هذه الأسئلة، ينبغي تقييمها من خلال محورين: القدرة على تنشيط عملية تسخير البيانات. وإمكانية التأثير على أعمال مؤسستك. (انظر الشكل أدناه).

استخدام البيانات في العمل

عادة ما ينتهي المطاف بالمؤسسات، التي تعلم الحد الأدنى من كيفية تسخير التحليلات المحوسبة لاكتشاف المعرفة، إلى متابعة أسئلة العمل الرئيسية التي تقع في الربع العلوي الأيسر (رؤى بعيدة المنال)، والربع العلوي الأيمن (أسئلة العمل الرئيسية ذات القيمة العالية) من هذه الشبكة. إن أسئلة العمل الرئيسية ذات القيمة العالية هي البوصلة للتحليلات المحوسبة الجاهزة لتنشيط عملية تسخير البيانات، أما الرؤى بعيدة المنال فهي الأسئلة التي توفر إجاباتها إمكانات هائلة للتأثير على أعمالك، ولكن يصعب اتخاذ إجراءات بشأنها في السوق.

إذا كنتَ تحاول تقليل خسارتك للمستهلكين، فقد يكون أحد أسئلة العمل الرئيسية لديك هو: كيف يمكننا تحقيق نمو داخلي لأعمالنا من خلال زيادة متوسط القيمة الدائمة للعميل؟ من منطلق التحليلات المحوسبة، تكون الإجابة على هذا السؤال واضحة إلى حد ما، فمن خلال الاستعانة بالبيانات الصحيحة، يُمكن لفريق التحليلات المحوسبة لديك إنشاء نموذج تقييم احتمالي، يتنبأ باحتمال فقدان عميل في وقت مبكر من رحلته. مع ذلك، وفي حين أن هذا النموذج يرقى إلى إيجاد حل مستند إلى التحليلات المحوسبة لسؤال جوهري يتعلق بأعمالك، فإن مجرد وجوده لا يقود السؤال إلى اعتباره من أسئلة العمل الرئيسية ذات القيمة العالية.

اقرأ أيضاً: علم البيانات المدفوع بالفضول

لن يكون نموذج التنبؤ بخسارة العميل والمستند إلى البيانات ذي قيمة إلا إذا أتاح لك تغيير ما تفعله في السوق بطريقة هادفة، أي إذا كنتَ قادراً على تنشيط أعمالك اعتماداً على الرؤى التي يخلقها النموذج. إذا لم يكن لديك نظام إدارة علاقات العملاء المناسب، ولا بنية تحتية قائمة للتكنولوجيا، فسوف تتمكن من تشغيل النموذج في السوق، لكن سوف يصبح سؤالك الأساسي بمثابة رؤية بعيدة المنال، أي أنّ تأثيره المحتمل على أعمالك مرتفع، ولكن قدرتك على إدراك هذه الإمكانات غير موجودة بصورة فاعلة.

بناء فرق متعددة الوظائف قادرة على تحويل الرؤى إلى إجراءات

غالباً ما يتطلب سد الفجوة بين الرؤى وتحقيق قيمة للشركة - ما يعني الانتقال من اكتشاف المعرفة إلى إيجاد حلول جاهزة لتنشيط عملية تسخير البيانات - إجراء تحوّل في بنية الفريق. ومن أجل فهم سبب ذلك، يجب أن نتعمق في معرفة ما الذي يستلزمه تنشيط عملية تسخير البيانات.

قد ينطوي إعطاء مثال متقدم حول تنشيط هذه العملية على استخدام بيانات متعلقة بالمعاملات، غرضه تطوير خوارزمية تحدد ميول المستهلكين لإجراء أنواع معينة من عمليات الشراء، فتجري تغذية بيانات الخوارزمية هذه في الوقت الفعلي، ذلك لإجراء تنبؤات ونشرها على إحدى منصات تنشيط عملية تسخير البيانات، لإطلاق عرض خاص بالعميل وموجه على نطاق واسع.

إلى جانب تشكيل فريق التحليلات المحوسبة القادر على تدريب خوارزمية يُمكن الاعتماد عليها، يتطلب هذا المستوى من التنشيط كلاً من البنية التحتية للبيانات وتكنولوجيا المعلومات للحفاظ على بيانات العميل وإيصالها في الوقت الفعلي. كما يحتاج إلى تكنولوجيا التسويق القادرة على أخذ الرؤى التي تخلقها الخوارزمية، وترجمتها إلى عروض استراتيجية، وطرح هذه العروض في السوق بصورة مستقلة. على هذا النحو، تحتاج المؤسسات إلى جمع فرق متعددة الوظائف من خبراء في المجال الذين يدركون الاعتبارات التي تؤثر على تنشيط البيانات في السوق، وليس الاكتفاء بإدراك اعتبارات التحليلات المحوسبة فحسب.

بمعنى آخر، تتطلب التحليلات المحوسبة الجاهزة لتنشيط عملية تسخير البيانات أن تتعاون فرق التحليلات المحوسبة، بل وتتشارك مسؤوليات صنع القرار، مع الزملاء الذين تندرج خبراتهم خارج نطاق مجالات التحليل. قد تواجه المؤسسات، نتيجة لذلك، مقاومة داخلية، فقد يتردد أعضاء الفرق متعددة الوظائف في التخلي عن سيطرتهم على مجال خبرتهم.

اقرأ أيضاً: عقلية العمل المعتمد على البيانات تبدأ من القمة

لذا، إليك عدد من الخطوات التي تستطيع اتخاذها للحد من هذه المقاومة:

  • نوه لأعضاء الفرق بأنّ هذه العملية جديدة بالنسبة إلى الجميع، وأنك لا تتوقع أن تؤدي فرقك متعددة الوظائف مهامها كاملة بصورة صحيحة على الفور.
  • اشرح سبب وجود الخبراء من مجالات متعددة، إذا كان فريق التحليلات المحوسبة لديك لم يُدرك سبب دعوتك لفرق تكنولوجيا المعلومات والتسويق لحضور اجتماعات تخطيط التحليلات المحوسبة، فمن المحتمل أن ينظر الفريق إلى هذا باعتباره انتهاكاً لعمله.
  • احرص على إشراك فريقك بانتظام، لأنّ إنشاء برنامج تحليلات محوسبة جاهز لتنشيط عملية تسخير البيانات جهد تعاوني، وبالتالي، فأنت تحتاج إلى طلب ملاحظات بصورة نشطة من كل عضو من أعضاء الفرق متعددة الوظائف لديك.

استخدم إضفاء الطابع الرسمي على العملية بديلاً لشخص يمكنه ترجمة التحليلات المحوسبة

إضافة إلى الخطوات الموضحة أعلاه، احرص على ضمان إدراك كل من فرق التحليلات المحوسبة والعمل وتكنولوجيا المعلومات والتسويق والموردين الشركاء لنقاط القوة وأوجه القصور والأولويات لدى بعضهم البعض، وهذا يتطلب إجراء أعمال ترجمة متعددة في كل مرحلة من مراحل عملية التحليلات المحوسبة.

كما وضحت مقالات أخرى في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو HBR"، فإن وجود "مترجم تحليلات محوسبة" يستطيع تنظيم عمليات متخصصة في التحليلات المحوسبة وجعلها مفهومة لأصحاب المصلحة غير التقنيين، يمكن أن يعزز احتمالات نجاحك في التحليلات بصورة ملحوظة. إلا أنّ شركة "ماكنزي" (McKinsey) تقدر أن الطلب المحلي على مترجمي التحليلات المحوسبة قد يصل إلى 4 ملايين بحلول عام 2025، ولتلبية هذا الطلب، يتعين على ما بين 20 إلى 40% من خريجي مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في أميركا متابعة هذا النوع من العمل، ولكن في الوقت الحالي، هناك 10% فقط ممن يتخصصون في هذا.

هذا النقص في مترجمي التحليلات المحوسبة شديد بالفعل، لكنّ شدته تزداد باطراد عند النظر إليه في ضوء أشكال الفرق متعددة الوظائف الموضحة أعلاه. وإذا كانتْ التحليلات المحوسبة الجاهزة لتنشيط عملية تسخير البيانات هي الهدف، فإن المؤسسات سوف تحتاج إلى مترجمين "متعددي اللغات"، وليس "ثنائيي اللغة" فحسب.

قد يبدو العثور على هؤلاء المترجمين أشبه بالمهمة المضلِّلة، ولهذا السبب تحتاج معظم المؤسسات إلى التفكير في نهج بديلة لتسهيل التواصل والتعاون ضمن فرقها متعددة الوظائف. وينطوي هذا عادة على إضفاء الطابع الرسمي على العمليات، والذي يخلق مساحات للتواصل النشط والمستمر بين خبراء المجال، الأمر الذي يبدأ بوضع كل من ميثاق الفريق الذي يُحدد تقسيم المسؤوليات، وملخصات التحليلات المحوسبة الشاملة لكل مشروع لتتضمن التالي:

  • أسئلة العمل الرئيسية التي يُقام على أساسها المشروع.
  • المقاييس التي سوف يجري استخدامها لرصد تقدم المشروع.
  • الأساليب التحليلية التي سوف تُسخّر في كل مرحلة من مراحل المشروع.
  • إجراءات السوق التي سوف تُتّخذ استجابة لمختلف نتائج التحليلات المحوسبة المحتملة.
  • خطط الاختبار والتعلم التي تُرسي الخطوات التالية الموجهة نحو تنشيط عملية تسخير البيانات.

إذا أصبحتْ المساءلة تتمحور حول تنشيط عملية تسخير البيانات، من خلال عملية الإعداد الموجزة التعاونية هذه، جزءاً لا يتجزأ من كيفية إجراء جميع التحليلات المحوسبة، فقد لا يشعر فريقك أبداً بغياب "متعددي اللغات" المتخصصين.

من خلال الجمع بين ما سبق، يظهر لدينا نهج متعدد المستويات للتحليلات المحوسبة الجاهزة لتنشيط عملية تسخير البيانات

في نهاية المطاف، إنّ سد الفجوة بين الرؤى التحليلية وقيمة الشركة يُعدّ عملية تدريجية بدرجة أقل، مقارنة باعتباره عملية متعددة المستويات. وينطوي هذا على اختيار أسئلة العمل الرئيسية ذات القيمة العالية والمناسبة، وجمع فرق متعددة الوظائف، لضمان أخذ تنشيط عملية تسخير البيانات في الاعتبار من البداية، وإضفاء الطابع الرسمي على عملية التحليلات المحوسبة بطريقة تتيح التعاون عبر المجالات المختلفة.

تخيل أنك تقود حملة تسويق على مستوى العالم لسلسلة فنادق انخفضت إيراداتها تدريجياً خلال الأرباع القليلة الماضية. يُظهر تحليل أولي أنه في الوقت الذي تبرز فيه عملية استحواذ على نزيل جديد، فإن انخفاض عدد مرات الإقامة المتكررة للنزلاء الأوفياء للفندق سابقاً هو السبب الرئيسي لانخفاض الإيرادات. ومن أجل التوجه نحو استقرار إيراداتك، قد تطرح أسئلة العمل الرئيسية التالية: هل يمكننا توقع الوقت الذي نكون فيه معرضين لخطر خسارة النزلاء وتقديم حوافز من شأنها أن ترسخ ولائهم؟ أو: هل يمكننا تطبيق نهج تحسين الأسعار في الوقت الفعلي الذي سيمكننا من أن نكون الخيار الأفضل من ناحية السعر بالنسبة إلى النزلاء؟

هذه الأسئلة جيدة لتُطرح على الطاولة، ولكن اتخاذ الخطوة، أو الخطوات، الصحيحة التالية سوف يتطلب مدخلات من مختلف أصحاب المصلحة. ورغم أن فريق التحليلات المحوسبة لديك قد يعلم كيفية الإجابة على السؤال الثاني، قد يُخبرك فريق تكنولوجيا المعلومات أن موقع الويب الخاص بك ليس مصمماً لدعم تعديلات الأسعار في الوقت الفعلي، حتى في حال حددت سعر الغرفة الأمثل بدقة لكل نزيل، أنت لا تمتلك البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات لتقدم هذه الأسعار فعلياً إلى النزلاء. بمعنى آخر، يعدّ السؤال الثاني بمثابة رؤية بعيدة المنال.

إضافة إلى ما سبق، إذا حدد فريق التحليلات المحوسبة لديك أحد النزلاء على أنه أصبح نزيلاً فصلياً، بعدما كان نزيلاً شهرياً، كيف ينبغي تحفيز النزيل لكي يبقى وفياً لك؟ هل تُقدم للنزيل نقاطاً مضاعفة على أي إقامة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة؟ أو هل تختبر جدوى برنامج "الإقامة لمدة تسع ليال والليلة العاشرة مجانية" مع النزيل؟ أو هل تمنح النزيل ترقية مجانية للغرفة خلال فترة إقامته المقبلة؟ سوف يكون لدى كل شخص من إدارة التسويق وتكنولوجيا المعلومات والمحاسبة مدخلات قيّمة حول جدوى حالات التنشيط هذه، ومن الأهمية بمكان أن تنشئ منصة، في شكل ملخص للتحليلات المحوسبة، لهذه التدفقات المختلفة من المدخلات لكي تندمج في الابتكار التآزري، إذا كنت تنوي قيادة التغيير لتؤثر على سلوك النزلاء، الأمر الذي من شأنه أن يعزز تحقيق النتائج المالية.

إن المستويات الثلاثة هذه مترابطة، وينبغي أن تكون جميعها موضع التنفيذ لكي تعمل آليات التحليلات المحوسبة الجاهزة لتنشيط عملية تسخير البيانات على نطاق واسع. من وجهة نظري، يحتل هذا التعقيد جزءاً كبيراً من السبب الكامن وراء مواجهة العديد من المؤسسات لصعوبات من أجل ترجمة الرؤية المستندة إلى البيانات إلى نتائج ملموسة. لكن، في حين أن التحليلات المحوسبة الجاهزة لتنشيط عملية تسخير البيانات يمكن أن تكون في البداية أشبه بالتعامل مع مواقف متقلبة، بمجرد أن تبدأ الأجزاء كلها بالتموضع في مكانها الصحيح، يمكن لذلك أن يُغير قواعد اللعبة بسبب استخدام البيانات في العمل.

اقرأ أيضاً: طريقة مبتكرة تستند إلى البيانات لتوظيف الموهوبين

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي