كيف تستطيع فرق المبيعات أن تزدهر في عالم رقمي؟

5 دقائق
المبيعات في العالم الرقمي

منذ فجر عصر الإنترنت، توقع الخبراء أن تحل التقنية محل مندوبي المبيعات، وزيادة المبيعات في العالم الرقمي، ومن السهل أن نجد أمثلة تؤيد ذاك التوقع. فخلال الفترة بين عامي 2005 و2017، سرّحت شركات المستحضرات الدوائية الأميركية ثُلث مندوبي المبيعات فيها، بينما تنامى استخدام مصادر المعلومات الرقمية (البريد الإلكتروني والمدونات الصوتية وتطبيقات الهواتف الجوالة والمواقع الإلكترونية).

وخلال الفترة بين عامي 2009 و2019، أغلقت شركة توريد التجهيزات الصناعية "غرينجر دبليو دبليو" (W.W. Grainger) أكثر من ربع فروعها، وألغت عدداً كبيراً من وظائف المبيعات الميدانية لديها. ومنذ منتصف التسعينيات، عكفت شركة "غرينجر" على الاستثمار في القدرات الرقمية لتعزيز شبكة فروعها ومندوبي مبيعاتها. وبحلول عام 2019، كانت أعمال "التشكيلة الواسعة" على الإنترنت تشكل حصراً 15% من مبيعات شركة "غرينجر"، وما زالت تنمو وتزداد.

ولقد عمم قسم "حلول التفاعل البشري"، الذي ما زال مهيمناً، مزيجاً من فرق المبيعات الميدانية والداخلية والقنوات الرقمية للتعامل مع أكبر زبائن الشركة. وفي تلك الأثناء، بلغ عدد العاملين في قسم توزيع المنتجات الصناعية التابع لشركة "أمازون" الذي أُطلق عام 2015 نصف عدد العاملين في القسم التابع لشركة "غرينجر" في أميركا الشمالية بالفعل.

اقرأ أيضاً: التقنية تشوش الحد الفاصل بين المبيعات الميدانية والمبيعات الداخلية

غير أن أثر "الثورة الصناعية الثالثة" (أي الثورة الرقمية) على مؤسسات المبيعات ليس بسيطاً بساطة إحلال التقنية الرقمية محل مندوبي المبيعات. فبينما تستولي التقنية الرقمية على مهام كمشاركة المعلومات وتلقي الأوامر، ما زال مندوبو المبيعات ضروريين في مواقف تنطوي على بيع الحلول المعقدة. على سبيل المثال، تزيد صناعة الحوسبة السحابية من أعداد مندوبي المبيعات. يقود توماس كوريان، الرئيس المعين حديثاً لخدمات "جوجل" للحوسبة السحابية (Google Cloud) والوافد من شركة "أوراكل"، عملية توسّع في فريق المبيعات لمنافسة الخدمتين الرائدتين في السوق "أمازون ويب" (Amazon Web Services) و"مايكروسوفت أزور" (Microsoft Azure). وعبر القطاعات المختلفة، تؤثر التقنية الرقمية فيما يتجاوز عدد وظائف المبيعات، حيث تخلق تحديات وفرصاً جديدة لكافة مؤسسات المبيعات.

ازدهار المبيعات في العالم الرقمي

وتستطيع مؤسسات المبيعات أن تصمد وتزدهر في العالم الرقمي الجديد بالاستجابة إلى التغيرات التي تجلبها التقنية الرقمية إلى المنتجات والزبائن ومندوبي المبيعات وقنوات البيع. سيكون اتباع النهج المعتمد على البيانات في عملية صناعة القرار في مجال المبيعات أمراً محورياً للنجاح.

المنتجات: الاستفادة من التقنية الرقمية كجزء من العرض المقدم

إن بعض المنتجات، كالبرمجيات والمعلومات، رقمية بطبيعتها. غير أن عدداً متزايداً من المنتجات غير الرقمية يضيف عناصر قيِمة رقمية. ويمكن أن يحسن الدعم الرقمي لعمليات الشراء القيمة المقدمة للزبون لأي منتج.

لقد ظلت المنتجات الرقمية في حالة نمو لفترة طويلة، حيث اعتمدت نسبة متزايدة من هذه المبيعات إما على نموذج الاشتراك (على سبيل المثال، البرمجيات كخدمة) وإما على نموذج الاستهلاك (على سبيل المثال، الخدمات السحابية). وهذا يعني أن القيمة الأكبر تتراكم بمرور الوقت بينما يستفيد الزبائن من مشترياتهم ويواصلون الشراء ويتوسعون في الأمر. وبالتالي، ينبغي على البائعين تبني التغيير الطارئ على العقلية من "الفوز بالزبون" إلى "توضيح الطريق إلى القيمة للزبون". وليس من عجب أن مناصب كمدير علاقات نجاح العملاء تزداد بسرعة.

وكثير من المنتجات غير الرقمية يضيف خصائص رقمية. على سبيل المثال، باستخدام البيانات المستخلصة من أجهزة الاستشعار في المحركات النفاثة والقاطرات ومصانع كاملة، صنعت شركة "جنرال موتورز" "التوائم الرقمية" أو التمثيلات الرقمية الآنية للأصول المادية. ولقد ساعد أكثر من مليون توأم رقمي زبائن شركة "جنرال موتورز" على صناعة آلات وعمليات أكثر كفاءة، على سبيل المثال بواسطة رصد احتياجات الصيانة، واقتراح تعديلات مُحسّنة للأداء يتم إدخالها على المعايير التشغيلية. وعلى مندوبي المبيعات الارتقاء بذكائهم الرقمي، ومساعدة الزبائن على استخلاص قيمة من هذه الخصائص الرقمية.

اقرأ أيضاً: الدور الجديد للعلم في إنتاجية فرق المبيعات

بالنسبة للمنتجات كلها، يستطيع مندوبو المبيعات استخدام أدوات رقمية لإضافة قيمة أثناء رحلة شراء الزبون. وبإمكان الأدوات الرقمية أن تساعد المشترين على العثور على الحلول ومقارنة البدائل وتقدير القيمة الجارية لمشترياتهم.

الزبائن ومندوبو المبيعات: تقبّل أبناء التقنية الرقمية من مشترين وبائعين

في ظل وصول أسهل للمعلومات، يستكشف زبائن العصر الحالي الخيارات المتاحة لهم، ويحصلون على رؤى ثاقبة قبل تعاملهم مع مندوبي المبيعات. ولقد عجّلَ من هذا الاتجاه زيادة هيمنة أبناء التقنية الرقمية على قوة العمل. فأبناء التقنية الرقمية يرتاحون لصنع قراراتهم بإجراء بحث خاص على شبكة الإنترنت، واستخلاص أدلة وقرائن من أندادهم ومن الشبكات الاجتماعية.

وبينما يحوّل الزبائن الأكثر اطلاعاً على خبايا الأمور بُوصلة القوة بعيداً عن البائعين، مع زيادة عدد أبناء التقنية الرقمية، تستطيع الشركات الاستجابة بثلاثة سبل: أولاً، بوسع الشركات التأثير في حضورها الإلكتروني وطابعها الشخصي، وبالتالي تضمن أن المعلومات التي يحصل عليها المشترون قبل التواصل مع مندوبي المبيعات تضع الشركة في أفضل مكانة ممكنة. ثانياً، على مندوبي المبيعات التركيز على اكتشاف المعلومات التي توصل إليها الزبائن عبر أبحاثهم السابقة للشراء، ما يكفل لهم خلفية لتحديد فرص إضافة القيمة. ثالثاً، تستطيع الشركات استغلال المهارات التي يجلبها العاملون من أبناء التقنية الرقمية إلى وظائف المبيعات. وتتضمن هذه المهارات براعة التعامل مع الأدوات الرقمية، والاتصال بالمنصات الاجتماعية، مثل "لينكد إن"، والمهارات المناسبة لوظائف المبيعات التي يقدرها المشترون من أبناء التقنية الرقمية، كمهندسي الحلول ومدراء علاقات نجاح العملاء. وفي الوقت ذاته، تستطيع الشركات إدارة التنوع الذي يجلبه أبناء التقنية الرقمية إلى مؤسسات المبيعات بتنفيذ أساليب أكثر إبداعاً وتنوعاً للتعامل مع تحفيز فريق العمل وإدارته.

قنوات البيع: تفعيل علاقات العملاء المتعددة القنوات

يحصل زبائن اليوم على المعلومات من مصادر عديدة. وهم "يستخلصون" معلومات من المواقع الإلكترونية للشركات ومقاطع الفيديو الإلكترونية ومواقع المراجعات. ويحصلون على رؤى ثاقبة إضافية عندما "ترسل" إليهم الشركات معلومات عبر البريد الإلكتروني والرسائل النصية ومندوبي المبيعات.

ولكي تؤتي الاتصالات متعددة القنوات ثمارها، تستطيع الشركات أن تبدأ بتصميم مزيج من القنوات بما يتناسب مع الموقف. قد تُجدي المنصة الإلكترونية حصراً للزبائن الأصغر ذوي الاحتياجات التي تتطلب حلولاً مباشرة وبسيطة. أما الزبائن الأكبر الذين تنطوي احتياجاتهم على قدر أكبر من التعقيد، فربما كانوا بحاجة إلى الاختيار من بين قنوات الاتصال، بما في ذلك المبيعات الميدانية والمبيعات الداخلية والمبيعات الرقمية. وسيتطلب الأمر أن يتكيف مزيج القنوات بينما تتطور الاحتياجات التقنية واحتياجات الزبائن وتفضيلات القنوات.

اقرأ أيضاً: تحديد أهداف أفضل للمبيعات باستخدام التحليلات المحوسبة

وفي وجود القنوات السليمة في مكانها السليم، ينبغي على الشركات تنظيم القنوات والتأليف بينها بُغية خلق تجربة شراء متناغمة. سوف يصاب الزبائن بالخيبة لو تعارضت مثلاً المعلومات التي يرونها على الموقع الإلكتروني للشركة مع المعلومات التي يتلقوها من مندوب المبيعات. ويستطيع نظام إدارة علاقات العملاء وأدوات الذكاء الاصطناعي مساعدة الشركات على تقديم تجربة عملاء متعددة القنوات ومتزامنة.

نهج مستند إلى البيانات: استخدام التحليلات المحوسبة لتعزيز قرارات المبيعات وعملياتها

في كل مجال من مجالات المبيعات تقريباً، تحل القرارات المستندة إلى البيانات محل القرارات الغريزية والحدسية. وتستخدم مؤسسات المبيعات البيانات والتحليلات المحوسبة لتحسين استراتيجية المبيعات وتوزيع الموارد وإدارة المواهب وتحفيز فريق المبيعات وإدارة العملاء.

وقد استخدمت إحدى شركات الخدمات المالية التحليلات المحوسبة لمساعدة فريق المبيعات الداخلية الصادرة على بيع منتجات ائتمان وإقراض إلى الشركات الصغيرة. وبفحص ملايين السجلات الهاتفية وتحليل المكالمات الهاتفية، اكتشفت الشركة رؤى ثاقبة لتحسين فعالية المبيعات. أولاً، بالتركيز على 7 من بين 14 قطاعاً مستهدفاً فقط، استطاع مندوبو المبيعات زيادة الأرباح بنسبة 16%. ثانياً، بترحيل توقيت المكالمات إلى الوقت المناسب خلال اليوم، استطاع مندوبو المبيعات مضاعفة ربحية المبيعات لثلاثة أضعاف، وزيادة الأرباح بنسبة 20%. وثالثاً، استطاع مندوبو المبيعات تحسين أدائهم بقدر أكبر باستخدام تقنيات مبيعات استشارية محددة يوظفها أصحاب الأداء الأفضل.

في مثال آخر، استغلت الشركات (بما في ذلك شركة "لينكد إن" ذاتها) موقع "لينكد إن" لاستقدام أصحاب المواهب الأفضل في مجال المبيعات. وينقّب علماء البيانات في موقع "لينكد إن" لتمييز وتحديد المرشحين المحتملين لشغل مناصب في مجال المبيعات. وبعد ذلك، يقدم الذكاء الاصطناعي رؤى ثاقبة حيال الكيفية التي يستطيع بها المرشحون المحتملون أن ينجحوا (بمقارنتهم بالذين نجحوا في الماضي)، والطريقة التي يستطيع بها المرشحون المرجحون أن ينضموا للشركة في حالة تقديم عرض لهم (بمقارنتهم بالذين قبلوا عروضاً سابقة). والمرشحون الذين يحصلون على درجات عالية على الصعيدين يتلقون "اتصالاً ودوداً" من جهة اتصال مباشرة على موقع "لينكد إن" تشجعهم على التقديم للوظيفة.

إن مؤسسات المبيعات التي تتعاطى بشكل استباقي مع هذه التحديات من الأرجح أن تبحر في المشهد الرقمي المضطرب بنجاح، ومن ثم تدفع عجلة نجاح زبائنها ونجاحها الشخصي بسبب زيادة المبيعات في العالم الرقمي.

اقرأ أيضاً: أربع طرق لبناء ثقافة بيع منتِجة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .