ثمة حكمة مهنية تقول إن الموظف لا يستقيل بسبب عدم ملاءمة الوظيفة بل بسبب انعدام كفاءة المدير، ويؤكد بحثنا هذه الفكرة، إذ يتأثر الرضا الوظيفي بعلاقة الموظف بمديره أكثر من تأثره ببقية العوامل التي درسناها. لكن، ما هي صفات المدير الكفء؟
في حين تناولت دراسات وأبحاث سابقة أساليب القادة وشخصياتهم، سعت هذه الدراسة إلى فهم كيفية تأثر الموظفين بالكفاءة الفنية التي يتمتع بها مديرهم؛ أي امتلاكه خبرة فعلية في أعمال الشركة الأساسية ومستوى هذه الخبرة. لمفهوم كفاءة المدير أوجه عدة، ما دعانا إلى قياسها بثلاث طرق مختلفة:
- قدرة المدير على أداء مهام الموظف إذا لزم الأمر.
- تدرج المدير على السلم الوظيفي في الشركة.
- مستوى كفاءة المدير الفنية وفق تقييم أحد موظفيه.
عندما استخدمنا هذه المقاييس الثلاثة لكفاءة المدير تبين لنا أن سعادة الموظفين تزداد بدرجة ملحوظة عندما يعملون تحت إدارة شخص يتمتع بخبرة عميقة في أنشطة الشركة الأساسية، تقودنا هذه النتيجة إلى إعادة النظر في الفكر السائد عن مقومات المدير الكفء. يعتقد كثيرون أنه من غير الحكمة ترقية الموظف إلى منصب يقود فيه زملاءه في الاختصاص المهني نفسه، ويقولون إن المدير الكفء لا يحتاج إلى خبرة فنية بل إلى مزيج صفات مثل الكاريزما والمهارات التنظيمية والذكاء العاطفي؛ لكن بحثنا يشير إلى أن الخبرة الفنية التي نتجاهلها في كثير من الأحيان لا تقل أهمية عن الصفات الأساسية الأخرى.
يعدّ مجال البحث حول سمات القيادة الخبيرة حديثاً لكنه يتسع بوتيرة متسارعة، وتشير أدلة حديثة إلى أن أداء المؤسسات يصبح أفضل في ظل قيادة خبيرة بمجالها الأساسي. فعلى سبيل المثال، تحقق المستشفيات أداء أفضل عندما يقودها طبيب بدلاً من مدير عام. وعلى نحو مماثل، تتفوق فرق كرة السلة الأميركية عندما يدربها نجوم سابقون في اللعبة، وتنتصر فرق سباقات الفورميولا ون تحت إشراف سائقين لمعوا سابقاً في حلبة السباق. وكذلك ترتقي الجامعات تحت قيادة باحثين كبار بدلاً من المسؤولين الإداريين الموهوبين.
فحص مشروعنا 35,000 عيّنة عشوائية من الموظفين وأماكن العمل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، واعتمدنا الأساليب التقليدية لقياس الرضا الوظيفي، مثل سؤال استقصاء طرحناه على المشاركين من الولايات المتحدة: "ما هو شعورك تجاه وظيفتك الحالية؟" ومقياس التقييم: 1 = "أكرهها بشدة"، و2 = "أكرهها نوعاً ما"، و3 = "أحبها نوعاً ما"، و4 = "أحبها بشدة". فكان الجواب الوسطي هو 3.2 درجات. أما في المملكة المتحدة، فكان سؤالنا: "الرجاء تحديد مستوى رضاك الوظيفي على مقياس مكون من 7 نقاط، حيث تمثل النقطة 1 "أنا راضٍ تماماً عن وظيفتي" والنقطة 7 "أنا غير راضٍ إطلاقاً عن وظيفتي". فكان الجواب الوسطي في بريطانيا هو 5.3 درجات. إجمالاً، نتفاءل بهذه التقييمات، ولكنه تفاؤل لم يصل بعد إلى المستوى الذي ننشده؛ فالعاملون سعداء إلى حد لا بأس به.
لكن الدراسة الأعمق للبيانات تلفت نظرنا إلى نمط واضح؛ المدير ذو الكفاءة العالية له أكبر أثر إيجابي على الرضا الوظيفي، مقارنة ببقية العوامل. وكان حجم الأثر المقاس كبيراً بدرجة فاجأتنا، فمثلاً، يولي الموظفون الأميركيون أهمية كبيرة للمدير الذي يتمتع بالكفاءة الفنية فيما يتعلق بالرضا الوظيفي، ويرونه أهم من الراتب حتى إذا كان الراتب كبيراً.
وفي حين وجدنا عوامل تؤثر على سعادة الموظف في مكان عمله، مثل نوع المهنة ومستوى التعليم ومدة تولي الوظيفة والقطاع الذي تعمل فيه الشركة، فتأثيرها يتضاءل مقارنة بعامل الكفاءة الفنية للمدير. كما تبين لنا أنه عند احتفاظ الموظفين بمناصبهم تحت قيادة مدير جديد، يرتفع مستوى رضاهم الوظيفي بدرجة ملحوظة في حال امتلاكه الكفاءة الفنية.
زبدة الكلام هي أن سعادة الموظفين تزداد عندما يتمتع مديرهم بخبرة فنية في مجال عمله الأساسي، وهذا بدوره يرفع مستوى أدائهم. وتقدم التجارب العشوائية التي يجريها المتخصصون في ظروف مخبرية أدلة متزايدة على العلاقة الطردية بين رضا الموظفين وإنتاجيتهم. وقد ذكرت إحدى الدراسات أنه حتى الزيادات الطفيفة في مستوى سعادة الموظفين أدت إلى زيادة موثوقة نسبتها 12% في إنتاجيتهم. كما أنه من المستبعد أن يستقيل الموظف السعيد من وظيفته، ومن المعروف أن معدلات الاستقالة العالية مكلفة جداً للشركات. وختاماً، ثبت مؤخراً أن الشركات التي يرتفع بها مستوى الرضا الوظيفي هي الأقرب إلى تحقيق نمو أعلى في أسعار أسهمها مستقبلاً.
إن كفاءة المدير لها أثر عميق في رضاك عن وظيفتك؛ وبالمثل، تحدد كفاءتك مستويات الرضا الوظيفي بين أفراد فريقك.