نتخذ جميعاً آلاف القرارات، يومياً، منها ما هو بسيط، مثل القرارات حول متى نستيقظ، وماذا سنتناول على الإفطار، وماذا سنرتدي للذهاب إلى العمل، وعلى أي بريد أو رسالة إلكترونية سنجيب، ومنها ما هو أعقد من ذلك، ويتطلب منا أن نجري موازنة ومفاضلة بين خيارات مختلفة لمعرفة كيفية اتخاذ القرار الأفضل. وعلى سبيل المثال، حينما ترغب في شراء جهاز حاسوب محمول، فسيتعيّن عليك المقارنة بين عدة أنواع للحصول على الخيار الأفضل الذي يتناسب مع ميزانيتك. وعندما يتعلق الأمر باختيار خطة التقاعد، يتعين عليك إجراء مقارنات عدة حتى تجد الخيار الذي يحقق لك أعلى العائدات مقابل حجم الخطر الذي يمكن أن تتحمله. وحتى عندما تنوي توظيف أحدهم، فستقارن بين الكثير من المتقدمين لتحديد المرشح الأفضل.
المفاضلة بين الخيارات
وعندما نواجه قرارات كهذه، نجد أنفسنا نتبع واحدة من طريقتين، إما فحص كل خيار على حدة، ومن ثم اختيار، أو استعراض كافة الخيارات في آن واحد. فعلى سبيل المثال، عندما يرغب مدير التوظيف باتخاذ قرار يتعلق بمرشحي الوظيفة الذين سيقابلهم، فإما أن يقيّم السيرة الذاتية لكل مرشح على حدة، ويكوّن رأياً متكاملاً عنه، ثم ينتقل لتقييم المرشح الآخر، أو يتبع نهجاً مختلفاً بأن يستعرض كل السير الذاتية أمامه على الطاولة، ويجري تقييماً ومقارنة بين المتقدمين، ثم يحدد المرشحين الذين سيقابلهم. وعلى نحو مماثل، قد ينظر المستثمر في تفاصيل إحدى طرق التمويل المتبادل واحداً تلو الآخر، أو قد يتصفح موقعاً خاصاً بمقارنة طرق التمويل المتبادل. كذلك، قد يتفحص مدير سلسلة التوريد المعلومات المتعلقة بالموردين على نحو فردي أو قد يستعرضها مجتمعة في صفحة واحدة.
وبدورنا، اختبرنا من خلال دراسة حديثة، نُشرت في مجلة "السلوك التنظيمي وعمليات القرار الإنساني" (Organizational Behavior and Human Decision Processes)، كيف يمكن أن تؤثر كل طريقة من هاتين الطريقتين على اختياراتنا. واعتمدنا في دراستنا على 2,783 مشاركاً في الولايات المتحدة، وظفناهم عبر منصة تدعى"أمازون ميكانيكال تيرك" (Amazon Mechanical Turk)، وكذلك مشاركين من جامعة في سنغافورة. وخلال 7 تجارب، طُلب من هؤلاء المشاركين الاختيار من ضمن عدة خيارات عرضت عليهم إما بشكل متتابع أو مرّة واحدة. كانت بعض الخيارات بسيطة، مثل أي نوع كاميرا ستشتري، في حين كانت القرارات الأخرى معقدة، كالتي يحتاج أن يتخذها المدراء، مثل مع أي مورّد سيجري التعاقد. وعموماً، وجدنا أن الأشخاص يميلون، في المتوسط، بنسبة 22% لاختيار أفضل الخيارات بموضوعية عندما تعرض عليهم في آن واحد أكثر مما تعرض عليهم واحدة تلو الأخرى.
اقرأ أيضاً: كيفية الحفاظ على الهدوء لاتخاذ أفضل القرارات خلال الأزمات
في التجربة الأولى، طلبنا من 201 مشارك، عبر الإنترنت، اختيار نماذج مختلفة لخمسة أنواع من المنتجات الإلكترونية (مثل الحاسوب المحمول وفرن الميكروويف). وكان على المشارك اختيار نموذج من أصل 6 نماذج متوافرة لكل نوع من المنتجات، ولكل منها مواصفات متنوعة. فمثلاً، قدمنا لكل نموذج من أجهزة الحواسيب المحمولة الستة معلومات عن سرعة المعالج والذاكرة وسعة التخزين وعمر البطارية والضمان. وكان النموذج الذي يتمتع بأعلى المواصفات هو الخيار الأفضل.
واخترنا، عشوائياً، نصف المشاركين ليستعرضوا الخيارات معاً. إذ عرضت عليهم معلومات لكل منتج للنماذج الستة تباعاً على شاشتهم ثم اختاروا إحداها. فيما عرضت الخيارات على النصف الآخر من المشاركين واحداً تلو الآخر – أي عرضت المعلومات الخاصة بالنموذج الأول على الشاشة الأولى، وعرضت معلومات النموذج الثاني على الشاشة الثانية، وهكذا، حالما اطلعوا على كل النماذج المعروضة لمنتج واحد، كان بإمكانهم التنقل بين الشاشات المختلفة ذهاباً وإياباً لاتخاذ قرارهم. وكانت النتيجة أن وجدنا أن هؤلاء الذين استعرضوا الخيارات بشكل فردي استطاعوا تحديد الخيار الأفضل في 75% من المرات، في حين أن أولئك الذين استعرضوا الخيارات مجتمعة معاً تمكنوا من تحديد المنتج الأفضل في 84% من المرات.
وفي تجربة أخرى، طلبنا من 472 مشاركاً، عبر الإنترنت، تخيُّل امتلاكهم لمطعم، وأن عليهم إجراء طلبات أسبوعية لخمس مواد من مستلزمات المطعم مثل الحليب ومعجون الطماطم. كان على المشارك اختيار مورّد من أصل خمسة موردين مختلفين لكل منتج، لكل منهم تسعيرة مختلفة لكمية معينة من المنتج. على سبيل المثال، يمكن للمشاركين اختيار شراء الحليب من مورّد يبيع كمية 35 جالوناً بقيمة 73.50 دولاراً، أو آخر يبيع كمية 29 جالوناً بسعر 69.60 دولاراً، وهكذا. وصممنا الخيارات بحيث يوجد دوماً مورد واحد لديه أدنى سعر للوحدة الكمية، لكن سيتوجب على الأشخاص المشاركين إجراء بعض العمليات الحسابية لتحديد هذا المورّد. وكما في التجربة السابقة، اطلع نصف المشاركين على العروض الخاصة بمنتج واحد من كل الموردين في آن واحد ثم حددوا خيارهم، في حين اطلع النصف الآخر على عروض كل مورد منفرداً ثم حددوا خيارهم.
وكانت النتيجة أن وجدنا أن المشاركين الذين استعرضوا الخيارات واحداً تلو الآخر تمكنوا من تحديد المورد صاحب السعر الأوفر في 55% من المرات، في حين أن المشاركين الذين استعرضوا المعلومات مجتمعة معاً تمكنوا من تحديده في 61% من المرات. ووجدنا نفس النمط من النتائج، في تجربة أخرى، تحكمنا، خلالها، إحصائياً في قدرة الأشخاص على الحساب الرياضي.
كيفية اتخاذ القرار الأفضل
فما هو يا ترى السبب الذي يجعل الأشخاص أكثر قدرة على اتخاذ قرارات أفضل عندما يستعرضون الخيارات مجتمعة بآن واحد بدلاً من الاطلاع عليها واحداً تلو الآخر. قد يكمن أحد الأسباب في أن وجود المعلومات كاملة أمام الشخص ستمكنه من إجراء مقارنة أكثر شمولية وتحديد أفضل الخيارات بسهولة. أما استعراض الخيارات واحداً تلو الآخر فسيدفع صاحبَ القرار ليكوّن حُكماً عاماً عن كل خيار، ثم سيكون عليه العودة للمقارنة.
وقد اختبرنا هذه الاحتمالية، في تجربة أخرى، استخدمنا فيها نفس الأسلوب في التجربتين السابقتين. ولكننا أيضاً طلبنا من المشاركين في هذه التجربة أن يدونوا الأفكار التي تجول في خاطرهم أثناء تحديد خياراتهم. ولتحليل إجاباتهم المكتوبة استخدمنا برنامجاً لتحليل النصوص يدعى "إل آي دبليو سي" (LIWC)، وهو برنامج يصنف الكلمات في فئات مختلفة.
اقرأ أيضاً: الأمور التي تجهلها فيما يتعلق باتخاذ القرارات
ومرة أخرى، وجدنا أن الأشخاص الذين استعرضوا الخيارات مجتمعة قد انتقوا الخيار الأفضل على نحو أكبر من أولئك الذين استعرضوها منفردة. كما أنهم استخدموا في إجاباتهم المدونة عبارات تنم عن تفكير أعمق على شاكلة: (أعتقد أن "س" أفضل من "ع") أو (لذلك، أشعر أن "ع" هو الخيار الصائب). ويقدم هذا الاكتشاف دعماً لافتراضنا أنه يمكن للأشخاص إجراء مقارنة أشمل بين الخيارات المطروحة عندما يستعرضونها مجتمعة معاً.
لكن على أرض الواقع، لا يقيّم الناس دوماً خياراتهم بشكل متزامن أو في وقت واحد. ففي استطلاع منفصل طلبنا من 211 مشاركاً، عبر الإنترنت، أن يسترجعوا بذاكرتهم بعض القرارات التي اتخذوها في الماضي وأن يذكروا فيما إذا كانوا اتبعوا أسلوب استعراض الخيارات في آن واحد ومقارنتها أو استعراضها على التوالي، فكانت إجابة هؤلاء المشاركين أنهم في نصف قراراتهم كانوا قد استعرضوا الخيارات المطروحة بالتتابع.
اقرأ أيضاً: أيها القادة: توقفوا عن تجنب اتخاذ القرارات الصعبة
وعلى نحو مماثل، لا تساعد الشركات المستهلكين دوماً على استعراض خياراتهم دفعة واحدة. ففي تحليل لمواقع إلكترونية خاصة بشركات رائدة لتصنيع السيارات وشركات التأمين على الحياة، وجدنا أن هذه المواقع توفر صفحات منفردة عن منتجات معينة، مما يسمح للمستهلكين بالاطلاع على منتج واحد في كل مرة. وعدد قليل فقط من تلك المواقع تمنح الناس فرصة استعراض عدة منتجات على ذات الشاشة. كما تمتلك معظم المواقع أداة مقارنة، لكنها، في المقابل، تسمح للأشخاص بمقارنة الخيارات على نطاق ضيق فقط.
قد تبدو كيفية اتخاذ القرار الأفضل وكيفية تقييمنا وطرحنا للخيارات مسألة بسيطة، لكن دراساتنا تشير إلى أنها قد تكون ذات تأثير فعلي على جودة قراراتنا النهائية.
اقرأ أيضاً: اتخذ القرارات الصحيحة الآن بخصوص موظفيك لتزدهر بعد الأزمة