ماذا تعلمنا من أزمة كورونا عن اختلاف الشخصيات؟

2 دقائق
اختلاف الشخصيات

أول ما تعلمناه من أزمة كورونا هو أن معظم خلافاتنا ترجع أساساً إلى اختلاف الشخصيات فيما بيننا. فبينما تستمع إلى زملائك في العمل وهم يعبّرون عن حماستهم للعمل من المنزل بعد أكثر من عام على تجربته وعن أمنيتهم بأن يستمر هذا النموذج إلى الأبد، تكاد تنفجر غيظاً من الأجواء الخانقة والمزعجة للعمل من المنزل، وتهرب إلى المقاهي أو أماكن العمل المشتركة لكي تستطيع التركيز وإنجاز مهامك. لست بحاجة إلى سرد الحجج العلمية لإقناع من يختلف عنك في مثل هذه الحالة أو إلى أن تحدثه عن التواصل الشخصي وضرورته. ولست بحاجة للحديث عن نظرية التجمع في مطبخ العمل أو عند "مبرد الماء" لزيادة الإنتاجية والإبداع، لأن لدى الفريق الآخر حججاً علمية لا تقل عن قوة حججك.

مثل هذا الاختلاف يعود إلى اختلاف الشخصيات واختلاف الظروف. فقد سبق أن حددت عالمة النفس نانسي روثبارد نوعين من شخصيات الموظفين التي ترجع إلى اختلاف الطبائع: الأولى هي الشخصية الاندماجية (Integrator) التي تسمح تركيبتها بالدمج بين الأمور وتداخلها ولا تضع حدوداً بين العمل والحياة الشخصية، ولا مانع لدى صاحب هذه الشخصية من الرد على إيميل العمل خلال العشاء مع زوجته وأولاده؛ بينما للشخصية من النوع الثاني تضع حدوداً بين العمل والحياة الشخصية وتسمى في علم النفس (Segmentor)، وهي شخصية معاكسة للشخصية الأولى؛ فصاحب هذه الشخصية ينسى العمل بعد أن تدق ساعة انتهاء دوام العمل. لا يمانع الشخص الاندماجي من مشاركة حياته الشخصية خلال العمل، فهو الذي كان يضع صور أطفاله فوق مكتبه في الشركة، فهو الآن لا يمانع بأن يشارك حياته العائلية ومطبخ بيته خلال اجتماعات العمل عبر تطبيق زووم. بينما يشعر واضع الحدود بالضيق إذا سأله أحد عن الركن الذي يجلس فيه داخل منزله، ويشعر بالتوتر إذا صدر صوت من أحد أفراد عائلته خلال الاجتماع.

هذا الاختلاف في الشخصيات هو طبيعة بشرية تشكلت عبر التربية ونرثها عبر جيناتنا، لذلك لا فائدة من الجدل فيها لأنها خيارات شخصية أولاً وأخيراً، على الرغم من أننا قادرون على تطوير جوانب جديدة بلا شك في شخصياتنا. ولذلك ترون أن الشركات العالمية الرائدة في فهم طبائع الشخصيات تُجري الآن استطلاعات لموظفيها لكي تفهم طبائعهم وخياراتهم في العمل من المنزل أو من أي مكان بعد زوال الأزمة.

لقد تعلمنا خلال أزمة كورونا أن نفهم أيضاً أن بعض الأشخاص يندرجون تحت وصف "شخص انطوائي" والبعض الآخر "شخص انفتاحي"، وهذا تقسيم علمي آخر للشخصيات، ولذلك لن تستطيع أن تجعل الشخص الانطوائي انفتاحياً مثلك، وأن يجد سعادته في اللقاءات العامة والخروج إلى المقاهي والمطاعم والاختلاط بالناس. فنقطة قوته وراحته الشخصية تكمن بالعزلة والصمت، وليس هذا الأمر خطأ ولا مدعاة للقلق، ويكفي أن نذكر أسماء بارزة في العصر الحالي لأشخاص انطوائيين مثل بيل غيتس وجيف بيزوس ومارك زوكربيرغ. ولا استغراب أيضاً من الشخص الذي يكاد يختنق بسبب الحظر والحجر وقلة السفر في ظل كورونا لأنه شخص انفتاحي بطبعه ويجد قوته وإبداعه وراحته في مخالطة الناس والتحدث طوال الوقت.

كما تعلمنا أيضاً أن ظروفنا الاجتماعية والاقتصادية مختلفة، وأن ظروف المنزل وازدحامه والضجيج الذي قد يملؤه بسبب الأطفال أو العائلة قد يكون سبباً إضافياً في بعض اختياراتنا للعمل من المنزل أو من أي مكان. وقد تعلمنا أننا كنا من قبل بحاجة لمثل هذا الظرف الإجباري لنتعرف على بعضنا وعلى طبائعنا أكثر، بحيث يعلم الآباء عن أبنائهم ويعرف الأبناء عن آبائهم ما لم يعرفونه من قبل. لقد وفرت ظروف كورونا للأهل فرصة للتعاطف مع معاناة الأبناء في المدارس، وللتعرف أكثر على طبائع المعلمين ومستواهم وربما التعاطف معهم. إنها تجربة مفيدة للجميع بدون أدنى شك.

تعلمنا أيضاً عندما رأينا بعض الأشخاص يتوفون جراء الإصابة بفيروس كورونا، بينما تمر إصابة الفيروس على آخرين بكل سلاسة. وتعلمنا أن بعض الأشخاص تحدث لهم مضاعفات جانبية جراء تلقي حقنة اللقاح بينما يمر برداً وسلاماً على آخرين. كل ذلك علّمنا أن شخصياتنا مختلفة وطريقة تأثرنا وتفاعلنا مع الأمراض والأحداث مختلفة.

لا تستغرب بعد اليوم إذا قرأت عن دراسة علمية أجرتْ تجارب على أشخاص أو استطلعتْ آرائهم ووجدتَ النتيجة غريبة وتعبر عن عكس ما تعتقده، فقد يكون السبب هو اختلاف الشخصيات بكل بساطة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي