ليس هناك وصفة شاملة أو مناسبة للجميع من أجل الحصول على شركة ناجحة. لكن من الواضح أن قادة الشركات في وقتنا الحالي متفقون على أن التوافق الاستراتيجي يأتي في مرتبة عالية ضمن القائمة.
بالنسبة لنا، يعني التوافق الاستراتيجي أن جميع عناصر الشركة بما في ذلك استراتيجية السوق والطريقة التي تنظّم بها الشركة نفسها مُرتبة بطريقة تدعم على النحو الأمثل تحقيق غايتها البعيدة المدى. وعلى الرغم من أن غاية الشركة عموماً لا تتغير، فإن الاستراتيجيات والهياكل المؤسسية تتبدل، وهو ما يمكن أن يجعل ملاحقة "التوافق" بين الاستراتيجية والمؤسسة تبدو أشبه بمطاردة سراب.
وكأن هذا التحدي ليس قاسياً بالقدر الكافي، فنجد أن هناك تحدياً آخر يواجه القادة المؤسسين، ألا وهو كيفية تفسير التوافق الاستراتيجي على مستوى فريق العمل أو وحدة الأعمال (أو على مستوى القسم أو الشعبة، أياً ما كان تصنيفها) وعلى مستوى المشروع.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المهمة مُمكنة. فعلى سبيل المثال، اكتشفت شركة "فيسبوك" بينما نمت وكبرت أن ثقافتها الأولى التي تنصب على "التحرك السريع وكسر القوالب" اقتضت الحاجة تمريرها على فرق عمل فنية مُركّزة ومجموعات منتجة لجعل عملية تطوير منتجها أسرعَ وتيرة وأقل تقلباً، وكذلك لكي يكون لديها فرصة في الوفاء بمطالب حملة أسهمها العموميين الجدد بعد اكتتابها العام الأوَّلي. وأصبح شعارها الحالي "التحرك السريع في ظل بنية تحتية مُتزنة"، وهو الشعار الذي يتعامل مع تحدي التصميم المؤسسي للعمل على نطاق واسع في عالم متقلب وغير مستقر.
هناك اختبار بسيط يمكنك القيام به للبدء في حوار صادق حول الاستراتيجية والفعالية المؤسسية في المكان الذي تعمل فيه. فانظر إلى شركتك نظرة شمولية أو ربما تختار عنصراً مهماً من الناحية الاستراتيجية من عناصرها، كنطاق للنمو يعوّل عليه النجاح في المستقبل أو مصدره الأساسي للدخل، ثم تدبر السؤالين التاليين:
1- ما مدى كفاءة استراتيجية عملك من حيث دعمها للوفاء بهدف شركتك؟
الهدف هو ما تحاول الشركة تحقيقه. والاستراتيجية هي كيفية تحقيق الشركة لهذا الهدف. والهدف ثابت، فهو نجم الشمال الذي يجب أن تشير إليه الشركة. والاستراتيجية يجب أن تشتمل على الخيارات المتعلقة بالمنتجات والخدمات التي تقدمها والأسواق التي يجب أن تخدمها، وكيف ينبغي على الشركة أن تميز نفسها بأفضل ما يكون عن منافسيها لضمان تحقيق الميزة التنافسية. فَكّر في عملك الخاص واسأل نفسك مستعيناً بمقياس من 1 إلى 100: ما مدى كفاءة استراتيجية عملك من حيث دعمها للوفاء بهدف شركتك؟ (إذا لم تكن الأولويات الاستراتيجية للشركة جلية أو هدفها واضحاً بالنسبة لك، فالأرجح أن الاستراتيجية لا تدعم وفاء الشركة بهدفها).
2- ما مدى كفاءة مؤسستك من حيث دعمها لتحقيق استراتيجية شركتك؟
تتضمن "المؤسسة"، بمعناها في هذا السياق، جميع الإمكانات والموارد (بما في ذلك البشرية) والأنظمة الإدارية الضرورية لتنفيذ الاستراتيجية. على سبيل المثال، إذا كانت شركتك تسعى إلى التفوق على المنافسين بواسطة خدمة العملاء المميزة، فهل يتجلى ذلك في السلوك اليومي للعاملين وتفاعلاتهم مع العملاء؟ وإذا كان الابتكار هو الأولوية الاستراتيجية الأساسية، فهل يُمكّن هيكلك المؤسسي التآزر الإبداعي والمخاطرة وتقاسم المعارف؟ حيث إنه للحفاظ على التوافق الاستراتيجي، يجب أن يتسم العاملون بالشركة وثقافتها وهيكلها وعملياتها بالمرونة والقدرة على التغير بالتزامن مع تغير الاستراتيجية نفسها. وغالباً ما تكون أعراض التوافق العقيم واضحة، خاصة للعاملين في الشركة، ولكن كذلك للعملاء الذين لا يجدون الخدمة التي يتوقعونها من العلامة التجارية والإعلانات الخاصة بالشركة. ومستعيناً بالمقياس نفسه من 1 إلى 100، اسأل نفسك السؤال التالي: ما مدى كفاءة مؤسستك من حيث دعمها لتحقيق استراتيجية شركتك؟ إذا كانت مؤسستك عاجزة عن طرح استراتيجيتها، فاعلم أن تلك الاستراتيجية عقيمة فعلياً وهدف شركتك لن يتحقق بشكل أو بآخر.
كما يمكن تخطيط إجابتيك على المصفوفة أعلاه. وكل حالة تمثل تحدياً قيادياً مختلفاً. (ولكن، في جميع التحديات الأربعة نفترض أن الهدف نفسه قابل للتطبيق ويتمتع بإمكانية تحقيقه).
الفرصة المثلى للفوز: الشركات التي تحقق درجات عالية على المقياسين تتمتع بفرصة الفوز المثلى في مجالها التنافسي. لكن التوافق يتجلى فيما يتجاوز الأداء المالي المتميز فقط. فهو يؤدي أيضاً إلى مناخ عمل أكثر إيجابية ومشاركة أكثر من عادية عن طريق العاملين، والتزام قوي تجاه القيم ونزاعات أقل بين دوائر النفوذ، وخصومات داخلية أدنى. علماً أنه ثمة ضجيج يحدث، بغض النظر عن مجال العمل، لأن الموظفين يقيمون وزناً لكونهم جزءاً من شركة فائزة.
وتُعد شركة "أيه آر إم" (ARM) واحدة من أفضل الشركات التي تعرفونها أداءً على الإطلاق. فمعالجاتها الدقيقة تُستخدم في أكثر من 95% من الأجهزة الذكية حول العالم، بما في ذلك الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية التي تعمل بنظامي أندرويد و(iOS). وتنظم شركة "إيه آر إم" شؤونها بهدف الابتكار على نحو هادف بواسطة تعظيم فرص مشاركة المعارف والتآزر في أرجاء منظومتها البيئية بأسرها، التي تتكون من آلاف الشركاء الخارجيين. ويشترك العاملون الأساسيون لديها، والبالغ عددهم 3,500 من الموظفين مقرهم في الغالب مدينة كمبردج (المملكة المتحدة)، في هدف واحد ومجموعة من القيم التي تحل محل الوظائف والأعمال والأدوار. وهناك حواجز قليلة أمام التآزر التلقائي بين الفرق الفنية.
تعبر عن أفضل النوايا لكنها عقيمة: فالشركات التي تحصل على درجات عالية على مقياس الهدف والتوافق الاستراتيجي، ودرجات متدنية على مقياس الاستراتيجية ونطاق التنظيم، عاجزة بشكل أو بآخر عن تنفيذ الاستراتيجية بما يتفق مع نواياها. ويتجلى جزاء التقصير في الأداء بالاستقطاب القاصر للعملاء وقصور الحفاظ عليهم، أو التكاليف المتجاوزة للتوقعات أو اختلالات التوازنات المؤسسية، أو ببساطة قصور الأداء المالي.
إذ تعرّض بنك "باركليز"، مثل الكثير من البنوك الدولية الرائدة خلال السنوات الأخيرة، إلى نقد لاذع لثقافته وحوكمته وسلوكه الخطر الذي أفضى إلى الأزمة المالية عام 2008. وأدت سلسلة من الفضائح، كتثبيت سعر الصرف الأجنبي، إلى فرض غرامات قياسية على البنك وتعرضه لتدقيق تنظيمي صارم ودعاية سلبية جداً. وكشف تقرير أصدره بنك "باركليز" عام 2013 عن ثقافة مؤسسية لم تكن مناسبة لهدف البنك، حيث تميل إلى "تفضيل المعاملات على العلاقات والأهداف القصيرة الأجل على الاستدامة، والشؤون المالية على أهداف العمل". وكشف التقرير أيضاً عن تنظيم معقد وهيكل تنظيمي منغلق تطغى عليه الفرضيات التشغيلية والقيم والممارسات المتنافسة. وكانت المحصلة بيئة خصبة لتفشي سلوك الموظفين الطائش الذي يتعارض مع رؤية المؤسسة وقيمها الشاملة.
جانحة بلا وجهة وبجرأة: الشركات التي تتمتع بتوافق قوي بين استراتيجيتها وهيكلها التنظيمي وتوافق ضعيف بين استراتيجيتها وهدفها تُصنَّف على أنها "جانحة بلا وجهة وبجرأة". وانطلاقاً من خبرتنا، هناك الكثير من الشركات التي يعمل فيها أشخاص رائعون، غير أنها تفتقر إلى هدف شامل منسجم تسترشد به في أثناء حدوث تحولات في الاستراتيجية. ومحصلة ذلك شركة تمسي متدنية القدرات تدريجياً، حيث يرحل عنها العملاء ويفرّ منها الموظفون الموهوبون بحثاً عن فرص جديدة. وتُعد شركة "كوداك" مثالاً شهيراً على شركة كبرى تداعت بسبب ارتباكها بسبب الطريقة المثلى لتحقيق هدفها في العالم الرقمي. ورغم أن الشركة طورت تقنية تصوير فوتوغرافي رقمية، فقد انصب تركيز عدد كبير من موظفي الشركة على الكفاءة المؤسسية المحورية لأفلام التصوير. وبدلاً من أن ينظروا إلى الكاميرات الرقمية باعتبارها وسيلة جديدة لتحقيق الهدف المؤسسي لالتقاط "لحظات بعدسات كوداك"، فقد التزموا باستراتيجية ركيزتُها أفلام التصوير الحالية، ما جعلهم ينحرفون عن التفضيلات المتغيرة من قبل العملاء لوسائل الإعلام الرقمية والمشاركة الفورية.
عمرها ليس بالمديد في هذا العالم: إن الشركات التي تحصل على درجات متدنية على المقياسيْن تُعاني أزمة حتى لو لم تكن ملحوظة على الفور. فاستراتيجياتها لا تلبي هدفها الأكبر ولا يمكن لها تلبيته لأنها تخفق في التعامل بفعالية مع تفضيلات العملاء وظروف السوق وقدرات المنافسين. ومن المهم بالقدر نفسه أن الهيكل التنظيمي لتلك الشركات عاجز عن أن يثمر وفقاً لأولويات استراتيجية.
ويمكن أن يحدث الانهيار بسرعة. فقد كان "البنك الملكي الاسكتلندي" مصرفاً رائداً يشار إليه بالبنان لأدائه المالي الرائع. ونما سريعاً في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الثانية، فتحول من بنك إسكتلندي إقليمي إلى بنك بريطاني قومي بالتزامن مع استحواذه على "بنك وستمنستر الوطني" عام 2000، وأصبح أخيراً ولفترة عابرة مصرفاً عالمياً شمولياً إثر استحواذه على "بنك آيه بي إن أمرو" (ABN Amro) عام 2007. وفي ذروة شهرته، وظَّف "البنك الملكي الاسكتلندي" 170 ألف موظف وباشر أعماله في أكثر من 50 دولة وبلغت أرباحه السنوية 10.3 مليارات جنيه إسترليني. ولكن، في عام 2008، مُني البنك بخسارة فادحة وبادرت حكومة المملكة المتحدة بتأميمه للحيلولة دون انهياره.
وتنبأ كثيرون منذ ذلك الحين بإخفاقات فريق قيادته برئاسة رئيسه التنفيذي السابق المغامر (الجريء) فريد جودوين (Fred Goodwin). فقد شاع عن جودوين ميوله العدوانية بأسلوب إدارته المستبد المتمثل في عبارته الشهيرة "فريد يقول". واشتهر عن "البنك الملكي الاسكتلندي" أيضاً "استراتيجية اللاستراتيجية"، حيث كان انتهازياً إلى حد كبير ويعول على الحيل الشرسة والمرونة والجرأة في التفوق على أنداده. وكان النمو اللاعضوي المُعزّز، ولا سيما استحواذ البنك على بنك "آيه بي إن أمرو" يعني أن البنك توسع بشكل مهول وبسرعة كبيرة، حيث اشتمل على هياكل تشغيلية متعددة ومختلفة أساسية وفرعية. وتجاوز البنك قدرة هيكل قيادة الضبط والتحكم على إدارة أنشطة مُعقدة ومتنوعة بفعالية عبر العمليات الدولية. وأفضت الكثير من قرارات العمل السيئة إلى تراكم دين مسموم غير مستدام. وبعد عقد كامل تقريباً من تأميم البنك، ما برح البنك يعمل بدعم من دافعي ضرائب المملكة المتحدة ولم يحقق بعد الأرباح المستدامة، حيث أعلن عن خسائر أُخرى عام 2015 أطاحت نوعاً ما بما يوازي جميع الأموال العامة التي تم استثمارها منذ انهياره.
ما الدرجات التي ستحصل عليها شركتك؟ وبماذا توحي النتيجة إليك فيما يتعلق بكيفية رؤيتك لفعالية استراتيجيتك أو مؤسستك؟ ولمزيد من التأمل: لمَ صنفت شركتك على النحو الذي سبق وصنفتها به؟ وإن كان تصنيفك دقيقاً، فما هي تبعات ذلك على الأداء في المستقبل؟