احترس من المدير المنهمك

16 دقيقة
المدير المنهمك

إذا أنصتّ إلى التنفيذيين، ستسمعهم يقولون إنّ المورد الذي يفتقرون إليه أكثر من غيره هو الوقت. ذلك أنهم ينفقون كل دقيقة في الكد بالعمل على المشكلات الاستراتيجية والتركيز على خفض التكلفة وابتكار أساليب إبداعية لاختراق أسواق جديدة وهزيمة المنافسين. ولكن، إذا راقبت المدير المنهمك، فإليك ما ستراه: ستراهم يهرعون من اجتماع إلى آخر ويتفقدون بريدهم الإلكتروني طوال الوقت، ويعالجون الأزمة تلو الأُخرى ويجرون عدداً لا حصر له من المكالمات الهاتفية. وخلاصة القول، سترى كمية مذهلة من النشاط المحموم الذي لا يتيح أي وقت تقريباً للتأمل والتفكر.

لا شك أنّ التنفيذيين يتعرضون لضغوط مهولة لتحقيق أداء بعينه، ولديهم الكثير جداً من المهام التي يضطلعون بها حتى عندما يعملون لمدة 12 ساعة في اليوم. لكن الحقيقة، أنّ قليلاً جداً من المدراء هم الذين يستغلون وقتهم بفعالية قدر الإمكان. ويعتقدون أنهم يتعهدون أموراً ملحة، لكنهم في واقع الأمر يضيعون وقتهم وحسب.

فمعرفة أنّ الانهماك غير المثمر ما نسميه "الخمول النشط" خطر يهدد المدراء ليس بجديد. فالمدراء أنفسهم يشكون من هذه المشكلة، وتناولها باحثون أمثال جيفري فيفر (جيف فيفر) وروبرت سوتون بالدراسة والتمحيص (راجع "فخ الحديث الذكي"، هارفارد بزنس ريفيو، مايو/ أيار، يونيو/ حزيران 1999). لكن الآليات الكامنة وراء هذا السلوك ليست مفهومة بالقدر ذاته.

على مدار السنوات العشر الماضية، عكفنا على دراسة سلوك المدراء المنهمكين في حوالي 12 شركة كبرى، بما في ذلك شركات سوني وإل جي إلكترونيكس ولوفتهانزا. فقد كان مدراء شركة لوفتهانزا مثيرين لاهتمامنا بشكل خاص، لأنّ الشركة خضعت في العقد الأخير لتحول كامل من شركة تترنح وعلى وشك الإفلاس في أوائل التسعينيات إلى شركة حققت أرباحاً قياسية بلغت 2,9 مليار دولار عام 2000، والفضل في ذلك يرجع نوعاً ما إلى قيادة مدرائها. ولقد التقينا بحوالي 200 مدير في لوفتهانزا وراقبناهم، وكان كل منهم مشاركاً على الأقل في 130 مشروعاً دُشنت لإعادة الشركة إلى مكانتها العظيمة كواحدة من أيقونات الأعمال في قارة أوروبا.

من المفترض أن تصيبكم النتائج التي توصلنا إليها بخصوص السلوك الإداري بالرعب: فقد اكتشفنا أنّ 90% بالكامل من المدراء يهدرون وقتهم في جميع الأنشطة العقيمة بمختلف ألوانها. وبتعبير آخر، فإنّ 10% فقط من المدراء ينفقون وقتهم بطريقة تشي بالالتزام والدافع والتأمل. حيث ستساعدك هذه المقالة على تحديد المدراء في مؤسستك الذين يُحدثون فارقاً حقيقياً وأيّهم يبدو منهمكاً ظاهرياً. علاوة على ذلك، ستُريك كيف تُحسّن فعالية جميع مدرائك، وربما حتى فعاليتك الشخصية.

اقرأ أيضا: كيف أتعامل مع مديري النرجسي؟

التركيز والطاقة

لا يتقاضى المدراء راتباً كي يساعدوك على وقوع ما هو حتمي. ففي أغلب المؤسسات، نجد أنّ روتين الأعمال التقليدي يسير على مهل دون إشراف إداري. ولذا، فإنّ مهمة المدراء هي تسيير روتين الأعمال بوتيرة أسرع وبطرائق مبتكرة ومفاجئة. حيث استنتجنا، بعد ملاحظة درجات المدراء لعدة سنوات، أنّ المدراء الذين يتخذون إجراءات فعالة (وأعني أولئك الذين يساعدون على تخطي الصعاب، بل وحتى تحقيق المستحيل ظاهرياً) يعتمدون على مزيج من سمتين: التركيز والطاقة.

اعتبر التركيز اهتماماً مُركّزاً فهو قدرتك في التركيز على هدف وإكمال المهمة إلى النهاية. فالمدراء أصحاب الركيزة ليسوا في وضع تفاعلي، إذ قرروا ألا يستجيبوا على الفور لكل مشكلة تصادفهم أو ألا ينصرفوا عن أهدافهم بمصادر إلهاء كالبريد الإلكتروني والاجتماعات والعقبات والطلبات غير المتوقعة. ولأن عندهم فهم واضح لما يريدون تحقيقه، فهم يوازنون خياراتهم بعناية قبل أن يختاروا مسار عملهم. علاوة على ذلك، بوسعهم تكريس جل اهتمامهم للمشروعات التي يؤمنون بها، لأنهم يلتزمون تجاه مشروع أو مشروعين أساسيين.

انظر إلى الركيزة الحديدية لتوماس ساتلبرغر، نائب الرئيس التنفيذي الحالي للمنتجات والخدمات في شركة لوفتهانزا. حيث أنه في أواخر الثمانينيات، كان مقتنعاً بأن الجامعة المؤسسية إضافة لا تقدر بثمن للشركة. وآمن بأنّ المدراء سيلتحقون بها لتعلم كيفية تحدي النماذج القديمة وضخ حياة جديدة في الممارسات التشغيلية للشركة، لكن رب عمله السابق أحجم عن الفكرة. وبعد أن انضم ساتلبرغر إلى لوفتهانزا، أعدّ مجدداً دراسة جدوى مُفصّلة وفّقت بعناية ما بين أهداف الجامعة والأجندة المؤسسية الأكبر للشركة. وعندما تقدم بعرضه إلى المجلس التنفيذي، واجه شكوكاً قوية: إذ كان كثيرون يؤمنون بأن لوفتهانزا ستكون أفضل حالاً إذا ما ركزت على خفض التكاليف وتحسين العمليات. لكنه ظل مثابراً ومصرّاً على موقفه لأربعة أعوام، مطيحاً بأوجه الاعتراض. وفي عام 1998، أصبحت كلية لوفتهانزا لإدارة الأعمال أول جامعة مؤسسية في ألمانيا على الإطلاق ومحركاً للتغيير في لوفتهانزا.

اعتبر السمة الثانية ألا وهي الطاقة والحماس الذي يؤججه الالتزام الشخصي القوي. فالطاقة هي ما يدفع المدراء إلى بذل قصارى جهدهم عند تعاملهم مع أعباء عمل ثقيلة ووفائهم بمواعيد نهائية ضيقة. حيث أبدى فريق العمل الذي ابتكر الحاسوب المحمول "سوني فايو" (Sony Vaio) وهو أول جهاز كمبيوتر يسمح للمستخدمين بمزج تقنيات أُخرى من شركة سوني، مثل الكاميرات الرقمية ومشغلات الموسيقى المحمولة وكاميرات الفيديو، أبدى قدراً كبيراً من الطاقة. فاستجابة لتحدي الرئيس التنفيذي نوبويوكي أيداي (Nobuyuki Idei) بخلق ساحة تقنية متكاملة من أجل اللعب لجيل متنام من "أطفال الأحلام الرقميين" (digital dream kids)، حيث خصص هيروشي ناكاجاوا (Hiroshi Nakagawa) وفريقه 100 ساعة أسبوعياً لإنشاء المنتج الرائد الذي عقد أيداي الآمال عليه. وكان هناك مدير بعينه، يُدعى كازوماسا ساتو (Kazumasa Sato)، مكرس وقته بقوة للمشروع، حتى إنه كان على مدار ثلاث سنوات يمضي عطلة نهاية الأسبوع في إجراء استطلاعات على المستهلكين ضمن متاجر الأجهزة الإلكترونية. حيث ساعدت أبحاث ساتو المتعلقة بأنماط شراء المستهلكين شركة سوني على تطوير مخطط لمتجر حسّن تدفق حركة المرور بداخله، ومن ثم ارتقى بالمبيعات. وفي النهاية، حصدت العلامة التجارية "فايو" حصة كبيرة من سوق أجهزة الحاسوب الشخصية اليابانية.

وعلى الرغم من أنّ التركيز والطاقة سمتان إيجابيتان، فليست أي منهما كافية لتحقيق التصرف الهادف الذي تحتاج إليه المؤسسات أكثر من مدرائها. فالتركيز بدون الطاقة يتحول إلى تنفيذ فاتر أو يفضي إلى الإنهاك. والطاقة بلا تركيز تُهدر فتتحول إلى انهماك بلا هدف أو في أكثر أشكالها تدميراً، إلى سلسلة من الإخفاقات. ولقد اكتشفنا أنّ تخطيط السمتين في مصفوفة يقدم إطار عمل فيه الفائدة لتشخيص أسباب النشاط العقيم، وكذلك مصادر الفعل الهادف. إذ يُحدد الرسم التوضيحي المعنون "مصفوفة التركيز-الطاقة" أربعة سلوكيات: الانعزال والتسويف وشرود الذهن وعلو الهمة.

شرود الذهن لدى المدراء

قبل أن نفحص كل نوع عن قرب أكثر، ينبغي ملاحظة أنّ هذه السلوكيات لها أسباب داخلية وخارجية. فبعض الناس يولدون بمستويات عالية من الطاقة مثلاً، والبعض الآخر يتحلى باستبطان الذات فطرياً. ولكن من المهم ألا نتغاضى عن السياق المؤسسي لتلك السلوكيات. فبعض الشركات تُعزز ثقافات إطفاء الحرائق وغيرها تزرع الشك، ومن ثم تتراجع مستويات التزام العاملين لديها. ولتغيير سلوكيات مديرك، من الضروري أن تُبدّل المشهد المؤسسي.

المُسوِّفون      

من بين المدراء الذين درسناهم، وُجد 30% كانوا يعانون من مستويات منخفضة بالطاقة والتركيز. ونطلق على هؤلاء المدراء "بالمسوّفين". حيث على الرغم أنهم يؤدون مهاماً روتينية بإخلاص، ويحضرون الاجتماعات ويدونون الملاحظات ويجرون مكالمات هاتفية وما إلى ذلك، تجدهم في ذات الوقت يُخفقون في أخذ زمام المبادرة أو الارتقاء بمستوى الأداء أو المشاركة في الاستراتيجية.
ويتردد بعض المسوفّين تردد "هاملت" حتى تضيع عليهم فرصة مشروع ما. على سبيل المثال، في شركة لوفتهانزا، أَجّل المدير الذي كان مسؤولاً عن تطوير دراسة داخلية بدء المشروع حتى فاته الموعد النهائي. وأقر بذلك قائلاً: "كان بإمكاني إنجاز العمل، ولكن لسبب ما لم أستطع أن أبدأ". كلما اقترب الموعد النهائي، كان يشغل نفسه بقدر أكبر بمشروعات أُخرى مُعللاً الأمر بأنه لم يستطع الالتفات إلى تلك المهمة حتى يُخلي مكتبه من المهام الأقل أهمية.

غالباً ما يُسوّف الناس عندما يشعرون بانعدام الثقة أو يخشون الفشل. فثمة محام شاب كُلّف بدور أساسي في مشروع اندماج مهم، وكان متحمساً في بداية الأمر لفرصة تقديم عرض للمجلس التنفيذي. ولكن بمرور الوقت، اكتشف أن التحدي كبير. وبدأ يتخيل السيناريوهات السيئة: كانقطاع حبل أفكاره والإدلاء بمعلومات خاطئة ورؤية التثاؤبات والضحكات المكتومة لجمهوره. وأمسى مهووساً جداً بفكرة الفشل حتى كاد يصاب بالشلل.

ويهيم غيرهم من المسوِّفين على وجوههم في حالة سلبية على نحو مزمن يُطْلق عليها عالم النفس مارتن سيليغمان (Martin Seligman) اسم "العجز المُكتسب". ففي مرحلة ما من حياتهم، نزل بهم عقاب أو عانوا من تبعات سلبية عندما أخذوا زمام المبادرة. والآن نراهم يعتقدون كمدراء أنّ أي مجهود يبذلونه سيضيع هباء. إذ يظنون أنهم لا يملكون سيطرة على الأحداث، ومن ثم فهم لا يحركون ساكناً، ما يمكن أن يُوهن شركاتهم في نهاية المطاف.

ومن المدهش أنه في المراحل المبكرة من التحول الإيجابي لشركة لوفتهانزا عندما كانت الأمور عشوائية وكانت المهام الإدارية غير منظمة نوعاً ما، كان هناك عدد أقل من المسوّفين. ولكن عندما عادت الأمور إلى ما كانت عليه وأُعيد تأسيس الإجراءات الرسمية، فقد كثير من المدراء تركيزهم وطاقتهم. فقد أحجموا عن وضع أهداف لأنفسهم وأمسوا سلبيين. إذ عزز ذلك من إحساسنا بأن التسويف لا يعول بالكامل على الشخصية، حيث يمكن أن يتأثر بعوامل مؤسسية.

المُنعزلون

يصنف حوالي 20% من المدراء ضمن فئة المنعزلين. فهم يتمتعون بتركيز عال، غير أنّ لديهم مستويات متدنية من الطاقة. وبعضهم منهكون ببساطة ويفتقرون إلى الموارد الداخلية لإعادة تحفيز أنفسهم. وهناك آخرون يشعرون بالعجز عن الالتزام بالمهام التي لا تعني لهم الكثير. ولدى المدراء المنعزلين تحفظات شديدة حول المهام التي يُكلفون بها، ونتيجة لذلك فإنهم يضطلعون بها بفتور وتراخ.

إلى جانب ذلك، يمارس الكثير من مدراء هذه الفئة شكلاً من أشكال الإنكار نسميه "الاجتناب الدفاعي". فبدلاً من الإقرار بمشكلة ما واتخاذ إجراءات لتصحيحها، نراهم يقنعون أنفسهم بأنّ المشكلة لا وجود لها أصلاً. حيث كان هناك قدر كبير من الإنكار عندما وصلت شركة لوفتهانزا إلى حافة الإفلاس عام 1992. وعلى الرغم من أنّ صناعة الطيران بأسرها واجهت انكماشاً اقتصادياً شديداً، وتكبدت لوفتهانزا خسائر فادحة في الإيرادات، فقد تجاهل أولئك المدراء مؤشرات السوق أو أساؤوا تفسيرها، وأقنعوا أنفسهم بأنّ الاستراتيجية التوسعية للشركة صحيحة. وواصل كثير منهم تعيين موظفين جدد في ظل الخسائر التشغيلية المهولة.

وفي المقابل، رفض بعض المدراء المنعزلين الإقدام على أي تصرف حتى لو استدعت الضرورة القصوى ذلك. فثمة مدير مسؤول عن الخدمات الأرضية في مطار كبير، على سبيل المثال، استوعب بالكامل خطر الإفلاس المحدق والحاجة إلى إدخال تعديلات جذرية. إذ شارك بحماس في جميع اجتماعات تغيير الإدارة وطرح أفكاراً لتحسين الإنتاجية التشغيلية. لكنه كان في قرارة نفسه مؤمناً بأنّ مهمته هي حماية قطاعه والعاملين لديه. وأقنع نفسه بأن قسمه مجموعة محورية وينبغي عليه حمايتهم من التسريح. وعندما اتضح له لاحقاً أنّ حالات التسريح لا مناص منها في جميع القطاعات، وافق على التسريح مبدئياً، لكن انزعاجه الشخصي حال دون التزامه به حقاً. وأرجأ اتخاذ القرار ولم يستثمر سوى مجهود ضئيل في التخلي عن الموظفين المناسبين. ونتيجة لذلك، جاءت نتائجه أقل من مثالية.

وعادة ما يكون المدراء المنعزلون متوترين للغاية، وهذا ليس بالأمر المدهش، لأنهم غالباً ما تطغى عليهم مشاعر القلق والشك والغضب والإحباط والتغريب. وهم يتعاملون مع تلك المشاعر بالانسحاب وبإنجاز الحد الأدنى من عملهم، الأمر الذي يزيد الموقف سوءاً. ورغم مستويات الطاقة المتدنية لديهم، فإنهم يعانون من الإنهاك بقدر أكبر بكثير من زملائهم، ومن السهل أن تربكهم الأحداث غير المتوقعة.

وعلى الرغم من أنّ بعض المدراء من الأرجح أن يعزلوا أنفسهم عن عملهم بديهياً مقارنة بغيرهم، فإنّ الانعزال غالباً ما يكون نتيجة عمليات مؤسسية. ففي إحدى شركات النفط الأميركية الكبرى مثلاً، شهدنا مديراً ملتزماً ومتحمساً يتحول تدريجياً إلى مدير مهمل غير مبال. حيث كان خبيراً في تقنية المعلومات وكُلّف ضمن فريق عمل تطوير استراتيجية متعددة التخصصات مهمته إنتاج نموذج عمل جديد لشعبة أنشطة تحضيرية. وخلص الفريق إلى العديد من المقترحات الجذرية، لكن تلك المقترحات قوبلت بردود أفعال فاترة من كبار المدراء. وبعد عدة شهور، ضعف أثر أفكار الفريق حتى إنّ مدير قسم تقنية المعلومات لم يعد يراها مثيرة للاهتمام. ولمَّا ظن أنه ما من أحد مهتم بالأفكار الجديدة، استنتج أنه كان ساذجاً إذ شارك بالحماس الذي شارك به. وقال مُعلقاً على ذاك الموقف: "عزلتُ نفسي عن الآخرين. إذ كنت أعلم أنّ أياً من أفكارنا المبتكرة لن توضع موضع التنفيذ قط. وعليه، واصلت استنباط المبادئ والأفكار ولكن دون استثمار جهدي ووقتي".

إحقاقاً للحق، حتى أفضل المؤسسات تحيل المتحمسين بين الحين والآخر إلى ساخرين متشائمين. لكن البعض الآخر يجعل من هذه الظاهرة عادة بواسطة وأد أي شرارة إبداع أو مبادرة في مهدها.

شاردو الذهن

وتُعتبر أكبر مجموعة من المدراء إذ تصل إلى أكثر من 40%، وضمن هذه الفئة هناك أصحاب النوايا الحسنة والهمة العالية الذين يفتقرون للتركيز ويخلطون بين الحركة المحمومة والتصرف البَنَّاء. فعندما يتعرض المدراء شاردو الذهن إلى ضغط، يشعرون بحاجة ماسّةً للإقدام على فعل ما. وهذا يجعلهم خطرين خطر الثور الهائج في محل للأواني الخزفية.

"يشعر المدراء شاردو الذهن بحاجة ماسّة للإقدام على فعل ما أياً كان. وهذا يجعلهم خطرين خطر الثور الهائج في محل للأواني الخزفية"

في عام 1992، على سبيل المثال، عندما أوضحت الإدارة العليا لشركة لوفتهانزا أنّ الشركة سيتعين عليها تقليص النفقات، بادر مدراء هذه الفئة بالتصرف قبل غيرهم رغم افتقارهم إلى المعطيات والغاية. وأقر أحدهم قائلاً: "علم الجميع أنّ علينا بذل قصارى جهدنا من أجل خفض التكاليف، فأُصبت بالهلع وسرّحت موظفين مهمين لمستقبلنا. واضطررنا إلى استقطابهم مجدداً وتعيينهم لاحقاً برواتب أعلى". حيث تصرف بسرعة أكثر من اللازم لأنه شعر بأنّ شيئاً يجب أن يحدث سريعاً. ولم يتمهل ليفكر فيما ينبغي أن يكون هذا "الشيء" بالضبط.

إلى جانب ذلك، يجد المدراء شاردو الذهن صعوبة في وضع الاستراتيجيات وتعديل سلوكياتهم وفقاً للمتطلبات الجديدة، حيث أنهم لا يتمهلون للتفكير والتدبر. فثمة مدير ضمن فريق العمل مكلف بدفع عجلة استراتيجية تغيير شركة لوفتهانزا قام بإسناد المسؤوليات بحسب الفئات الوظيفية بدلاً من اختيار الشخص الأمثل لكل مهمة اختياراً واعياً. إذ يقول تعليقاً على ذلك: "حمّلنا الفني التقني مسؤولية المشكلات الفنية ومسؤول التسويق المشكلات التسويقية. والمرء يقوم بأشياء كثيرة جداً لمجرد أنه اعتاد على القيام بها وحسب". كما أدرك لاحقاً أنه لو كان أقل تقيداً بالقوالب الوظيفية التقليدية، لتطور العمل بوتيرة أسرع بكثير.

علاوة على ذلك، نظراً لأن المدراء شاردي الذهن يتصفون عادة بقلة التبصر، غالباً ما يجدون أنفسهم ملتزمين أكثر من اللازم. إذ ينخرطون في العديد من المشروعات بنواياهم الحسنة، لكن اهتمامهم يذوي في نهاية المطاف وينتهي بهم الأمر إما إلى معالجة التبعات السلبية دوماً أو التخلي عن تلك المشروعات بالكامل. وخلال فترة زمنية امتدت شهرين، اضطلع تنفيذي بقسم الموارد البشرية راقبناه بحماس بثلاثة مشروعات ضخمة، ألا وهي إعادة تعريف دور قسم الموارد البشرية وتجديد نظام التقييم الشمولي ووضع برنامج لتطوير القيادات. إضافة إلى متطلبات عمله اليومية. وفي النهاية، تخلى عن أحد المشروعات، وكلف شخصاً آخر بمسؤولية مشروع آخر، ولم يقدم بلاء حسناً في المشروع الثالث.

من الأرجح أن يشعر المدراء بشرود الذهن أثناء الأزمات، لكن هذا السلوك ليس قاصراً بأي حال من الأحوال على فترات الاضطرابات. فحتى في ظروف العمل المستقرة، يشعر كثير من المدراء بضغوط مهولة تحملهم على الانشغال. وبالطبع بعض هذه الضغوط داخلي. حيث يحاول الكثير من المدراء غير الواثقين بأنفسهم إبهار الآخرين بكم العمل الذي لديهم. لكن الضغوط التي تدفع المرء للإنجاز يمكن أن تضخمها المؤسسات نفسها. وحقيقة الأمر أنّ كثيراً من الشركات تشجع النشاط المحموم، بل وتثيب عليه أيضاً. فقد لاحظنا مثلاً أنه في المؤسسات التي يتجلى فيها سلوك عدواني طائش من المدراء التنفيذيين وكبار الموظفين التنفيذيين، فالأرجح إلى حد كبير أن غيرهم من المدراء سيكونون شاردي الأذهان.

أصحاب الهمم العالية

كانت النسبة الأدنى من المدراء الذين درسناهم، وتبلغ حوالي 10%، إذ تُعتبر نشطة جداً وشديدة التركيز. فهؤلاء المدراء لا يبذلون جهداً أكثر من أقرانهم وحسب، بل يحققون أيضاً أهدافاً محورية طويلة الأجل بوتيرة أكبر. ويميل المدراء أصحاب الهمم العالية إلى أن يكونوا أكثر وعياً بذواتهم من معظم الناس. كما يساعدهم جلاء نواياهم، إضافة إلى قوة إرادتهم المنيعة، على اتخاذ قرارات سديدة بشأن كيفية قضاء وقتهم. إذ ينتقون أهدافهم ومعاركهم أيضاً بعناية أكبر من غيرهم.

كما يُعتبر الاستقرار على خيار مدروس عملية شاقة ومؤلمة أحياناً. فانظر إلى أزمة أحد أواسط المدراء في شركة لوفتهانزا. حيث عُرضت عليه مهمة شاقة تقتضي ضمان تنفيذ 130 مشروع عمليات حرجة من المقرر أن يُشرف عليها مدراء أعلى مرتبة منه. وأخبره أحد أعضاء مجلس الإدارة أنه إذا أخفق يتعين عليه الرحيل عن الشركة لأنه سيكون أثار استياء الكثير من العاملين أثناء فترة جهود التحول. وقال هذا المدير: "لقد كافحت حقاً ليومين". وكان اتخاذ هذا القرار الكبير الخطوة التي لا رجعة فيها، وعبّر عن ذلك قائلاً: "بعد أن راجعت هذه العملية، أحسست بأنني واثق حقاً برغبتي في الاضطلاع بها". وكان التحول الناجح لشركة لوفتهانزا دليلاً على يقينه.

إضافة إلى ذلك، يسهم الإحساس بالمسؤولية الشخصية عن مصير الشركة في علو الهمة ووضوح الغاية. فعندما يقتنع المدراء أصحاب الهمم العالية بأنّ المؤسسة بحاجة إليهم، يشعرون بمسؤوليتهم عن الإسهام على نحو هادف. إذ يقول أحد مدراء شركة لوفتهانزا: "عندما لا يتحمل أحد المسؤولية، فلا بد أن أتحملها أنا. إنني أتحمل مسؤولية المشكلة وأقوم بما أراه ضرورياً ما لم يمنعني يورجن فيبر (Jürgen Weber) الرئيس التنفيذي شخصياً". ومن اللافت أنّ كثيراً من مدراء شركة لوفتهانزا يشيرون إلى إسهاماتهم للتحول في مسار الشركة بألفاظ الحياة والموت الصارخة. فهؤلاء المدراء، شأنهم شأن المحاربين، يحاربون "من أجل البقاء"، فيضعون حداً "للدماء المُراقة" أو يقدمون "الإسعافات الأولية" للكيان المؤسسي.

ومع أنه يمكن للمرء استنباط أنّ المدراء يصبحون أصحاب همم عالية فقط عندما تواجههم أزمة، فقد وجدنا أنّ المدراء الذين درسناهم لم يفقدوا طاقتهم أو تركيزهم فور أن تنتهي فترة الاضطرابات، بل استمروا في الترحيب بالفرص التي تلوح في الأفق والسعي وراء أهداف جديدة. وحتى بعد الإعلان عن نجاح فترة التحول في الصحف واستعداد الموظفين للاحتفال بانتصار شركة لوفتهانزا، نجد أنّ هناك مديراً بالشركة مثلاً قاد برنامجاً واسع النطاق لإدارة التكاليف. فقد آمن أنه بمراقبة التكاليف لن تصمد الشركة وحسب، بل ستزدهر أعمالها.

ومن بين الأسباب التي تعلل الفعالية الشديدة للمدراء أصحاب الهمم العالية براعتهم في تسخير طاقاتهم. وانطلاقاً من وعيهم بقيمة الوقت، فإنهم يديرونه بعناية فائقة. ويرفض بعضهم الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو المكالمات الهاتفية أو استقبال الزائرين خارج فترات معينة خلال اليوم. والبعض الآخر يخصص "فترات للتفكير والتأمل" في جداول أعمالهم. فعلى سبيل المثال، ثمة تنفيذي كان كثيراً ما يصل إلى مكتبه في السادسة صباحاً لتدبر الأمور قبل وصول زملائه. إذ يقول هذا التنفيذي: "في أكثر الفترات انهماكاً، أُقلل من وتيرتي وأخصص وقتاً للتفكير فيما أود إنجازه حقاً وأقوم بفرز ما يهم القيام به من بين جميع المهام. وبعدها أركز على إنجاز الأهم على الإطلاق".

"من بين الأسباب التي تعلل الفعالية الشديدة للمدراء أصحاب الهمم العالية براعتهم في تسخير طاقاتهم"

كما أنّ المدراء أصحاب الهمم العالية بارعون في إيجاد سبل للحد من الضغوط وإعادة شحذ القوى. وعادة ما يستفيدون مما نسميه "المعين الشخصي"، وهو عبارة عن مصدر محدد للطاقة الإيجابية. فالبعض يمارس التمارين الرياضية في صالة الألعاب الرياضية والبعض الآخر يمارس الرياضة عموماً، والبعض الثالث يشاطر شركاءه أو أصدقاءه أو زملاءه مخاوفهم وإحباطاتهم وأفكارهم المتعلقة بالعمل. وهناك آخرون يعيدون شحن احتياطاتهم الداخلية بممارسة هواياتهم كالبستنة.

لعل الفارق الأكبر بين المدراء أصحاب الهمم العالية وغيرهم هو الطريقة التي يتعاطون بها مع العمل. فغيرهم من المدراء يشعرون بأنهم مقيدون بقوى خارجية: من قبل أرباب أعمالهم وأقرانهم ومرتباتهم ووصفهم الوظيفي. فهم يضعون كل هذه العوامل في اعتبارهم عندما يقررون الممكنات والمستحيلات. وبتعبير آخر، يعملون من الخارج إلى الداخل. وأما المدراء أصحاب الهمم العالية فيعكسون الآية؛ إذ يقررون أولاً ما يتعين عليهم إنجازه ثم يعملون من أجل إدارة البيئة المحيطة بهم، فيستغلون الموارد ويقيمون شبكات الاتصال ويُصقلون المهارات ويُوَسِّعون من أثرهم، بحيث يحققون أهدافهم في نهاية المطاف. ولعل الإحساس بالإرادة الشخصية، (ألا وهو رفض السماح للآخرين أو للقيود المؤسسية بأن تُحدد جدول الأعمال) أدق وأهم فارق بين هذه الفئة من المدراء وغيرها من الفئات.

ويسمح الإحساس بالإرادة حقاً للمدراء أصحاب الهمم العالية بالسيطرة على بيئتهم الخارجية. فمن أبرز أسباب إهدار طاقة أغلب المدراء تصورهم بأنّ لهم تأثيراً محدوداً. وفي المقابل، نجد أنّ المدراء أصحاب الهمم العالية على دراية كبيرة بالخيارات التي يستطيعون الاستقرار عليها، ويوسعون حدود حرية تصرفهم على نحو منتظم. ويديرون توقعات رؤسائهم في العمل ويجدون سبلاً للوصول إلى الموارد المطلوبة بشكل مستقل، ويقيمون علاقات مع أصحاب النفوذ ويبنون قدرات محددة توسع خياراتهم وقدرتهم على التصرف.

ولذلك يراهن المدراء أصحاب الهمم العالية رهانات طويلة الأجل ويحرصون على تحققها في النهاية. فانظر إلى إنجازات واحد من مدراء شركة لوفتهانزا أصحاب الهمم العالية. كان خلال فترة التحول مسؤولاً عن التفاوض بشأن علاقة حساسة بين الشركة والاتحادات العمّالية المتشددة لصناعة الطيران الألمانية. ولبناء الثقة الضرورية من أجل جعل أجندة التغيير الشاقة تُفلح وتؤتي ثمارها، عقد سلسلة من الاجتماعات بين أعضاء المجلس وقادة الاتحاد. وكل أسبوعين، يلتقي ممثلون من كل معسكر مترقب لثلاث ساعات ويناقشون خطوات التحول المحورية. كما كان لدى أعضاء مجلس إدارة الشركة تحفظات لأن الاجتماعات استنفدت وقتهم، وهو العامل الذي لم يكن متاحاً في تلك المرحلة. وشكَوا من أنّ الاجتماعات لم تكن تتمخض عن نتائج فورية، إذ لم تثمر عن خفض في التكلفة ولا عن زيادات في الإيرادات. لكن الموظف التنفيذي أقنع أعضاء المجلس بأن التركيز على الأداء القصير الأجل لن يحقق لهم الكثير فيما يتعلق ببناء علاقات الثقة مع أعضاء الاتحاد التي ستتجلى أهميتها إذا كان لهم أن يُحدثوا تحولاً في شركة لوفتهانزا. حيث يفسر التنفيذي الموقف قائلاً: "قلت لهم أنه ليس بوسعنا عقد الآمال على إحداث تحول في شركة لوفتهانزا دون مساعدة الموظفين، وليس من المنطقي محاولة التعجل في بناء الثقة". وبمرور الوقت، اكتسب كل طرف ثقة الآخر تدريجياً ووصلا معاً إلى مستوى عال جداً من التوافق. ولم تتفاد الشركة إضراباً وحسب، بل إنّ التنازلات المتعلقة بالأجور التي تحققت بالاتفاق مع الاتحاد كانت أيضاً غير مسبوقة في التاريخ الألماني.

التحدي والاختيار

يمكننا أن نتخيل القراء وهم يجفلون إذ يطرحون على أنفسهم السؤال التالي: "هل تبلغ نسبة المدراء الفعالين حقاً في شركتي 10% فقط؟". ربما يكون الرقم أعلى في شركتك، لكن لن يكون أعلى كثيراً. حيث أنّ بوسع كبار المدراء الارتقاء بمستويات الطاقة والتركيز لدى فرق عملهم، ولا شك عندنا في ذلك. لكنَّ محاولة الحيلولة دون فقدان المدراء لطاقتهم أو ركيزتهم (أو كلاهما معاً) اقتراح طموح جداً. إذ ينطوي على الانتباه بقدر أكبر بكثير للطريقة التي يتصور بها المدراء، كل على حدة، المعنى العام لعملهم وماهية التحديات التي يتصدون لها ومستوى الاستقلال الذي يتمتعون به. ولا يمكن إنجاز ذلك بالاستعانة ببعض إجراءات قسم الموارد البشرية المحدودة النطاق، بل بالرؤية والإشراف والالتزام من الإدارة العليا.

وجَّه الكاتب والطيار الفرنسي الذي شارك في الحرب العالمية الثانية أنطوان دو سانت إكزوبيري (Antoine de Saint-Exupéry) التنفيذيين إلى الاتجاه السليم إذ قال: "إذا أردت بناء سفينة، فلا تبادر بحشد الناس للذهاب إلى الغابة وجمع الأخشاب ونشرها وتثبيت الألواح بعضها ببعض، بل اغرس بداخلهم الرغبة في ركوب البحر". وتنبع الرغبة في ركوب البحر لدى المدراء من مصدرين: التحدي الهادف والاختيار الشخصي. وإذا مزجت ما بين التحدي والاختيار من ناحية والإحساس بالحاجة الماسة، ستحقق الكثير فيما يتعلق بابتكار وصفة للنجاح. فانظر إلى نقطة انطلاق فترة التحول لشركة لوفتهانزا. إذ أنه في إحدى عطل نهاية الأسبوع في يونيو/ حزيران 1992، دعا الرئيس التنفيذي فيبر حوالي 20 مديراً كبيراً، وكذلك المجلس التنفيذي بأسره، إلى مركز التدريب الخاص بالشركة. وخلال الاجتماع، كشف فيبر النقاب عن الحقائق العارية: إن شركة لوفتهانزا تواجه عجزاً مهولاً في الميزانية. وكان من الواضح أنه إذا لم تتغير الظروف، فستهلك الشركة مالياً. كما أوضح فيبر بما لا يدع مجالاً للشك أنه ليس لديه حل. وأعطى المدراء مهلة ثلاثة أيام لتطوير سبل لإنقاذ شركة لوفتهانزا. وإذا استقر رأيهم على أنه يستحيل إنقاذها، فسيقبل استنتاجهم ولن يكون هناك مفر من الإفلاس. وبعدها غادر الاجتماع هو والمجلس التنفيذي.

"إذا أردت أن تبني سفينة، فلا تبادر بحشد الناس للذهاب إلى الغابة وجمع الأخشاب ونشرها وتثبيت الألواح بعضها ببعض، بل اغرس بداخلهم الرغبة في ركوب البحر"

ووفقاً للروايات الشخصية لما تبع ذلك من أحداث، عمّت الفوضى المكان لفترة وجيزة. فقد صُدم المدراء من مدى تأزم الموقف، وسرعان ما أُصيبوا بنوبات من الشلل الفكري والإنكار وتبادل الاتهامات. ولكن سرعان ما استقروا للتعامل مع المشكلة القائمة، وأمسى واضحاً أنهم أيقنوا جميعاً أنّ شركة لوفتهانزا تستحق القتال من أجلها. وما إن أقروا بهذه الحقيقة، ظهر ضرب من الإثارة. وألزموا أنفسهم بأهداف طموحة، وفي نهاية المطاف تبنوا 130 تعديلاً ونفذوا 70% منها خلال فترة التحول. وبحلول عام 2000، لم تعوض الشركة خسارتها البالغة 860 مليون دولار وحسب، بل حققت أرباحاً قياسية أيضاً بلغت 2,9 مليار دولار. حيث شاركت عوامل كثيرة في تحقيق هذا النجاح، غير أنّ مزيج التحدي والاختيار الذي ألقاه الرئيس التنفيذي في وجه زملائه كان مهماً أهمية استثنائية.

لا شك أنّ احتمالات هلاك المرء تؤدي إلى تركيز أفكاره وذهنه. لكن الأزمة لا ينبغي أن تكون شرطاً مسبقاً للتحدي والاختيار. فقد حقق الرئيس التنفيذي نوبويوكي أيداي النتيجة نفسها بالضبط بتصور مجتمع مستقبلي من مستخدمي حواسيب "فايو"، ألا وهو مجتمع "أطفال الأحلام الرقميين". فبعد أن اقتنع مهندسو الشركة ببناء أداة مبتكرة لجيل بأكمله، بادروا إلى العمل بقوة وعزيمة مذهلة.

لاحظ أنه لا فيبر ولا أيداي استخدم أدوات إدارية قياسية لضخ طاقة وركيزة في مرؤوسيهما. فتحفيز الموظفين أو إملاء ما يتعين عليهم القيام به له نتائج مشؤومة. وحقيقة الأمر أنّ مثل هذه العظات غالباً ما تؤدي إلى نقيض المراد منها. فعندما رسم التنفيذيون الخطوط العريضة للسلوكيات المنشودة لأواسط المدراء وحددوا أهدافاً لهم، لم تُعط الفرصة للمدراء من أجل اتخاذ القرار بأنفسهم. ونتيجة لذلك فهم لا يلتزمون التزاماً كاملاً بالمشروعات، ويعزلون أنفسهم عن عملهم لأنهم يشعرون أنه لا سيطرة لهم على الأمور. ولتفادي ردة الفعل هذه، ينبغي على مدراء الإدارة العليا أن يعرضوا على موظفيهم تحديات هادفة وخيارات حقيقية تعينهم على كيفية تجاوز تلك التحديات.

وهنا لا نقترح أن التحدي الهادف والاختيار الشخصي يضمنان إنقاذ الشركة المتداعية وإحداث تحول فيها، ولا نود الإيحاء بأنّ المدراء، كلاً على حدة، سيكون بوسعهم التغلب على أنماط سلوكية لازمتهم طوال حياتهم ببساطة لمجرد أنهم يتصدون لتحد واختيار. ومع ذلك، فإننا نؤمن بشدة أنه من الخطأ لمدير من الإدارة العليا أن يستنتج شيئاً عن مرؤوس له زاعماً أنّ "جون لن يكون قط مديراً عالي الهمة، لأن علو الهمة ليس في طبعه ببساطة". فالتركيز والطاقة سمتان شخصيتان حقاً، لكن المؤسسات بوسعها بذل الكثير من أجل الارتقاء بهاتين السمتين لدى مدرائها.

في الواقع، يمكن للقادة التأثير مباشرة في السلوكيات البارزة ضمن مؤسساتهم بواسطة التخفيف من الإجراءات الرسمية والتخلص من مظاهر الانشغال الوهمي القاتلة. إذ يشعر المدراء بأنّ هناك من يحتاج إليهم عندما يتعرضون لتحد لإسهاماتهم فيه أهمية محورية. وعندما يُسألون عن آراءهم وتُطرح عليهم الخيارات، يشعرون بالشجاعة والجسارة. وعندما يبذل قادة الشركات جهداً مخلصاً لمنح المدراء تحدياً واختياراً، فإنّ أغلب المدراء يمكنهم تعلم توجيه طاقاتهم وتحسين تركيزهم، وفي نهاية المطاف سيكون بوسعهم إيجاد طريقهم إلى وجهتهم مع تجاوز مشكلة المدير المنهمك.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي