احترام الزوج المعيل لمهنة زوجته لا يعتمد على مقدار المال الذي تكسبه

6 دقائق

تُعرف الأوساط المهنية بسمعتها السيئة في البحث عن أشخاص لا يشغلهم سوى هدف واحد فقط وهو تكريس حياتهم للعمل. وغالباً ما يكون هذا المطلب مجهداً بالنسبة إلى الرجال، إذ إنهم يواجهون توقعات صارمة من أصحاب العمل مفادها أنه لكي يكون الشخص ناجحاً في مهنته، يجب أن يمتلك مهنة ناجحة، و"النجاح" يعني السلطة والمال.

اعتاد الرجال أن يكونوا على مستوى تلك التوقعات من خلال أخذ دور المعيل الذي يكرس نفسه للعمل، والذي تدعمه زوجته التي لا تعمل أو التي تضع عمل زوجها في مقدمة أولوياتها. إلا أنّ العديد من الرجال اليوم يرغبون بالزواج من النساء العاملات. من ناحية أخرى، تتوقع العديد من النساء أن يقوم أزواجهنّ بدعم مسيرتهنّ المهنية وأن يكونوا منخرطين أكثر في الحياة الأسرية مقارنة بالأجيال السابقة من الرجال.

يخلق هذا التناقض بين الصورة التقليدية للرجل الناجح وواقع حياته مشكلة حقيقية في الأسرة، إذ كيف يمكن للرجل التعبير عن هويته في العمل في ظل الحياة المهنية لزوجته؟

يشير بحثي إلى أنه بينما يقوم بعض الرجال بتبني الشخصية التقليدية للمعيل، فإنّ الآخرين يتصدون لذلك التناقض من خلال تبني الهوية الحديثة التي أسميها "الشريك". وغالباً ما تركز البحوث التي تجري على مجتمع الأزواج العاملين على الطرق التي يتبعونها من أجل تحقيق التوازن في الدخل أو ساعات العمل، ولكن ما أظهره بحثي هو أنّ أفراد تلك المجموعتين من الرجال اختلفوا بشكل أساسي من ناحية نظرتهم إلى "الوضع الاجتماعي" لعمل زوجاتهم، أي قيمة هذا العمل ومكانته في المجتمع، وبالتالي شكلت تلك النظرة الطريقة التي وصف الرجال على أساسها القيمة المالية الناجمة عن عمل زوجاتهم. بعبارة أخرى، اعتبروا أنّ الأجور التي تتقاضاها زوجاتهم هي أكثر من مجرد نقود، وتصيغ عالمة الاجتماع فيفيانا زيليزر هذه الفكرة بالكثير من الوضوح بقولها إنّ المال مشبّع بالمعنى، وهذا المعنى يشكل نظرتنا إليه وطريقة تعاملنا معه. ويُظهر بحثي كيف رسمت تقييمات الرجال للمكانة والقيمة الاجتماعية لعمل زوجاتهم مدى أهمية دخولهنّ بالنسبة إليهم، أي كيف خفّضوا أو رفعوا من القيمة المالية لتلك الدخول.

أدت تلك التفسيرات المختلفة (بما يتعلق بالوضع الاجتماعي والقيمة المالية لمهن الزوجات) إلى اتباع الرجال لطرق مختلفة أيضاً من ناحية تمسكهم بوظائفهم الخاصة. إذ سعى الشركاء إلى الحفاظ على مرونتهم المهنية لرفع قدرتهم على الاستجابة للفرص المهنية التي قد تُخلق أمام زوجاتهم، وبالتالي لم يلتزموا بأي مسار معين وكانوا منفتحين على فكرة مغادرة المؤسسة التي يعملون فيها. بينما لم ير المعيلون حاجة إلى التحلي بتلك المرونة من أجل مهن زوجاتهم، وكانوا ميّالين نحو الالتزام بتحقيق النجاح ضمن التسلسل الهرمي لمؤسساتهم.

تناولت عينة بحثي الرجال الذين يعملون في شركة استشارات استراتيجية عالمية، وكما في العديد من هذه الشركات، كان يُتوقع من الاستشاريين تكريس حياتهم بشكل أساسي لعملهم، وأن يكونوا على استعداد للسفر في أي لحظة بعيداً عن عائلاتهم والعمل لساعات طويلة وخلال عطلات نهاية الأسبوع. أجريت مقابلات مع 42 رجلاً متزوجاً في الشركة، والذين تراوحت أعمارهم بين منتصف العشرينيات وأوائل الستينيات، وكانوا ممن يشغلون وظائف متعددة في الشركة.

يعتقد الرجال في هذه الشركة أنه لكي يتصفوا بالنجاح، عليهم تكريس حياتهم من أجل الشركة بشكل كامل وأن يكونوا على استعداد لإعطاء الأولوية لعملهم على حساب عمل زوجاتهم. وكدليل على هذا، كان جميع الرجال تقريباً والذين يشغلون مناصب إدارية عليا في الشركة متزوجين من نساء لا يمتلكن حياة مهنية، ولكن ذلك لم يكن ينطبق على الرجال الذين شملتهم عينة بحثي. فعندما بدأت هذا البحث، أخبرني أحدهم أنّ معظم الرجال في الشركة متزوجون من نساء لا تعملن، أما في عينة بحثي المؤلفة من 42 رجلاً متزوجاً، كانت زوجات 23 منهم تعملن بدوام كامل و13 منهن تعملن بدوام جزئي، وست زوجات فقط من بين الـ 42 زوجة لم تكن تعملن خلال فترة المقابلات. كان هناك تعارض واضح في الشركة بين المعتقدات الشائعة حول حياة الرجال الأسرية والسمات الفعلية التي تكوّن أسرهم، وأدى هذا التعارض إلى تشكّل قدر كبير من القلق الوظيفي والنزاع الأسري لدى بعض الرجال الذين قابلتهم.

الشركاء

يرى 60% من الرجال (أي 23 من العينة) أنفسهم كشركاء، أي أزواج يقدّرون فكرة تمكين الطرف الآخر من أجل تحقيق أهدافهم الأسرية والعملية. ووصف هؤلاء الرجال عمل زوجاتهم بعبارات مليئة بالإعجاب، واعتبروه عملاً له مكانة اجتماعية هامة وجدير بالاحترام. وتحدثوا كثيراً عن مدى أهمية عمل زوجاتهم، ومدى تقدير الآخرين له، وعن الإنجازات المهنية العديدة التي حققتها تلك الزوجات. على سبيل المثال، وصف أحد الرجال زوجته بالطريقة التالية: "إنّ المهارات التي تمتلكها زوجتي تجعلها تبرز بين عدد كبير من الخبراء، إنها متحدثة ممتازة. ومن بين تلك المهارات قدرتها على إيصال مفاهيم معقدة جداً إلى الجمهور العادي وإلى الخبراء، كما تُظهر الكثير من البراعة عندما تتحدث في أي مؤتمر وتُصنف عند التقييم كأفضل متحدث".

استخدم هؤلاء الرجال الأسلوب الذي يرفع من قيمة دخول زوجاتهم، فقد وصف أحدهم زوجته بأنها "تكسب المال بسهولة". وأوضح آخر السبب الذي يجعل دخل زوجته أكثر أهمية من الدولارات التي يشير إليها هذا الدخل، ويقول: "ما يجعلنا على طرفي نقيض هو أنّ زوجتي لا تعمل بدوام كامل. ولكن فيما عدا ذلك، فربما نجني نحن الاثنين القدر نفسه من المال إذا أخذنا بعين الاعتبار الأجر اليومي لها، ونشعر بأننا متمكنين في عملنا، ويرجع الفضل بذلك إلى عمل الآخر". ووضّح أنّ عمل زوجته مكّنه من الدفاع عن نفسه والمحاججة عندما تعرض لموقف صعب في العمل، ويقول: "كنت أعلم تماماً بأنه لا داعي لأن أشعر بالقلق في حال تم طردي، فإنّ دخل زوجتي سيؤمن لنا حاجاتنا اليومية وسوف نكون قادرين على سداد القرض العقاري". 

ربط هؤلاء الرجال أنفسهم بشروط تتسم بالتشاركية من خلال تقدير عمل زوجاتهم إلى حد كبير، إذ أدركوا أهمية أن يقوم كلا الطرفين بمتابعة أعمالهما ورغباتهما وآمالهما وأحلامهما. لقد دعموا عمل زوجاتهم كما عملهم، وأحياناً أكثر. وأوضح أحدهم قائلاً: "أريد التأكد من استمرارها بالعمل في المهنة التي تمكنها من النجاح، صحيح أنّ هذا التفكير لربما يشكّل نوعاً من الضغط علي، لكنني سرعان ما أقول لنفسي: حسناً، لن تكون حياتنا قائمة على ما أريد تحقيقه أنا فقط، وذلك ببساطة لأنّ حياتي المهنية ليست أكثر أهمية من حياتها".

كان يُفضي ذلك الدعم الذي يقدمه الرجال لمهن زوجاتهم إلى أن يصبحوا غير متيقنين من ناحية مصير حياتهم المهنية، حيث طالبتهم الشركة بأن يكونوا دؤوبين في العمل، وهو ما يسفر عن جعلهم شركاء ضمن تلك المؤسسة. لكن، ما كان يفكر به أولئك الرجال هو أنّ وظائف زوجاتهم تتطلب منهم المحافظة على قابليتهم للتكيف وأن يكونوا منفتحين على احتمال تغيير وظائفهم أو مكان إقامتهم. لذلك، لم يلتزموا بالمضي قدماً بالمسيرة المهنية مثلما كانت الشركة تتوقع منهم.

كانوا يدركون أنّ ما يتوقعونه من أنفسهم يخالف توقعات الشركة. إذ قال لي أحدهم: "نحن زوجان متميزان، إذ إنني درست في كلية إدارة الأعمال وأعمل كمستشار في مجال الخدمات المهنية، والعديد من الرجال في هذا المجال هم المعيلون الرئيسيون لأسرهم، بينما أنا لست كذلك".

المعيلون

رأى 40% من الرجال (أي 17 من العينة) أنفسهم منسجمين وفق الشروط التي تنطبق على شخصية المعيل الذكر التقليدي. وقد أعطى هؤلاء الرجال أهمية أقل للوضع الاجتماعي لعمل زوجاتهم، والذي جعلهم يرونه بأنه ليس بالأهمية الكبرى بالنسبة إلى الأسرة من الناحية المالية، تكشّف هذا حتى عندما بدا (للمراقب الخارجي) أنّ الزوجات ناجحات تماماً من تلك الناحية.

قلل أحدهم من أهمية الإنجازات المهنية لزوجته قائلاً: "كان بإمكانها أن تحقق أكثر مما فعلته في مجال عملها، لكنها اختارت طريقاً مختلفاً، وذلك ما أصفه بمدير المشروع الذي يدير عمله من المنزل". ومن الجدير بالذكر أنّ تلك الزوجة كانت تساهم بثلث دخل الأسرة، أي أنها تتقاضى مرتباً سنوياً يساوي آلاف الدولارات.

ووصف رجل آخر مرتبات زوجته (الكبيرة) بطرق بدت وكأن لا وجود لها قائلاً: "لقد قلت لها إنه إذا طرحنا من مرتبك جميع النفقات اليومية وجميع الضرائب الإضافية التي علينا دفعها لأنك تعملين، سنكون في الأساس نحصل على نفس القدر من المال الذي نحصل عليه من دون عملك". هذه التعابير التي يطلقها الرجال بخصوص دخول زوجاتهم باعتبارها غير هامة أساساً، وعبثية إلى حد ما، واختيارية تعكس تاريخاً ثقافياً طويلاً لقيمة عمل المرأة الذي قُلل من أهميته من خلال إطلاق توصيفات من قبيل أنّ دخلها ليس سوى "مصروف للجيب".

بعد تقليلهم من المكانة الاجتماعية والقيمة المالية لعمل زوجاتهم، كان يسهل على هؤلاء الرجال الادعاء بأنهم المعيلون الذين يكرسون أنفسهم للعمل، الأمر الذي اعتبروه ضرورياً لنجاحهم المهني المحتمل. وقال أحدهم (والذي كانت زوجته تشغل دوراً وظيفياً مماثلاً له، بدوام كامل وتكسب أكثر منه): "إنّ تحقيق التوازن بين العمل والحياة يعتبر خياراً صعباً بالنسبة إلى الرجل في حال كان يشعر بالحاجة لأن يكون ناجحاً وبأنه يدعم أسرته، وأعتقد أنّ هذا ما هو أنا عليه الآن".

يميل هؤلاء الرجال، على عكس "الشركاء"، إلى البقاء في الشركة والتطلع لأن يصبحوا شركاء فيها. ولكن لماذا لم يحققوا ذلك؟ ينطوي السبب وراء ذلك على يقينهم من أنّ عمل زوجاتهم قد حررهم من تكريس حياتهم للعمل كما طالبتهم شركتهم. وفي حين أنّ البعض كانوا سعداء برؤية أنفسهم على أنهم معيلون؛ شعر الآخرون بأنهم محاصرون، فعلى الرغم من أنهم كانوا يتبنون شخصية المعيل، إلا أنها صفة لم تكن ترضيهم على الدوام.

لماذا ينبغي علينا فهم الطريقة التي يعرّف بها الرجال أنفسهم في ظل مهن زوجاتهم؟ الإجابة هي أننا عادة نولي الكثير من الاهتمام لحياة النساء العملية وكيف يتم تشكيلها في ضوء حياتهن الأسرية، ونتجاهل حياة الرجال العملية والطرق التي تتشكّل من خلالها في ضوء حياتهم الأسرية. وأظهر هذا البحث كيف أنّ الرجال من خلال تفسيراتهم المختلفة للوضع الاجتماعي والقيمة المالية لعمل زوجاتهم، قد شكلوا إلى حد كبير كيفية تعريفهم لأنفسهم بما يتعلق بعملهم، وكذلك درجة تمسكهم بحياتهم المهنية الحالية.

كانت أهمية الوضع الاجتماعي في التفسيرات التي قدمها الرجال غير متوقعة إلى حد ما؛ إذ إننا غالباً ما نركز على الدخل وساعات العمل في أثناء إجراء مناقشات تتناول العمل والمهنة والأزواج. ولكن ما يُظهره هذا البحث هو أنّ الوضع الاجتماعي الجدير بالتقدير والاحترام مهم أيضاً لمهن الأزواج، إذ لم يقلل الأزواج ممن كانت زوجاتهم تعملن طبيبة أو محامية من أهمية عملهن أو مقدار كسبهن، وذلك بغض النظر عن الأوقات التي تقضينها في العمل أو كم تكسبن.

وأخيراً، يُظهر هذا البحث أنّ للمال أهمية في حياة الأزواج المهنية، ولكن ليس في ضوء المفاهيم التي نحملها، فالأجور هي أكثر من مجرد دولارات وسنتات، إنها تحمل معنى اجتماعي وذلك المعنى مرن إلى حد بعيد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي