في محاولة لها لإطلاق مشروعها التجاري، تعمل سارة في مجال الخدمات العامة في أثناء أوقات الدوام الرسمي، وكمؤسّسة لشركة ناشئة بقية الوقت. وكانت تشعر بالانعزال بسبب جدول أعمالها المزدحم بالمهام وأنها مهملة لعائلتها وأصدقائها، وعادة ما تكون هذه الحياة الطبيعية لأصحاب الشركات الناشئة. ولكن الذي حدث هو أنه فقدت سارة توازنها عندما علمت بانتحار أختها بعد رسالة منها عن طريق "تويتر"، التي تجاهلتها سارة عن طريق الخطأ لمدة شهر. وكانت الرسالة عبارة عن طلب التقاء، إذ كتبت فيها "أشتاق إليك"، ولكن للأسف قرأتها سارة بعد أيام من موت أختها. ويأتي شعور الأسى رفقة الحزن محملاً بالذنب والغضب والشك والإنكار والندم وما هو أكثر من هذا بكثير.
للأسف تفتقر العديد من الشركات إلى وجود معايير وسياسات للتعامل مع حوادث المأساة أو حادثة الموت ضمن قوانين الموارد البشرية. وغالباً ما تكون السياسات الموجودة في بعض الشركات غير كافية. فهناك قوانين صارمة تُحدّد نوعية الحوادث التي تمكّن الموظف من الحصول على إجازة بسببها. في معظم البلاد، لا يُسمح بالحصول على إجازة بسبب ولادة جنين ميت ولا فقد صديق عزيز أو (خالة، عمة) أو (ابن أخ، أخت) محبّب. وتُعدّ ولاية أوريغون في الولايات المتحدة الوحيدة ولاية تضمن للموظف الحصول على إجازة مدفوعة بسبب حادثة موت. وتقترح معظم سياسات حوادث الوفاة الحالية أن على الموظف امتصاص صدمته والتخطيط للجنازة وإقامتها والتعامل بطريقة صحية مع حالة الفقد التي يمرّ بها، ومن ثم العودة إلى العمل بكامل الالتزام في غضون 3 أيام.
بغض النظر عن السياسات الرسمية، ربما يحصل أحد الموظفين على ردّ فعل آخر كالدعم الذي حصلت عليه سارة من مديرها حيث قال: "خذي كل الوقت الذي تحتاجين إليه" وعلى الرغم من أنه قالها بحسن نية، فإن هذا الرد غير كافٍ، ففي مكان العمل، اتباع أسلوب غير ممنهج كقول: "خذي كل الوقت الذي تحتاجين إليه" يمكن أن يتركَ فراغاً غير مريح، فالشخص الذي يمرّ بحالة حزن، لا يمكنه تقدير الوقت الذي يحتاج إليه، ما يدفع الناس إلى العودة للعمل بسرعة كبيرة. وربما يصعب على الزملاء، دون إرشادات ودعم، معرفة كيف يتصرفون بحساسية مع زميلهم الحزين. ويعاني من هذا المدراء أيضاً، فقد تؤدي هذه الحوادث إلى عدم التنظيم أو الانعزال أو القلق. ويُخطئ المدراء في معاملة هذه المشاكل ويعتبرونها كما لو أنها تتعلق بأداء الموظف.
وفي السياق ذاته، يتبع بعض المدراء نهج "الحب الصعب" بشكل خاطئ، حيث أخبرني أحد الموظفين كيف تمت كتابة تقارير تتعلق بضعف أدائه بعد أن فوّت حضور اجتماع ما، على الرغم من أنه شرح لمديره كيف أمضى وقته في الحمام يبكي وفاة أحد الموظفين. ولكن المدير لم يكن واعياً نحو مدى قرب هذين الموظفين لبعضهما، فكان الشخص المتوفى سيكون مرافقاً في ليلة عرس زميله. وهنا نتعلم درساً مفاده أن على المدراء تذكر أن الحياة الشخصية والعمل يتقاطعان، وأن زملاءنا في العمل ربما يكونون من أفضل الأصدقاء، ما يجعلنا أمام خيارين إما أن يكون العمل محفّزاً للألم أو طريقة جيدة لتناسي المأساة.
وهناك بعض المدراء يفتقرون إلى الحكمة أحياناً، حيث طُلب من إحدى الموظفات تنظيف مكتب أحد زملائها بعد أن توفي وإيصال محتوياته إلى والده. وهذه مهمة ينبغي على المدير القيام بها. وفي موقف مشابه، أعلن قائد فريق مركز الاتصال الذي خسر موظفاً أن أصدقاء المتوفي المقربين فقط يمكنهم الذهاب لحضور الجنازة.
ولكن ليست كل المؤسسات تعامل الحوادث المأساوية بهذا الشكل. فقد سمعت قصة سامي الذي توفي بعد 20 عاماً من شَغله لمنصب بارز في شركته. عندما توفي قرّر مدراء الشركة مشاركة قصص "تذكُّر سامي" لمدة 21 يوماً. وبعد انتهاء هذه الأيام، جمعوا كل الصور والنصوص التي تمت مشاركتها ونشروا كتاب ذكريات من أجل أرملة سامي.
هناك دائماً طرق للتعامل مع المأساة بإنسانية بدلاً من السياسات الصارمة أو الافتقار إلى التنظيم المولّد للقلق. فلا ينبغي لهذه القصص أن تكونَ خارجة عن المألوف، لذلك هناك بعض الأمور التي يمكن أن تساعد في التعامل مع مثل هذه الحالات:
تذكر أن المأساة لا تمر بشكل خطّي، بل تشتدّ وتضعف. فهناك بعض الأيام التي تمرّ أسهل من غيرها، إذ يمكن أن تحدث المحفّزات العاطفية في أكثر الأوقات غير المتوقعة. حيث تصف سارة أحد الأيام التي شعرت فيها أنها قوية وقادرة على التعامل مع الأمر، ثم ظهرت لها فجأة إحدى الذكريات على "فيسبوك" التي تجمعها مع أختها ما غيّر مسار يومها تماماً.
سواء كنت أنت من يمرّ بمأساة أو زميلك أو أحد الموظفين لا تتوقع أن "الوقت سيشفي كل الجروح" كما يقال. إذ أكدت إحداهنّ أنه على الرغم من مرور 15 عاماً على وفاة والدتها ما زالت تمر بحزن في الأوقات المهمة التي عادة ما تكون مليئة بالسعادة. "شعور اكتشاف أنك حامل ومن ثم إدراك أن والدتك لن تجرّب شعور كونها جدَّة، سيجعلك تبكين ثم ستشعرين بالخجل لبكائك على الطاولة، ولكن المأساة لن تهتم لكل هذا".
تدرَّب على الذكاء العاطفي. تصف ليزا أن الجزء الأصعب في العودة إلى العمل بعد وفاة أخيها كان عدم القدرة على التحدث بصراحة عن وفاته. حيث كان من الواضح أن مديرها وزملاءها غير مرتاحين وغير واثقين من الطريقة الصحيحة للتعامل معها. وهذا ليس غريباً فكيف لهم معرفة كيفية التعامل في ظل عدم وجود دورات تدريبية للتعامل مع المأساة في معظم المؤسسات؟ وعلى الرغم من أن لديها علاقة إيجابية جداً مع مديرها وزملائها، فقد شعرت بالوحدة في أثناء هذه المرحلة في العمل. لذلك من المهم للمدراء إضافة "فهم المأساة" إلى الدورات التدريبية التي يحضرها الموظفون والتي تتعلق بالذكاء العاطفي والتأمل الذهني وما إلى ذلك. فأخبرتني ليزا: "نوايا الناس جيدة ولكنهم فقط لا يعرفون ماذا عليهم أن يقولوا. نحتاج فعلاً إلى تدريبات للتعامل الحساس في أماكن العمل بحيث يمكن للجميع أن يشعروا بتحسّن في مثل هذه الحالات".
لا تتجاهل المشكلة. تذكر السؤال تحديداً عن حالة الفقد وعن اسم المتوفي أيضاً في أثناء المحادثة. إذ تصف شيريل ساندبيرغ في كتابها "الخيار ب" (Option B) المأساة كما لو أنها "فيل في الغرفة". حيث أنها لم تستطع تفهم كيف لم يسألها أصدقاؤها عن حالتها حينها، وكيف شعرت بأنها غير مرئية ومعزولة بسبب هذا التصرف. فعلى المدراء بذل أقصى جهد في مواجهة هذه المحادثات الصعبة عبر سؤال الشخص بوضوح وبانتظام أكثر. بالإضافة إلى ذلك، اعطِ هذا الشخص مساحة للحزن ليتمكن من التعبير بصدق عن مشاعره. فعندما يستطيع الناس أن يكونوا على حقيقتهم، سيسيطرون على توترهم بشكل أفضل وسيبقون مخلصين لشركاتهم.
وفي الوقت نفسه، من المهم أن تكونَ محترماً. فعندما يقول أحدهم: "أعرف كيف تشعر" لا يتمّ تفسير ذلك على أنها مشاركة معنوية مفيدة. بل ما يقترحه مستشارو حوادث المأساة استخدام عبارات مثل "لا أعرف ماذا أقول، ولكنني أعلم تماماً أني مهتمّ بك ومستعدّ لسماعك إذا أردتَ التحدث".
اطمئن على الشخص الذي مر بمأساة من فترة لأخرى. حدّد مواعيد تذكرك بالاطمئنان على الشخص الذي مرّ بمأساة. حيث أخبرتني إحدى الموظفات أن مديرها لا يزال يسألها عن زوجها حتى بعد أعوام من وفاته. حتى أنه قام بتعليم يوم زواجها واليوم الذي توفي فيه، ليضع لها بعض الشوكولاتة على مكتبها أو ليحضر لها نوعاً مميزاً من القهوة. إذ تقول هذه المرأة: "لم تكن هذه الأشياء باهظة ولكنها عنَت لي الكثير". وتضيف: "بهذه اللفتات، ضمن ولائي مدى الحياة".
ضع سياسات ولكن لا تلتزم بها. علقت قصة كتاب ذكريات سامي في ذهني لتذكرني دائماً أن السياسات والقوانين وحدها غير كافية. على سبيل المثال، تضع شركة تصنيع "تويوتا موتور" (Toyota Motor) في كندا صندوقَ تبرعات للموظف الذي تعرّض لحادث فَقد، بحيث يمكن للزملاء التبرع لمؤسسة خيرية من اختيار عائلة الفقيد. وهذه الأمثلة هي من أفكار موظفين، وظهرت أنها مبادرات صادقة.
ربما تساعدك فكرة أن السعادة لا تعني غياب المشاعر السلبية. فالمأساة حالة طبيعية سنمر بها جميعاً في وقت ما من حياتنا. ولحسن الحظ أن من طبيعة البشر المرونة والشجاعة والقدرة على تجاوز أي شيء. لذلك ما عليك فعله هو الاستماع لموظفيك ومساعدتهم على الشعور بالسيطرة على الوضع، وهذا سيساعد الشخص الذي يمرّ بالمأساة وكذلك الأشخاص الذين يشكّلون نظام الدعم حوله على التعافي من هذه الحالة.