تتطبع الكثير من الشركات العائلية بالهوية المميزة لقادتها من أفراد العائلة وطباعهم والأمور التي يركزون عليها. ويمكن لهذه الأشياء أن تكون مصدراً للتحفيز وتخلق شعوراً بوحدة الهدف. ولكنها أيضاً قد تجعل الموظفين من غير أفراد العائلة يشعرون أنهم يفتقدون التدريب على المهارات والتطوير الوظيفي الذي عادة ما يتوفر في البيئات المؤسسية. وقد يعانون أيضاً من عدم وجود هيكل إداري، ومن احتمالية حدوث محاباة، ومن التأثيرات الشخصية العاطفية التي تعكس تفضيلات العائلة وسلوكياتها.
معظم الشركات العائلية "تصبح أكثر اتساماً بالطابع المهني" مع وصول الجيل الثالث إليها، ولكن قد يقرر الموظفون المهرة الموثوقون أنهم يفضلون العمل في مكان آخر أكثر تنظيماً وإنصافاً ومهنية في غضون ذلك. إذاً كيف يمكن للشركة الاستفادة من المزايا المتأتية من العمل العائلي مع تسريع عملية إضفاء الطابع المهني عليها في الوقت نفسه، ما الذي سيجذب الموظفين من داخل العائلة وخارجها على حد سواء؟ يمكن للنُهج الستة التالي ذكرها المساعدة في ذلك:
اجعل العمل في شركتك ذا معنى. عندما تُوضَّح رؤية العائلة وقيمها وأهدافها على نحو جيد مقترنةً بفلسفة تشغيل أو أعمال واضحة، سيتفهم الموظفون سبب وجودهم في الشركة وما هو وضعهم ومكانتهم من المنظور العام. أحد عملائي وهي شركة عائلية متعددة الأجيال تبذل جهوداً كبيرة في تسمية رؤيتها المتعلقة بالعمل وتحديثها، مع ربط الأنشطة المتعددة ذات الصلة بالمبيعات والتسويق والتصنيع وسلسلة التوريد بالمضمون الفلسفي. كما أنها تجري عمليات استعراض دورية لقيم الشركة مع مساهمات مقدمة من جميع الموظفين. ويشير العديد من الموظفين على وجه التحديد إلى تلك القيم والفلسفة عندما يتحدثون عن سبب اختيارهم البقاء في الشركة والعمل فيها.
ابذل وقتاً وجهداً في التنسيق المدروس للأولويات المتعلقة بسير العمل. في شركة أخرى متعددة الأجيال، كان المالكون الأساسيون الحاليون يرسلون رسائل نصية إلى الموظفين في أي وقت يخبرونهم فيها بما يجب القيام به وأحياناً يطلبون مهاماً إضافية ويصفونها بأنها "خدمات". ونتيجة لذلك، شعر الموظفون المخلصون بالاستياء واشتكوا من إصابتهم بالاحتراق الوظيفي لأنهم لم يتمكنوا من إدارة وقتهم ولا التمتع بأي استقلالية ذاتية. وبدأ بعض من أفضل العاملين في مغادرة الشركة عندما فاض بهم الكيل بعد أن اضطروا مراراً إلى تأجيل العمل على مهام بالغة الأهمية على حساب إنجاز مهام أخرى يصفها المالكون بالعاجلة، على الرغم من أن المهام بالغة الأهمية يجب إتمامها أيضاً. بل إنهم كانوا يرون الالتزام بعقد اجتماعات الموظفين الأسبوعية الأساسية أو الاجتماعات القصيرة اليومية مقوضاً لتيار التغييرات المستمر.
ضع سياسات ومبادئ توجيهية إجرائية. غالباً لا تضفي الشركات العائلية الطابع الرسمي على إجراءات العمل أو قواعده، لأن أفراد العائلة يحبون الحفاظ على مستوى من السيطرة الشخصية والمرونة. عملتُ مع رئيس تنفيذي لشركة من ضمن عملائي قد يصوّب أولاً ثم يحدد الهدف، فقد كان يصنع قرارات يتعين اتخاذها على مستوى أدنى. كان يخشى من أن السياسات والإجراءات إذا دُونت، حينها قد يتصرف الموظفون بتلقائية وعناد. إلا أن انعدام التوجيه الرسمي كان يعني أن العديد من القرارات يجب تصعيدها إليه. ونتيجة لذلك لم يصبح في مأزق فحسب، بل إن أسلوبه في صناعة القرار أدى إلى ظهور العديد من حالات عدم الاتساق أيضاً. وبعد أن حسبنا له بعض التكاليف المادية الناتجة عن اتباعه لهذا الأسلوب، وافق على وضع مبادئ توجيهية ليستعرضها. بدأنا بسياسات خدمة العملاء التي كانت أسهل ما يمكن تحديده، ثم وثّقنا إجراءات تقنية، وفي النهاية انتقلنا إلى موضوعات أكثر تعقيداً مثل أداء الموظفين.
حدد طائفة من السلوكيات المقبولة في مكان العمل. إلى جانب وضع سياسات وإجراءات متعلقة بالعمل، يمكن لإجراء مناقشات حول "ما نفعله وما لا نفعله في شركتنا" أن تساعد في الحد من الامتيازات الكبيرة التي يظهرها أفراد العائلة أحياناً. فالمدراء المالكون قد يتصرفون بغرور، ما يجعل الموظفين من خارج العائلة ينظرون للأمر على أنه إساءة في استخدام السلطة فيما يتعلق بكل شيء، بداية من إمكانية إحضار الأطفال أو الحيوان الأليف إلى العمل إلى إمكانية الحضور بملابس رسمية أو عادية، وما إذا كانت هناك معايير مختلفة تماماً للحضور والإجازات. يتمثل أحد الأمثلة الأخرى الشائعة في استخدام ألفاظ قبيحة أو مهينة في المحادثات اليومية، وهو مظهر من مظاهر الفظاظة التي قد تؤثر سلباً على جودة العمل والإنتاجية. قد يكون من الصعب للغاية على العائلة مراقبة أفرادها فيما يتعلق بهذه الأمور، لذا غالباً ما يكون من المفيد الاستعانة بطرف خارجي لتيسير المناقشات.
قلل من شعور الموظفين بالخوف من المحاباة. قد يؤثر الافتراض بأن العائلة تفضل دائماً أفرادها على المعنويات والإنتاجية. ولكن حتى الإشارة إلى أفراد العائلة بالأسماء نفسها التي يستخدمها الآخرون، بدلاً من أمي وأبي وابن عمي وابن خالي... إلخ، قد يحد من التركيز على العلاقات العائلية وتسليط الضوء عليها. وقد أوضحت ذلك لمؤسِسة إحدى الشركات التي كانت تفرط في التركيز على علاقتها العائلية بابنها وتُضعف من مصداقيته في الوقت نفسه لأنها تشير إليه باستمرار مستخدمة كلمة "ابني". كما أن تحقيق قدر أكبر من المساءلة لكل من أفراد العائلة والأفراد خارجها يمكن أن يؤكد للأفراد من خارج العائلة أن الموظف عندما ينحرف عن مساره سيكون هناك مَن يُذكّره بالعدول عن ذلك. وقد سألني مدير من المستوى المتوسط في أثناء مقابلة شخصية تقييمية: "كيف يمكنني إخبار (الرئيس التنفيذي) بسلوك ابنته التي يحبها بشدة؟". إذا أوضح كبار أفراد العائلة أنهم سيكونون على علم إذا انحرف أحد أفراد العائلة عن مساره، فسيصبح الموظفين من خارج العائلة أكثر صراحة عندما يسير شيء ما بشكل خاطئ، كما سيكونون أكثر مشاركة عموماً.
شكِّل مجلس إدارة. يمكن للمجلس الاستشاري أو مجلس الأمناء الذي يضم عدة مدراء من خارج العائلة أن يضفي تنظيماً ومهنية على ثقافة الشركة العائلية، لأن العاملين سيكونون مطلعين على ما يقوله الفريق التنفيذي وما يفعله وسيشرفون عليه في نفس الوقت. كما يمكن لقادة الشركة الاستفادة من هؤلاء الأعضاء من خارج العائلة في الحصول على إسهامات موثوقة ذات صلة بالتخطيط وصناعة القرار، إلى جانب إمكانية الوصول إلى شبكات واسعة النطاق في حال احتاجت الشركة إلى موظفين وموردين جدد. عملائي الذين شكلوا مجالس إدارة وجدوا أنه أمر مفيد للغاية، وتحديداً عندما يكون محطّ تركيز العائلة هو الحفاظ على اعتبار الشركة خاصة، على الرغم من أن مجلس الإدارة قد يضفي قدراً من الصرامة على عملية الاستعداد للبيع المحتمل للشركة.
إضفاء الطابع المهني على ثقافة الشركة لا يجب بالضرورة أن يعني التخلص من أفراد العائلة أو الحد من تأثيرهم، بل يستلزم ضمان أن العلاقات والديناميات المهمة تعمل على الحفاظ على شعور الموظفين من أفراد العائلة وخارجها بالراحة تجاه قيم الشركة، وإدراكهم لمسؤوليات وظائفهم وقدرتهم على أداء عملهم كما هو متوقع منهم، مع إفساح مجال للنمو. واتباع هذه النُهج سيبدأ في تحقيق الاستقرار دون القضاء على الدافع أو الطابع المميز الذي غالباً ما يجعل الشركات العائلية جذابة للغاية.