ما يجب أن يعرفه الرؤساء التنفيذيون حول اتخاذ مواقف علنية حيال القضايا السياسية؟

6 دقائق

أدت صعوبة التنبؤ بالأحداث الحاصلة في الساحة السياسية، سواء في الولايات المتحدة الأميركية أو في باقي أنحاء العالم، إلى انتشار الحيرة بين قادة الشركات، حيث لم يعد الرؤساء التنفيذيون قادرين على معرفة ما إذا كانت تغريدة رئاسية ستجعل شركتهم محط الأنظار، أم أنّ تبنّي سياسة مثيرة للجدل سيضطرهم للقيام بتصريحات علنية بشأن شركاتهم. على سبيل المثال، أدى الأمر التنفيذي الأخير الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب حول تقييد الهجرة إلى خلق توتر كبير بين الرؤساء التنفيذيين الذين احتاروا في كيفية الرد عليه، حتى أنه تم ابتكار تطبيق يُخطر المستخدمين عند استهداف تغريدة رئاسية لشركة محددة.

هل يجب على الرؤساء التنفيذيين الرد عندما تتأثر شركاتهم بتغريدة أو بحدث غير متوقع يستفز الموظفين والعملاء؟ إنّ اتخاذ المدراء التنفيذيين لموقف علني ينطوي على مخاطر وآثار إيجابية في نفس الوقت. قامت كلّ من شركة "ويبر شاندويك" (Weber Shandwick)، حيث أشغل منصب مدير قسم العلاقات العامة فيها، ومركز أبحاث كيه آر سي ريسيرتش (KRC) باستطلاع آراء 1,050 من كبار المدراء التنفيذيين، و2,100 مستهلك في 21 سوقاً عبر أنحاء العالم بهدف اكتشاف ما يتوقعه الناس من العلامات التجارية للشركات.

أظهر بحثنا أنّ العاملين الأكثر تأثيراً في آراء المستجوبين حول الشركات هما نظرة الزبائن (88%) وكيفية تصرف هذه الشركات أثناء الأزمات (85%). في الواقع، فإنّ كيفية استجابة الشركة لأمر مثير للجدل، بما في ذلك مدى سرعة استجابتها، هي أكثر أهمية في توجيه النظرة العامة للشركة مما يُقال حولها في كل من وسائل الإعلام (76%) ومن طرف الموظفين (76%) والموقع الإلكتروني للشركة (68%) والناطق الرسمي للشركة (61%) أو في إعلاناتها الترويجية (61%).

استنبطنا بعض الأفكار التي يمكن أن تمثل مبادئ توجيهية للكيفية التي يجب أن يتصرف وفقها الرؤساء التنفيذيون، وذلك من أجل حماية سمعة شركاتهم، لاسيما في بيئة مسيّسة للغاية كالتي تنشط فيها شركات اليوم.

يضغط المساهمون وأصحاب المصالح على الرؤساء التنفيذيين لاتخاذ موقف علني حيال القضايا المثيرة للجدل. توصلنا إلى أنّ 46% من الرؤساء التنفيذيين للشركات الكبرى في جميع أنحاء العالم يفضلون اتخاذ الشركات لمواقف علنية نحو قضايا مثل التغير المناخي وقوانين حيازة الأسلحة، والهجرة وغيرها من القضايا. ارتفعت هذه النسبة منذ عام 2014، عندما أكدّ 36% من كبار المدراء التنفيذيين العالميين الذين شملهم الاستطلاع، أنه من المهّم أن يتخذ الرؤساء التنفيذيون مواقف علنية حيال القضايا السياسية والسياسة بصفة عامة.

بالنسبة لكبار المدراء التنفيذيين الذين أكدوا انتماءهم لشركات ذات سمعة عالمية، فقد كانت النسبة أكثر وضوحاً: 63% من هؤلاء القادة يفضلون اتخاذ الشركات موقفاً علنياً، بينما كانت هذه النسبة أقل بين المستهلكين، أي في حدود 43%، وهو ما يؤكد تعرض الرؤساء التنفيذيين لضغوط خارجية من أجل استخدام أصواتهم.

لذلك ليس من المستغرب أن يقوم أكثر من 100 رئيس تنفيذي، معظمهم ينتمون لشركات رائدة في التكنولوجيا بالاعتراض علنياً على الأمر التنفيذي المقيد للهجرة، وذلك عن طريق تقديم بيان (مذكرة) موجزة للمحكمة بصفتهم طرفاً صديقاً لها (هذا الإجراء مستخدم في محاكم الولايات المتحدة)، يوضحون فيه أنّ هذا الأمر يعرض القيم التي تقوم عليها شركاتهم والتنوع الثقافي الذي يميز القوى العاملة فيها للخطر. لا تقتصر هذه المواقف على الادارة الجديدة للولايات المتحدة، حيث عارض العديد من هؤلاء الرؤساء التنفيذيين بعض التشريعات على مستوى إحدى الولايات في الولايات المتحدة الأميركية.

بالطبع، ليس من الضروري أن تقوم كل شركة بتقييم علني لكل قضية اجتماعية أو عمل سياسي. خلال دراستنا، أفاد 20% من المستهلكين على المستوى العالمي أنهم لا يؤيدون اتخاذ الشركات لموقف علني حيال القضايا المثيرة للجدل، بينما أكد 34% أنّ اتخاذ موقف علني "يعتمد" على طبيعة القضية ومدى مواءمتها لرسالة الشركة، أما الـ 5% الباقين، فصرحوا أنهم لم يحددوا موقفهم.

من المهم أن يكون المدراء التنفيذيون على استعداد لاتخاذ قرار بشأن اتخاذ موقف علني، فعلى الرغم من أنه لم يتم تحديد حجم المخاطر المتعلقة بالتزام الصمت، إلا أنّ ضغوط كل من الموظفين ونظرائهم (المدراء التنفيذيين) في نفس القطاع والزبائن تتجه نحو الارتفاع. في أوراكل مثلاً، وقع المئات من الموظفين على عريضة تطالب الشركة بالانضمام إلى البيان الموجز المذكور آنفاً.

كن مستعداً للرد: يجب على الرؤساء التنفيذيين أن يستبقوا التهديدات المحتملة التي يمكن أن تؤثر في سمعة الشركة وإعداد الردود المناسبة. توصلت الأبحاث التي قادتها شركة "ويبر شاندويك" إلى أنّ متوسط الوقت الذي تستغرقه الشركات للشروع في تنفيذ خطة على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف مواجهة أزمة ما هو 38 ساعة، لكن يمكن أن يتغير الكثير خلال يوم ونصف.

التدريب عن طريق محاكاة الأزمات هو إحدى الطرق التي يمكن للشركات من خلالها الاستعداد لأي دعاية سياسية غير متوقعة. نذكر على سبيل المثال السيناريو الذي تستخدمه "ويبر شاندويك" مع عملائها: لنفترض أنّه يجب على شركتك أن تشحن حصة صغيرة من البضائع من خارج الولايات المتحدة الأميركية إلى بوسطن، وذلك لتلبية طلب غير متوقع. بعد بضع ساعات، ينشر موقع إخباري مزيف مقالة حول كيفية قيام شركتك بنقل وظيفة الإنتاج إلى خارج الولايات المتحدة الأميركية للالتفاف حول قوانين الضرائب، وأنها في صدد خيانة البطّالين الأميركيين، ثم خلال فترة وجيزة تتسرب الأخبار المزيفة إلى الشبكات الاجتماعية والمنشورات واسعة الانتشار، ويُطالب الهاكرز بالمقابل المادي قبل كشف بيانات العميل عبر الإنترنت، ويشتكي موظف غاضب من الشركة على وسائل التواصل الاجتماعي وتبدأ وسائل الإعلام في المطالبة بتعليق رسمي ويقوم منافس أو مسؤول حكومي بإطلاق تغريدة سلبية.

لا تدفع مثل هذه المحاكاة القادة على التفكير بما يجب قوله فحسب، بل تدفعهم أيضاً للتفكير في الكيفية التي يعبرون من خلالها عن موقفهم ومن يستهدفون به. يجب أن يسعى الرؤساء التنفيذيون ومرؤوسوهم إلى فهم ما يتوقعه أصحاب المصلحة منهم، وتأليف كتاب يمثل الدليل الذي يشتمل على ما يجب فعله وعدم فعله عند مواجهة أزمة تمس سمعة الشركة.

أضف الطابع الشخصي على القصة الخاص بك: يُدرك القادة أنه يتعين عليهم تكيّيف رسالة أو قصة للجمهور المستهدف، واتخاذ موقف علني تجاه قضية عامة لا يشذ عن هذه القاعدة. يجب على الرؤساء التنفيذيين عند القيام بتصريح أن يبتكروا قصة تربط القضية محل النقاش بالحياة اليومية لموظفيهم وعملائهم.

على سبيل المثال، وفي سياق الرد على الأمر التنفيذي المقيد للهجرة، كيّف بعض الرؤساء التنفيذيين رسائلهم على نحو شخصي جداً، حيث قام مارك زوكربيرغ عبر منشور في الفيسبوك بالتحدث عن ارتباط تاريخ عائلته بالهجرة، وأكد أنّ "هذه القضايا تكتسي طابعاً شخصياً بالنسبة له ولعائلته"، ثم أضاف قائلاً: "نحن أمة من المهاجرين". الرئيس التنفيذي لشركة آبل من جهته تيم كوك تحدث حول كيفية تأثير الأمر التنفيذي على موظفي آبل والمجتمع ككل، وذكّر بأنّ المؤسس الشريك لآبل ستيف جوبز هو ابن مهاجر، في هذا السياق، قال تيم كوك: "تعتمد شركتنا على التنوع في الأفكار، وللناس عموماً وجهات نظر متنوعة، فالأرضية التي تجمع أشخاصاً من كل الخلفيات المتنوعة والآراء المختلفة هي الأرضية القادرة على خلق أفضل المنتجات". هذا النوع من إضفاء الطابع الشخصي له صدى لدى مختلف جماهيره، بما في ذلك الموظفين والعملاء والبائعين والمتقدمين للوظائف.

تذكر: هناك قوة إضافية في الكثرة: يجب على الرؤساء التنفيذيين الذين يجدون أنفسهم مجبرين على اتخاذ موقف حيال قضية سياسية أو قضية مثيرة للجدل، أن يفكروا في خيار العمل مع نظرائهم المنتمين لنفس القطاع الصناعي أو المؤسسات التجارية بهدف الظهور كجبهة موحدة، وهو ما يُظهر حجم القوة ويزيد من فعاليتها. علاوة على ذلك، يصعب على المعارضين التشكيك في دوافع مجموعة كبيرة من القادة أو انتقادها عندما يصدرون بياناً مشتركاً.

في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، أصدرت الرابطة الوطنية للمصنعين خطاباً يضم أكثر من 1,100 من قادة الصناعة والأعمال يتعهدون فيه بالمساعدة على توحيد البلاد بعد الانتخابات الرئاسية التي أثارت الانقسام، ويطالبون الرئيس بإعطاء الأولوية القصوى للصناعة. وفي 1 شباط/فبراير من العام 2017، التحقت 100 مجموعة تجارية بالإضافة إلى تجار التجزئة بحملة "أميركيون داعمون لمنتجات ذات أسعار معقولة"، وهي حملة تهدف إلى معارضة إدارة الرئيس ترامب التي وضعت خطة لتعديل معدلات الضريبة على الحدود، والتي يرى بعض النقاد أنها ستسهم في ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين.

كن متوافقاً: مهما كان الموقف الذي يتخذه الرؤساء التنفيذيون، فيجب أن يكون متوافقاً مع قيم الشركة، حيث إنّ الكثير من الموظفين يتعرفون على هذه القيم ويقومون بتبنيها. عندما قام العديد من الرؤساء التنفيذيين برد فعل مباشرة بعد إصدار الأمر التنفيذي المقيد للهجرة، تم النظر إليهم على أنهم يتصرفون وفق نُظم القيم في شركاتهم. لقد أظهرت بعض الشركات أنها تشارك موظفيها في قيمهم عن طريق توجيه تبرعاتهم إلى مؤسسات خيرية محددة توافق قيَمهم.

إنّ التمسك بهذه القيم مهم بالنسبة لسمعة الشركة. وبالنسبة للباحثين عن وظيفة، يكتسي ما ترمز له الشركة من قيم نفس أهمية ما تنتجه وتبيعه. أكدت الأغلبية الساحقة من المشاركين في دراستنا أي 77% من المستهلكين و95% من المدراء التنفيذيين، أنهم لو كانوا يبحثون عن وظيفية جديدة اليوم، فإنّ سمعة الشركة ستحدث فرقاً في قرار اختيارهم. يتأثر المستهلكون الذي ينتمون لجيل الألفية بشكل خاص بسمعة الشركة عند البحث عن وظيفية جديدة 85%، ما قد يعني أنهم يسعون للانضمام لشركة تشاركهم نفس المبادئ.

في بيئة اليوم، قد يجد الرؤساء التنفيذيون أنفسهم تحت ضغط اتخاذ موقف علني حيال قضية ما. فإذا قرروا ذلك، فإنّ التمتع بسمعة قوية سيمنحهم مصداقية وتأثيراً أكبر؛ كما يمكن أن تساعدهم هذه المبادئ التوجيهية في الحفاظ على سمعتهم أثناء مواجهة موجة التسييس التي تجتاح عالم الأعمال.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي