يمكن أن يعود التفاوض على راتبك عليك بفوائد كبيرة على المدى الطويل، كما أن التفاوض على الصفقات مع الشركاء الداخليين والخارجيين يمكن أن يخلق قيمة ويعزز مسارك المهني؛ إذاً ما الذي يمنعك من فعل ذلك؟ على الرغم من هذه الفوائد، وطوال فترة عملي معلماً ومدرباً على التفاوض على مدى 15 عاماً، ما زلت أسمع هذه الأعذار الثلاثة مراراً وتكراراً: "ماذا لو انزعج مني المدير بسبب هذا الطلب؟" و"ماذا لو رفض طلبي؟" و"ليس من طبيعتي أن أطلب". سأشرح في هذه المقالة أسباب تقديمنا هذه الأعذار وكيفية التغلب عليها.
ابدأ بالاستعداد. تحقق مما إذا كان ترددك ناتجاً ببساطة عن عدم استعدادك للتفاوض. لو قرأت كتاباً عن التفاوض أو شاركت في دورة تدريبية حوله أو انتبهت باهتمام لمفاوض ماهر، فستعلم أن الاستعداد للتفاوض هو سر توجيه المحادثة بالطريقة التي تريدها. لنفترض أنك تحضرت جيداً ولكنك تستمر بتأجيل المحادثة؛ أي من الأعذار التالية يبدو مألوفاً لك؟
العذر 1: "ماذا لو انزعج مني المدير بسبب طلبي؟"
الخوف من رد الفعل السلبي هو قلق حقيقي من أن يؤدي التفاوض إلى الإضرار بالعلاقة عن طريق تقويض الثقة والانسجام مع الطرف الآخر. ولكن هل تساءلت يوماً لماذا قد ينزعج منك شخص ما إذا طلبت شيئاً تستحقه؟ إليك السبب: لأن الطرف الآخر قد يشعر بعدم الارتياح لأن عليه الاستجابة لطلبك، وقد يلومك لوضعه في موقف تسبب له بالضيق، ويتصور أنك وضعته في موقف محرج مفاجئ، وأنه مضطر إلى الرد بالموافقة أو الرفض، وفي الحالتين كلتيهما سيفقد هيبته ومصداقيته.
لحسن الحظ، هناك طرق يمكنك من خلالها تجنب ردود الفعل السلبية المحتملة التي تنتج عادة عن مخالفة توقعات الطرف الآخر وشعوره بعدم الارتياح. الحل هو إعادة ضبط توقعاته لتخفيف شعوره بالضيق؛ لكي تتجنب رد الفعل السلبي، من الضروري بذل جهد إضافي في طريقة تقديم الطلب. على سبيل المثال، أبلغه مقدماً بنيتك في التفاوض وساعده في فهم ما يمكن توقعه من المحادثة؛ بعبارة أخرى؛ امنحه فرصة للاستعداد. ثم حدد موعداً للاجتماع به شخصياً إن أمكن.
أقترح أن تبدأ المحادثة بالتعبير عن نيتك الصادقة بالحفاظ على ديمومة علاقتك به، ثم قل إن لديك مشكلة وترغب بالتحدث عنها. ثم اطلب إذنه لشرحها، وإذا أبدى موافقته، فتحدث عن مشكلتك بصدق وبوضوح، واسأله عما إذا كانت لديه أي مخاوف تتعلق بها. ثم اقترح حلاً للمشكلة، ويمكنك بعد ذلك سؤاله عما إذا كان لديه أي اقتراح يخالف اقتراحك في هذا الشأن. إذا توصلتما إلى اتفاق ما، فمن الأفضل إيضاح ما فهمته منه وتلخيصه لضمان أن يكون لدى كل منكما فهم واضح لما اتفقتما عليه، وأخبره أخيراً بألا يتردد في الاتصال بك مباشرة إذا كانت لديه أي أسئلة أو مخاوف بشأن الاتفاق. أرسل له بعد ذلك تأكيداً كتابياً ليحفظه في سجلاته وأرفقه برسالة شكر أيضاً.
إذا استمر قلقك بشأن مواجهة رد فعل سلبي، فهناك إجراءات إضافية يمكنك اتخاذها لتجنبه. تقترح الأستاذة بجامعة هارفارد، هانا رايلي بولز، استخدام كلمة "نحن" بدلاً من "أنا" لخلق جو تعاوني أكثر. من جانبها، توصي الأستاذة بجامعة تكساس، إميلي أمانة الله، بتأطير المفاوضات باعتبارها جهداً مشتركاً تحاولان من خلاله معاً تحقيق رغبة طرف ثالث تمثّلان اهتماماته، مثل فريقك أو مديرك أو والديك أو عائلتك. تناسب هذه الاستراتيجيات النساء على وجه الخصوص، ولكن يمكن للرجال اتباعها أيضاً.
العذر 2: "ماذا لو رُفض طلبي؟"
ينبع الخوف من الرفض من قلق طبيعي من أن تشعر بالعار والانزعاج إذا ما رُفض اقتراحك. اكتشفت أنا وزملائي أن هذا الشعور عادة ما يكون أقوى حين يعكس اقتراحك إحدى قيمك الشخصية أو ما تعتقد أنك تستحقه. ويمكن أن تكون الخشية من الشعور بالإهانة حافزاً قوياً لتحاشي التفاوض بشأن راتبك، وفي الواقع، كلما زاد إيمانك بأنك تستحق ما تطلبه، زاد احتمال شعورك بالإهانة إذا رُفض طلبك.
يمكنك التغلب على هذا الخوف بتغيير نظرتك إلى التفاوض. فبدلاً من التركيز على درجة استيائك إذا ما رُفض طلبك، فكر في الرضا الذي ستشعر به بعد بدء هذه المحادثة؛ لأنك ستحافظ على كرامتك إذا أجريتها نظراً إلى استعدادك للمواجهة والمطالبة بما تستحقه، بينما ستفقد ماء وجهك إذا واصلت تجنبها. تشارك ميكا بريجنسكي في كتابها "اعرف قيمتك" (Knowing Your Value)، تجربتها في تغيير منظورها عن التفاوض على راتبها وتقول: "تذكر أن تقديرك لذاتك لا يعتمد على ما يقوله الآخرون عنك؛ بل على ما تقوله أنت وعلى الصورة التي ترسمها عن نفسك".
العذر 3: "ليس من طبيعتي أن أطلب ذلك"
عندما نتصرف بطريقة لا تتفق مع رؤيتنا لذاتنا، حتى لو كانت هذه الرؤية سلبية، فإننا نشعر بالسوء. أي إذا كنت تعتقد أنك مفاوض سيئ، فستتصرف بطريقة تدعم هذا الاعتقاد، وسيمنعك عدم إيمانك بقدرتك على التفاوض غالباً من التفاوض.
التغلب على هذا العذر صعب في الواقع. إذا أجبرت نفسك على التفاوض في الوقت الذي تشعر فيه أنك غير قادر على ذلك، فمن المرجح أن تكون النتيجة سيئة وأقل مما تطمح إليه. استنتجت من خبرتي أن الأفراد الذين لا يرون أنفسهم مفاوضين يكوّنون صورة ذهنية محدودة عن ماهية المفاوض، ولا يرون الكثير من أوجه التشابه بين تلك الصورة وبين صورتهم الذاتية، وغالباً يتصورون المفاوض شخصاً عدوانياً يضغط على الطرف الآخر ويركز على الفوز بالمفاوضات فقط [على غرار شخصية المفاوض التي كان يؤديها الممثل ويليام شانتر في الإعلانات التجارية لشركة السياحة والسفر برايسلاين (Priceline)]. إذا كان هذا تصورك عن المفاوض ولا تتخيل أنك قادر على أداء هذا الدور، فإليك ما يجب عليك فعله: تجاهل هذه الصورة كلياً، واستبدل بها صورة شخص تعدّه نموذجاً تفاوضياً. تخيل شخصاً ناجحاً ترى فيه قدوة يتعامل ببراعة مع الخلافات والمحادثات الصعبة المتعلقة بالمال والسلطة. يجب أن يكون تصورك الجديد للمفاوض شخصاً تريد أن تكون مثله، وحينئذ يجب ألا يكون لديك أي عذر لعدم رؤية نفسك كمفاوض.
يمكنك التغلب على هذه الأعذار. في الواقع، ينبع كل عذر في النهاية من رغبة صحية وطبيعية لتجنب الشعور بالسوء حيال أنفسنا، وينتج عن رؤية نتيجة التفاوض على أنها خسارة شيء ما؛ مثل خسارة العلاقات واحترام الذات وتقدريها. ببساطة نحن نختلق الأعذار لتجنب التفاوض كي نحافظ على ماء وجهنا أو وجه شخص آخر.
يتطلب التغلب على هذه الأعذار بعض التأمل الذاتي والاستعداد لتغيير رأي المرء في التفاوض ونظرته لنفسه. ويجب تأطير عملية التفاوض بما يمكن كسبه منها، وأن يفهم المرء أنه من الطبيعي والمفيد تماماً لشخص مثلك أن يسعى لتحقيق هذه المكاسب، فإذا كان الحفاظ على العلاقة يمثل أولوية، فانظر إلى التفاوض على أنه طريقة لتعزيزها. في نهاية المطاف، إذا لم تطلب زيادة الراتب التي تريدها، فقد ينتهي بك المطاف بترك وظيفتك دون إعطاء صاحب العمل أي فرصة لتعزيز التزامك تجاهه. وإذا كانت ذاتك هي الأولوية بالنسبة لك، فانظر إلى ما يعنيه النجاح لك بطريقة مختلفة؛ ضع في اعتبارك احترام الذات الذي ستكتسبه من خلال طلب ما تستحقه مع الالتزام بمبادئك المهنية التي تؤمن بها. إذا كنت لا ترى في نفسك مفاوضاً، فأعد تعريف المفاوض في رأيك واختر نموذجاً يُحتذى به تشترك معه في سمات مهمة. ستجد أن التفاوض بعد ذلك جزءٌ طبيعي من هويتك، وستشعر بالسوء إذا ترددت في خوضه.