المبادئ الأربعة لأسلوب إيلون ماسك في القيادة

5 دقائق
إيلون ماسك
shutterstock.com/ pantid123
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما كان إيلون ماسك يقود سيارته في أحد شوارع مدينة لوس أنجلوس الأميركية عام 2016، اضطر للانتظار بسبب وجود حفرة في الشارع أعاقت الحركة المرورية، حينها كتب تغريدة على “تويتر” قال فيها: “حركة المرور تقودني إلى الجنون، أنا ذاهب لتصنيع آلة حفر أنفاق”. مرّت ساعتان على انتظار ماسك، وعاد ليغرّد: “سأجعل الأمر واقعاً”، وبالفعل بعد غضون ساعة ولدت فكرة شركة “بورينغ كومباني” (Boring Company) للبنى التحتية وحفر الأنفاق، وأطلق منصة باسمها، وتأسست الشركة بشكل فعلي في نهاية 2016، وبدأت العمل عام 2017. هذا التفكير الريادي ينبع من إصرار ماسك على أن كل مشكلة يواجهها الناس في حياتهم اليومية هي فرصة لولادة مشروع ريادي، ولا يوجد شيءٌ مستحيل أمام الطموح والتجربة.

ويصف الكاتب الأميركي آشلي فانس إيلون ماسك في كتابه “إيلون ماسك: سبيس إكس وتيسلا والبحث عن مستقبل رائع” (Elon Musk: Tesla, SpaceX, and the Quest for a Fantastic Future) بأنه من أكثر الشخصيات غرابة وإبهاراً في تاريخ الأعمال الأميركي، ويتحدث عن بعد النظر الذي يتمتع به، وكيف كان يجسد في منطقه الريادي مقولة رجل الأعمال الأميركي والشريك المؤسس لشركة “آبل” ستيف جوبز بأن “الأشخاص الذين لديهم ما يكفي من الجنون للاعتقاد بأنهم قادرون على تغيير العالم، هم الذين يفعلون ذلك”. يمتلك ماسك القدرة على دفع الناس وتحفيزهم، وفتح الآفاق أمام من يعملوا معه، ليقوموا بأشياء قد تبدو مجنونة ولم يحلموا من قبل أن تكون ممكنة، وبرهن ماسك ذلك من خلال استثماره بمجالات تحمل جانباً من المخاطرة كصناعة السيارات الكهربائية وصواريخ الفضاء، والتي انتقدها كثيرون ووصفوها بالجنون، لكنها نجحت، بحسب ما ذكر آشلي في كتابه.

القواعد الأساسية لمنهج إيلون ماسك في الإدارة والقيادة

ومن سيرة إيلون ماسك الذاتية، ورسائله لموظفيه، خصوصاً رسالتيه لموظفي شركة “تيسلا” لصناعة السيارات الكهربائية، الأولى عام 2017، والثانية عام 2020، يمكن استخلاص عدة مبادئ وقواعد أساسية تعكس منطق ماسك ومنهجه في الإدارة وقيادة المشاريع.

المبدأ الأول: كسر الهرمية

يشعر ماسك بالقلق من مشكلة ضعف التواصل بين الأشخاص والإدارات وبطء سير الأعمال التي تواجهها العديد من الشركات، ويرى أن الحل بسيط وهو السماح بالتدفق الحر للمعلومات بين جميع المستويات الوظيفية، بغض النظر عن حالة أو موقع كل موظف، ويذكّر موظفيه في “تيسلا” بكل مناسبة أنه إذا كان هناك شيء يحتاج إلى التواصل بطريقة تزيد من الكفاءة والإنتاجية، فعليه أن يفعل ذلك عبر أقصر مسافة.

ويرى في التسلسل الهرمي للقيادة القائم على انسياب المعلومات والأوامر والقرارات الجديدة من الأعلى إلى الأسفل بشكل تراتبي، سبيلاً لتعزيز سلطة المدير وقوته فقط، مقابل البطء في تحرك الشركة وتعزيز قدراتها التنافسية مع التضحية بعنصر السرعة.

في إحدى رسائل البريد الإلكتروني التي بعث بها للموظفين في “تيسلا” قارن بين التدفق الحر للمعلومات والأوامر، والتسلسل الهرمي، قائلاً إن التدفق الحر يمكّن الشركة من التجاوب بسرعة مع أي مشكلة مفاجئة، ويساعد بوضع حلول صحيحة بسرعة، بينما عندما يلاحظ الموظفون مشكلة في قسم غير قسمهم سيضطرون حال فرض التسلسل الهرمي بالشركة، إلى الذهاب لمدير قسمهم كي يتواصل مع مدير القسم الآخر، الذي بدوره سيبلغ موظفي قسمه بالأمر، ما سيعيق مرونة حل المشكلات.

يوضح ماسك أن نقطة البداية هي تمكين العمال من خلال منحهم الاستقلالية لاتخاذ القرارات، لكن لتعزيز هذا الجانب يحتاج الموظفون إلى البيانات والرؤى والتكنولوجيا الصحيحة لاتخاذ قرارات عالية الجودة، فعندما تحدث رجل الأعمال الأميركي والأستاذ بكلية “هارفارد للأعمال” (Harvard Business School) هيوبرت جولي أهمية تطبيق مبدأ الانتقال الحر للمعلومات والأوامر في الشركات، قال: “استقلالية التفكير تقودنا إلى التفكير بشكل خلاق، وتعزز الابتكار”، وشرح أن التدفق الحر لا يحدث بدون حرية تجربة أفكار جديدة بلا الحصول على تواقيع وموافقات عدة مستويات إدارية عليها.

لذا كان ماسك يدعو موظفيه إلى إرسال بريد إلكتروني أو التحدث مباشرة إلى أي شخص آخر وفقاً لما يعتقدون أنه أسرع طريقة لحل مشكلة لصالح الشركة بأكملها، وسمح بتحدث الموظف إلى مدير مديره دون إذن الأول، والتحدث مباشرة إلى نائب الرئيس في قسم آخر، والتحدث حتى مع ماسك مباشرة، وقال لموظفي “تيسلا” ذات مرة: “يجب أن تعتبروا أنفسكم ملزمين بفعل ذلك حتى يحدث الشيء الصحيح، المقصود هنا ليست الدردشة العشوائية، بل الحرص على تقديم أداء سريع وجيد، ولمنافسة كبرى شركات السيارات نحتاج للذكاء وخفة الحركة”.

المبدأ الثاني: مغادرة الاجتماعات غير المهمة

يذكر كل من ليزلي بيرلو وكونستانس نونان هادلي، ويونيس أون في مقالهم “كيف تخصص وقتاً للعمل الهادف” (How to free up time for meaningful work) المنشور على هارفارد بزنس ريفيو عام 2017، أن متوسط الساعات التي أصبح يقضيها المدراء التنفيذيون في الاجتماعات هو 23 ساعة أسبوعياً، مقارنة بعشر ساعات في عام 1960، ويقول المؤلفون إن للوقت الضائع في الاجتماعات عواقبه، حيث يهدر الطاقة الإبداعية لدى الموظفين، وتقطع الاجتماعات غير المنتظمة التفكير العميق.

لذا كان مؤسس “تيسلا” يرفض عقد اجتماعات متكررة تعيد مناقشة ذات الأمور اليومية، ويرى فيها سبباً لعرقلة سير العمل وإضعاف إيقاعه، وفي رسالته لموظفي “تيسلا” عام 2017، ركز على ضرورة الابتعاد عن عقد اجتماعات بشكل متكرر، إلا في حال وقوع مشكلة طارئة، مع وجوب تقليل الاجتماعات حول ذات المشكلة وجعلها عادة نادرة بعد حلّها.

وذكر بالرسالة أيضاً أنه يجب على أي موظف المغادرة إلى مكتبه إذا لم يكن مطلوباً في الاجتماع، أو إذا تحول محور الاجتماع إلى قضايا أخرى ليست ذات أهمية في العمل، وأشار إلى أنه ليس من الوقاحة المغادرة ولكن إجبار شخص ما على البقاء حتى لو لم يكن وجوده ضرورياً، هو الخطأ.

يذكّر ماسك بفكرة اختصار الاجتماعات بكل مناسبة تتاح، وقال في رسالته لموظفي “تيسلا”: “الاجتماعات المفرطة آفة الشركات الكبرى وغالباً ما تزداد سوءاً بمرور الوقت”، وحظَ على التخلص من جميع الاجتماعات الطويلة، إلا في حال كان مؤكداً أنها ستضيف شيئاً مهماً وضرورياً لمن يحضرونها.

المبدأ الثالث: عدم استخدام المصطلحات المعقدة

عُرف عن ماسك اعتماده لغة مباشرة وواضحة في تصريحاته وبياناته الصحفية، واستخدامه الفعل المضارع عندما يتحدث عن مشاريعه، وكان عندما يشرح عن مشروع مستقبلي يجعل من يستمع إليه يقتنع بأن المشروع فعلي وموجود في الوقت الحاضر، وذكر في رسالته لموظفي “تيسلا” عام 2017 أن عليهم ألا يستخدموا لغة معقدة وغير مفهومة عند التواصل بين بعضهم، أو عند تقديم الأوامر من قبل رؤساء الأقسام والمدراء للموظفين، إذ يحبذ استخدام الكلمات والجمل العامة لضمان التدفق السلس في أثناء التواصل، وقال لموظفيه ذات مرة منبهاً من استخدام المصطلحات الصعبة “لا أحد يحمل قاموساً طوال اليوم؛ لذا تجنبوا استخدام الكلمات المربكة وغير المألوفة، فلا يعني عملكم في شركة راقية أنه ينبغي استخدام الاختصارات والعبارات ذات المستوي اللغوي العالي”.

ويعزز ماسك بمنظوره لأهمية الوضوح، مبدأ التدفق الحر للمعلومات والأوامر الذي يتعمده، حيث كان يؤكد أن أي شيء يتطلب شرحاً يمنع التواصل السلس، وقد يعيق إمكانية تطبيق مبدأ التدفق الحر في الشركة.

المبدأ الرابع: معرفة أن الفشل ليس النهاية

عشية الثالث من أغسطس/آب 2008، وبعد ثالث محاولة فاشلة لإطلاق صاروخ “فالكون 1″ (Falcon 1) الذي صنعته شركة ” سبيس إكس” إلى الفضاء، كتب ماسك رسالة لموظفيه في شركة ” سبيس إكس” قال فيها: “قدرة سبيس إكس بالوصول إلى المدار ونقل الحمولات بشكل آمن إلى الفضاء ليست موضع تساؤل. من ناحيتي، أنا لن أستسلم أبداً، وأنا أعني ذلك”.

في الوقت الذي كتب ماسك الرسالة، كان أمام شركة “سبيس إكس” محاولة فاشلة فقط، وبعدها من الممكن أن تعلن إفلاسها، كذلك كانت شركته “تيسلا” في ذروة أزماتها المالية بظل الأزمة المالية العالمية عام 2008، وبالوقت الذي اتجهت فيه كبرى الشركات الأميركية نحو الإفلاس.

بدأ ماسك محاولاته لحماية شركتيه من الفشل، وهو يصبو إلى محاولة إطلاق ناجحة لـ “فالكون 1″، فجمع حينها كبار المدراء التنفيذيين بشركة “تيسلا” وأبلغهم بخطر الإفلاس الذي يحيط بهم، وأنه سيبدأ بخطة جديدة، وبالفعل أقال الرئيس التنفيذي لـ “تيسلا” وتولى المنصب بنفسه، وخفّض نسبة 25% من القوة العاملة، واقترض الأموال، وتمكن في النهاية من تجنيب “تيسلا” الإفلاس حينها.

مضى مؤسس “تيسلا” قدماً لإتمام ما بدأه في “سبيس إكس”، حيث اجتمع بموظفي الشركة وأخبرهم أن أمام شركتهم إمكانية لمحاولة رابعة لإطلاق “فالكون 1” ينبغي أن تنجح بعد فشل ثالث محاولة، وفي صباح 28 سبتمبر/أيلول من عام 2008 كان يراقب ماسك عملية إطلاق الصاروخ التي تكللت بالنجاح حينها، وكانت هذه الخطوة البداية التي رسمت مستقبل الشركة في مجال رحلات الفضاء التجارية في ما بعد، ويومها قطع ماسك على موظفيه صراخ فرحهم ودهشتهم بعد النجاح، بقوله: “هذه مجرد خطوة أولى من خطوات عديدة تنتظرنا”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .