ملخص: يعلم معظم مدراء الابتكار أن القليل من مبادراتهم سينجح، لذلك فهم يعملون على تنفيذ عدة مشاريع في وقت واحد وينشؤون عمليات تمكنهم من فصل المشاريع الناجحة عن الفاشلة بسرعة، فكيف يمكن إيقاف المشاريع السيئة بطريقة صحيحة؟ من الطرق الشائعة لتحديد المشاريع التي ستستمر والمشاريع التي ستتوقف في استخدام منهج البوابة المرحلية. لكن حتى مع استخدام هذا المنهج، فإن الشركات ما تزال تواجه صعوبة في إيقاف المشاريع السيئة. أجرى المؤلف مراجعة على مدى عقد من الزمن لملف تطوير المنتجات في شركة تصنيع الهواتف النقالة السابقة "سوني إريكسون"، ولاحظ أن جزءاً من المشكلة قد يتمثل في الاستخدام التقليدي لمنهج البوابات المرحلية الذي يكون منافياً للمنطق في إعاقة إيقاف المشاريع.
تقول الحكمة: "اِفشل بسرعة وانتقل إلى الفكرة الكبيرة التالية". يعلم معظم مدراء الابتكار أن القليل من مبادراتهم سينجح، لذلك فهم يعملون على تنفيذ عدة مشاريع في وقت واحد وينشؤون عمليات تمكنهم من فصل المشاريع الناجحة عن الفاشلة بسرعة،
ومن الطرق الشائعة لتحديد المشاريع التي ستستمر والمشاريع التي ستتوقف استخدام منهج البوابات المرحلية (stage gates). وفقاً لهذا المنهج، يستعرض قادة المشاريع تقدمهم ونتائجهم حتى تاريخه إلى جانب تحديثات التوقعات التجارية، ثم يتخذ المسؤولون التنفيذيون قراراً بتقديم التمويل للمشروع كي يتم تطويره أكثر. مثلاً، قد يكون من الضروري أن يجتاز المشروع المراجعات عند مراحل رئيسية محددة بعد شهر و3 أشهر و6 أشهر من بدء العمل بهدف تحديد ما إذا كان الاستثمار في هذا الابتكار يعد بتحقيق أرباح أم لا.
تساعد عمليات منهج البوابة المرحلية على تحسين أساليب التوجيه القائمة على مبدأ عدم التدخل وذلك بعدة طرق. فهي تهدف إلى تحسين فاعلية الابتكار عن طريق فصل قيادة المشروع عن عملية صناعة القرارات المتعلقة بالموارد من أجل تفادي تضارب المصالح، وإضفاء الطابع الرسمي على النقاط التي يمكن عندها اتخاذ القرار بإيقاف المشروع، وتحفيز المسؤولين التنفيذيين على إجراء مقارنة بين المشاريع على نحو نقدي.
لكن حتى مع استخدام هذا المنهج، فإن الشركات ما تزال تواجه صعوبة في إيقاف المشاريع السيئة. وكل من اضطر يوماً لإيقاف مشروع زميل له يعلم مدى صعوبة هذا الأمر. وحتى أصحاب رؤوس الأموال المغامرة الذين يفترض أنهم شديدو الحزم يواجهون صعوبة في إيقاف المشاريع في الوقت المناسب.
يبين بحثنا أن جزءاً من المشكلة قد يتمثل في الاستخدام التقليدي لمنهج البوابة المرحلية الذي يكون منافياً للمنطق في إعاقة إيقاف المشاريع. وتوصلنا إلى هذه النتيجة بعد إجراء مراجعة على مدى عقد من الزمن لشركة تصنيع الهواتف النقالة السابقة التي كانت تعرف باسم "سوني إريكسون". فمنذ إنشائها في عام 2001 وحتى حلّها ودمجها في الشركة الأم اليابانية في عام 2009، نفذت الشركة نحو 200 مشروع لصنع الهواتف، وقمنا بتتبع عمليات صنع القرار فيها ومقارنتها.
يكشف هذا التحليل التاريخي الفريد من نوعه لمجمل المحفظة الابتكارية للشركة عن عدة أمور، منها تكاليف الفرصة التي تكبدتها نتيجة عدم الفشل بالسرعة الكافية. إذ تم إيقاف سدس مشاريعها فقط قبل مرحلة الإطلاق الرسمي، وحققت بضعة مشاريع أخرى نجاحات بارزة، في حين لم يحقق كثير من بقية هواتفها سوى إيرادات ضئيلة. ومع تطور الأخطاء التي أدت إلى إغراق المزيد من المشاريع الواعدة، لم تتمكن الشركة من حشد القوة الابتكارية الكافية لمواكبة توجه الهواتف الذكية الذي قرّر مصيرها في نهاية المطاف.
الدروس المستفادة من أخطاء شركة "سوني إريكسون"
في التحليل الذي أجريناه، توصلنا إلى أن شركة "سوني إريكسون" أخطأت بادئ الأمر في تقدير إيرادات مشاريعها التي توقعت أن تبلغ 182 مليون يورو وسطياً، وهذا الرقم ليس بعيداً عن الإيرادات التي يمكن للهواتف توليدها على مدى عمر المنتج. تضع شركات كثيرة تقديرات أقلّ أو أكثر مما يجب وتخصص مواردها الشحيحة لأفضل المشاريع الواعدة، ونحن نعلم أن عدم الدقة هو أمر متوقع في الأسواق سريعة التغير التي تكون فترات تطويرها طويلة.
تبدأ المشكلة عندما تؤدي إساءة التقدير إلى خلل في ترتيب تصنيف المشاريع المرشحة التي تتنافس على التطوير (كانت شركة "سوني إريكسون" تنفذ قرابة 20 مشروعاً ابتكارياً معاً). قد تحظى أفكار المشاريع التي تبدو واعدة منذ مراحلها الأولى بالأولوية في التمويل، لكنها تفضي إلى خيبة أمل. في حين أن المشاريع التي لا تبدو واعدة بنفس الدرجة في مراحلها الأولى لا تحصل على التمويل، لكنها تتطور وتحقق نجاحاً في السوق. إذا استخدم منهج البوابة المرحلية بكفاءة، فسيساعد صناع القرار في ملاحظة هذه التغييرات التي تطرأ على التوقعات من المشروع والتصرف بناء عليها.
على مدى عام من العمل على تطوير المنتج، اكتسبت شركة "سوني إريكسون" بالفعل معلومات جديدة أدت إلى تقليل قيمة الخطأ في التقديرات لتصبح 66 مليون يورو وسطياً. ومن الأمثلة على هذه المعلومات التغيرات على تفضيلات المستهلك، وتحركات الشركات المنافسة، والتحولات التكنولوجية. لكن على الرغم من هذه المعلومات الجديدة عانت شركة "سوني إريكسون" من صعوبة في تصحيح ترتيب تصنيف المشاريع عند صناعة قرارات عملية البوابة المرحلية، واستمرت بتمويل مشاريع لم تعد قيمة جدواها التجارية كما بدت في البداية، وبالتالي منعت الاستثمار في مشاريع يحتمل أن تتمتع جدواها التجارية بقيمة أعلى.
كيف يمكن لقسم الابتكار الاستجابة بسرعة للمعلومات الجديدة؟ بناء على بحثنا نوصي بتعديل 3 أمور في منهج البوابة المرحلية من أجل ضمان القدرة على إيقاف المشاريع بفاعلية.
تخلّ عن الدليل على الفشل
عندما تتعامل مع غموض منتج أو سوق جديدة، لن تحصل على أي دليل موثوق على أن المشروع سيفشل، ولن تتمكن أي عملية من عمليات البوابة المرحلية من تقديم هذا الدليل. والإجراء الذي سيكون له فائدة أكبر في صنع قرارات مستمرة بمتابعة المشروع أو إيقافه هو التقييم النوعي للتغييرات التي تطرأ على الافتراضات الأساسية التي بنيت عليها الجدوى التجارية والتي أدت إلى الاستثمار في المشروع في المقام الأول.
كانت شركة "سوني إريكسون" عادة تتبع 7 عمليات قائمة على منهج البوابة المرحلية بدءاً من "الفكرة" وصولاً إلى "الشحن". لم يكن بالإمكان تتبع مؤشرات الأداء المالي الرئيسة الموثوقة منذ المراحل الأولى إلا في بضعة مشاريع تمتعت بوضوح كافٍ، وغالباً لم تتوفر أرقام موثوقة أو لم تتوفر الأرقام إطلاقاً. وفي المقابلات التي أجريناها كجزء من بحثنا، توصلنا إلى أن قليلاً من القادة كانوا يثقون في هذه التقديرات المبكرة، لكن الافتقار إلى الأرقام الموثوقة لا يعني عدم توفر الأسباب التي تستدعي إيقاف المشروع. مثلاً، كان بإمكان شركة "سوني إريكسون" ملاحظة التغييرات في تفضيلات الزبائن بسرعة، كمدى قدرة الكاميرا الكبيرة على تمييز هاتف جديد مثلاً، حتى وإن لم يكن بالإمكان توقع أرقام العائدات بدقة. إن محاولة تحديد الآثار السلبية المحتملة على الإيرادات الناجمة عن توجهات عائدات أجهزة الهاتف في السوق الشاملة قد تعني أن المشاريع الأخرى التي غالباً ما تكون واعدة أكثر ستحرم من الموارد على مدى أشهر.
كان بإمكان المعلومات النوعية المتوفرة حول التغييرات على تفضيلات الزبائن السماح بأخذ موارد التطوير من الكاميرات وتخصيصها للتحسينات الأخرى حتى إذا لم يكن بالإمكان بعدُ تحديد حجم التراجع في توقعات إيرادات الهواتف المزودة بالكاميرات. وفي أثناء البحث عن دليل قاطع على أن شيئاً ما سيفشل في المشروع، يتم احتجاز الموارد في مشاريع تفضي إلى الفشل وحرمان المشاريع الأخرى من الدعم التي هي في أمس الحاجة إليه.
تحقق من الجدوى التجارية
يصبح صقل توقعات إيرادات المشروع أسهل كلما اقترب من مرحلة الإطلاق. لكن الحقيقة المؤسفة في كثير من الشركات ومنها "سوني إريكسون" هي أنه قبيل إطلاق المشروع يتحول الانتباه نحو نتائجه، وقلة من الشركات ترغب في تعطيل التنفيذ. والنتيجة هي أن مدراء المشروع لا يشعرون بالحاجة إلى إرباك أنفسهم بتحديث الجدوى التجارية وفقاً لأحدث المعلومات، ولذلك لم تعد شركة "سوني إريكسون" تفكر بإيقاف معظم المشاريع التي وصلت إلى منتصف عملية تطويرها تقريباً.
لكن إيقاف المشاريع يتمتع بأهمية بالغة حتى وإن تم في مراحل متأخرة، لأن معظم المشاريع تستهلك غالبية موارد تطويرها في هذه المراحل المتأخرة مع توجهها نحو الإنتاج بكميات كبيرة. ومشروع واحد في مراحله الأخيرة قادر على تعطيل تمويل عشرات الأفكار البديلة التي ما تزال في مراحلها الأولى. وعدم قدرة الشركة على تحديث الجدوى التجارية قبيل الإطلاق، وبالتالي عدم قدرتها على ملاحظة الإشارات التي تدل على فشل المشروع، يؤدي إلى تكبيدها تكاليف باهظة.
ومن أجل عكس مفعول تغير الأولويات في الجزء الأخير من عمليات البوابات المرحلية، قد يكون من الأفضل إنشاء أدوار متخصصة بالتحقق من الجدوى التجارية، وبما أن هؤلاء المحققين سيعملون بعيداً عن ضغوطات تنفيذ المشروع سيكونون مسؤولين فقط عن تحري أداء المحفظة الاستثمارية، فسيكون بإمكانهم متابعة التغييرات في افتراضات الجدوى التجارية في الوقت الذي يفقد الآخرون جميعهم الاهتمام بالتقييمات ويركزون على الوصول إلى خط النهاية. سيسمح المحققون المستقلون لصناع القرار بالاعتماد في قراراتهم على المعلومات الجديدة حول التقدم الذي تحرزه التكنولوجيا أو تفضيلات الزبائن أو تحركات الشركات المنافسة أو غيرها من العوامل التي تؤثر على الجدوى التجارية للمشروع وتوقع أكبر الآثار على توزيع الموارد. ستكون فائدة تجنب فشل واحد مكلف أكبر من الأجرة التي ستدفعها لأخصائي التحقق من الجدوى التجارية الذي ستضيفه على فريقك.
لا تخشَ إيقاف المشروع
كانت أكثر معلومة مثيرة للقلق في بحثنا هي أن التركيز حسن النية على أداء المشروع في عملية البوابة المرحلية قد يتسبب في شلل عملية صناعة القرار. وما إن يظهر المشروع تراجعاً واضحاً في جدواه التجارية كانت شركة "سوني إريكسون" تبذل وقتاً كبيراً في مناقشته، وغالباً ما كانت توقف العمل مؤقتاً لإعادة النظر في قرارتها. وبدلاً من إيقاف المشاريع الأسوأ أداءً كانت تخفض سقف توقعاتها ليبدو وكأن المشروع قد حقق أهدافه. ولأجل المفارقة، كانت الشركة توقف المشاريع التي لم يظهر أي تراجع في جدواها التجارية بسهولة أكبر بكثير. مثلاً، إذا كانت حركة دوران الغطاء في هاتف قابل للطي صعبة التنفيذ من الناحية التقنية، يوقف المسؤولون التنفيذيون المشروع بسرعة أكبر مما إذا بدا أن الهواتف القابلة للطي بحد ذاتها لا تحظى باهتمام الزبائن وبالتالي تتراجع توقعات مبيعاتها.
سيكون من الأفضل توجيه الاهتمام الكبير الذي تحظى به المشاريع السيئة إلى بدائل تعد بنتائج أفضل. كما أن لدينا مسألة مدى إمكانية تحسين الجدوى التجارية الضعيفة مهما بذلت جهداً ووقتاً في التفكير فيها. يمكن تخفيف هذا الشلل في الانتباه عن طريق تقليص مجال التفسيرات والنقاشات، وتحديد معايير واضحة لإيقاف المشاريع بصورة مسبقة يضمن استجابة أسرع وتلقائية بدرجة أكبر، ما سيوفر الطاقة العاطفية لدى صناع القرار في عمليات البوابات المرحلية ليتمكنوا من بذلها في مشاريع جديرة بها أكثر.
عموماً، يشكل تحليلنا الفريد لكامل المحفظة الاستثمارية الخاصة بتطوير المنتج الجديد في حياة الشركة قصة تحذيرية. ففي بعض الحالات تعرضت عمليات البوابات المرحلية للانتقادات بسبب تحيزها ضد الابتكارات الأكثر جرأة، لكن مشكلتها التي ليست معروفة بنفس القدر هي في احتمال أن تزيد الالتزام بتنفيذ المشروع، وهو التحيز ذاته الذي تهدف عمليات البوابة المرحلية لتفاديه أساساً. وبوصفك مسؤولاً عن توزيع الموارد، يجب أن تفهم عدم إمكانية تخفيض الغموض التجاري في المراحل المبكرة، ونفور فريقك الطبيعي من تخفيض الغموض في المراحل الأخيرة.
وفي نهاية الحديث عن إيقاف المشاريع السيئة، لا تسمح بإصابة صناعة القرار بالشلل عندما يتباطأ الأداء، فتقدم المشاريع على نحو انتقائي هو أمر أساسي في الأسواق التي يسبق فيها الاستثمار المعرفة، والتعلم في أثناء التطوير هو ما يحدد فرص النجاح.