نود جميعاً أن نقضي وقتنا في العمل في القيام بأنشطة ذات قيمة عالية: صياغة الاستراتيجية، وتعزيز الابتكار، وتوجيه الموظفين الواعدين، وغيرها. ولكن يواجه كل موظف طوفاناً متواصلاً من المهمات المزعجة: فيض من الرسائل الواردة، أو تعارفات وعدتَ بالقيام بها، أو كومة من المستندات يتعين عليك تقديمها، أو مقالات تحتاج إلى قراءتها. وهنا يتبادر إلى أذهاننا السؤال الآتي: كيف يمكننا تخصيص الوقت للمهمات الصغيرة؟
هذا العمل المنخفض القيمة مزعج بوجه خاص في ضوء "مبدأ باريتو" (Pareto Principle) القائل إن 80% من القيمة التي تحققها ناتجة عن 20% من أنشطتك، وقد أصبح الآن مقدساً في وادي السيليكون والعديد من دوائر الأعمال. إذا تمكنت من التخلي عما هو أقل أهمية، فستتمكن من مضاعفة جهودك لإنجاز ما يساعدك على تقديم إسهاماتك الأهم.
في الواقع، يمكنك التخلي أحياناً عن هذه الأنشطة، لكن عليك أن تدرك أن هذا سيكون له ثمن وأن تتقبل هذه الحقيقة. يدعو تيم فيريس، مؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً "4 ساعات عمل في الأسبوع" (The 4-Hour Workweek)، إلى الأخذ بهذا النهج. بعد رحلة طويلة خارج البلاد تجنب خلالها تفقُّد البريد الإلكتروني، كتب أنه لم يطّلع على عدد كبير من الرسائل المهمة التي تشمل ما يفيد بوجود أزمة في مركز تلبية الطلبات تسببت في خسارة أكثر من 20% من الطلبات الشهرية لنشاطه التجاري، وفرصاً لمقابلات إعلامية لم تعد متاحة، وأكثر من 10 عروض شراكة. ولكن بدلاً من الحزن على هذه الفرص الضائعة، اغتنمها. إذ كتب تيم: "في كثير من الأحيان، من أجل تحقيق إنجازات عظيمة، عليك أن تسمح بحدوث أمور سيئة صغيرة. وهذه مهارة يجب أن ننميها".
ربما هو محق. على الرغم من أنك إذا كنت تعمل لحساب شخص آخر، وليس لحسابك الخاص، فإن مستوى تقبُّل هذه الفرص الضائعة يكون أقل بكثير. إذا كنت لا تستطيع تجاهل رسائل البريد الإلكتروني أو المهمات الأخرى المنخفضة القيمة تماماً، وكانت خياراتك لتفويض المهمات للآخرين محدودة، فإليك 3 أساليب يمكنك استخدامها لتقليل الخسائر وإنجاز مهماتك.
تجميع مهماتك الأقل أهمية وإنجازها دفعة واحدة
ما يمنحك شعوراً بالحماس. يمكنك القيام بذلك بمفردك، فقد كنت أذهب إلى مقهى محلي وأتعهد بعدم العودة إلى المنزل حتى أنجز قائمة مهماتي لهذا اليوم، وفي بعض الحالات كنت أقوم بذلك على نحو مشترك. أطلق المخرج في نيويورك، جيريمي ريدليف، فعالية "يوم الكهف" (Cave Day)، وفيها يدفع العاملون رسوماً رمزية لقضاء يوم الجمعة في مركز عمل مشترك حيث يقومون بمهمات مثل تنظيف صندوق الرسائل الواردة وكتابة بطاقات شكر.
ثمة أسلوب آخر يمكن لمن يفضلون النهج التدريجي اتباعه.
"استراتيجية القطرات الصغيرة"
وينطوي هذا الأسلوب على تخصيص فترات زمنية قصيرة في جدول مواعيدك (عادة من 15 إلى 30 دقيقة يومياً) والربط بينها وبين المهمات المنخفضة القيمة التي يجب إنجازها.
حسبت أمس المبلغ الذي دفعته لمساعدتي عبر الإنترنت العام الماضي من أجل توصيل المعلومات إلى محاسبي حتى يتمكن من إصدار النماذج الضريبية لها في الوقت المحدد. بالطبع لا يرى أحد أن هذه المهمة "استراتيجية" أو "عالية قيمة"، فهي مهمة مملة، ولكنها إلزامية، وسيكون من السهل تأجيلها.
ولكن عندما راجعت جدول مواعيدي في الليلة السابقة ورأيت أن لدي فترة 15 دقيقة بين مكالمتين، أدرجت هذه المهمة فيها وأنجزتها.
يمكنك البحث عن ثغرات مثل هذه في جدول مواعيدك، أو تخصيص نصف ساعة كل يوم للمهمات المملة أو التكرارية، ربما في نهاية يوم العمل، عندما ينخفض مستوى طاقة معظم العاملين وتتضاءل قدرتك على التفكير الإبداعي.
تأجيل هذه المهمات على نحو استراتيجي
وهذا يختلف عن تجاهل جميع رسائل البريد الإلكتروني الواردة، مثلما فعل تيم فيريس. فما يجب أن تفعله هو التفكير ملياً في قيمة الفرصة وضبط جدول مواعيدك للتعامل معها.
إذا كان جدول مواعيدك متوافقاً مع جدول الشخص الآخر، فهذه مصادفة سعيدة؛ وإذا لم يكن كذلك، فأنت تتقبل بالفعل احتمالية خسارتها. غالباً ما أتبع هذا النهج مع الطلبات الواردة من مدونين مختلفين. أرد بسرعة على استفسارات الصحفيين الرسميين، ولكن إذا كان شخص ما يكتب منشوراً لمدونته الشخصية، وأود مساعدته ولكن لا أريد التضحية بمهمة ذات أهمية (مثل الانتهاء من تحرير كتاب) للقيام بذلك، فدائماً ما أرد قائلة إن الأمر قد يستغرق عدة أيام أو حتى أسابيع. إذا كان لا يزال بإمكانه استخدام مقولاتي، فهذا رائع، وإذا لم يكن بإمكانه ذلك، فستكون هذه خسارة طفيفة.
بغض النظر عن مدى قدرتنا على الإنجاز، لن نتخلص من المهمات المنخفضة القيمة نهائياً. ولكن من خلال اتباع هذه الاستراتيجيات، يمكننا على الأقل التعامل معها بكفاءة أكبر، وترك مساحة أكبر في أيامنا للمشاريع المهمة حقاً.