دراسة: إيجابيات وسلبيات العلاقات السياسية بالنسبة للشركات الصينية الناشئة

6 دقائق
إيجابيات وسلبيات العلاقات السياسية

تحتاج الشركات الجديدة إلى موارد للنجاح والازدهار، ويعتمد نجاحها في الأسواق الناشئة على قدرتها على التعامل مع ما يُطلِق عليه الأكاديميون "الفراغ المؤسسي"، والذي يعني عدم وجود وسطاء أقوياء في السوق يضمنون التدفق السلس لأعمالها. وتُفسّر أحكام العمل في هذا الفراغ المؤسسي بشكل عام، وهو ما يجعل من الصعب الحصول على المعلومات، كما يُسفر عن جعل الشركات الناشئة تكافح في سبيل إيجاد قاعدة ثابتة في بيئة العمل المتكاملة. فماذا عن إيجابيات وسلبيات العلاقات السياسية؟

وعلى الرغم أن الصين قطعت شوطاً طويلاً في سبيل تحقيق النجاح، لا يزال يتعين على رواد أعمالها تجاوز هذا الفراغ المؤسسي. وتمثّل الحل الشائع في إقامة علاقات قوية مع المسؤولين الحكوميين المحليين. ووفقاً لاستبيان أجراه البنك الدولي ودائرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الصين على الشركات الصينية الصغيرة والمتوسطة الحجم، تمتلك نسبة 54% من الشركات الصينية الناشئة التي تمارس نشاطها التجاري بين الشركات عضواً مؤسساً ضمن الفريق تنطوي مهمته على بناء علاقات وثيقة مع الحكومة المحلية. وفي حين انطوت هذه الجهود على تقديم الرشاوى في الماضي، إلا أن مهمتها اليوم تتمثّل في التوفيق بين المصالح الخاصة والعامة في أعقاب حملة الرئيس شي جين بينغ طويلة الأمد لمكافحة الفساد.

وفي دراسة جديدة أجريتها مع كل من لينغ يانغ وشياوبين، اللذين درسا في "جامعة تشينغوا" (Tsinghua)، وجدنا أن وجود علاقات سياسية قوية في الصين قد يكون سلاحاً ذا حدين للشركات الجديدة التي تمارس نشاطها التجاري بين الشركات. وفي حين أن العلاقات السياسية قد تعزز مصداقية الشركة الناشئة وتمكّنها من الوصول إلى الموارد وكسب الموردين، إلا أنها قد تزيد من قدرتها على المساومة، وهو ما قد يثني الزبائن عن التعامل معها، وتفضيلهم التعامل مع شريك أضعف، إذ يرغب المشترون في سلاسل التوريد هذه عادةً في إحكام سيطرتهم على الشركات الناشئة بهدف طلب أسعار أقل وشروط تسليم أفضل ومزايا إضافية، مثل تطوير مشترك للمنتجات. في المقابل، قد يكون من الصعب السيطرة على الشركات الناشئة ذات الارتباطات السياسية، وهو ما يصرف المشترين المحتملين عن التعامل معها. وبالتالي، يجب على الشركات الناشئة تقييم إيجابيات علاقاتها السياسية وسلبياتها بعناية.

حلّلنا مجموعة من البيانات المستقاة من الاستبيان المذكور أعلاه، وكان المشاركون ممثلون عن 337 شركة ناشئة مملوكة للقطاع الخاص، وتأُسّست منذ مدة تقل عن ثمان سنوات. وكانت هذه الشركات كلها عبارة عن مشاريع استثمارية تمارس نشاطها التجاري بين الشركات، وتعمل معظمها في مجال التصنيع. طرح الاستبيان أسئلة حول كيفية بناء الشركات لعلاقات مع الحكومة، وحول سلاسل التوريد الخاصة بها. إضافة إلى بيانات الاستبيان، أجرينا 30 مقابلة مفتوحة مع رواد أعمال صينيين وشركائهم في سلاسل التوريد، بهدف التوصل إلى فهم أفضل للشواغل الرئيسة في سلاسل التوريد الخاصة بهم.

ماهية العلاقة السياسية للشركات: عادةً ما يكون لدى الفريق المؤسس أعضاء تنطوي مهماتهم على إقامة علاقات حكومية، ويمتلكون بالفعل روابط سياسية جيدة، وقد شغل بعضهم مناصب عدة في الحكومة نفسها في بعض الأحيان. وتتضمن أنشطة هؤلاء الأعضاء دعوة مسؤولي الحكومة المحلية لزيارة الشركة الجديدة، والتأكد من فهمهم لجوانبها الأساسية، والمشاركة في تنظيم معرض خاص بالصناعة أو إنشاء منصة لمساعدة الشركة في جذب الموارد اللازمة، مثل الشركاء أو المستثمرين الأجانب، ومناقشة أهمية الشركة في مساعدة الحكومة في تحقيق أهدافها الخاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية أو العمالة المحلية.

فوائد وجود علاقات مع الحكومة المحلية

تمتاز سلاسل التوريد في الصين عادةً بإمكانية الدفع بعد التسليم، بمعنى أنه يتعين على الموردين الانتظار إلى حين تسليم المنتجات بهدف استلام كامل المبلغ، وهو ما قد يجعل الموردين يشعرون بالقلق إزاء نجاح الشركة الناشئة وإمكانية تسديدها ثمن المنتجات في الموعد المحدد. وقد أشار أحد المؤسسين الذين أجرينا مقابلة معه إلى رغبة الموردين في التعامل مع شركته، بيد أنهم كانوا قلقين إزاء حصولهم على أموالهم، وقال "طرح الموردون أسئلة مختلفة بهدف معرفة وضعنا النقدي، وأخبرتهم أن أحد مؤسسي الشركة يعمل على بناء علاقات قوية مع الحكومة المحلية، وقدّمت لهم بعض الأسماء. وكان ذلك مفيداً بالتأكيد، إذ أدركوا أن إمكانية حصولنا على القروض المصرفية والدعم الحكومي سيدعمنا لفترة أطول من الشركات الناشئة الأخرى".

وتوصلنا في الدراسة إلى أن وجود عضو مؤسس في الفريق يعمل على بناء العلاقات الحكومية له تأثير ملموس على كسب الموردين. وعلى الرغم أن غالبية الشركات الناشئة في عيّنتنا تضم مُوّرداً واحداً إلى ستة موردين، تمكنت الشركات التي تمتلك عضواً مسؤولاً عن بناء العلاقات الحكومية من زيادة العدد المتوقع للموردين بمقدار 1.59 بعد وضع متغيرات التحكم في الاعتبار، مثل حصول الشركات الجديدة على شهادة المنظمة الدولية للمعايير (أيزو) التي تشير إلى جودة المنتج، أو النوع الاجتماعي لرائد الأعمال ومستواه التعليمي، إذ إن هذه الخصائص قد تؤثر على الشبكات الاجتماعية للشركة وعلى شركائها في المقابل.

وكما أفاد أحد الموردين قائلاً "ينتابني إحساس بالراحة عندما أتواصل مع زبون يتمتع بدعم حكومي قوي، إذ من غير المرجح أن يختفي هذا الزبون في اليوم التالي، كما يفعل معظم الزبائن عادة".

الجوانب السلبية لوجود دعم حكومي قوي

تكمن أهمية شرط الدفع بعد التسليم في الصين في الحد من المخاطر التي يتعرض لها الزبائن في مراحل التصنيع النهائية، إذ لا يجب على أي شخص أن يدفع أي مبلغ مقدماً، ولن يتكبّد أي تكاليف مالية في حال تعرض المورد للإفلاس. وبالمقارنة مع الموردين، لا يشعر المشترون بالقلق إزاء نجاح الشركة الناشئة أو فشلها، وغالباً ما يطلبون الحصول على أسعار مخفضة، وتخصيص بعض المنتجات، وإجراء تطوير مجاني مشترك لمنتجات أخرى، دون تقديمهم أي ضمان بشراء المنتج مرة أخرى. كما يؤمن هؤلاء المشترون بصعوبة التحكم في شركة جديدة تمتلك علاقات جيدة مع الحكومة، في حين أنه من السهل إملاء شروط التعامل مع الشركات الجديدة الضعيفة ذات القدرة التفاوضية المنخفضة. وقد وجدنا في سياق بحثنا حول الصناعات التحويلية في الصين أن عدد المشترين يفوق عدد الموردين ويمتلكون سيطرة عليهم.

وفي بيئة تنافسية مثل بيئة الصين، تتمثل الرغبة الرئيسة للمشترين في الشركات التي تمارس أنشطتها التجارية بين الشركات الأخرى في إحكام السيطرة الكاملة على مورديهم، باستثناء المخاوف المتعلقة بالجودة. وعندما تمتلك شركة ناشئة ما علاقة سياسية قوية يعتقد المشترون أنها تتمتع بسلطة مساومة قوية، لأنها قد تعتمد على مساعدة الحكومة ومواردها، من الناحية النظرية على الأقل. ونظراً إلى أن وقوع مثل هذه الشركات في ضائقة مالية أقل احتمالاً، فيمكنها أن تفرض أسعاراً أعلى لمنتجاتها وأن ترفض الطلبات المكلفة أو المحفوفة بالمخاطر من المشترين. وكما أفاد أحد المشترين، "عادة ما تكون الشركات الجديدة حريصة على العثور على الزبائن. ولكن من واقع خبرتنا، من الصعب التفاوض على الأسعار مع الشركات الجديدة التي استثمرت جهودها في بناء علاقات مع الحكومة".

وتوصلنا في الدراسة إلى أن وجود عضو مسؤول عن بناء علاقات حكومية قد أسفر عن انخفاض العدد المتوقع للمشترين بمقدار 1.65، وكان هذا الفارق كبيراً بالنظر إلى أن غالبية هذه الشركات الجديدة تمتلك مشتر واحد إلى ستة مشترين.

وكلما كانت الشركة الجديدة في وضع يتيح لها المساومة، نتيجة وجود أصول كبيرة أو هوامش ربح مرتفعة أو صعوبة استبدال منتجاتها بسهولة، نظر المشترون المحتملون إلى علاقاتها السياسية كرادع يقف في وجه مزاولة الأنشطة التجارية. وقد وصف أحد المشترين شركة جديدة تمتلك علاقات سياسية في أحد الصناعات التي تنطوي على أرباح مرتفعة بأنها "متسلّطة"، بمعنى امتلاكها ثقة مفرطة وطبع حاد، وقد اتخذ المشتري قراراً بعدم الشراء من هذه الشركة الجديدة معتقداً أنه من المستحيل الفوز بأسعار منصفة.

الخلاصة

حقيقة عمل أكثر من نصف الشركات الصينية الناشئة على بناء علاقات وثيقة مع الحكومة تعكس الفراغ المؤسسي للبلاد، وتعكس تركيز هذه الشركات الثقافي على مبدأ المعاملة بالمثل أيضاً. في الواقع، يهدف بناء هذه العلاقات إلى مواءمة مصالح الشركات الجديدة مع مصالح الحكومة، كما أنها تساعد الشركات الناشئة على تجاوز السوق الصينية الصعبة، في حين يمكن للمسؤولين جمع معلومات مفصلة حول أفضل السبل التي تهدف إلى زيادة القدرة التنافسية لبلدهم على جميع المستويات، وهو الهدف نفسه الذي يطمح رواد الأعمال إلى بلوغه.

ومع ذلك، قد يشكّل وجود علاقات سياسية معضلة للشركات الجديدة التي تمارس أنشطتها التجارية بين الشركات. وقد تساعدهم هذه العلاقات في اكتساب المصداقية أيضاً، بيد أنها قد تصرف المشترين القلقين من فقدان القدرة على المساومة. ويمكننا استبعاد الأسباب السياسية الأخرى للنأي عن الموردين ذوي العلاقات السياسية مع الحكومة، بالنظر إلى أن الشركات الناشئة التي درسناها تعمل في قطاعات التصنيع التنافسية، بدلاً من القطاعات الخاضعة للرقابة الشديدة أو الاحتكارية، والتي تكون العلاقات السياسية فيها مهمة لأسباب مختلفة

وعلى الرغم من تركيز دراستنا على الصين، إلا أنه يوجد بيئة مماثلة في العديد من الأسواق الناشئة، مثل روسيا والبرازيل والهند وبعض بلدان الشرق الأوسط، التي تتسم مؤسسات السوق فيها بالضعف، في حين تؤدي الدولة دوراً مهماً في الاقتصاد. ويميل المسؤولون الحكوميون في مثل هذه الأسواق إلى العمل كوسطاء في السوق، وقد يكون التعاون الوثيق فيما بينهم مفيداً. ومع ذلك، يجب أن تكون جميع الشركات الجديدة على دراية بعمليات المساومة المحتملة، لاسيما فيما يتعلق بكسب الزبائن. وفي نهاية الحديث عن إيجابيات وسلبيات العلاقات السياسية، ما يهم الشركات هو الاستمرارية وليس الربحية.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي