عندما غادرت منصبي في شركة "أو سي تانر" (O.C. Tanner) قبل 19 عاماً للمساعدة في تأسيس شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون، لم تكن لديّ أيّ نية للعودة. لقد أحببت وظيفتي لكنّي كنت أرغب في اقتناص فرص أخرى. وخلال مأدبة الغداء التي أقيمت بمناسبة توديعي في مطعم محلي بصحبة فريقي، تفاجأنا جميعاً وتوترنا حقاً حين دخل الرئيس التنفيذي وطلب إلقاء كلمة. حيث أعرب عن شكره وامتنانه للعمل الذي أنجزته، ووجّه لي دعوة مفتوحة للعودة إلى الشركة في حال لم أنجح في مغامرتي الجديدة. ثم سحب من جيبه تذكرة طيران ذهاب فقط من مدينة بورتلاند إلى مدينة سولت لايك سيتي، وأكدّ الدعوة بقوله "أعني ذلك فعلاً".
لقد كان اللقاء غير متوقع حيث إنني لم أتعامل كثيراً مع الرئيس التنفيذي خلال سنوات عملي في شركة "أو سي تانر"، لكنّه ترك أثراً لا يُمحى. لم ألجأ لاستخدام تذكرة للعودة، لكن عندما اتصل بي بعد عامين ونصف، بالضبط عندما بدأت الشركة الناشئة التي انضممت إليها بالازدهار، استمعت له. وعندما عرض عليّ المنصب الذي كان يشغله قائدي السابق، وافقت على ذلك.
يولي القادة أولويّةً كبيرة لإجراءات التوظيف وإعداد الموظفين الجدد. ويتم هذا لسبب وجيه، حيث أن الأيام أو الأسابيع القليلة الأولى للموظف الجديد في الشركة يمكن أن تكون مؤثرة جداً. في الواقع، تُظهر الأبحاث التي أجريناها كجزء من تقريرنا حول الثقافة العالمية لعام 2018، والذي شمل آراء أكثر من 15 ألف عامل في أكثر من عشرة بلدان، أنه عندما تنجح عملية إعداد الموظفين الجدد، التي تتمحور حول التدريب وربط الموظفين الجدد برسالة الشركة وتقدير الإنجازات المبكرة، فإنّ شعور الموظف بالانتماء يرتفع بنسبة 70%، وترتفع نسبة ارتباطه بالشركة بمقدار 50%، ويزيد استيعابه لرسالة الشركة بنسبة 37%. على النقيض من ذلك، إذا طُبقت عملية إعداد الموظفين الجديد بشكل سيء، قد يتسبب ذلك في شعوره بعدم اليقين إزاء صحة قراره بالانضمام للشركة أو أهمية منصبه أو مستقبله في الشركة. جدير بالذكر أن دوران الموظفين يكلف الشركة كثيراً، حيث تشير الدراسات إلى أنّ ما يصل إلى نصف عدد الموظفين الجدد يغادرون بعد فترة وجيزة من التعيين، أي في غضون 120 يوماً بالنسبة إلى الموظفين الذين يتلقون أجرهم حسب عدد ساعات العمل، وفي غضون الثمانية عشر شهراً الأولى بالنسبة لكبار الموظفين. ويشغل ما يقرب من ربع القوى العاملة في الولايات المتحدة الأميركية مناصبهم الحالية منذ أقل من عام واحد.
لذا نحتاج إلى تكريس الطاقات عند مغادرة الموظفين بالقدر نفسه الذين نكرّس به الطاقات لإعداد الموظفين الجدد وبناء ولائهم. فقد يكون من السهل شطب الموظفين المغادرين من سجلات الشركة، لكن بدلاً من ذلك، هناك العديد من الأسباب التي تدفع إلى تقديرهم ودعمهم.
أولاً، كما أظهرت قصتي، يعدّ خيار إعادة التوظيف خياراً صائباً وغالباً ما يكون ذكياً. حيث تستفيد الشركات التي تُعيد توظيف موظفيها السابقين من معرفتهم العميقة بثقافة الشركة وعملياتها، وهو ما يوفّر تكاليف تدريب موظفٍ جديدٍ تماماً (حيث تُوازي هذه التكلفة قيمة ستة إلى تسعة أشهر من راتب الموظف المغادر). كما يفيد الموظفون الذين تمت إعادة توظيفهم الشركة بالخبرة والتجربة وشبكة المعارف التي كوّنوها أثناء تواجدهم خارج الشركة. على سبيل المثال، عندما عدت إلى "أو سي تانر"، اكتشفت أنّ الدروس التي تعلمتها من إنشاء شركة ناشئة ناجحة ساعدتني كثيراً في منصبي الجديد الذي ينطوي على صلاحيات أوسع. وقد كان من المثير أيضاً مشاهدة موظفين آخرين يعودون إلى الشركة بخبرة وحال أفضل ممّا كانوا عليه عند مغادرتهم.
حتى إذا لم تلجأ لخيار إعادة توظيف موظف سابق، فستجد مزايا أخرى لمنح الموظفين المغادرين تجربة إيجابية حقيقية عند إنهاء علاقة عملهم مع الشركة. فيمكن أن يمثلوا موارد قيمة أثناء الفترة التي يتم فيها إعداد بديل لهم، وعلى الأرجح سيكونون متعاونين إذا لم تخلّف طريقة إنهاء علاقة العمل انطباعاً سيئاً لديهم. وأيضاً سيلاحظ الموظفون الباقون في الشركة أنها تهتم بموظفيها ولا تعتبرهم مجرد آلات يتم تجاهلها أو التخلص منها ببساطة عندما تتوقف عن العمل. كما أن الموظفين الذين تم إنهاء علاقة العمل معهم بطريقة مشجعة، قد يوصوا بشركتك للموظفين الموهوبين الآخرين الذين يلتقون بهم في المستقبل، مما يخلق شبكة جديدة من المواهب يمكنك الاستفادة منها.
طرق لإنهاء علاقة العمل مع الموظف
فيما يلي بعض الطرق لإنهاء أفضل لعلاقة العمل مع الموظفين القيّمين:
أنصت جيّداً
عندما يخبرك موظف ما أنه سيغادر الشركة، أنصت إلى ما سيقوله عن سبب مغادرته. احترم حقيقة أنهم بدؤوا هذه المحادثة الصعبة وأنهم يشاركونك أسباب هذا الخيار الذي قد يؤدي إلى تغيير مزعزع في حياتهم. أنصت لتعلم هل سيغادرون بسبب طبيعة العمل أو سوء العلاقة مع المدير أو فريق العمل، أم بهدف اقتناص فرص أخرى. قد تكتشف أن هناك مشكلات لم تكن على دراية بها من قبل، فعلى الرغم من أن هذه المحادثة قد تكون تأخرت كثيراً لمنع هذا الموظف بالتحديد من المغادرة، فقد تتمكن من تحسين بيئة العمل والاحتفاظ بالموظفين الباقين نتيجة لإجرائها.
أظهر الامتنان والتقدير
من المفيد لك أن تجري محادثة صريحة وصادقة مع موظف مغادر مبدياً تقديرك له. فهذه هي الفرصة الملائمة لذكر الطرق المميزة التي ساهم بها هذا الموظف في نجاح الفريق والشركة، كما أنّه الوقت المناسب للإشادة بمواهبه وقدراته التي ربما لم يكن قد لاحظها بنفسه، ولكنها ستخدمه جيداً في وظيفته الجديدة. اعتبرها بمثابة هدية وداع تقدمها لهذا الموظف.
ابق على تواصل
يجب ألا تتوقف جهودك بمجرد مغادرة الموظف للشركة. ابق على تواصل مع الموظفين المغادرين عن طريق السؤال عن أحوالهم هاتفياً في بعض المناسبات. وإذا صادفتهم خلال فاعليات خاصة بمجال العمل، أو على وسائل التواصل الاجتماعي، تواصل معهم. وإذا زرت مدينتهم الجديدة، ادعوهم لتناول الغداء. فأنواع التواصل هذه تُظهر لهم أنه حتى عندما يكونوا خارج قائمة الرواتب، فإنهم لا يزالون من الأعضاء المهمين والقيمين لدى الشركة. كما أنها تمثل فرصة أخرى لإظهار اهتمام حقيقي بهم.
قبل بضع سنوات، تمكنت من وضع هذه المعرفة قيد التنفيذ. عندما أخبرني مدير موهوب في فريقي أنه سيغادر الشركة، شعرت بالاستياء والانزعاج. لكنني تفهمت قيمة هذا الاختيار لمساره المهني الذي يرغب في بنائه، وشكرته على ما قام به من أجلنا. كما تأكّدت من فهمه بأنّ باب العودة مفتوح أمامه، لكنني أيدت رغبته في النمو والتطور حتى لو لم يختر العودة. المثير للاهتمام أنّه تواصل معي منذ بضعة أشهر لمعرفة ما إذا كان هناك منصباً شاغراً في فريقنا.
نعلم جميعاً مدى أهمية تقدير الموظفين. لكن ينبغي على المزيد من الشركات والمدراء إظهار هذا التقدير إلى الموظفين الذين غادروا الشركة. فعندما تولي طريقة إنهاء علاقة العمل الاهتمام نفسه الذي توليه لإعداد الموظفين الجدد، سيصبح فريقك وشركتك أكثر قدرة على النجاح والازدهار.