في 30 مارس/آذار 2017، وقف بن ماك آدامز، عمدة مقاطعة سولت ليك، أمام حشد من أكثر من 1,000 مواطن غاضب. كان ماك آدامز قد طرح مؤخراً فكرة إقامة مركز موارد جديد للمشردين في مدينة درابر التي تقع على بعد 20 ميلاً إلى الجنوب من سولت ليك سيتي بولاية يوتا. ما بدأ اجتماعاً عاماً منظماً سرعان ما تدهور إلى تجمع تسوده الفوضى والصياح والشتائم والتهديدات السياسية، إذ أخبر سكان درابر الواحد تلو الآخر العمدة أنهم لن يدعوا ذلك يحدث في مدينتهم.
مع ارتفاع حدة الصياح وتدهور لهجة الخطاب المطروح، وقف ماك آدامز، استقبله الحشد بصيحات الاستهجان والهسهسة والشتائم، وتبارى الحضور في إحداث الجلبة لجذب اهتمامه بطريقة لم يكن ممكناً معها سماع صوت أحد منهم، في لحظة لافتة، اقترب ماك آدامز من المَيكروفون لدرجة أن صوته اخترق صخب الحشد. وبصوت لطيف وهادئ، قال عبارة بسيطة وصادقة جعلت الهدوء ينسدل على الفور ويخيم على القاعة. "هذا الاجتماع مخصص لكم، فإن رغبتم في الصياح والصراخ، على الرحب والسعة، يمكنكم أن تفعلوا ذلك طوال الليل، سأستمع لكم قدر ما تشاؤون".
لقد أمضيت ثلاثين عاماً وأنا أشاهد هذا الأمر يحدث، لكن نادراً ما رأيت تأثير ذلك بمثل تلك السرعة مثلما حدث في تلك الليلة في درابر.
قد تفاجؤون إذا عرفتم كم هو سهل إعادة إحلال النظام خلال اجتماع تسوده الفوضى، لكن الأمر يتوقف على معرفتكم كيف تفعلون ذلك. قد لا يكون عليكم تهدئة حشد غاضب يصرخ خلال اجتماعكم، ولكن هناك الكثير من الأزمات التي يواجهها المدراء عندما يخرج الاجتماع عن السيطرة. إليكم بعض الأمثلة:
- مونولوج متبادل. النزاع يبدو أكبر ما هو في الحقيقة، يكابد الحاضرون من أجل إسماع أصواتهم ويكررون النقاط نفسها بحدة متزايدة، تقف وتحك رأسك محاولاً فهم السبب وراء هذا الصخب كله.
- معركة الصوامع المنعزلة. يُقاتل أعضاء الفريق من أجل الموارد أو السلطة دفاعاً عن مصالحهم الضيقة.
- أجندة خفية. المحادثة التي تجري في العلن مختلفة عن النقاش الحقيقي. على سبيل المثال، نناقش موقع أحد المكاتب، ويبدو أن المسافة التي يقطعها الأشخاص للوصول إلى الموقع هي التي توجه القرار.
- هرج ومرج. لا تكمن المشكلة في وجود الكثير من المسائل الخلافية بقدر ما تتمثل في انعدام النظام، تنتقل المناقشة من موضوع إلى آخر دون التوصل إلى أي قرار، بالنتيجة نحصل على الكثير من النقاش المحتدم ولكن القليل من المغزى. يقع دائماً على عاتق المدير فرض النظام.
- المحارب الجريح. يُشعر النقاش أحد الأفراد أنه مستهدف شخصياً، وقد لحق به الأذى، ينتهز هذا الفرد الأمر ويرد دفاعاً عن ذاته الجريحة.
هذه ليست سوى أمثلة قليلة من قائمة تطول من المسببات التي تصيب إنتاجية المجموعة في مقتل. بغض النظر عما يحدث في اجتماعك بحد ذاته، فإن السبب الرئيسي لمعظم الصراعات هو كفاح كل طرف من أجل إثبات قيمته. هذا يعني أن معظم النزاعات ليست مستعصية على الحل، لأن السبب الرئيسي ليس عدم وجود اختلافات لا يمكن التوفيق بينها، وإنما في وجود حاجة أساسية غير ملباة.
لنأخذ كريم وعاطف، على سبيل المثال، يحاول كريم استقطاب موظفين لتنفيذ المشاريع، فيما يركز عاطف على خطط تطوير الموظفين، يحتاج عاطف إلى سحب الموظفين من المشاريع ليحضروا دورات التدريب، يشعر كريم بالاستياء لأن غيابهم يعني انقطاعهم عن العمل في المشروع. عندما يجتمع تداخل المصالح وتباينها (كما هو الأمر في كل فريق) مع التواصل الذي يغفل قيمة احتياجات شخص ما، تكون النتيجة دائماً تقريباً تصاعد الصراع والعداء الشخصي. على سبيل المثال، في اجتماع يحاول خلاله عاطف الحصول على مدخلات، ودعم الفريق لجهود التطوير الطموحة، يهاجم كريم الطبيعة الغامضة لأهداف التدريب.
قد يستنتج المراقب الساذج أن الصراع يدور حول أهداف متنافسة أو حزازيات شخصية، لكنه ليس كذلك، المشكلة هي أن المدير غير الماهر يُحرض على نوع من التواصل الذي يضعف حجة كل طرف. إلا أن الحل واضح ومباشر مثلما هي المشكلة: عرض عملية جديرة بالثقة على المشاركين الصاخبين، وجعلهم يقطفون ثمار تلك العملية التي يمكنهم الوثوق في أنها ستسمح لهم بإسماع صوتهم. فيما يلي أربع خطوات لتحويل الصراع إلى محادثة:
1. أوقف الفوضى. المشاعر كلها لديها وتيرة معينة، العواطف الهادئة مثل السعادة والتواصل بطيئة ومقصودة، عواطف الإثارة مثل العداء، واتخاذ موقف دفاعي يكون سريع ومشوش، يتسارع النبض وتتسابق الأفكار وتندفع الكلمات. من أفضل الطرق للسيطرة على الوضع وتغيير انفعال المجموعة هو تغيير وتيرتها. أثناء محاولتك للتدخل، هدئ من وتيرة خطابك، قد تحتاج إلى رفع صوتك ديسيبل أو اثنين ليتم سماعك فوق الدمدمة، ولكن بمجرد جذب الانتباه، اخفض صوتك وسرعتك. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول ببطء وبهدوء "يا أخواني، اسمحوا لي أن آخذ لحظة من وقتكم لأقول لكم ملاحظة بسيطة".
2. الانتقال إلى العملية. الفت الانتباه إلى ما يجري بطريقة واقعية. يساعد ذلك بثلاث طرق: أولاً، تستطيع إعطاء فرصة لتهدئة الغرور والأمزجة عن طريق تغيير موضوع النقاش من التركيز على المشكلة المباشرة إلى عملية حل المشكلات. ثانياً، أنت تساعد أفراد المجموعة في تخفيف حكم كل منهم على الآخر، عن طريق منحهم عدواً واحداً مشتركاً: العملية غير الفعالة. وثالثاً، يُمكنك تعزيز نضج الفريق من خلال دعوة الجميع لتحمل المسؤولية عن إيجاد عملية أكثر فعالية. احرص على عدم الإشارة إلى أي أحد بإصبع الاتهام عن دوره في الارتباك، اعرض ما يبدو أنه يحدث دون توجيه اللوم، وما ستكون عواقب الاستمرار على المسار الحالي، ما إن تصف ما هو بديهي، اطلب من المجموعة تأكيد ملاحظتك. هذه خطوة نفسية حساسة، فعندما يعترفون صراحةً بوجود مشكلة في العملية، يصبحون ملتزمين بدعم الحل. على سبيل المثال، يمكنك المتابعة: لقد مضت حوالي 25 دقيقة ونحن نخوض هذا النقاش. من وجهة نظري، نحن نكرر الكثير من الحجج نفسها، لكننا لم نصل إلى أي مكان. أظن أن بإمكاننا قضاء ثلاث ساعات أخرى على هذا المنوال، وسنبقى في المكان نفسه. هل يرى الآخرون ما أراه بالطريقة نفسها؟
3. اقترح هيكلية. اقترح عملية تضمن سماع صوت الجميع، وإبطاء السرعة، من أجل تهدئة المشاعر، ثم اطلب الالتزام بها. على سبيل المثال، قد تقول: وفاء، لا أعتقد أننا منحناك فرصة لتوضيح حججك لإعادة تصميم المكتب، ماذا لو نسمع رأيك أولاً، سيحاول بقيتنا إعادة شرح حججك حتى تشعري أننا نفهمها بالطريقة التي ترضيك. يُقاتل أعضاء الفريق من أجل الموارد أو السلطة دفاعاً عن مصالحهم الضيقة. هل ستسير الأمور جيداً بهذه الطريقة؟
4. احترم ما يتم الاتفاق عليه. لا يخلو الأمر - رغم وضع هيكلية جديدة - من أن تؤدي المشاعر المتقدة إلى دفع البعض لمحاولة خرق الحدود المتفق عليها، عندما يحدث هذا، لا حاجة بك لأن تلجأ لمعاقبة الفاعل، كل ما عليك فعله هو الإشارة إلى حدوث تباين بين ما تم الاتفاق عليه وما يحدث، واسألهم إذا كانوا يريدون الاستمرار في التزامهم. على سبيل المثال: كامل، لقد بدأت في توضيح لماذا تجد أن إعادة تصميم المقر الآن فكرة سيئة، أعتقد أن اتفاقنا كان أن نفسح لمجال لوفاء بأن تواصل حتى تنهي ما تريد قوله، هل تريد الاستمرار في تلك العملية أم تقترح شيئاً مختلفاً؟ بالنظر إلى أن الفريق وافق على الهيكلية، فالأرجح أن يمتثل كامل للهيكلية الصحيحة، أو أن يشجعه الآخرون في الغرفة على ذلك.
هذا هو بالضبط ما فعله بن ماك آدامز عندما اقترب من المنصة خلال الجلسة العامة حول مركز موارد المشردين. حافظ على هدوئه وصبره فيما اندفع الحشد في الصياح والصراخ. وعندما لمس بعض الهدوء، قاطع الفوضى وحوَّل انتباههم إلى العملية بقوله "هذا الاجتماع مخصص لكم. فإن رغبتم في الصياح والصراخ، على الرحب والسعة، يمكنكم أن تفعلوا ذلك طوال الليل. سأستمع إليكم قدر ما تشاؤون". ثم عندما شعر أنهم قد يكونون جاهزين لرده، اقترح هيكلية. "إذا رغبتم، وعندما ترغبون في سماع ما لدي لأقوله، سآخذ دوري في الكلام، ولكن ليس قبل أن يعم الهدوء، لن أصرخ لكي تسمعوني".
هدأ الحشد وبدأ في الكلام. وسرعان ما صعد رجل من بين الجمهور إلى المنصة ووقف بالقرب من العمدة ماك آدامز. بدلاً من أن يقاتل من أجل السيطرة على المنصة، لم يفعل ماك آدمز ببساطة سوى أن يفي بالاتفاق. توجه العمدة إلى الحضور وقال "يبدو أن شخصاً ما يريد الميكروفون، سأجلس وأنتظر دوري ما لم تطلبوا مني غير ذلك". ما أن أفسح العمدة المكان للقادم الجديد، حتى صرخ الجمهور على الرجل بأن يجلس ويدع العمدة يتكلم. بعد بضع دقائق دون انقطاع، قال العمدة شيئاً قابله عدد من الحاضرين بالصراخ والألفاظ النابية. مرة أخرى، وفّى العمدة بالاتفاق من خلال الجلوس حتى بددت غضبهم وأسكتتهم مجموعة أكبر، صرخت عليهم للسماح للعمدة بإكمال كلامه.
رغم أن غالبية الحاضرين عارضوا بشدة العمدة، فقد تبدد غضبهم عندما اقترح عليهم عملية جديرة بالثقة، لقد كانوا قادرين على التريث في طرح مطالبهم العاجلة عندما وثقوا أنهم سوف يتمكنون من إسماع صوتهم حقاً.
في حين أن هناك أوقات يكون فيها الأعداء متشبثين تماماً بمواقفهم، حيث لا تكفي مثل هذه التدخلات البسيطة لحلحلة الوضع، غير أنها تنجح بالنسبة إلى الغالبية العظمى من المشاحنات داخل فرق العمل. في المرة التالية التي يبدأ فيها الصراع في الغليان خلال اجتماع تعقده، حاول التركيز على العملية بدلاً من المحتوى، وهناك احتمال أنك ستتمكن من نزع فتيل الغضب والإحباط لفترة كافية للمضي قدماً.