في فبراير/شباط، خفضت شركة "كرافت هاينز" (Kraft Heinz) المملوكة لشركة "ثري جي كابيتال" (3G Capital) قيمة علامتي "كرافت" (Kraft) و"أوسكار ماير" (Oscar Mayer) التابعتين لها بنحو 15.4 مليار دولار. ووصف الشريك المؤسس في شركة "ثري جي كابيتال" خورخي باولو ليمان خطأ "ثري جي" بعدم إنفاقها ما يكفي للحفاظ على العلامتين: "اشترينا علامات واعتقدنا أنّ ذلك سيدوم للأبد".
هل أصبحت الشركات تتهاون في التسويق والحفاظ على علاماتها التجارية؟
ثمة دليل على تضاؤل ميزانية وظيفة تسويق الشركات وعدد موظفيها وتأثيرها. وتزعم مقالة أخرى من مقالات هارفارد بزنس ريفيو أنّ الشركات لا تنفق الكثير من الطاقة والاستثمارات في التسويق للمنتجات والخدمات الجديدة كما تفعل في إنتاجها. هل هذه الادعاءات صحيحة؟ هل تغيرت التزامات الشركات إزاء التسويق مع مرور الوقت؟ قمنا بدراسة هذه المسألة مؤخراً باستخدام المعطيات.
يصعب اختبار هذه الادعاءات لأنّ النفقات على التسويق لا يُكشف عنها عادة في البيانات المالية. وعلى أي حال، تقوم الشركات بالكشف عن نفقاتها على الدعاية. وعلى الرغم من أنّ التسويق والدعاية منفصلان فإن النفقات على الدعاية يمكن أن تمثل التزام الشركة إزاء التسويق كمنهاج. ويزيد احتمال أن تلتزم شركة ذات نفقات أعلى على الدعاية التزاماً أكبر تجاه التسويق مقارنة بشركة ذات ميزانية دعاية منخفضة. وبموجب هذه الفكرة، قمنا بتقدير نسبة تكاليف الدعاية من مجموع النفقات لـ 374,242 من نقاط البيانات (ملاحظات على سنة الشركات) تمثل 33,139 شركة فريدة من عام 1975 حتى 2017. كما قمنا أيضاً بحساب النسب المشابهة للإنفاق على البحث والتطوير. على مدار السنوات الخمس والأربعين الماضية، ارتفع أحدهما بقوة، بينما تراجع الآخر. وحتى أواخر السبعينيات، أنفقت الشركات نفس القدر من المال على البحث والتطوير والدعاية. أما اليوم فهي تنفق عشرات الأضعاف على البحث والتطوير.
ويوضح المخطط أعلاه أنّ الشركات أنفقت أكثر من 1% من مجموع نفقاتها على الدعاية حتى الثمانينيات. وانخفضت هذه النسبة إلى أقل من 0.8% في السنوات الأخيرة. وخلال نفس الفترة، زاد الاستثمار في البحث والتطوير زيادة ملحوظة من أقل من 1% إلى أكثر من 7% من مجموع النفقات. ويمكن تفسير جزء من الانخفاض في الدعاية بقانون المحاسبة لعام 1994. وبالمثل، يمكن تفسير جزء من الارتفاع في البحث والتطوير بتبني الاعفاءات الضريبية المخصصة للبحث والتطوير في عام 1981. ولكن لا يمكن لأي من هذه التشريعات تفسير الاتجاهات العامة طويلة الأجل، التي تثبت وجود تحول منهجي في تركيز الشركات من التسويق إلى الهندسة والتكنولوجيا والابتكار.
ربما تعتقد أنّ هذا التوجه قد يؤثر على الطبيعة المتغيرة للشركات مع مرور الوقت. يزيد احتمال أنّ شركة أُدرجت بعد عام 1980 هي شركة تقانة حيوية، أو شركة إنترنت، وليست شركة تصنيع. إننا نعيد حساب هذه التوجهات على نحو منفصل لقطاعات التجزئة والتصنيع والتكنولوجيا. تستمر شركات التجزئة في امتلاك نفس الحجم من الانفاق على الدعاية، من 2% إلى 3% من مجموع الإنفاق، كما في الثمانينيات. وعلاوة على ذلك، لا توجد زيادة ملحوظة في جهودها على صعيد الابتكار. لم تقم هذه القطاعات بتغيير نماذج أعمالها على مدار السنوات الخمس والثلاثين الماضية، ما يفسر كفاحها إزاء الهجوم على المنافسة الذي يقوده منافسون جدد مثل أمازون. وفي المقابل، غيّر قطاع التصنيع من نموذج عمله، وهو الآن ينفق أكثر من 5% من مجموع نفقاته على البحث والتطوير. وعلى نحو معقول، جرى التعاقد من الباطن حول المزيد من الأنشطة الصناعية مع بائعين من دول متدنية الأجور، وحوّلت الشركات تركيزها إلى أنشطة عالية القيمة مثل الابتكار وتطوير المنتجات. ويتبع إنفاقها على الدعاية توجهات التوجه العام، من أكثر من 1% من الثمانينات إلى حوالي 0.8% اليوم. وتشهد الشركات التكنولوجية أبرز التغيرات. فمنذ عام 1995، أهدرت هذه الشركات أكثر من 10% من نفقاتها على البحث والتطوير، وأقل من 1% على الدعاية. وصرف القطاع الأسرع نمواً في العقود الثلاثة الماضية تركيزه عن التسويق إلى الابتكار وتطوير المنتجات.
وقد درسنا أيضاً الفروقات بين الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، بناءً على إيراداتها من المبيعات.
فبينما حدث الاختلاف الأبرز للشركات الصغيرة، صرفت الشركات الكبيرة تركيزها عن التسويق إلى الهندسة والتكنولوجيا والابتكار. وقد يمثل هذا بعض سمات عصرنا، حيث لا شركة آمنة اليوم ودون ابتكار.
وأخيراً، نظرنا إلى الانفاق لدى الشركات الثلاث الأكبر في قائمة فوربس لأعلى العلامات التجارية قيمة لعام 2018. "آبل"، و"ألفابت" (جوجل)، و"مايكروسوفت". بينما أنفقت آبل على الدعاية أكثر من أعمال البحث والتطوير في سنواتها الأولى فإنها عكست أنماط إنفاقها في بدايات التسعينيات. وفي السنوات الأخيرة، لم تعلن "آبل" عن إنفاقها على الدعاية بشكل منفصل، ما يشير إلى انخفاض أقل من 1% من نفقاتها. وعادة ما تنفق "مايكروسوفت" و"ألفابت" مبالغ أكبر بكثير على البحث والتطوير مقارنة بالدعاية. ومن الواضح أنّ هذه الشركات حققت أكثر العلامات شهرة وقيمة على هذا الكوكب، ليس بقوة الأموال التي تصرفها على الدعاية فحسب، بل من خلال تفوقها التكنولوجي وأفكارها الفذّة على مستوى الأعمال.
يوجد العديد من التفسيرات الأخرى التي يمكن أن تفسر نتائجنا إلى حد ما. أولاً، قد تعتمد الشركات على اعتماداً متزايداً على العلامات التي تشتريها بدلاً من تطويرها بشكل أساسي. ثانياً، يمكن للشركات تحقيق فوائد أكبر من أموال الدعاية، من خلال معرفة دقيقة بزبائنها، ومن خلال عمليات متابعة وتحليل متطورة. يجب أن تحقق الدعاية المعروضة على زبون معين على موقع فيسبوك نجاحاً أكبر من الدعاية المطبوعة في إحدى المجلات، وهي أرخص منها. ثالثاً، يزيد اعتماد الشركات على الشبكات النظيرة والسمعة الطيبة والمدونات وخدمات البيع المتبادل من أجل ترسيخ علاماتها التجارية. رابعاً، قد يكون مؤسسو الشركات الجديدة أكثر ولعاً باستكشاف تكنولوجيات جديدة مقارنة بالنجاح على صعيد التسويق.
ولكن من المعقول على الأقل أنّ التسويق فقد أهميته بالنسبة للهندسة والتكنولوجيا وتطوير المنتجات. ونحن لا نقول بالضرورة إنّ هذا ما يحدث. ولكن إن كان هذا صحيحاً، فسيكون له تأثيرات عميقة على الهياكل التنظيمية وتخطيط القوى البشرية وتعليم الإدارة.