هل ترى نفسك شخصاً ذا إنتاجية عالية؟
تعلمنا كثيراً من الأمور حول الإنتاجية الشخصية وما الذي يجعل بعض الأشخاص أكثر إنتاجية من غيرهم، إذ نشرنا العام الماضي استبانة رأي لمساعدة الموظفين في تقييم إنتاجيتهم، عرَّفنا فيها الإنتاجية على أنها العادات المرتبطة بشكل وثيق بإنجاز مزيد من المهمات كل يوم. وركزت هذه الاستبانة على سبع عادات هي: وضع روتين يومي، وتخطيط جدولك الزمني، ومتابعة الرسائل، وإنجاز الكثير من الأعمال وإدارة الاجتماعات بكفاءة، وصقل مهارات التواصل، وتفويض المهمات للآخرين.
وبعد تلقي البيانات وفرزها، حصلنا على مجموع إجابات لعدد 19,957 شخصاً استطلعنا آراءهم عبر القارات الست. كان نصفهم تقريباً من سكان أميركا الشمالية، في حين كانت نسبة 21% منهم من أوروبا، و19% كانوا من سكان آسيا. أما نسبة الـ 10% المتبقية، فقد توزعت النسبة الأكبر منها على أستراليا ثم بعدها أميركا الجنوبية وأخيراً أفريقيا.
وكانت ثمة حدود لهذه الاستبانة، إذ كانت عينة المستجيبين مثلاً من قراء مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" ممن قدموا تقييماتهم عن إنتاجيتهم بشكل ذاتي، بدلاً من قياسها موضوعياً. ولكننا نعتقد في الوقت ذاته أن نتائج تلك الاستبانة توفر معلومات مفيدة حيال عادات الإنتاجية الهامة والتحديات التي تواجه الموظفين.
وبرزت في تلك الدراسة ثلاثة أنماط عامة: أولاً، لا يعني إطالة فترات العمل إلى ساعات أطول زيادة الإنتاجية الشخصية بالضرورة، إذ إن العمل بشكل أكثر ذكاء هو المفتاح لإنجاز المزيد من أولويات العمل الأهم كل يوم. ثانياً، كان لكل من السن والأقدمية ارتباط وثيق بمستوى الإنتاجية الشخصية، إذ سجّل أصحاب العمر الأكبر والموظفون ذوو الأقدمية الأكبر درجات أعلى في الإنتاجية مقارنة بزملائهم ذوي العمر الأصغر والأقدمية الأقل. ثالثاً، كانت تصنيفات الإنتاجية الإجمالية للعاملين الذكور والإناث تقريباً متشابهة، لكن كان هناك اختلافات بين الجنسين في عادات معينة متصلة بتعزيز الإنتاجية الشخصية.
وبشكل أكثر تحديداً، وجدنا ميل الموظفين ذوي درجات الإنتاجية الأعلى إلى أداء مجموعة العادات نفسها بشكل جيد، ذلك أنهم كانوا يخططون عملهم استناداً إلى أهم أولوياتهم، ثم يتصرفون وفقاً لهدف محدد، فضلاً عن وضعهم لتقنيات فاعلة لإدارة الكم الكبير من المعلومات والمهمات. كما كانوا يتفهمون احتياجات زملائهم، إذ كانوا يجرون اجتماعات قصيرة ويقدمون تواصلاً مستمراً وتوجيهات واضحة.
ولنخض الآن بشكل أعمق في نتائج الاستبانة. فيما يتعلق بالناحية الجغرافية، كان معدل درجات الإنتاجية الخاصة بمن استُطلعت آراؤهم في أميركا الشمالية متوسطاً، على الرغم من ميل الأميركيين إلى زيادة ساعات العمل ساعات. كما كانت نتيجة أميركا الشمالية أقل بكثير من معدل درجات الإنتاجية للمستجيبين من أوروبا وآسيا وأستراليا. لكنها على الجانب الآخر، كانت أعلى بكثير من معدل درجات الإنتاجية لسكان أميركا الجنوبية وأفريقيا (لكن علينا أن نذكّر ثانية بأن البيانات التي حصلنا عليها من تلك الأماكن كانت أقل).
وعند النظر المتعمق في تلك البيانات، وجدنا أن معدلات الإنتاجية الأكبر في أوروبا وآسيا وأستراليا كانت مدفوعة بعادات قوية في بعض المجالات مثل الجداول الزمنية اليومية، وعدم التحقق بشكل مستمر من الرسائل، والتركيز المبكر على المنتج النهائي، والتفكير بعناية قبل القراءة أو الكتابة.
وبينما أظهرت استبانتنا اختلافات كبيرة على مستوى دول القارة الأوروبية، كان الفرق بين درجات الإناث والذكور في حده الأدنى. وبشكل عام، كانت نسبة 55% من المستجيبين للدراسة من الذكور و45% من الإناث.
وكان هناك بعض الاختلافات جديرة بالذكر في كيفية تحقيق النساء والذكور معدلات إنتاجية مثمرة، فقد مالت النساء إلى تسجيل علامات مرتفعة بشكل خاص عندما تعلق الأمر بإدارة الاجتماعات بكفاءة؛ إذ كانت النساء أكثر عرضة لإرسال جدول أعمال مسبق بنقاط الاجتماع مقارنة بالرجال، فضلاً عن إبقاء مدة الاجتماعات أقل من 90 دقيقة، وإنهائها بالتوصل إلى اتفاق بشأن الخطوات المقبلة. كما كانت النساء أيضاً أكثر عرضة لذكر أنهن يحرصن على إعداد جداول عملهن في الليلة السابقة، ويستجبن لرسائل البريد الإلكتروني الهامة بالرد عليها مباشرة.
وعلى النقيض من ذلك، ما تعلق بأداء الرجال، فكان جيداً على وجه الخصوص عندما ارتبط الأمر بالتعامل مع كميات الرسائل الكبيرة المرسلة إليهم، إذ كانوا لا يستغرقون في النظر إلى الرسائل التي يتلقونها ويتخطون تلك التي ذات قيمة منخفضة. وكانوا أيضاً أكثر عرضة لترك أماكن شاغرة في جدول أعمالهم اليومي، والوصول بسرعة إلى المنتج النهائي، ووضع الخطوط العريضة قبل تدوين المذكرات.
وبجانب الجغرافيا ونوع الجنس، حرصنا على تحليل الردود على استبانتنا بحسب السن والأقدمية، ذلك أننا صنَّفنا خمس فئات عمرية، وكانت أعمار معظم المستجيبين أقل من 30 عاماً والنسبة الأقل منهم زادت أعمارهم عن 60 عاماً. ووجدنا أن علامات الإنتاجية ازدادت بشكل طردي مع مستوى التقدم في السن، وهو اتجاه يبدو أنه يعكس الفوائد من سنوات الخبرة حول تعلّم كيفية العمل بصورة أكثر ذكاء. وكانت الأسباب الكامنة وراء علامات الإنتاجية الأعلى بالنسبة إلى ذوي الأعمار الأكبر تكمن في تطويرهم العادات الأربع التالية بشكل أكبر: وضع إجراءات روتينية للأنشطة ذات القيمة المنخفضة، وإدارة تدفق الرسائل، وإدارة الاجتماعات بكفاءة، وتفويض المهمات للآخرين.
وكان القصة مشابهة إلى حد ما عندما تعلق الأمر بالأقدمية، إذ كانت هناك خمسة مستويات للأقدمية سائدة في استبانتنا، مع تخصيص الرقم 5 للأقل أقدمية، والرقم 1 لذوي الأقدمية الأكبر. وكان عدد المستجيبين قليلي الأقدمية أعلى مقارنة بذوي الأقدمية الأكبر. وكما هي الحال مع العمر، كانت علامات الإنتاجية أعلى بشكل يتناسب طردياً مع مستويات الأقدمية. ويشير هذه بدوره إلى أن سبب امتلاك الموظفين للأقدمية المهنية يعود جزئياً إلى وجود عادات إنتاجية أفضل لديهم (أو ربما العكس، بمعنى أنهم اكتسبوا عادات الإنتاجية الأفضل عندما أصبحوا أكثر أقدمية). بَيد أن عوامل حصول ذوي الأقدمية الأكبر على درجات أعلى كانت مختلفة مقارنة بأولئك ذوي الأعمار الأكبر، إذ مال المستجيبون ذوو الأقدمية الأكبر إلى تطوير إنتاجية أعلى عبر تحسين تخطيط الجداول الزمنية، وإنجاز الكثير، وامتلاك مهارات تواصل أقوى.
وأخيراً، ركّزنا على النهايتين في كل فئة من الفئات الديموغرافية الأربع. وهما اللتان حددناهما على أنها تشملان جميع المستجيبين ممن مجموع درجاتهم خارج نطاق الانحرافات المعيارية للفئات في الوسط. وقد تألفت النهاية اليسرى من أولئك الذين حققوا أدنى الدرجات، في حين تألفت النهاية اليمنى ممن حققوا أعلاها. ولم نجد أي أنماط جغرافية أو غيرها المرتبطة بنوع الجنس مميزة في كلتا النهايتين، مع أننا لاحظنا وجود عدد قليل جداً من الأشخاص ذوي العمر الأقل والأقدمية الأقل على النهاية الخاصة بمن حققوا درجات أعلى.
وقد كان الموظفون في النهاية اليمنى مع أعلى الدرجات الإنتاجية بارعين بشكل خاص في التغلب على المماطلة، والحصول على المنتج النهائي، والتركيز على الإنجازات اليومية. في حين وضع عدد من الموظفين – ممن كانت لديهم أدنى الدرجات في الإنتاجية – أهمية أقل لتلك العادات الثلاثة السابقة. كما كان الموظفون في النهاية اليمنى أفضل بكثير في التخطيط المسبق، من ناحية مراجعة جداول عملهم في الليلة السابقة للاجتماع، وإرسال جدول أعمال الاجتماع، وتحديد مقاييس النجاح لفرقهم. في حين كان لدى الموظفين على النهاية اليسرى درجات منخفضة فيما يتعلق بالتخطيط المسبق. كما لم يكن لديهم أوقات شاغرة في جداولهم، ولم يحددوا الخطوط العريضة قبل تدوين مذكراتهم.
عادات من أجل زيادة الإنتاجية
ومن ثَم، ما الأمور التي يمكن للموظفين أن يتعلموها من تلك الاستبانة؟ إذا كنت تريد أن تصبح أكثر إنتاجية، يجب أن نحرص على تطوير مجموعة عادات معينة.
أولاً، تخطيط عملك استناداً إلى أهم أولوياتك، ثم التصرف مع هدف محدد.
- مراجعة جدولك اليومي في الليلة السابقة للتأكيد على أولوياتك. تدوين هدفك من كل موعد لديك في جدول أعمالك.
- إرسال جدول أعمال مفصّل لجميع المشاركين قبل انعقاد أي اجتماع.
- تدوين الاستنتاجات الأولية في أقرب وقت ممكن عند الشروع في المشاريع الكبيرة.
- تحديد الهدف الخاص بك من أي مادة طويلة قبل قراءتها.
- إنشاء مخطط عام بترتيب منطقي لمساعدتك في البقاء على المسار الصحيح قبل كتابة أي مواد طويلة.
ثانياً، تطوير تقنيات فاعلة لإدارة الكميات الزائدة من المعلومات والمهمات.
- حوّل العمليات اليومية، مثل ارتداء الملابس أو تناول وجبة الإفطار، إلى أمور روتينية حتى لا تقضي وقتاً في التفكير فيها.
- اترك وقتاً في جدولك اليومي للتعامل مع حالات الطوارئ والأحداث غير المخطط لها.
- تحقق من شاشات أجهزتك الإلكترونية مرة كل ساعة، بدلاً من مرة كل بضع دقائق.
- تخطّ أغلبية الرسائل المرسَلة إليك من خلال النظر إلى العنوان والمرسِل.
- قسّم المشاريع الكبيرة إلى أجزاء، وكافئ نفسك على إكمال كل جزء منها.
- فوّض الآخرين، إذا كان ذلك ممكناً، بكل المهمات التي تراها غير ذات أولوية لك.
ثالثاً، تفهّم حاجة زملائك للاجتماعات القصيرة، وعمليات التواصل الفاعلة، والتعليمات الواضحة.
- قلِّل من وقت أي اجتماع ليصبح 90 دقيقة على الأكثر، مع أفضلية أن يكون أقل من ذلك. احرص على إنهاء كل اجتماع بتحديد الخطوات القادمة والمسؤولين عنها.
- عليك بالرد الفوري على الرسائل القادمة من أشخاص مهمين بالنسبة إليك.
- تحدَّث مستعملاً ملاحظات قليلة مكتوبة، لجذب اهتمام الجمهور، بدلاً من قراءة نص كامل مُعد مسبقاً.
- ضع الأهداف الواضحة ومقاييس النجاح لأي مجهود يؤديه الفريق.
- اتخِذ إجراءات لمنع أي أخطاء مستقبلية، من أجل تحسين أداء فريقك، بدلاً من التعلل بإلقاء اللوم على الآخرين.