هل يمكن حقاً إمداد المؤسسة بطاقة الحب؟

5 دقيقة
طاقة الحب
فينسنت تشوي لمجلة هارفارد بزنس ريفيو

أكد تولستوي أن "سعادة الإنسان في هذا العالم مرهونة بالعمل والحب". وقال فرويد: "الحب والعمل عماد البشرية".

الحب والعمل.

يؤكد تولستوي وفرويد أننا بحاجة إلى ممارسة كل من الحب والعمل؛ وبرأيي أننا بحاجة إلى ممارسة كليهما في الوقت نفسه.

لطالما سمعنا عن فضيلة الحب وقوته خارج سياق الأعمال؛ فهو عنصر أساسي في معظم التقاليد الدينية والروحية؛ ويُشيد علماء النفس بأهميته في تعزيز سعادة الإنسان؛ ويسبر الفنانون والفلاسفة أغواره.

وبناءً على هذه الحقائق، إليك سؤالي: إذا تحدث كل شخص على وجه الأرض تقريباً عن أهمية الحب في رفاهة الإنسان في مرحلة ما من حياته، فلماذا لا يحظى الحب بتركيز كافٍ في سياق العمل؟ يبدو أننا نتفق، وبصورة جماعية، على أن هذا المفهوم الإيجابي العالمي ليس مناسباً في المكان الذي نقضي فيه الجزء الأكبر من ساعات حياتنا.

لكن يبدو هذا الافتراض غير واقعي على الإطلاق؛ وهو ما دفعني إلى إجراء بحوث مع ليندا روبسون لاستكشاف هذه الظاهرة.

ما يدعو للتفاؤل هو أن الحب ليس مفقوداً تماماً من مؤسساتنا، على عكس التصور السائد.

تُشير بعض الشركات المعروفة جداً بوضوح إلى الحب في ثقافتها، مثل شركتي هوول فودز (Whole Foods) (خصص المؤسس جون ماكي فصلاً كاملاً عن الحب في كتابه الذي يحمل عنوان "الرأسمالية الواعية" (Conscious Capitalism)) وشركة ساوث ويست أيرلاينز (Southwest Airlines) (رمز تداولها في بورصة نيويورك هو "LUV"، بمعنى الحب). كما يستنتج جيمس كوزيز وباري بوزنر في كتابهما الأكثر مبيعاً في مجال القيادة، "تحدي القيادة" (The Leadership Challenge)، أن الحب هو "سر الحياة" ويعتبرانه "سر النجاح" في القيادة. واطّلعنا أيضاً على كتب نُشرت في مجال القيادة كتبها قادة محترمون، مثل جون هوب براينت، "القيادة بالحب" (Love Leadership) وجويل مانبي "الحب استراتيجية ناجحة" (Love Works)، دعيا فيها إلى نشر الحب في سياق العمل. وأظهرت سيغال بارساد وأوليفيا أونيل في مجال البحوث المؤسسية أن ثقافة الحب تتوافق مع زيادة في مستويات الرضا الوظيفي والعمل الجماعي وتحسين نتائج العملاء.

ولتوسيع نطاق المعرفة في هذا المجال، أردفُ هنا بعض الملاحظات والاقتراحات حول الحب في المؤسسات استناداً إلى البحوث التي أجريناها مع مسؤولين تنفيذيين في مستويات إدارية مختلفة ضمن العديد من المؤسسات، من الخدمات المالية والمؤسسات غير الربحية وحتى فرق الرياضة الفائزة بالبطولات.

استخدام كلمة "الحب" ليس ضرورياً

هل هناك كلمة يمثّل تعريفها تحدياً صعباً أكثر من كلمة "الحب"؟ اكتشفنا في محادثاتنا مع المسؤولين التنفيذيين الذين يصفون أنفسهم بالقادة الموجّهين بالحب أن البعض منهم يفضلون استخدام الكلمة مباشرة لوصف نهجهم القيادي، في حين يفضّل بعضهم الآخر عدم استخدامها. فضلاً عن ذلك، قد يتباين معنى الكلمة وفهمها بينهم. واستنتجنا بالتالي أنه لا داعي للتركيز على تعريف كلمة الحب؛ وقد تفضل أنت حتى استخدام كلمات أخرى مثل التعاطف، أو الاحترام، أو اللطف، ولا بأس في ذلك، فكلها تشير إلى الفكرة الأساسية نفسها، وهي التعبير المتعمّد عن الاهتمام برفاهة الآخرين. فكّر فيما تعنيه هذه الكلمة بالنسبة لك فقط ثم طبق ما توصلت إليه عملياً. فضلاً عن ذلك، أنت لست مضطراً للحديث عن الحب في عملك، ولا يتحدث العديد من المسؤولين التنفيذيين الذين أجرينا محادثات معهم عنه صراحة، بل يَدَعون إجراءاتهم وسياساتهم ومنتجاتهم وخدماتهم تؤدي تلك المهمة عنهم.

الحب يشبه نظام التشغيل

استنتجنا أنه من المجدي فهم معنى الحب في سياق الأعمال بصفته نوعاً من الفلسفة أو العقلية أو النية. وقد تتجسّد هذه الفلسفة من خلال الإجراءات والسلوكيات اليومية. بمعنى آخر، لا يوجد قائمة محددة من السلوكيات أو الجدارات المرتبطة بالحب. والأهم من ذلك، لا يحل الحب محلّ المجالات الوظيفية، مثل الاستراتيجية، والماليات، والمبيعات، وتطوير المنتجات، والموارد البشرية. ونقترح بدلاً من ذلك أن يمثّل الحب نظام التشغيل المثالي للمؤسسة، ولنطلق عليه "نظام العمل بالحب". يدعم نظام العمل بالحب عمليات فرق الاستراتيجية والماليات، وغيرها. ونحن نعلم من مجال التكنولوجيا أن وجود نظام تشغيل رائع يعني عمل التطبيقات بكفاءة، سواء بصورة مستقلة أو عند تفاعلها مع بعضها بعضاً.

وعلى الرغم من أن تشبيه الحب بالتكنولوجيا هو مجرد استعارة تقنية، استنتجنا في محادثاتنا مع المسؤولين التنفيذيين أن شرح مفهوم الحب بالحديث عن أهمية نظام التشغيل لتحقيق التكامل الوظيفي أسلوب ناجح، على الرغم من أن نظام التشغيل أقل وضوحاً من التطبيقات ذاتها.

الحب لا يعني حياة وردية

قد يكون التعبير عن الحب في مكان العمل صعباً ويمثّل تحدياً كبيراً؛ وهو يشمل القدرة على التعامل مع النزاعات والمحادثات الصعبة. وعبّر مارتن لوثر كينغ عن ذلك بقوله: "القوة بلا حب تهوّر وجور، والحب بلا قوة عاطفة وضعف".

كشفت بحوثنا العديد من الأمثلة عن المؤسسات التي تتبنى الحب في فلسفتها، بما فيها الفرق الفائزة بكأس السوبر بول (سياتل سيهوكس)، والفرق الفائزة ببطولات الرغبي المحترفة (نادي ساراسنز للرغبي)، ورواد الأعمال الذين يعملون بجد لدفع كشوف الرواتب، والمؤسسات الكبيرة التي تواجه صعوبات في التعامل مع عمليات تسريح العاملين.

ويستخدم القادة مصطلح "الحب الصعب" عادة لوصف كيفية تفكيرهم في هذه الجوانب من العمل. والحب هنا لا يعني الامتثال أو التوافق المُطلق أو الالتزام الإجباري أو غير الصادق بتحقيق التآلف.

الحب معدٍ وينتقل من الزملاء إلى الموردين وحتى الكوكب بأكمله

يتجلى التعبير عن الحب في مستويات متعددة من بيئة العمل. ونشهد أحياناً تعبيرات عن الحب بين الزملاء، وضمن الفرق، وداخل الشركة ككل أيضاً من خلال ممارسات الموارد البشرية؛ وقد يمتد خارج المؤسسة حتى ليشمل العلاقات مع الموردين والعملاء وأصحاب المصالح الآخرين. واقترحت سابقاً أن الحب هو القوة الدافعة التي تقف وراء مواطنة الشركات والاستدامة. ونعتقد أن الحب علاج ضروري للعديد من التحديات التي تواجه مجتمعاتنا وكوكبنا.

الحب موضوع نقاش سهل في الشركات التي يُديرها المؤسسون، أو الشركات العائلية، وفي المؤسسات العسكرية

اكتشفنا بصورة غير متوقعة أن بعض أنواع المؤسسات تكون بيئات طبيعية للحب. ويكشف تحليلنا أن الإشارات المتكررة إلى الحب تكون أكثر شيوعاً في الشركات التي يديرها المؤسسون، والشركات العائلية، والمؤسسات العسكرية. ما السبب في ذلك؟ وجدنا أن الحب يتطلّب مستويات عالية من التخصيص والاهتمام الشخصي، وهو أمر مفقود في الشركات التي تعامل الموظف بصفته آلة خالية من المشاعر.

هل يعني ذلك استحالة أن تكون المؤسسات الكبيرة موجهة بالحب؟ كلا؛ لكن عليها البدء من نطاق تأثير أصغر، مثل الفرق، بدلاً من الانتظار أو الأمل في تغيير المؤسسة بأكملها، أو إرسال الرئيس التنفيذي رسالة إلكترونية لكل الموظفين يُعرب فيها عن حبه.

الشك والازدواجية أمران طبيعيان تماماً

توصلنا على مدى سنوات من دراسة مفهوم الحب إلى أنه موضوع مفاجئ ويثير بعض التساؤلات. فالحديث عن الحب ليس شائعاً. وجميعنا يعرف ذلك. ونقدم هنا اثنتين من الرؤى الثاقبة. أولاً، إذا كنت مهتماً بموضوع الحب، فلتعلم أنه يتعارض مع النظرة الشائعة حول كيفية ممارسة الأعمال التجارية. ولهذا السبب، تتطلب القيادة بالحب شجاعة كبيرة؛ فالتعامل بالحب هو سلوك قيادي، بغض النظر عن منصبك الرسمي في المؤسسة.

ثانياً، تعلمنا أن الحديث عن الحب يثير تأملات أعمق لدى المستمع حول علاقته الشخصية بموضوع الحب وتاريخ عمله وعلاقاته الشخصية منذ الطفولة حتى. بمعنى آخر، قد يكون الشخص الذي يعارض فكرة الحب واجه تجربة سيئة في الماضي، وردة فعله تلك مفهومة تماماً ومحل تقدير واحترام. ووجدنا من تجربتنا الشخصية أن إقناع الموظفين بقيمة الحب لا يؤتي ثماره بنجاح.

الحب موجود في حياتنا دائماً، وعلينا التركيز عليه فقط

نتلقى السؤال التالي دائماً: "كيف يمكنني نشر ثقافة الحب في مؤسستي؟" لكن السؤال الأفضل باعتقادنا هو: "كيف يمكنني تعزيز الحب الموجود بالفعل في المؤسسة ودعمه؟" الحب مثل إشارة الواي فاي، بمعنى أن عدم رؤيتنا لها، وأحياناً عدم التركيز عليها، لا يعني أنها غير موجودة. والأمر الرائع في الحب هو أنه موجود دائماً، وكل ما علينا فعله هو التركيز عليه فقط لنرى آثاره. يتجلى وجود الحب خلال يوم العمل العادي عبر التفاعلات البسيطة التي قد يغفل عنها الناس بسهولة؛ مثل الابتسامة الترحيبية في الصباح، أو الكلمة اللطيفة من زميل بخصوص إسهامك في مشروع ما، أو إبداء الاهتمام أو تقديم المساعدة لزميل يواجه بعض الصعوبات، أو تعبير بسيط عن الامتنان، أو شكر شخص غريب.

تتمثّل رسالتنا الأهم لك بصفتك قارئاً في أن الحب ليس غريباً ولا مفقوداً في مؤسساتنا. وإذا اعتبرت الحب مسعى يستحق العناء في أي جانب من جوانب حياتك، فأنت تمتلك بذلك الفرصة للتعبير عن الحب طوال حياتك، بما في ذلك في مكان العمل. لذا، التزم بالتعبير عن الحب في العمل، سواء كنت قائداً، أو زميلاً، أو مزوداً للسلع والخدمات، وستجسد بذلك فلسفة تكمن في صميم جميع تعاليم الحياة الهنيئة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي