التقيت وزملائي، أثناء رحلة إلى نيروبي في كينيا منذ ما يزيد على عام، بصبي من شعب الماساي يدعى ريتشارد توريري، يبلغ من العمر 12 عاماً، ليروي لنا آنذاك قصة ساحرة ستقودنا إلى أهمية إدراك كيفية إلقاء عرض تقديمي. كانت عائلته تربي الماشية على أطراف محمية واسعة للحياة البرية، وكان أحد أكبر التحديات هناك هو حماية الماشية من فتك الأسود، وخاصة أثناء الليل. لاحظ ريتشارد أن تثبيت المصابيح في الحقل لم يردع هجمات الأسود، ولكن عندما سار في الحقل حاملاً المصباح بيده، لم تقترب الأسود. كان مهتماً بالإلكترونيات منذ صغره، يحاول التعلم ذاتياً بتفكيك مذياع والديه مثلاً. واستخدم تلك الخبرة في أن يبتكر نظام إضاءة تسلسليّاً – مستخدماً ألواحاً للطاقة الشمسية وبطارية سيارة ومؤشر دراجة ضوئياً – وبالتالي خلق نوعاً من تأثير الحركة التي كان يأمل أن تخيف الأسود. وحال تركيبه للأضواء، توقفت الأسود عن الهجوم. وسرعان ما بدأت القرى في أماكن أخرى من كينيا بتركيب "أضواء الأسود" التي ابتكرها ريتشارد.
كانت قصةً ملهمةً تستحق جمهوراً أكبر يمكن لمؤتمر "تيد" (TED) أن يوفره. ولكن ظاهرياً، لم يكن ريتشارد مرشحاً ليلقي خطاباً في مؤتمرات "تيد"، وذلك لما يتملّكه من خجل هائل، ولغة إنجليزية متلعثمة. فعندما حاول وصف ابتكاره، بدأت الجمل تتناثر منه دون أي ترابط. وصراحةً، كان من الصعب تصور صبي قارب سن المراهقة يقف على المنصة أمام 1,400 من الأشخاص المعتادين على الاستماع إلى متحدثين بارزين، مثل بيل غيتس وكين روبنسون وجيل بولت تايلور.
لكن قصة ريتشارد كان مقنعة لدرجة أننا دعوناه لإلقاء الخطاب. وفي الأشهر التي سبقت المؤتمر المنعقد في عام 2013، عملنا معه على صياغة قصته، لإيجاد نقطة بداية مناسبة، وتطوير منحنى منطقي وموجز للأحداث. فاز ريتشارد على خلفية ابتكاره بمنحة إلى إحدى أفضل المدارس في كينيا، حيث أتيحت له الفرصة هناك للتدرب عدة مرات على إلقاء الخطاب أمام جمهور مباشر. كان من الأهمية بمكان بناء ثقته بنفسه إلى الحد الذي يمكن لشخصيته أن ترى النور. وعندما ألقى خطابه أخيراً في مؤتمر "تيد" في لونغ بيتش، كان بالإمكان ملاحظة توتره، لكن لم يزده ذلك سوى جاذبيةً – فكان الناس متلهفين لكل كلمة ينطقها. كانت الثقة موجودة، وفي كل مرة يبتسم فيها ريتشارد تذوب قلوب الحاضرين. وعندما انتهى من خطابه، كانت ردود الفعل فورية: تحية بالوقوف والتصفيق المتواصل.
اقرأ أيضاً: كيف تنظم عرضك التقديمي على شكل قصة؟
منذ انعقاد مؤتمر "تيد" الأول قبل 30 عاماً، ألقى جميع أنواع المتحدثين خطاباتهم بدئاً من الذين يشعرون بالاطمئنان أمام الجماهير من شخصيات سياسية وموسيقيين وشخصيات تلفزيونية، وصولاً إلى العلماء والمؤلفين الأقل شهرة، الذين يشعر بعضهم بعدم الارتياح التام في العروض التقديمية. وكان سعينا على مر السنين في تطوير عملية تساعد أصحاب العروض التقديمية قليلي الخبرة في الصياغة والتدرب وإلقاء خطاب يستمتع به الناس. حيث نبدأ عادةً قبل الحدث بـ 6 إلى 9 أشهر، لإعطاء دورات في إعداد (ومراجعة) النص، وعمل تدريبات أداء متكررة، والكثير من مراحل التنقيح والتحسين. ونعمل باستمرار على تعديل نهجنا – ذلك أن فن الخطابة يتطور في الوقت الحالي – ولكن إذا أردنا إطلاق أحكامنا اعتماداً على رد فعل الجماهير، فإن هذا النظام يعمل بشكل جيد: فمنذ أن بدأنا في رفع محادثات "تيد" على الإنترنت عام 2006، وصل عدد المشاهدات إلى أكثر من مليار مشاهدة.
كيفية إلقاء عرض تقديمي بشكل مؤثر
وبالنظر إلى التجربة المذكورة آنفاً، فإنني على يقين من أن إلقاء خطاب جيد أمر قابل للتدريب إلى درجة كبيرة. ففي غضون ساعات يمكن تحويل محتوى خطاب المتحدث وطريقة إلقائه من خطاب مشوّش إلى خطاب ساحر. وعلى الرغم من تركز تجربة فريقي على الصيغة التقليدية للخطاب التي تستمر 18 دقيقة أو ما يقل عن ذلك، فإن الدروس التي تعلمناها مفيدة بالتأكيد لمقدمي العروض الآخرين، سواء كان مديراً تنفيذياً يقوم بجولة ترويجية من أجل الطرح الأوليّ للاكتتاب العام، أو مديراً للتسويق يكشف النقاب عن منتج جديد، أو شركة ناشئة تبحث عن رؤوس أموال مجازفة.
عليك بصياغة قصتك
من غير الممكن إلقاء خطاب جيد دون موضوع يستحق الحديث عنه. فالجزء الجوهري في التحضير للخطاب يكمن في تصور وصياغة ما تريد قوله.
اعثر على التركيبة المثالية من البيانات والنبذة الوصفية
نانسي دوارتي
تنتهج معظم العروض التقديمية طريقاً وسطاً بين التقرير والقصة. إذ يتيح التقرير بيانات وافرة، وهو وافٍ وحافل بالمعلومات، لكنه ليس جاذباً كثيراً. بينما تساعد القصص المتحدث في التواصل مع الجمهور، لكن المستمعين غالباً ما يريدون حقائق ومعلومات أيضاً. ويُدرج مقدمو العروض التقديمية البارعون القصة والمعلومات الهينة ويفهمون أن المحاضرات باختلاف أنواعها تتطلب مقومات مختلفة.
"من الحرفية والمعلومات والوقائع والشمول في التقرير..."
نتائج الأبحاث
إذا كان هدفك هو إيصال معلومات من تقرير مكتوب، فارسل مستندات العرض التقديمي كاملة بصورة مسبقة واحصر العرض التقديمي على التوصيات الرئيسة. ويجدر بك ألا تقدم عرضك التقديمي مستخدماً عرض الشرائح المطولة التي تكرر جميع النتائج التي توصلت إليها. إذ يمكن لأي شخص يرغب في قراءة التقرير أن يفعل ذلك، فيما سيجد الإيجاز الاستحسان من الجميع.
العرض التقديمي المالي
يحب جمهور العروض التقديمية المالية البيانات ويرغبون في التفاصيل. لذا، يجدر بك إشباع نهمهم للتحليل بعرض الحقائق، لكن ينبغي أن تضيف سمة النبذة الوصفية لاجتذاب الجانب العاطفي لديهم. ومن ثم، تقديم التوصيات الرئيسة لمساعدتهم في استخلاص مغزى من الأرقام.
طرح المنتج
بدلاً من تغطية المواصفات والسمات فحسب، يجدر بك التركيز على القيمة التي يحققها منتجك لقطاعات الزبائن التي تخدمها. ويمكن أن تروي قصصاً تبيّن كيف أن الأشخاص الواقعيين سيستخدمون منتجك، ولماذا سيغير هذا المنتج حياتهم.
عملية الترويج للحصول على رأس المال الاستثماري
يجدر بك، استعداداً لقضاء نصف ساعة مع صاحب رأسمال استثماري، تحضير قصة بيّنة ومحكمة تعبّر عن أفكارك على نحو مقنع في عشر دقائق أو أقل من ذلك، ومن ثم دع عملية طرح الأسئلة والإجابة عنها تقود بقية الاجتماع. وينبغي أن تتوقع الأسئلة التي ستُطرح عليك وتتدرب على أجوبة واضحة ودقيقة لها. الخطاب الرئيس
تنطوي الخطابات الرسمية في المناسبات المهمة على مخاطر عالية وفرص بالغة الأثر لأخذ جمهورك في رحلة ستُحدث تغييراً في مفاهيمهم. يجب أن تستخدم إطار قصة واضحة وتسعى إلى إشراكهم عاطفياً.
"... إلى الدراما والطابع التجريبي واستثارة العواطف والإقناع في القصة".
نانسي دوارتي (Nancy Duarte): مؤلفة "دليل هارفارد بزنس ريفيو لتقديم عروض تقديمية مقنعة وعلمية وتلقى الاستحسان". وهي الرئيسة التنفيذية لشركة "دوارتي إنك" (Duarte, Inc.) التي تصمم العروض التقديمية وتقوم بتعليم كيفية إنشاء العروض التقديمية.
ونعلم جميعاً ارتباط البشر الوثيق بالإصغاء للقصص، وأن الاستعارات الجزلة في البنية السردية تُعد من أفضل الطرق لجذب انتباه المستمعين. فعندما أتخيل عروضاً تقديمة جذابة، يتبادر إلى ذهني تلك التي تصطحب الجمهور في رحلة بعيدة. إن الخطاب الناجح حقاً معجزة صغيرة، حيث يرى المستمعون العالم بشكل مختلف بعد سماعه.
إن اعتمدت صياغة خطابك على أن يبدو كرحلة، فأهم القرارات تكمن في تحديد مكان البدء والانتهاء. وأما بالنسبة لإيجاد مكان للبدء، فخذ في الاعتبار ما يعرفه الجمهور مسبقاً حول الموضوع الذي ستتحدث عنه، ومقدار اهتمامهم به. فإذا تبين لك أنهم يمتلكون من الاهتمام والمعرفة بهذا الموضوع أكثر مما لديك، أو استهللت الحديث باستخدام لغة اصطلاحية أو اختصاصية أكثر من اللازم، فستخسر انتباههم. يؤدي المتحدثون الممتعون عملاً رائعاً من خلال تقديم الموضوع بإيجاز، وشرح سبب اهتمامهم العميق بهذا الموضوع، وإقناع الحضور بضرورة إيلاء القدر ذاته من الاهتمام.
ومن أكبر المشكلات التي أراها في المسودات الأولية للعروض التقديمية، هي محاولة تغطية أكبر قدر من المعلومات. لن تستطيع تلخيص سيرة مهنية كاملة في خطاب واحد. وإن حاولت إقحام كل ما تعرفه في هذا الخطاب، فلن يتبقّ وقت كافٍ لتضمين التفاصيل الرئيسة، وسيصبح حديثك باهتاً ولغته نظرية. وقد يبدو منطقياً إن كان المستمعون على إلمام بالموضوع، ولكنهم سيعانون من غموضه إذا كانت الفكرة جديدة عليهم. وعليك باستخدام أمثلة محددة لإحياء أفكارك على أرض الواقع. لذا حدِّد نطاق حديثك بما يسهل شرحه، واحرص على إحيائه مستفيداً من الأمثلة والوقت المتاح. فأغلب الملاحظات الأولية التي نقدمها تهدف إلى تصحيح مسار ذلك الدافع في الانحراف إلى التوسع. وبدلاً من ذلك، تعمَّق في موضوعك، وقدِّم المزيد من التفاصيل. ولا تخبرنا عن مجال دراستك بالكامل، بل أخبِرنا عن مساهمتك الفريدة في ذلك المجال.
إن الخطاب الناجح حقاً معجزة صغيرة، حيث يرى المستمعون العالم بشكل مختلف بعد سماعه.
وبالطبع قد يكون الغوص في التفاصيل أو الإفراط في التفسير ضارّاً بالقدر ذاته، فربما يحيد الحديث عن مقصده. وهنا تختلف طريقة الإصلاح، فتذكّر أن الجمهور أذكياء، اترك لهم القليل لاكتشافه بأنفسهم، واستخلاص استنتاجاتهم الشخصية.
يشتمل عدد من أفضل الخطابات التي أُلقيت على بنية سردية تتبع أسلوب القصة الاستقصائية بكل حرية. حيث يبدأ المتحدث بعرض مشكلة ما، ليصف بعدها رحلة البحث عن الحل، إلى أن يصل إلى لحظة يعبر فيها الجمهور عن إعجابهم بقولهم "آه"، وتتحول وجهة نظرهم بطريقة معبرة.
يعزى السبب في حالات فشل الخطاب معظم الأحيان إلى عدم صياغته الصحيحة من المتحدث، أو إساءة تقدير مدى اهتمام الجمهور بالموضوع، أو الاستخفاف بسرد القصة. فالجزم والتسليم العشوائي دون الرجوع إلى طريقة للسرد دائماً ما يسبب النفور الشديد، حتى لو كان الموضوع شديد الأهمية. فلن تكتسب أي فائدة أو معرفة عند الاستماع إليه.
حضَرتُ مؤخراً مؤتمراً للطاقة ألقى فيه متحدثان خطابيهما على التوالي، وهما عمدة المدينة وحاكمة سابقة لإحدى الولايات. كان خطاب العمدة بجوهره يعتمد على قائمة من المشاريع الجذابة التي نفذتها المدينة. حيث ظهرت كأنه نوع من التباهي، كتقرير تقييم الأداء أو دعاية تهدف إلى إعادة الانتخاب. وسرعان ما أصبح خطابه مضجراً. أما في خطاب الحاكمة، فلم تسرد إنجازاتها، بل شاركتهم فكرة واحدة. بالطبع سردت القصص عن توليها ذلك المنصب، ولكن الجوهر تمحور حول الفكرة – وكانت القصص تأويلية أو توضيحية (ومضحكة أيضاً)، ما جعلها أكثر إثارة للاهتمام. وحيث كانت الفكرة الأساسية للعمدة تتمحور حول عظمته، كانت رسالة الحاكمة "إليكم فكرة مقبولة فيها النفع لنا جميعاً".
اقرأ أيضاً: 6 خطوات لإنجاز عرض تقديمي بثقة عالية
هناك قاعدة عامة، تقضي بأن الخطابات المتعلقة بالشركات والمنظمات لا تثير اهتمام الناس (إلا في حال كانوا أعضاء فيها). لكن الأفكار والقصص تبهرنا، أما المنظمات فتضجرنا – ومن الصعب أن نمتّ إليها بصلة. (فنرجو من رجال الأعمال بشكل خاص تسجيل هذه الملاحظة، لا تتفاخروا بشركتكم، بل أخبرونا بالمشكلة التي تحاولون حلها).
خطّط لطريقة الإلقاء
حال انتهائك من الصياغة، آن الأوان أن تركّز على طريقة الإلقاء. وهناك 3 طرق رئيسة في إلقاء الخطاب، فيمكنك قراءته مباشرة نقلاً عن النص أو عن جهاز عرض النصوص. كما يمكنك وضع مجموعة من المحاور الرئيسة التي تمهّد لما ستقوله في كل قسم بدلاً من كتابة كل ما تتحدث به كلمة بكلمة. أو يمكنك حفظ خطابك في ذاكرتك، ما يستلزم التمرين إلى الحد الذي تستوعب فيه داخلك كل كلمة ستقولها بشكل حرفي.
أما ما أنصح به: فهو ألا تقرأ الخطاب، ولا تستخدم جهاز عرض النصوص، فغالباً ما يوضع بعيداً، وسيعلم الناس بأنك تقرأ لهم. وحالما يشعرون بذلك، ستتغير طريقتهم في تلقي الخطاب، لتجد أن اتصالك الودي معهم بدأ يتبخر، ويعود كل شيء ليبدو أكثر رسمية. وبشكل عام، جميع أساليب القراءة محظورة أياً كانت أثناء مؤتمرات "تيد"، ولكننا قمنا باستثناء واحد منذ بضع سنوات لرجل أصر على استخدام جهاز العرض. فوضعنا شاشة في الجزء الخلفي من القاعة، على أمل ألا يلاحظها الجمهور. وقد تحدّث بشكل طبيعي في البداية، ولكن سرعان ما تجمّد في مكانه، وأصبح بإمكانك رؤية هذا الشعور البغيض يتسلل بين الجمهور ليقول الناس "أوه، لا، إنه يقرأ لنا!". كانت الكلمات رائعة، لكن الخطاب حصد تقييمات منخفضة.
حُفظ العديد من أفضل الخطابات وأشهرها في "تيد" بشكل حرفي. فإن كنت تمتلك خطاباً مهماً ولديك الوقت الكافي لحفظه في ذاكرتك، فهذه هي الطريقة الأفضل، ولكن لا تقلل من شأن الجهد المطلوب لتنفيذ ذلك. واحدة من أكثر المتحدثين البارزين لدينا تدعى جيل بولتي، وهي باحثة في علم الدماغ البشري كانت قد أصيبت بسكتة دماغية. حيث تحدثت عما تعلمته خلال فترة شفائها التي استغرقت 8 سنوات. وبعد صياغة قصتها والتدرب الفردي لساعات طويلة، عادت وتدربت أيضاً على خطابها عشرات المرات أمام جمهور للتأكد من إتقانها له.
بالتأكيد ليس كل عرض تقديمي يستحق ذلك النوع من استثمار الوقت فيه. ولكن إن قررت حفظ خطابك في ذاكرتك، نحيطك علماً بوجود تقوُّس في مخطط منحنى التعلم يمكن التنبؤ به. معظم الناس سيسيرون عبر ما أطلق عليه "وادي الإحراج"، هناك حيث لم يُحفَظ الخطاب بشكل جيد. فإن ألقى المتحدثون خطابهم من ذلك الوادي العالقين فيه، فسيشعر الجمهور بذلك. وستبدو كلماتهم مقروءة، أو سيمرون بلحظات مؤلمة يحدقون في الفراغ، أو يلقون بنظرهم إلى الأعلى بينما يكافحون لتذكر كلمات خطابهم. ومن ثَم هذا يخلق التباعد بين المتحدث والجمهور.
اقرأ أيضاً: كيف تبدو واثقاً بمظهرك وصوتك خلال العروض التقديمية؟
ولحسن الحظ، تجاوز هذه المعضلة أمر بسيط. فلا يتطلب سوى التدرب الكافي إلى أن تتدفق الكلمات بالتطبع الفطري. وبعد ذلك يمكنك التركيز على إلقاء الخطاب بمصداقية ناقلاً مغزاه. فلا تقلق – ستصل إلى هذه المرحلة.
أما إن لم يكن لديك الوقت لاستيعاب خطابك بشكل متعمق واجتياز ذلك الوادي المحرج، فلا تحاول. بل عليك بالاستعانة ببطاقات الملاحظات التي تكتب عليها المحاور الرئيسة. فطالما أنك تعرف ما تريد قوله عندما تقرأ كل واحدة منها، فستكون على ما يرام. وعليك هنا التركيز على تذكر كيفية الانتقال من محور إلى آخر.
كما أن عليك الانتباه إلى نبرة صوتك، فقد يرغب بعض المتحدثين بالظهور على أنهم أصحاب ثقة أو حكماء أو أقوياء أو شغوفون، ولكن من الأفضل عادةً التحدث بنبرة عامة. لا تفرض النبرة على نفسك، ولا تتصنّع التفاخر، فقط كن على طبيعتك.
فإذا اعتبرنا أن الخطاب يشبه الرحلة، فعليك بضمان عدم إزعاج رفقائك أثناء السفر. فترى بعض المتحدثين يبثون انطباعاً بحبهم الزائد لأنفسهم، ليبدو بأنهم متعالون ومغرورون، فيواجهون صداً من الجمهور. لا تسمح بحدوث شيء مثل هذا.
طوّر أسلوب حضورك على خشبة المسرح
بالنسبة لقليلي الخبرة من المتحدثين، قد يكون الأداء الجسدي على خشبة المسرح هو الجزء الأصعب في عملية العرض التقديمي، لكن الناس يميلون إلى المبالغة في تقدير أهميته. فإلقاء الكلمات ورواية القصة ونقل المغزى بشكل صحيح يعد مقياساً أكبر للنجاح أو الفشل من طريقة وقوفك أو ما إذا كان التوتر ظاهراً عليك أم لا. وعندما يتعلق الأمر بالحضور على خشبة المسرح، فبعض التدريب قادر على إنجاز قدر كبير في ذلك الأمر.
أما أكبر الأخطاء التي نراها في تدريبات الأداء الأولية أن الأشخاص يحركون أجسادهم أكثر من اللازم، فيتأرجحون من جانب إلى آخر، وينقلون وزنهم من ساق إلى أخرى. فهذه أفعال طبيعية عند التوتر، لكنها تشتت الانتباه وتلقي بهالة من الضعف على المتحدث. وإن درّبنا الشخص ببساطة على إبقاء جسده بلا حراك فسيحسّن ذلك من حضوره بشكل ملحوظ. وهناك بعض الأشخاص القادرين على التجول على خشبة المسرح أثناء عرضهم التقديمي، ولا بأس في ذلك إن كان يحدث بشكل عفوي. ولكن من الأفضل للغالبية العظمى وقوفهم دون التجول واعتمادهم على إيماءات اليد في إبراز كلماتهم.
ولعل أهم الأفعال الجسدية على خشبة المسرح هو التواصل البصري. ولذلك ابحث عن 5 أو 6 أشخاص في أماكن مختلفة من الجمهور يتمتعون بمظهر ودود، وانظر إليهم مباشرة أثناء خطابك. وتخيَّل أنهم أصدقاؤك الذين لم تقابلهم منذ عام، وأنك ستخبرهم بآخر تطورات عملك. فذلك التواصل البصري قوي بشكل لا يصدق، وسيكون مفعوله أكبر من أي شيء آخر في دعم أرضية خطابك. حتى وإن لم تجد الوقت للتحضير بالكامل واضطررت إلى القراءة، فإن رفع نظرك عن النص إلى أعين الأشخاص مباشرة سيحدث تأثيراً إيجابياً كبيراً.
اقرأ أيضاً: كيف تقدم عرضاً تقديمياً ممتازاً؟
ومن العقبات أيضاً بالنسبة إلى قليلي الخبرة من المتحدثين هو التوتر – سواء قبل خطابهم أو أثناء وجودهم على خشبة المسرح. وبالنسبة إلى هذه الحالة يختلف تعامل الأشخاص معها. فبعض المتحدثين يجلسون بين الجمهور إلى أن يحين وقت صعودهم، وقد يكون مفعول هذا الأسلوب جيداً جداً، ذلك أن إبقاء عقلك في حالة من الانشغال بالخطابات السابقة لخطابك من شأنه أن يصرف انتباهك ويحد من التوتر. وهناك إيمي كودي، الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال (Harvard Business School)، التي تدرس أثر وضعية الجسد في قدرة الشخص، تستخدم أحد أغرب أساليب التحضير التي رأيتها، ذلك أنها توصي بأن يقضي الأشخاص وقتاً بالمشي بخطوات واسعة قبل خطابهم، والوقوف باستقامة وتمديد أجسادهم، فيمكن لهذه الأوضاع أن تشعرك بمزيد من القوة. وهو بالضبط ما فعلته قبل صعودها على خشبة المسرح، حيث ألقت خطاباً مدهشاً. لكن أعتقد أن أبسط نصيحة في هذا الشأن هو التنفس بعمق قبل الصعود على المسرح، فهذا يفي بالغرض أيضاً.
بشكل عام، يقلق الناس أكثر من اللازم بشأن التوتر. ولكن توتر الأعصاب ليس بالكارثة. فالجمهور يتوقع منك أن تكون متوتراً. وهو رد فعل طبيعي للجسد من شأنه أن يحسن أداءك فعلياً، فهو يمدك بالطاقة اللازمة للأداء، ويحافظ على أعلى مستويات الانتباه في دماغك. ولذلك استمر بالتنفس، وستكون على ما يرام.
توتر الأعصاب ليس بالكارثة، فالجمهور يتوقع منك أن تكون متوتراً.
كما قد يخلق الاعتراف بهذا التوتر مزيداً من الترابط. فإظهار أنك عرضة للتأثر، سواء بتوترك أو نبرة صوتك، يعد إحدى أقوى الطرق في كسب قبول الجمهور، شريطة ألا يكون مبتذلاً. كانت سوزان كين – التي ألفت كتاباً حول الانطوائية وألقت خطاباً في مؤتمرنا لعام 2012 – تشعر برعب هائل من إلقاء خطابها. ويمكنك أن تشعر بهشاشتها على خشبة المسرح، وهذا ما خلق عند الجمهور دافعاً لدعمها – أراد الجميع معانقتها لاحقاً. ففي الحقيقة جعلت معرفتنا بأنها كانت تكافح للاستمرار على المسرح من الموقف لطيفاً، وأصبح خطابها الأشهر ذلك العام.
خطِّط لكيفية استخدام الوسائط المتعددة
مع وجود هذا الكم الكبير من التكنولوجيا، قد يبدو من الضروري استخدامها، أو على الأقل، استخدام شرائح العرض التقديمي. وفي يومنا، سمع معظم الناس النصيحة المتعلقة باستخدام برنامج "باور بوينت" (PowerPoint): حافِظ على استعماله بشكله البسيط، ولا تستخدم الشرائح كبديل للملاحظات (أو مثلاً، إدراج المحاور الرئيسة فيها، فمن الأفضل لتلك أن تبقى على بطاقات الملاحظات)، ولا تكرر لفظ الكلمات الموجودة على الشرائح. فالقراءة من الشرائح ليست نوعاً من مشكلة جهاز العرض فقط –"أوه، لا، إنها تقرأ لنا أيضاً!"، لأن المعلومات تثير الاهتمام لمرة واحدة فقط، وسيشعرهم سماع ورؤية الكلمات نفسها بالتكرار. قد تبدو هذه النصيحة عالمية الآن، لكن ادخل أي شركة وسترى مقدمي العروض ينتهكونها يومياً.
اقرأ أيضاً: متى تستعمل الرسوم البيانية في عرضك التقديمي؟
لكن العديد من أفضل المتحدثين في مؤتمرات "تيد" لا يستخدمون عرض الشرائح مطلقاً، وهناك العديد من الخطابات لا تتطلب استخدامها. فإن كان لديك صور فوتوغرافية أو رسوم توضيحية ستجعل موضوعك ينبض بالحياة، فلا تتردد في إظهارها. وإن لم تفعل ذلك، وقررت إلقاء خطابك دون الاستعانة بها، ففكِّر في إظهار عدد منها في بعض أجزاء العرض على الأقل. وإن اعتمدت استخدام أسلوب الشرائح، فالأمر يستحق استكشاف بدائل برنامج "باور بوينت". فمثلاً، استثمرت "تيد" في شركة تدعى "بريزي" (Prezi)، التي تتخصص في إنتاج برنامج للعرض التقديمي يتيح لنا استخدام تقنية عين الكاميرا في منظر ثنائي الأبعاد. وبدلاً من سلسلة الصورة المسطحة، تستطيع التنقل داخل الصورة الواحدة واستخدام آلية التقريب إن لزم الأمر. ومن شأن الاستخدام الصحيح لهذه التقنيات أن يدعم من مزايا خطابك المرئية ويحسّن مغزاه.
يتمتع الفنانون والمهندسون المعماريون والمصورون والمصممون بأفضل فرصة لاستخدام المرئيات. ويمكن للشرائح أن تكون مفيدة في صياغة وضبط وتيرة الخطاب ومساعدة المتحدثين في تجنب التخبط في استعمال اللغة الاصطلاحية أو استعمال المصطلحات الثقافية بشكل مفرط. (قد يصعب التكلم عن الفن – ومن الأفضل تجربته بصرياً). وقد رأيت عروضاً تقديمية رائعة، وضع فيها الفنان أو المصمم مؤقتاً آلياً للشرائح بحيث تتغير الصورة كل 15 ثانية. كما رأيت مقدمين يتحدثون برفقة مقطع فيديو، ويلقون الخطاب أثناء تشغليه. وهذا يساعد في الحفاظ على الحيوية. وقد استخدم المصمم الصناعي روس لوفغروف مثلاً هذه التقنية في "تيد" ليلقي خطاباً مرئياً على مستوى عالٍ، آخذاً الجمهور في رحلة إبداعية رائعة.
وهناك طرق أخرى قد تتخذها في الحسبان أنواع الخطابات الإبداعية كاعتماد الصمت في الخطاب، وترك العمل يتحدث عن نفسه. وقد استخدم النحات الحركي روبن مارغولين هذا المفهوم بمفعوله القوي. فالفكرة هنا ليست "أنا ألقي خطاباً"، بل بالتفكير "أريد أن أقدم لهذا الجمهور تجربة قوية تعبر عن عملي". وأسوأ ما قد يفعله الفنانون والمهندسون المعماريون هو التراجع إلى لغة فكرية مجردة.
وللفيديو استخدامات واضحة للعديد من المتحدثين. ففي مؤتمر لـ "تيد" للحديث عن ذكاء الغربان مثلاً، أظهر أحد العلماء مقطع فيديو لغراب يثني خطافاً لاصطياد قطعة طعام من أنبوب – أي عملياً يصنع أداة. وهذا ما وضّح وجهة نظره بأسلوب أفضل من أي شيء كان سيقوله.
يمكن للاستخدام الجيد لتقنية الفيديو أن يكون فاعلاً جداً، ولكن هناك أخطاء شائعة يتعيّن تجنبها. فيجب أن يكون مقطع الفيديو قصيراً – فإن كان أطول من 60 ثانية، فستخاطر بخسارة الجمهور. وكذلك لا تستخدم مقاطع الفيديو – خاصة تلك المتعلقة بالشركات – التي تبدو كترويج ذاتي أو ما يشبه الإعلانات التجارية، فالناس متكيفون على تجاهل هذا النوع. وأي فيديو مصحوب بموسيقى تصويرية قد يكون منفراً بشكل خطِر. أياً كان قرارك باستخدامه، لا تعرض مقطعاً لمقابلتك الشخصية، على قناة "سي إن إن" (CNN) مثلاً. فقد رأيت الكثير من المتحدثين يفعلون هذا، وكم كانت فكرة سيئة حقاً – فلا أحد يريد مرافقتك في رحلتك في حب الذات. يستمع الأعضاء من جمهورك إليك مباشرة، فلماذا سيرغبون في مشاهدتك تتحدث إلى الكاميرا على شاشة العرض؟
التجميع النهائي
نبدأ في مساعدة المتحدثين على إعداد خطاباتهم قبل 6 أشهر (أو أكثر) من الحدث، ليكون لديهم متسع من الوقت للتدريب. حيث نرغب في أن تكون الخطابات في صورتها النهائية قبل شهر على الأقل من موعد الحدث. وكلما تدربوا في الأسابيع الأخيرة، كان أداؤهم أفضل. والوضع المثالي، أن يتدربوا على الخطاب بأنفسهم وأمام جمهور مباشر.
أما الجزء الشائك في عملية التدريب على العرض التقديمي أمام الآخرين فهو شعور الجمهور بالالتزام بتقديم الملاحظات والنقد البنّاء. وغالباً ما تتنوع الملاحظات على اختلاف الأشخاص أو تتعارض بشكل مباشر. وهذا ما قد يسبب الحيرة أو حتى العجز، ولذلك من المهم أن تكون انتقائياً في عملية اختيار الأشخاص الذين سيكونون جمهوراً تجريبياً لك، كما ستطلب منهم أيضاً تقديم الملاحظات. وعموماً، كلما زادت خبرة الشخص كمقدم، كان النقد الذي يمكن أن يمنحك إياه أفضل.
تعلمتُ الكثير من هذه الدروس شخصياً في عام 2011. حيث نبهني زميلي برونو غيوساني الراعي لمؤتمرات "تيد" العالمية، إلى أنني على الرغم من عملي في "تيد" لـ 9 سنوات، وعملي بصفتي مشرفاً على المؤتمرات، وتقديمي للعديد من المتحدثين، فإنني لم ألقِ خطاباً في مؤتمر لـ "تيد" بنفسي. وهذا ما دفعه لدعوتي لإلقاء خطاب، وقبلت الدعوة.
شعرت بالضغط أكثر مما كنت أتوقع. وعلى الرغم من أنني كنت أقضي الوقت في مساعدة الآخرين في صياغة قصصهم، فقد كانت صياغة قصتي بطريقة جذابة أمراً صعباً. وقررت حفظ عرضي التقديمي الذي يدور حول تعزيز مقاطع الفيديو على الإنترنت للابتكار العالمي، وكان ذلك صعباً جداً على الرغم من تكريس الكثير من الوقت له، وأخذ النصائح الجيدة من زملائي، ولكنني وصلت حقاً إلى نقطة لم أتمكن من إتقان هذا العرض بالكامل، وبدأت في الشك بأنني لن أتقنه مطلقاً. واعتقدت حقاً بأنني سأفشل فشلاً ذريعاً. وبقيت على هذه الحال من التوتر إلى اللحظة التي صعدت فيها على خشبة المسرح. ولكن انتهى بي الأمر على ما يرام. لم يكن بالتأكيد واحداً من أعظم خطابات مؤتمرات "تيد"، ولكني تلقيت ردود أفعال إيجابية، بالإضافة إلى أنني نجوت من الضغط المرافق لهذه التجربة.
10 طرق لإفساد العرض التقديمي
بقدر صعوبة تقديم خطاب رائع، من السهل إفساده. وفيما يلي بعض الأخطاء الشائعة التي تنصح منصة "تيد" المتحدثين لديها بتجنبها.
1- قضاء وقت طويل جداً في شرح ما تتناوله في محادثتك.
2- التحدث ببطء وبشكل درامي. لماذا تتحدث إذا كان بإمكانك أن تخطب؟
3- الحرص بدهاء على أن تجعل الجميع يعلمون مدى أهميتك.
4- الإشارة إلى كتابك مراراً وتكراراً. والأسوأ من ذلك اقتباس أقوالك منه.
5- حشو شرائح عرضك التقديمي بالنقاط النصية واستخدام العديد من خطوط الكتابة.
6- استخدام الكثير من المصطلحات المتخصصة غير المفهومة لجعلك تبدو ذكياً.
7- التحدث بإسهاب عن تاريخ مؤسستك وإنجازاتها العظيمة.
8- عدم التدرب للتحقق من الوقت الذي سيستغرقه عرضك التقديمي.
9- أن تبدو وكأنك تقرأ خطابك من الذاكرة.
10- تجنب استخدام التواصل البصري مع أي شخص في الجمهور.
وتعلمت عن كثب في نهاية المطاف، ما كان يكتشفه المتحدثون طيلة 3 عقود: أن نجاح أو فشل العروض التقديمية يعتمد على جودة الفكرة والسرد وشغف المتحدث. ويتعلق الأمر بجوهر الموضوع، وليس بأسلوب المتحدث أو الوسائط المتعددة المبهرة. من السهل نسبياً "التدرب" على التخلص من المشكلات، ولكن من المستحيل "التدرب" على خلق قصة رئيسة – من الضروري أن يمتلك المقدم المواد والأدوات اللازمة. فإن كان لديك ما تتحدث عنه، فستتمكن من صياغة خطاب رائع. ولكن إن لم يكن الموضوع الرئيس موجوداً، فمن الأفضل عدم التحدث. أو ارفض الدعوة. وارجع إلى عملك وانتظر أن تحظى بفكرة ساحرة تستحق المشاركة.
وأهم ما يجب تذكره أنه ليس هناك من طريقة واحدة جيدة لإلقاء الخطاب. فالخطابات التي تظل عالقة في الأذهان هي تلك التي تقدم شيئاً جديداً، شيئاً لم يسبق أن رآه أحد من قبل. أما أسوأ الخطابات فهي التي تبدو نمطية أو شكلية. فلا تحاول بأي حال محاكاة كل جزء من نصيحة قدمتها هنا. خذ الجزء الأكبر منها بالطبع، ولكن عليك صياغة خطابك بأسلوبك الخاص. فأنت من يعلم كيفية كيفية إلقاء عرض تقديمي بشكل مؤثر، وما الذي سيميزك ويميز فكرتك. وابدأ بالاعتماد على نقاط قوتك، وألقِ خطاباً يكشف عن مصداقيتك حقاً.