ملخص: وجّه صندوق تحوط صغير انتقادات لاذعة إلى شركة "إكسون موبيل"، متهماً عملاق الطاقة بالتباطؤ في مواجهة التغير المناخي، ما أدى بدوره إلى تحقيقها عوائد مالية مخيبة للآمال. المدهش أن حملة الصندوق لقيت الدعم والمساندة من "نظام تقاعد معلمي ولاية كاليفورنيا" (CalSTRS) الذي يُعد أحد أكبر مالكي الأصول في العالم. ويريد الصندوق أن تجري "إكسون" 4 تغييرات: (1) تحديث مجلس الإدارة (2) فرض مزيد من الانضباط على مخصصات رأس المال على المدى البعيد (3) تنفيذ خطة استراتيجية لخلق قيمة مستدامة في عالم يحفل بالمتغيرات (4) إعادة تنظيم حوافز الإدارة. وإذا نجح صندوق التحوط في تمرير قائمة جديدة من أعضاء مجلس الإدارة، فسوف يشجع جيلاً جديداً من المستثمرين الناشطين الذين يمكنهم ممارسة الضغط على الشركات لتبني سياسات أكثر تقدمية بشأن أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة.
ثمة شيء مثير للاهتمام يحدث بين المساهمين في شركة "إكسون موبيل" التي تعد إحدى كبرى شركات الطاقة العالمية، ما قد يبشّر ببداية حقبة جديدة في مجال الاستثمار الناشط. فقد ظهر صندوق تحوط ناشط جديد يُعرف باسم "إنجين نمبر وان" (Engine No. 1) راح يمارس ضغوطه من أجل إجراء إصلاحات واسعة في شركة "إكسون"، وذلك من خلال حملته التي دشنها تحت عنوان "إعادة تنشيط إكسون". الغريب في أمر هذه الحملة أن صندوق "إنجين نمبر وان" صغير الحجم، فهو يمتلك حصة لا تتجاوز 40 مليون دولار فقط في شركة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. ومع ذلك، هناك مؤشرات قوية على أن الصندوق في وضع يسمح له بإعادة هيكلة "إكسون" وإصلاحها من أعلى هرم السلطة في الشركة.
ضغوط صندوق تحوط ناشط على إكسون موبيل
من المؤكد أن الوضع المالي لشركة "إكسون" يعطي الفرصة لنجاح حملة صندوق التحوط الناشط. فقد كانت القيمة السوقية لشركة "إكسون" تحوم حول 175 مليار دولار في ديسمبر/كانون الأول 2020 بانخفاض عن ذروتها البالغة 528 مليار دولار في 24 ديسمبر/كانون الأول 2007، وإن كانت قد عاودت الارتفاع من أدنى مستوى لها عند 139 مليار دولار في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2020. والأدهى من ذلك، أنه تم شطب اسم الشركة من مؤشر "داو جونز" الصناعي في أغسطس/آب 2020 بعد مُضي 92 عاماً على إدراجها فيه. وكان صندوق "إنجين نمبر وان" قد وجّه خطاباً مفتوحاً إلى مجلس إدارة شركة "إكسون" بتاريخ 7 ديسمبر/كانون الأول 2020 أشار فيه إلى أن عائدات الشركة على رأس المال المُستخدم في مشاريع التنقيب والإنتاج (التي تشير سجلات الشركة إلى أنها شكلت أكثر من 75% من إجمالي النفقات الرأسمالية) قد انخفضت من حوالي 35% في المتوسط خلال الفترة 2001-2010 إلى حوالي 6% خلال الفترة 2015-2019.
ويرجع التخبط في قرارات المخصصات الرأسمالية للشركة إلى إصرارها على اتباع استراتيجية ظلت تتنكر لظاهرة التغير المناخي طوال عقود من الزمان. وقد وثّقت منظمة "غرينبيس" (Greenpeace) أكثر من 50 عاماً من إنكار ظاهرة التغير المناخي وإجراءات شركة "إكسون" لإحباط جهود التعامل مع هذه الظاهرة، في حين أن الشركة ترد قائلة إنها "دعمت تطوير علم المناخ بالشراكة مع الحكومات والمؤسسات الأكاديمية لما يقرب من 40 عاماً".
ومن المؤكد أن هذا البحث لم يؤثر في استراتيجية الشركة. حيث تشير مؤسسة "كاربون تراكر" (Carbon Tracker) في تقريرها الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2020 من إعداد بول سبيدنغ بعنوان "كيف يسقط الكبار؟ كيف أدى السعي وراء النمو إلى تدمير القيمة في "إكسون موبيل"" إلى أن أحد الأسباب الرئيسية وراء تراجع الأداء بهذا الشكل هو مبالغة "إكسون" في الاستثمار في الأصول عالية التكلفة سعياً وراء النمو. وكان التضخم الناتج عن هذه المحاولات في قاعدة رأس المال وتكاليف التشغيل عاملاً رئيسياً وراء انهيار عائدها على رأس المال. وسارت عوائد مساهميها على النهج ذاته.
فما هي إذاً فُرَص صندوق "إنجين نمبر وان" للنجاح في حملته؟ نعتقد أن لديه فرصة جيدة لثلاثة أسباب. وقد سبق أن ناقشنا السبب الأول فعلياً، ألا وهو تراجع الأداء المالي للشركة باستمرار دون وجود ما يدعو إلى الاعتقاد بأنه سيتحسن في ظل قيادتها واستراتيجيتها الحالية. ومن المهم أن نلاحظ في هذا المقام أن حملة الصندوق لا تستند إلى نهج "إكسون موبيل" غير المسؤول في التعامل مع ظاهرة التغير المناخي، بل تقوم على العواقب المالية لهذا النهج. ويمكن لرسالة كهذه أن تلقى آذاناً مصغية لدى كل المساهمين بمختلف توجهاتهم.
توصيات إنجين نمبر وان
ويتمثل السبب الثاني في أن صندوق "إنجين نمبر وان" يقدم أربع توصيات معقولة ومنطقية: (1) تحديث مجلس الإدارة (2) فرض مزيد من الانضباط على مخصصات رأس المال على المدى البعيد (3) تنفيذ خطة استراتيجية لخلق قيمة مستدامة في عالم يحفل بالمتغيرات (4) إعادة تنظيم حوافز الإدارة. ويتفق سبيدنغ على الأرجح مع التوصيتين الثانية والثالثة، إذ يقول: "يمكن اتباع استراتيجية منخفضة التكلفة بالتوازي مع تحقيق الانضباط الرأسمالي في عصر التحولات الكبيرة في مجال الطاقة، وستكون هذه الاستراتيجية أكثر نفعاً للمساهمين من السعي وراء النمو". وأضاف في التقرير ذاته الصادر عن مؤسسة "كاربون تراكر" أن "مواءمة طموحات الشركة من حيث الحجم مع اشتراطات اتفاق "باريس للمناخ" ستكون خطوة في الاتجاه الصحيح". يجب بعد ذلك تغيير نظام تعويضات المسؤولين التنفيذيين من أجل توفير الحوافز المناسبة لاستراتيجية مختلفة وأفضل.
وبالنظر إلى سجلات الشركة، من الصعب أن يتم تنفيذ التوصيات الثلاث الأخيرة دون تنفيذ التوصية الأولى. ولتحقيق هذه الغاية، اقترح صندوق "إنجين نمبر وان" قائمة بديلة لأربعة أعضاء مجلس إدارة مستقلين: غريغوري غوف وكيسا هيتالا وألكسندر كارسنر وأندرس رونيفاد. شغل غوف منصب الرئيس التنفيذي لشركة "أنديفور" (Andeavor) التي تعتبر إحدى الشركات الرائدة في مجال النفط والتسويق، وتم ترشيحه عام 2018 للقب أحد "أفضل الرؤساء التنفيذيين أداءً في العالم" من قِبَل مجلة "هارفارد بزنس ريفيو". وعملت هيتالا نائبةً أولى لرئيس شركة "نيستي" (Neste) لشؤون المنتجات المتجددة، وهي شركة لتكرير النفط وتسويقه، وتم ترشيحها عام 2019 للقب "أحد أفضل 20 تحولاً تجارياً في العقد الماضي" من قِبَل شركة "إنوسايت" (Innosight). ويشغل كارسنر منصب كبير المحللين الاستراتيجيين في "إكس" (تُعرَف سابقاً باسم "جوجل إكس")، وهو باحث سابق في مجال الطاقة في كلية "الهندسة المدنية والبيئية" بجامعة "ستانفورد". أما رونيفاد، فكان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة "فيستا ويند سيستمز" (Vesta Wind Systems) المتخصصة في تصنيع توربينات الرياح وتركيبها وصيانتها، وقد تم ترشيحه للانضمام إلى قائمة "رجل الأعمال لهذا العام" في مجلة "فورتشن" عام 2016. وهكذا يجلب كل أعضاء مجلس الإدارة هؤلاء إلى مجلس إدارة شركة "إكسون" خبرة لا تُقدر بثمن في مجال الطاقة.
ويتطلب انتخاب هؤلاء المرشحين الأربعة وانضمامهم إلى مجلس الإدارة موافقة أغلبية الأسهم التي كان لها حق التصويت في الاجتماع السنوي للمساهمين في الشركة يوم 27 مايو/أيار 2020. وهو ما يقودنا إلى السبب الثالث الذي نعتقد أنه سيكون أحد أسباب نجاح هذه الحملة، ممثلاً في وجود فرصة جيدة أمام صندوق "إنجين نمبر وان" للحصول على الأصوات اللازمة. صحيح أن التصويت بالوكالة قد يقلب الموازين، لكن صناديق التحوط الناشطة قد أتقنت هذه المهارة على مدار سنوات عديدة من الممارسة، وهنا يأتي دور صندوق "إنجين نمبر وان". فلطالما دافع الصندوق عن قضية التغيير وعليه الآن جمع الأصوات اللازمة لإقراره.
وتزداد قوة هذه الحملة يوماً بعد يوم. وكانت أولى البشائر في 7 ديسمبر/كانون الأول 2020 حينما أعلن "نظام تقاعد معلمي ولاية كاليفورنيا"، ثاني أكبر صندوق للتقاعد في القطاع العام في الولايات المتحدة بأصول مدارة بقيمة 280 مليار دولار ويمتلك أسهماً في شركة "إكسون" بقيمة 300 مليون دولار، أنه سيدعم هذه القائمة البديلة. علاوة على ذلك، يمتلك أكبر 3 مساهمين في "إكسون" حوالي 18% من الأسهم (مجموعة "فانغارد" (Vanguard) بنسبة 7.75%، وشركة "ستيت ستريت غلوبال أدفايزرز" (State Street Global Advisors) بنسبة 5.17%، وشركة "بلاك روك" (BlackRock) بنسبة 4.99%). ويمتلك أكبر 10 مساهمين حوالي 25% من أسهم الشركة. كما تمتلك الشركة قاعدة كبيرة من المساهمين الأفراد الذين لا يحضرون عادة الاجتماعات السنوية بأعداد كبيرة. وهذا يعني أنه إذا استطاع صندوق "إنجين نمبر وان" حشد أصوات أكبر المساهمين، فستكون فرصته كبيرة في الفوز.
وقد سألنا عائشة مستغني، مديرة المحافظ الاستثمارية في وحدة استراتيجيات الاستثمار المستدام والإدارة الرشيدة في "نظام تقاعد معلمي ولاية كاليفورنيا"، عن سبب دعمهم لما قد يرى البعض أنه حملة خيالية. فكان ردها كالتالي: "نحن نعمل في نظام تقاعد معلمي ولاية كاليفورنيا على تطوير فكرة ’الإدارة الرشيدة للناشطين‘. تقوم هذه الفكرة على الجمع بين دورنا كمساهم بنّاء يُطلع مساهميه على نتائج التحليلات المالية المفصلة، إلى جانب الاستفادة من أدوات الناشطين المتاحة للتعامل مع الشركات التي تخذل مساهميها وغيرهم من أصحاب المصلحة. وتعتبر "إكسون موبيل" مثالنا الأبرز، ومن الصعب التفكير في مثال أفضل نظراً لسوء الأداء المالي للشركة وتعاملها لعقود من الزمان مع مساهميها بنوع من اللامبالاة".
بعبارة أخرى، يشكّل صندوق "إنجين نمبر وان" جزءاً مما قد يصبح تحولاً رئيسياً في أسواق الأسهم. فلطالما كان يُنظر إلى الصناديق الناشطة كشوكة في خاصرة الإدارة التي لا يهمها سوى تعظيم عوائد المساهمين قصيرة الأجل. غير أن بعض الصناديق تدرك الآن أن القضايا البيئية والاجتماعية تشكل قيوداً ثقيلة على الأداء المالي لاستثماراتها. وبالتالي، فإن الاعتبارات المالية البحتة بعيدة المدى تملي علينا التركيز أكثر على القضايا التي دأب المستثمرون الناشطون على تجنبها في السابق. وإذا نجحت حملة صندوق "إنجين نمبر وان" الصغير لـ "إعادة تنشيط إكسون"، فقد تكون تلك مقدمة للكثير من الحملات المماثلة بواسطة الصناديق الأخرى لصالح المساهمين والمجتمع معاً.